استقال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وترك الحكم قبل أن يدشن مسجد الجزائر "أكبر مسجد في إفريقيا"، والذي أراد أن يجعل منه إنجازه الكبير يخلد ذكرى حكمه للجزائر، لكنه في نظر مواطنيه رمز لتبديد المال العام.
"تبذير كبير"
من نافذة سيارته، ينظر عبد القادر إلى المبنى الضخم المثير للإعجاب الذي يمكن رؤيته من الطريق السريع المزدحم بالسيارات. ويقول "صحيح أنه جميل، لكن بالنسبة لي لا يعني هذا المسجد شيئا، إنه مجرد كومة من الحجارة".
ويطل جامع الجزائر على خليج العاصمة المتوسطية، بلون حجارته البيضاء، وتبلغ مساحته 20 هكتارا بينما ترتفع مئذنته 265 مترا وهي بذلك الأعلى في العالم.
وفي العاصمة الجزائرية، يشاهد "المعلم" من محيط عشرات الكيلومترات، لكن المدافعين عنه ليسوا كثرا.
ويعتبر أغلبهم أن بوتفليقة أصيب بـ"جنون العظمة" وأن هذا المسجد مثال على "تبذير كبير" للمال العام. وتم تجاوز كلفته المرتفعة أصلا -1,2 مليار دولار- بسبب تأخر الأشغال التي انطلقت سنة 2012 من طرف شركة صينية والتي مازالت تعمل إلى اليوم.
وقالت زهور (68 عاما) في غضب "هناك مسجد في كل 500 متر في هذا البلد، لم نكن بحاجة لهذا!".
وفي الجزائر أكثر من 20 ألف مسجد، بحسب وزارة الشؤون الدينية.
المستشفيات أولى
خلف المبنى الرائع وعلى بعد 100 متر يوجد مسجد حي صغير. وفي الرصيف جلس أحد سكان الحي في السبعين من العمر، وقال إنه تابع بناء القبة المثيرة للإعجاب من نافذته يوما بعد يوم. وحوله عمارات طويلة يرى على شرفاتها الغسيل يجف وواجهاتها مزدحمة بالهوائيات لالتقاط القنوات الفضائية.
وقال بلغة الشيخ الحكيم "صحيح إنه تحفة ولكن... المستشفيات، هذا ما نحتاج إليه".
وتعد الجزائر أكبر بلد إفريقي لجهة المساحة وجزء كبير منه يقع في الصحراء ويعد 42 مليون نسمة. وبحسب منظمة الصحة العالمية فإنه يوجد 40 سرير لكل ألف ساكن، وهو وضع أحسن من الجارة المغرب لكن أقل من تونس.
وأكثر من ذلك فإنه في 2015 أشارت الوكالة الوطنية لتسيير المستشفيات الصحية إلى أن المستشفيات الجامعية تعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي "وفاق عمر أغلبها القرن".
كما أن نقابات الصحة تندد بشكل متكرر بقلة المعدات في المستشفيات الحكومية ونقص عدد الموظفين.
وقالت إيمان وهي طبيبة تبلغ من العمر 26 عاما "ليس لدي أي شيء ضد هذا المسجد، لكن هذه المليارات كان يمكن استخدامها لتحسين منظومة الصحة التي تحتاج إليها حقا".
"أكبر مستشفى في الجزائر"
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، تم إطلاق عرائض لتحويل مسجد الجزائر إلى "أكبر مستشفى في الجزائر". وانتشرت عبر الانترنت رسومات وصور مركبة تجسد ذلك.
وذكرت فريدة (60 عاما) وهي خبيرة آثار "نحن مسلمون في الجزائر بعمق ولا ننسى ذلك"، مضيفة "لكن كل هذا المال كان من الممكن أيضا أن يصرف في القصبة (المدينة القديمة) في الجزائر، وهي من تراثنا الذي تركناه يتحول إلى أطلال".
وستتسع قاعة صلاة "مسجد الجزائر" ثالث أكبر مسجد في العالم، بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، لأكثر من 120 ألف مصل كما يضم أيضا دارا للقرآن (مدرسة عليا) ومركزا ثقافيا إسلاميا ومكتبة وقاعة محاضرات ومتحفا للفن والتاريخ الإسلامي ومركزا للأبحاث حول تاريخ الجزائر.
وبحسب مراد (47 عاما) فإن "بوتفليقة، أراد مسجده ليترك بصمته، هذا كل ما في الأمر" حتى أن السكان المجاورين أصبحوا يدعونه "مسجد بوتفليقة".
وذهبت فلة أبعد من ذلك واعتبرت أن "هذا المسجد يظهر فقط أنهم كلهم لصوص" كما قالت هذه الناشطة في الحركة الاحتجاجية.
"عقدة المغرب"
واعتبرت، كما عديد الملاحظين، إن عبد العزيز بوتفليقة "أراد منافسة" الحسن الثاني ومسجده الكبير في الدار البيضاء المطل على البحر، الذي كان يعد أكبر مسجد في إفريقيا قبل بناء مسجد الجزائر قبالة البحر أيضا.
في تونس، بنى مستبد آخر أسقطه شعبه هو زين العابدين بن علي، مسجد ا فخما على مرتفعات قرطاج، أطلق عليه اسم "مسجد العابدين" قبل أن يتحول بعد الإطاحة به في 2011 إلى "مسجد أنس بن مالك".
و"أسوأ ما في الأمر هو أنه لا يمكنك حتى الدخول إليه!" كما أشار مراد وهو يقف أمام "مسجد بوتفليقة"، فلا يزال الوصول إلى المسجد المحروس من قبل رجال الشرطة ممنوعا. ومن الخارج لا يرى سوى تحرك العمال الصينيين والأفارقة.
وعلى بعد بضعة شوارع، قالت راضية البالغة من العمر 42 عاما وهي تنظف أرضية متجرها لبيع الملابس، "لقد شيد بوتفليقة هذا المسجد الكبير من أجله والآن لن يتمكن حتى من الصلاة فيه".