حوار.. حنان رحاب: غياب التواصل الحكومي يعمّق الاحتقان والتمكين للنساء معركة لم تحسم بعد

محمد فرنان

في هذا الحوار مع "تيلكيل عربي"، تشارك حنان رحاب، الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات والنائبة البرلمانية السابقة، رؤاها حول عدة قضايا محورية في السياسة والمجتمع المغربي، بما في ذلك تمكين النساء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن التحديات التي يواجهها المواطنون في ظل غلاء الأسعار والتضخم.

تتحدث رحاب بوضوح عن التحديات التي ما زالت تعترض الطريق نحو تمكين النساء في السياسة والمجتمع، رغم التقدم الكبير الذي أحرزته الحركة النسائية على مدى العقود الماضية، ورغم دور المؤسسة الملكية في دعم هذا التمكين، إلا أنها تؤكد على الحاجة الماسة للمزيد من العمل على كافة الأصعدة، بما في ذلك تعزيز المشاركة النسائية في الأحزاب السياسية، وتحقيق المساواة الفعلية في جميع المجالات.

وتعكس رحاب في حديثها عن الحكومة الحالية، خصوصا في ملف التضخم وارتفاع الأسعار، عدم الرضا عن بعض السياسات الحكومية، معتبرة أن هناك حاجة ماسة لإصلاحات حقيقية، كما تطرح تساؤلات حول ضعف التواصل الحكومي مع المواطنين وتضارب المصالح، وتؤكد أن المسؤولية تكمن في ضرورة تعزيز قنوات الحوار من أجل تخفيف حدة الاحتقان الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية.

بصفتك الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، يتردد في كلماتك مفهوم التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي للنساء، ماذا تقصدين به؟

التمكين للنساء ليس هبة، بل هو تتويج لنضالاتهن من جهة، وللتحولات الاجتماعية التي منحت المرأة أدوارا أكبر، من جهة أخرى، بدليل تزايد عدد الأسر التي تعيلها نساء بالكامل، أو التي تساهم النساء في إعالتها مناصفة، لا يمكن إنكار الدور الذي لعبته المؤسسة الملكية في توسيع دائرة المكتسبات لصالح حقوق النساء، بل لا نبالغ إذا قلنا إن المؤسسة الملكية أكثر تقدمية في هذا المجال من بعض الأحزاب السياسية والمجتمع.

هذا لا يعني أننا راضون عن الوضع الحالي، بل ما زلنا نعتبر أن التمكين الحقيقي للنساء لم نصل إليه بعد، وهذا أمر عاد بسبب عقود من الإقصاء ومن هيمنة البنيات الذكورية سواء داخل الدولة أو داخل المجتمع، ولكن أعتقد أننا نتدرج نحو الأفضل، فقط بالإمكان أن تكون الوتيرة أسرع، وهنا نعاتب النخب السياسية والنقابية والمدنية على تقاعسها في هذا الموضوع، بل أحيانا تبدو وكأنها تخشى مواجهة التيارات المحافظة.

في نظرك، ما الأولويات لتحقيق التمكين الفعلي للنساء؟

(كلشي) أولويات، في الثقافة الحقوقية نقول كونية وشمولية الحقوق، بمعنى أنه ليس هناك حق أولى من حق باستثناء طبعا الحق في الحياة، هناك تأخر تاريخي في إقرار حقوق النساء، ولذلك يجب أن يعمل كل من موقعه وتخصصه في الدفاع عن المساواة الشاملة والإنصاف.

كما تعميم تمدرس الفتيات ومحاربة الهدر المدرسي في صفوفهن أولوية، الصحة الإنجابية أولوية، ومحاربة العنف ضد النساء أولوية، والمناصفة أولوية، وقس على ذلك.

