رئيس "ترانسبارنسي": 300 عائلة تحتكر خيرات البلاد وبقية المغاربة يبحثون عن قوتهم اليومي

المصطفى أزوكاح

لا يختزل النموذج التنموي في بعده الاقتصادي، بل يجب أخذ  جوانب أخرى، خاصة تلك المتصلة بسيادة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة، ذلك ما يؤكده أحمد البرنوصي، الكاتب العام للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، فرع "ترانسبارنسي" الدولية في هذا الحوار، حيث يعتبر أن الرشوة متفشية وتكبد المغرب خسائر كبيرة، ما يستدعي وضع حد للممارسات التي يرسخها المرتشون والمفسدون.

هل تنشغلون في جمعية محاربة الرشوة  بالنقاش حول النموذج التنموي الجديد، الذي ينتظر أن تشكل لجنة خاصة من أجل بلورته، بعد ملاحظة تأجيج النموذج الحالي للفوارق الاجتماعية؟

التنمية الاقتصادية والاجتماعية تشغل "تراسبارنسي المغرب". والنموذج التنموي الجديد، الذي يجري الحديث عنه اليوم، يوجد في صلب اهتماماتنا. نحن نهيىء لنقاش وطني حول هذا الموضوع. وعندما سنكون مستعدين لتنظيم تلك الندوة، في نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل، سندعو لها الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والحقوقيين للتعبير عن تصورنا وتقاسم وجهات النظر معهم.

ما الذي ستركزون عليه خلال الندوة التي تعتزمون تنظيمها؟

نحن نعتبر أن التشخيص الذي يتناول جوانب الضعف في النموذج التنموي الحالي استنفذ. فقد قامت به الهيئات السياسية والهيئات الاقتصادية والحكومة والنقابات والمجتمع المدني، حيث أنجزت التقييم الخاص به، وتعرف مكامن فشله، وهو ما تقر به السلطات الرسمية. وما يهمنا اليوم هو التدابير المفترض اتخاذها من أجل معالجة النظام الحالي.

أنتم جمعية تتصدى لمحاربة الرشوة منذ سنوات، ربما لمتسائل أن يتساءل حول علاقة رسالتكم بموضوع النموذج التنموي؟

نحن نعتقد أن النموذج التنموي له ارتباط وطيد بالرشوة، لو لم تكن الرشوة مستشرية لكان النموذج الحالي قد وجد، بشكل تلقائي، حلولا للمشاكل المطروحة، سواء تلك المتصلة بالنمو أو الفوارق الاجتماعية. ما ينقصنا في المغرب هو ربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث أن العديد من المسؤولين السياسيين أو الإداريين أو المنتخبين لا يحاسبون عما قد يقترفونه من أفعال تستدعي ذلك، علما أن الرشوة تضيّع على المغرب 50 مليار درهم سنويا. هذا ما يدفع إلى التركيز على وضع حد لنشاط المفسدين والمرتشين.

لو لم تكن الرشوة مستشرية لكان النموذج الحالي قد وجد، بشكل تلقائي، حلولا للمشاكل المطروحة

لكن الحكومة وضعت الاستراتيجية الوطنية التي تسترشد بها في محاربة الفساد. ألا تكفي كي تساهم في تصحيح ما قد تؤاخذونه على النموذج التنموي من اختلالات؟

الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة التي تعود للخامس عشر من دجنبر  من عام 2015، التي وضعتها الحكومة السابقة، لم تطبق، إنها حبيسة الرفوف. ونحن ننادي، منذ ثلاثة أعوام، بتنفيذ هذه الخطة، إلا أنه، مع الأسف، نلاحظ غياب الأدوات والآليات لتنفيذها. وقد كان لنا لقاء مع رئيس الحكومة، في يوليوز الماضي، حيث عبرنا له عن وجهة نظرنا تلك.

كيف تقاربون النموذج التنموي في علاقته بالرشوة؟

إذا كنا نتحدث عن النموذج التنموي فهو أكبر من الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة. فالرشوة تنخر النسق السياسي، والمغرب مصنف ضمن الأنظمة الهجينة على هذا المستوى. وعلى المستوى الاقتصادي، نعرف في المغرب، الاحتكار واقتصاد الريع وتضارب المصالح.. فهناك العديد من القطاعات محتكرة من قبل أشخاص أوهيئات، وهناك العديد من المسؤولين السياسيين، يعدون برنامجا تنمويا يوجه لمصلحة خاصة. زد على ذلك سيادة نوع من عدم المساواة بين المواطنين. فهناك مواطنون يكدون، بينما آخرون يحصلون على تراخيص في المقالع أو الصيد في أعالي البحار أوينالون أراض بأثمنة بخسة، وبهذه الطريقة لا يمكن أن نخلق التنمية ونحد من الفوارق الاجتماعية، خاصة أن هناك 200 أو 300 عائلة تحتكر الموارد الاقتصادية للبلد، والأغلبية الساحقة تبحث عن قوتها اليومي. هذا هو النموذج الذي يفترض تفاديه في المغرب عبر تثبت سيادة القانون وترسيخ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

