زواج القاصرات.. الاستثناء يتحول إلى قاعدة

الشرقي الحرش

كشفت الأرقام التي أعلن عنها وزير العدل  محمد بن عبد القادر، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب الإثنين الماضي بشأن زواج القاصرات عن فشل المقاربات المعتمدة في التصدي للظاهرة. الأرقام المرتفعة بشأن زواج القاصرات دفعت وزير العدل إلى التصريح بكون الاستثناء الذي سمحت به مدونة الأسرة لم يعد استثناء.

بحسب وزير العدل، بلغ عدد طلبات الزواج التي تهم القاصرين 32 ألف طلب برسم سنة 2019، قبل منها ما نسبته 81 في المائة. تمثل منها نسبة طلبات الإناث 99,46 في المائة.

 وبحسب الأرقام المعلنة، فإن زواج القاصرات تضاعف خلال الثماني سنوات التي تلت دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، حيث انتقل من 18 ألف زواج سنة 2004 إلى 39 ألف زواج خلال سنة 2011، قبل أن يستقر سنة 2017 في 32 ألف زواج.

 وإذا كانت سنة 2018 قد سجلت انخفاضا في زواج القاصرين الذي انتقل من 32 ألفا إلى26 فإن هذا الانخفاض يعزى إلى انخفاض عدد الطلبات التي انتقلت من 39 ألفا سنة 2017 إلى 32 ألفا، أما نسبة قبول الطلبات فقد سجلت انخفاضا طفيفا جدا؛ اذ انتقلت من 82 في المائة إلى 81 في المائة.

 من جهة أخرى، تكشف أرقام وزارة العدل أن عدد الطلبات المقدمة من طرف القاطنين في البوادي بلغت 21 ألفا و540، قبلت منها 17817 طلبا، مقابل 10564 قدمت من طرف القاطنين في المدينة، قبل منها 8324  طلبا.

 كما تكشف الأرقام عن دور العامل الاجتماعي والاقتصادي في استمرار ظاهرة زواج القاصرات؛ إذ أن 98 في المائة من اللواتي قدمن طلب الحصول على الإذن بالزواج بدون مهنة.

أرقام "لا تعكس" الواقع

إذا كانت الأرقام التي أعلنها وزير العدل تنم عن فشل في محاصرة الظاهرة، فإن بعض الحقوقيين يرون أنها لا تعكس الحقائق الموجودة على الأرض بسبب انتشار "زواج الفاتحة"، في عدد من مناطق المغرب، حيث يتم الزواج دون اللجوء إلى طلب الإذن من محاكم الأسرة.

في هذا الصدد، تعتبر نبيلة جلال، محامية وعضو المكتب التنفيذي لفدرالية حقوق النساء، في اتصال مع "تيلكيل عربي"، أن الأرقام التي تعلنها وزارة العدل لا تعكس الحقيقة؛ إذ أن زواج القاصرات منتشر في عدد من المناطق بدون عقد، مشيرة إلى أن هناك بنات يتم تزويجهن في عمر 12 سنة.

وترى نبيلة جلال أن مصادقة المغرب على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق النساء وحقوق الأطفال تلزمه بالعمل على الحد من ظاهرة تزويج القاصرات، وسن سياسات عمومية تمكن الفتيات من متابعة دراستهن بدل إجبارهن على الزواج.

وتربط جلال بين اتساع رقعة زواج القاصرات وانتشار مفاهيم خاطئة في بعض المناطق المغربية، التي ترى في الزواج "خلاصا" للأسرة من عبء مصاريف الفتيات، كما أن الإجراءات التي تضمنتها مدونة الأسرة لحماية القاصرات لا يتم التقيد بها، من قبيل عرضهن على خبرة طبية واجتماعية، مما يؤدي إلى استمرار الظاهرة بشكل مقلق.

وتخلص المتحدثة إلى أن الحكومة المغربية مطالبة بمنع الزواج قبل بلوغ سن 18 سنة، مع ضرورة توفير التعليم والشغل للفتيات، تجنبا للجوء أسرهن إلى "زواج الفاتحة".

دفاعا عن القضاة

 إذا كان اللوم يوجه إلى القضاة بشأن ارتفاع نسبة طلبات زواج القاصرات، فإن عبد الله الكرجي، عضو نادي القضاة، يعتبر أن المشكل في النص القانوني بالأساس.

 وأوضح الكرجي أن النص القانوني يتيح للقاضي، وفق سلطته التقديرية، إمكانية منح الإذن للقاصرين بالزواج، مشيرا إلى أنه في كثير من الأحيان يرفض القضاة منح الإذن، لكنهم يفاجؤون بنفس الأشخاص يقفون أمامهم من أجل ثبوت الزوجية، وذلك بعد الحمل أو الولادة.