ألا ينبغي أن يبدأ تمكين المرأة من داخل الأحزاب نفسها؟ فهي ترفع شعارات الدفاع عن حقوق المرأة وتعزيز دورها، لكن الواقع يظهر غيابا واضحا لهذا التمكين داخل العديد منها، لماذا لا نشهد تمكينا حقيقيا للنساء في هياكل هذه الأحزاب؟

لا يجب أن نضع كل الأحزاب في كفة واحدة، إذ لا يمكن أن ننكر الدور الكبير الذي لعبته قوى اليسار في دعم المشاركة السياسية للنساء، وفي دعم الحركة النسائية التي ولدت من رحم أحزاب اليسار، وحتى أحزاب الحركة الوطنية قبل حصول المغرب على الاستقلال حاولت إدماج النساء في العمل السياسي، بدليل أن وثيقة المطالبة بالاستقلال وقعتها نساء كذلك.

ولكن، من جهة أخرى، لا يمكن إنكار أنه لولا نظام الكوطا/ التمييز الإيجابي كان عدد النساء في البرلمان والجماعات الترابية ربما سيكون أقل.

وعلى مستوى رئاسة الأحزاب والنقابات، أعتقد أنه يلزمنا مزيد من العمل للوصول إلى الحالة التي تناسب تمثيلية النساء، والواقع يثبت أن النساء عليهن بذل مجهود أكبر حتى يكون لهن حضور سواء داخل قيادات الأحزاب أو داخل المجالس التمثيلية.

تمثيلية النساء داخل الأحزاب والمؤسسات التمثيلية بالمغرب تبقى متقدمة مقارنة مع باقي الدول العربية، ولكن طموحنا أكبر، ولدينا إمكانيات لذلك.

كيف تقيمين الوضع السياسي الحالي في المغرب؟

بالنسبة إلي فتقييم الوضع ينبني على المعيار الذي سننطلق منه، إذا كنا سننطلق من المقارنة مع الوضع الإقليمي، فأعتقد أن الوضع السياسي في المغرب متقدم، بدليل عدم وجود أزمات سياسية، وانتظام في عقد الانتخابات بشكل دوري وعادي، وآخر انتخابات تزامن موعدها مع جائحة كورونا، ومع ذلك لم يتم تأجيل الانتخابات، والحدود والصلاحيات واضحة بين المؤسسة الملكية والحكومة، والدستور كذلك واضح وقد تم إقراره عبر التصويت الشعبي، إذن، لا يمكن إلا أن نكون مرتاحين لهذا الاستقرار السياسي.

ولكن إذا كنت تطلب تقييما من حيث طموحنا، فيمكن أن أقول لك إن هناك تراجعا في النقاش العمومي حتى داخل البرلمان، وهناك عزوف عن السياسة داخل المجتمع، وهناك تأخر في ورشي تشبيب القيادات الحزبية وتأنيثها كذلك، وهناك نوع من الانتظارية عند الأحزاب بما في ذلك أحزاب الأغلبية، ولكن لا يجب أن ننسى أن هذه أزمة تعيشها الكثير من الديمقراطيات في العالم بما في ذلك الديمقراطيات العريقة.

لأكون أكثر دقة في سؤالي، ما تقييمك لأداء الحكومة الحالية بقيادة رجل الأعمال عزيز أخنوش؟

أعتقد أن تقييمي لن يختلف عن تقييم الأغلبية من المواطنين، فهناك إخفاق في ترجمة الوعود التي تم تقديمها في خطاب التنصيب أمام البرلمان، فهناك عجز عن مواجهة التضخم بدليل استمرار ارتفاع الأسعار وموجة الغلاء وتراجع قدرة الأسر على الادخار.

وهناك بطء في إخراج القوانين التنظيمية، وها هي العهدة الحكومية قد اقتربت نهايتها وما زال القانون المنظم للإضراب وقانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي لم تتم المصادقة عليهما لحد الساعة.

كما هناك فشلا في التواصل مع المواطنين ومع الإعلام، وصل حد أن أغلب الصحافيين لم يعودوا يحضرون لندوات الناطق الرسمي باسم الحكومة، حتى اضطرت وكالة المغرب العربي للأنباء لحذف صورة آخر ندوة له بعد نهاية المجلس الحكومي حيث كانت الكراسي في القاعة فارغة.