الرشوة تنخر النسق السياسي، والمغرب مصنف ضمن الأنظمة الهجينة على هذا المستوى

هل يجب اختزال النموذج التنموي في الشق الاقتصادي فقط؟

عندما ننظر إلى التنمية، لا يمكن اختزالها في الجانب الاقتصادي فقط، فهناك هذا البعد، وهناك الأبعاد البشرية والثقافية والسياسية. فالنظام الاقتصادي، ركيزة أساسية، لكنه ليس كل النظام التنموي. نحن نلاحظ أن الجانب السياسي يوجه الجانب الاقتصادي، وكذلك الأمر بالنسبة للجانب الثقافي، الذي يوجه البعدين السياسي والاقتصادي. نحن عندما نتعاطي مع النموذج التنموي نقاربه من جميع الجوانب.

هل يمكن انتظار سنوات أو "فترة سماح" من أجل تكريس ربط المسؤولية بالمحاسبة قيما وممارسة، على اعتبار أن ترسيخ وتملك النموذج التنموي من قبل الفاعلين سيستغرق سنوات ؟

مسألة المحاسبة وتطبيق القانون ينص عليهما الدستور، وهي مبادىء قانونية عامة لا يمكن أن ننتظر سنة و سنتين من أجل تطبيقها. إنها تتعلق بالتدبير اليومي. وربط المسؤولية بالمحاسبة يجب أن يسري على جميع مستويات المسؤوليات بالمغرب. لا يمكن أن ننتظر سنوات أخرى من أجل تطبيق مبادىء التدبير والحكامة الجيدة.

ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب أن يسري على جميع مستويات المسؤوليات بالمغرب

ألا يمكن أن يكون هناك رأي يذهب إلى أن بلدانا تمكنت من أن تنبثق وتحقق معدلات نمو عالية دون أن تعرف سيادة مبادىء القانون وحتى ربط المسؤولية بالمحاسبة في تدبير الشأن العام؟

يظهر لي أنه في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، يصعب تقبل هذا التوجه، حيث لا يمكن القبول بأنظمة استبدادية تقود التنمية. هناك الصين وروسيا ودول الخليج، ليست ديمقراطية، المواطن فيها لاعتبار له، لكنها تحقق مستويات دخل فردي جد مرتفع، حيث يعتبر في دول الخليج من بين الأعلى في العالم، غير أنها دول لا تميز بين الميزانية العمومية وميزانية الأمراء فيها. نحن، إذا كنا نريد سيادة دولة القانون واحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لا يمكن أن نستلهم مثل تلك النماذج، لأن ذلك سيؤبد الفوارق، خاصة فيما يتصل بالخدمات العمومية من صحة وتعليم.

كيف يمكن للهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة أن تساهم في ترسيخ قيم ربط المسؤولية بالمحاسبة، علما أن تعديل قانونها من أجل إعطائها صلاحيات واسعة لم ينجز بعد؟

الهيئة الحالية للنزاهة ومحاربة الرشوة يؤطرها قانون هزيل حاليا. حيث لا يعطيها اختصاصات تمكنها من ممارسة مهامها كاملة في التصدي للرشوة والفساد. وإذا ما توفرت على قانون، يتيح لها البحث والتقصي، وإذا ما أعطيت لها صلاحية إحالة الملفات التي تتوفر بشأنها على قرائن لدى المحاكم، سيكون هناك نوع من الردع للمرتشين، غير أن عملها ليس كافيا، فهي تعمل في إطار منظومة اقتصادية واجتماعية وثقافية، وبالتالي، فهي هيئة ضمن هيئات للحكامة الجيدة، وعندما نعود لدستور 2011، نجد أنه يتحدث عن عدد من هيئات الحكامة، مثل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ومجلس المنافسة والمجلس الأعلى للحسابات... هذه كلها آليات للبحث والرقابة والحكامة الجيدة، لكنها لا تتوفر على الإمكانيات البشرية والقانونية لممارسة مهامها.