ويرى الكرجي أن معالجة مشكل زواج القاصرات يمر حتما عبر المجال التشريعي، مضيفا أنه "إذا كان القانون يمنح القاضي، بصفة استثنائية، حق إعطاء الإذن بزواج القاصر، فينبغي أن يكون محددا في سن معينة".

ويتفق القاضي الكرجي مع الداعين إلى منع زواج القاصرات، معتبرا أن مكان الطفلات هو المدرسة.

ويخلص المتحدث إلى أن القضاة لا يتحملون مسؤولية زواج القاصرات؛ إذ أن القضاة لا يصنعون القاعدة القانونية، بل يسهرون على تطبيقها، داعيا المشرع إلى امتلاك الجرأة في منع زواج القاصرات.

فعل الهشاشة الاجتماعية

من جهته، يرى مصطفى بنزروالة، الباحث في علم الاجتماع أن القراءة التفسيرية للأرقام المعلنة من طرف وزارة العدل حول زواج القاصرات في السنوات الأخيرة لا يمكن بأي حال إلا أن "تنبئنا بأن دواعي زواج الفتيات دون السن القانوني مازالت قائمة".

ويرى بنزروالة أن هذا النوع من الزيجات ذو بنية مركبة تتدخل في اختياره العديد من العوامل والمحددات، منها ما هو اجتماعي مرتبط بالهشاشة الاجتماعية للفتاة ومحيطها العائلي، كالفقر والبطالة والهدر المدرسي، ناهيك عن المخيال الجمعي والتمثلات الثقافية  ذات النزوع المحافظ  الذي يختزل المرأة في بعدها الجسدي ويقرن نضجها بالمعطى الفيزيولوجي دون اعتبار للتوازن النفسي والاستعداد الذهني، خاصة في المناطق القروية، التي تعرف انتشارا واسعا لهذا النوع من الزواج، مقارنة بالمجال الحضري".

وأشار المتحدث إلى أن بعض الدراسات التي أجريت حول الموضوع  خلصت إلى أن الوضع الاجتماعي للأسر عامل محدد في اختيار تزويج القاصر، وكذلك التمثل الثقافي، غير أن المفارقة المسجلة هو أن هذين العاملين يتقلصان لصالح أسباب أخرى من قبيل الاعتداء الجنسي، أو العلاقات خارج مؤسسة الزواج التي ينتج عنها حمل وغيرها من الأسباب المتفرقة".

مقترح قانون عالق

 أمام تزايد دعوات الحقوقيين لمنع زواج القاصرات، بادر المستشار البرلماني عبد اللطيف أوعمو، عن حزب التقدم والاشتراكية، سنة 2012 إلى تقديم مقترح قانون من أجل منع الزواج قبل سن الثامنة عشرة، فيما تقدم الفريق الاشتراكي بمقترح قانون يمنع منح الإذن للقاصرين بالزواج قبل تجاوز 16 سنة.

 وبعد نقاش طويل بين البرلمانيين ووزير العدل والحريات السابق، المصطفى الرميد، تم الاتفاق على دمج المقترحين، والخروج بحل وسط يقضي بمنع منح إذن الزواج للقاصرين الذين لم يتجاوزوا سن 16 سنة، قبل أن تتم المصادقة عليه في جلسة عامة لمجلس المستشارين في 22 يناير 2013.

ومنذ إحالته على مجلس النواب، ظل مقترح القانون يراوح مكانه بسبب اختلاف الفرق النيابية حول سن الزواج؛ إذ أن بعض الفرق مازالت تطالب بمنع الزواج قبل بلوغ سن 18 وإلغاء الاستثناء.

معالجة شمولية

 إذا كانت الأصوات الحقوقية تطالب بمنع الزواج قبل 18 سنة، فإن زهور الحر، رئيسة اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، ترى أن الأصل هو منع الزواج قبل سن 18 سنة، لكن ذلك يجب أن يتم بتدرج، وفق مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الجانب الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للأسر في مختلف مناطق المغرب.

 واعتبرت الحر أن تحديد سن منح الإذن بزواج القاصر، في حالات استثنائية، في سن 16 سنة أو 17 سنة سيمثل نقلة نحو منع زواج القاصرين.

وتضيف المتحدثة أن إلغاء زواج القاصرات ينبغي أن يواكب بتدابير وإجراءات عملية على أرض الواقع، تضمن تمدرس وتكوين الفتيات.

وتشير الحر أن بعض المحاكم لا تمنح الإذن بزواج القاصرين؛ إذا لم يكونوا بالغين سن الـ17، معتبرة أن تبني المشرع لهذا المقترح سيشكل مرحلة انتقالية نحو القضاء على الظاهرة، مع ضرورة الحرص على نشر التوعية والتحسيس بخطورة زواج القاصرات، وتوفير جميع الإمكانات اللازمة من أجل تمدرسهن.