علاقة بإشارتك لمسألة التواصل، ألا تعتقدين أن التواصل مع المواطنين يجب أن يتم في لحظة الأزمة وليس ضمن حملة انتخابية مبكرة؟

رغم أنني أنتمي لحزب في المعارضة، إلا أنني أؤمن بدور الأخلاق في السياسة، ولذلك سأكون موضوعية، أعتقد أنه مع اقتراب نهاية الولاية الحكومية سيكون من المفيد أن يقوم الوزراء بالتواصل مع المواطنين للحديث عما أنجزوه، وهذا جزء من الرقابة الشعبية.

ما يمكن رفضه هو أن تكون هذه اللقاءات التواصلية فقط في المدن التي ينوي الوزراء الترشح فيها، لأنه لا يمكنني أن أنتقد غياب التواصل عند الحكومة، ثم أتهم الوزراء بعدها بالقيام بحملات انتخابية سابقة لأوانها، وعلى العموم فمع اقتراب نهاية الولاية الحكومية تبدأ التسخينات الانتخابية، وهذا أمر عاد.

الأساس ألا تكون هذه التسخينات ممولة من المال العام، أو يتم استعمال اللوجستيك المخصص للعمل الحكومي، وألا يتم الخلط بين التواصل مع المواطنين في قضايا القطاع الذي يشرف عليه الوزير، وبين التواصل في قضايا عامة مما يدخل في العمل الحزبي.

فقط يجب أن يكون الوضوح، التصرف كوزير في الشأن العام، ووضع القبعة الحزبية في العمل الحزبي، وعموما فقلة قليلة من الوزراء الحاليين من يمكنهم القيام بحملات انتخابية لأن أغلبهم تكنوقراط.

في ظل الجدل الذي أثير مؤخرا حول قضية تضارب المصالح لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، ما تأثير ذلك على ثقة المواطنين في الأداء الحكومي؟

في هذا الأمر نجد جانبين، الجانب الأخلاقي، وهنا يجب على رئيس الحكومة، وأتحدث بشكل عام وليس عن أخنوش فقط، وليس رئيس الحكومة، بل أي مسؤول أن يبتعد عن الشبهات ولو لم يكن هناك أي خرق للقانون، ثم هناك الجانب القانوني، وهنا توجد قوانين توضح الحالات التي يكون فيها تضارب للمصالح، هل خرقها رئيس الحكومة؟ بصدق لا أتوفر على ما يثبت ذلك.

وعلى العموم هناك المجلس الأعلى للحسابات، وهو هيئة رقابية، وله صلاحية الإحالة على النيابة العامة المختصة في جرائم الأموال، وهناك مجلس المنافسة الذي سبق له أن أوقع غرامات على شركة رئيس الحكومة، ولكن ليس بسبب تضارب المصالح، بل بسبب خرق قانون المنافسة حين تم الاتفاق على أسعار الكازوال بين الشركات العاملة في هذا القطاع.

‎ما أعيبه على رئيس الحكومة هو أنه حين تم سؤاله في البرلمان عن شبهات استغلاله لمنصب رئاسة الحكومة في فوز إحدى شركاته بصفقة لتحلية مياه البحر، تحدث بصفته صاحب الشركة وليس بصفته رئيسا للحكومة، وتلك كانت سقطة في رأيي.

الانتقادات الموجهة لتعامل الحكومة لا تقتصر على الشارع العام فحسب، بل حتى داخل المؤسسة التشريعية، حيث عبر برلمانيون، بمن فيهم نواب من حزبك، عن استيائهم مما وصفوه بـ"الاحتقار" و"سيطرة" الحكومة على البرلمان، مما يعكس أزمة في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ما تفسيرك لهذا الهروب من المساءلة البرلمانية؟

من الطبيعي أن أي حكومة تخفق في تنزيل برنامجها، تلجأ إلى  التهرب من التواصل مع المواطنين، ومن المساءلة أمام البرلمان، وتتهرب حتى من التجاوب مع الإعلام، قليلون هم الوزراء في هذه الحكومة الذين يستجيبون للحوارات مع الإعلام.

لكن في البرلمان، المشكل كذلك في البرلمانيين المحسوبين على الأغلبية الحكومية، وهي أغلبية عددية غير مسبوقة في تاريخ البرلمان المغربي، لم يسبق أن كان لحكومة هذا العدد من البرلمانيين الذين ترشحوا باسم الأحزاب التي تشكل الحكومة الحالية.

قلت إن المشكل فيهم، لأنهم يضعفون الدور الرقابي للبرلمان، ولم يعوا أنهم يمثلون المواطنات والمواطنين الذين انتخبوهم، ولا يمثلون الحكومة، وللأسف فقد حولوا حتى الجلسات العامة إلى محطة للثناء على الحكومة والدفاع عنها، والوقوف في وجه المعارضة، حتى في المواضيع العادية، وأحيانا يصل الأمر إلى أن وزيرا يقر بوجاهة ملاحظات المعارضة في حين البرلماني المحسوب على حزبه يدافع بمنطق: ولو طارت معزة.

إلى أي مدى أسهم غياب التواصل الحكومي في تأجيج الاحتقان الشعبي؟ وهل تعتقدين أن تعزيز قنوات الحوار يمكن أن يخفف من حدة التوتر بين الحكومة والمواطنين؟

ليست المعارضة وحدها من تقول بضعف التواصل الحكومي، حتى وزير من الحكومة انتقد هذا الأمر، منهم عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، في خرجة إعلامية مع ميد راديو، وكذلك الصحافة، الصحافيون اليوم يقولون إنهم يجدون صعوبة في التواصل مع الوزراء، وإن ندوات الناطق الرسمي باسم الحكومة لا تنفع في شيء، إذ يرفض الإجابة عن أغلب الأسئلة، والبقية يعطي فيها كلاما عاما لا يسمن ولا يغني من جوع.

مثلا، في آخر السنة التي مرت، تم نشر بلاغ لوزارة المالية بشأن التسوية الضريبية، وهذا أحدث اضطرابا وسط الرأي العام، الذي لم يفهم من المعني بهذه التسوية، ولم يخرج أحد ليشرح للناس المقصود، وكذلك في مدونة الأسرة، اليوم الكثير من الإشاعات تروج، والحكومة التي كلفها الملك بصياغة مشروع التعديلات المرتقبة صامتة ولا تنفي هذه الإشاعات التي تخلق فتنة في المجتمع.

أعتقد أن غياب التواصل يمكن أن يساهم في حدوث احتقان، ولكن الاحتقان سيكون مرتبطا بسياسات هذه الحكومة التي عجزت عن مقاومة الاحتكار، وعجزت عن خلق مناصب شغل، وعجزت عن التدخل لخفض الأسعار، لأنه لا يمكن أن نخفي أن هناك أزمة اجتماعية مرتبطة بتراجع دخل الأسر.

كيف يمكن للبرلمانيين من خلفية إعلامية بناء جسور بين الحكومة والمواطنين لرفع بعض الاحتقانات مثل قضية الأساتذة المتعاقدين؟

أولا، أنا لم أعد برلمانية، ولكن بالفعل البرلماني يمكن أن يلعب أدوارا لصالح السلم الاجتماعي، وهذا لا يرتبط بالضرورة بوجود خلفية إعلامية، بقدر ما يرتبط بالقدرة على التواصل، والقرب من المواطنين، والعمل معهم بصدق، والتوفر على وعي سياسي، وقد قمت بذلك في ملف الأساتذة المتعاقدين، واليوم كذلك برلمانيون من المعارضة، وللموضوعية حتى من الأغلبية، استقبلوا وحاوروا طلبة الطب، وقاموا بوساطات، وكان وزير التعليم العالي السابق هو العائق بتعنته، وحين تغير تم حل المشكل بهدوء.