ضحايا العنف.. قصص إنسانية لمهاجرات جنوب الصحراء بالمغرب

تيل كيل عربي

خالد وديرو، صحفي باحث في قضايا الهجرة واللجوء

تُعتبر ظاهرة العنف ضد المرأة خصوصا في المجتمعات الذكورية من الظواهر التي لا تزال تؤرق بال الأفراد والمؤسسات الرسمية وحتى الدول، رغبة منها في الحد من انتشارها لما تخلفه من آثار نفسية وآجتماعية على ضحاياها ناهيك عن التكلفة الإجتماعية والاقتصادية لهذه الاثار.

المرأة المهاجرة في المغرب وبآعتبارها الحلقة الأضعف داخل بيئة هشة وذكورية لا تزال تعاني من تبعات هذا العنف الممارس ماديا ونفسيا، كثيرات من دفعتهن ظروف الحياة القاسية والتي تكون -في كثير من الأحيان نتيجة لهذا العنف المبني على النوع- دافعا أساسيا للهجرة نحو بلد آخر منها المغرب.

قصص إنسانية لمهاجرات جنوب الصحراء بالمغرب تحول إماطة اللثام عن مآسي ومعانات لنساء عانين العنف وآثاره قبل وحتى بعد تجربة الهجرة والإستقرار النسبي بالمغرب .

المهاجرات من دول جنوب الصحراء بالمغرب:

الاحصائيات الرسمية لوزارة الداخلية بالمغرب  تشير أنه من أصل 27332 ألف مهاجر جنوب الصحراء الذين قدموا طلبات اللجوء بالمغرب في "حملة " تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين غير النظاميين التي تبناها المغرب سنة 2014 ، في إطار "الاستراتيجية الوطنية الهجرة واللجوء"  نجد 10201 طلب لجوء لمهاجرات جنوب الصحراء تمت قبول طلباتهم وتسوية وضعيتهم القانونية. هذه الفئة الهشة تحمل مجموعة من القصص المثيرة لضحايا العنف بشتى أنواعه(..).

قوانين متوفرة .. لكن

قانونيا، يتوفر المغرب على ترسانة قانونية لحماية المرأة ضد العنف من خلال تبني مجلس المستشارين البروتوكول الإختياري لإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" في السابع من يوليوز من سنة 2015. بالإضافة الى سن المغرب للقانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والذي دخل حيز التنفيذ في شتنبر 2018 بهدف توفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف بالمغرب. الشئ الذي يوضح أن لا فراغ قانوني بهذا الصدد، لكن كون المهاجرات من دول جنوب الصحراء من الفئات الهشة اجتماعيا واقتصاديا يجعلهم أكثر عرضة الاستغلال والتمييز والعنف المبني على النوع.

صرخات ومعاناة:

"نزلوا من سيارة رباعية الدفع، وقتلوه رميا بالرصاص دون رحمة.." هكذا عبرت بحرقة المهاجرة الغينية "فانتا" ذات 33 عاما، ام لطفلين والمقيمة بمدينة الدار البيضاء منذ سنة 2015 عن صدمتها من مشهد عنف لازال راسخا بذاكرتها رغم مرور سنوات على الحدث جراء الفوضى السياسية لدولتها والانفلات الأمني الخطير الذي عاشت في كنفه، ناهيك عن انتشار الأسلحة بشكل كبير، عمليات اغتيال وتصفية حسابات سياسية طبعت حياة المواطنين بالبلد ودفعت الكثير إلى التفكير في الهجرة البحث عن مكان آمن

 وتابعت "فانتا" : "في أحد الايام تعرضت أنا وأختي لعملية سرقة عنيفة، كنت داخل السيارة وفجأة بدء زجاج النوافذ يتطاير حولي مرفوقا بالصراخ وتهديدات بالقتل.." مؤكدة أنها بعد هذا الحادث قررت بدورها -كما هو الشأن بالنسبة للعديد من النساء الغانيات - الهجرة نحو المغرب.

تعيش "فانتا" الأمرّيْن بين الوضع الاقتصادي الصعب نتيجة عدم توفرها على فرصة عمل قار بالمغرب والتي تعيش على بعض الأعمال البسيطة والقليل من المساعدات من جمعيات تهتم بهذه الفئة الهشة وبين خوفها من العودة إلى غينيا بعد ما عاشته من معاناة جراء ارتفاع منسوب العنف والتهديد هناك..

هذا الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم، ويزيد الطين بلة استغلال النساء في وضعية هشة في المغرب من طرف بعض المشغلين الذين لا يترددون في استغلال فقرهم وهشاشهم وحاجتهم الماسة لأي درهم إضافي لإعالة أنفسهن ورعاية أطفالهم .

اما "بيافوكي" ذات 25 عاما من جنسية غينية مقيمة بالدار البيضاء، تجسد أبشع درجات العنف المادي والنفسي؛ فقد وصلت الى المغرب مروراً بالجزائر عبر طريق الصحراء المظلم حيث تعرضت للإغتصاب عدة مرات نتج عنه حمل لاتزال تعاني من آثاره النفسية السلبية إلى حد الساعة رفقة إبنها كأم عازبة.. وتصارع لتعيله دون عمل ..

لا تزال تتذكر تلك المأساة وتقول  بحرقة :" أتذكر لدتلك اللحظات المرعبة التي تعرضت فيها للإغتصاب عنيف بدون شفقة أو رحمة !!"

"دوسو" بعمر 32 تعكس بدورها شهدتها وجها آخر من اوجه المعاناة الناتجة عن العنف بعد استقرارها مع زوجها بمدينة المحمدية تعرضت الغينية "دوسو" لعنف شبه يومي من طرف زوجها.. حاولت العمل على تجاوز ذلك على أمل ان يتغير سلوك زوجها معها لكن دون جدوى.. وكانت النتيجة أن قررت الهروب والعيش بمعية فتيات مهاجرات اخريات بعيدا عن آلام العنف الزوجي وسوء المعاملة الى مدينة اخرى.. حاليا تعيش بدورها وضعا هشا وبدون عمل قار..

جمعيات تدق ناقوس الخطر

أكدت "هيلين يامتا" رئيسة جمعية "أصوات النساء المهاجرات بالمغرب" من جنسية تشادية وهي جمعية تأسست سنة 2014 من طرف مهاجرات وتشتغل بالمغرب بهدف التعريف بالحقوق القانونية والإقتصادية للمرأة المهاجرة وحمايتها من خلال أنشطة تحسيسية واستشارات قانونية ونفسية عدة، أكدت وجود حالات تعنيف كثيرة ومثيرة للقلق في صفوف هذه الفئة الهشة من خلال تحركات الجمعية الميدانية لرصد هذه الحالات والتدخل بصددها.

مشيرة إلى "ان حدة العنف الممارس وأعداد الحالات المرصودة تراجعت بشكل ملحوظ بعد حملة المغرب لتسوية الوضعية القانونية للمهاجرات بالمغرب" بعد الخروج من هوامش المدن والضواحي خوفا من خطر الإعتقال والترحيل ومحاولة كسب لقمة العيش بأنشطة اقتصادية بسيطة توفر لهن الحد الادنى للعيش، لكن رغم ذلك لاتزال  حالات مهاجرات ضحايا العنف من جنسيات مختلفة تتوافد على الجمعية طلبا للدعم النفسي والسند القانوني.

وتضيف رئيسة الجمعية "ان الرهان الحقيقي بالنسبة لنا هو الجانب التحسيسي والعمل على تغيير العقليات." من خلال الإنخراط في دينامية مقاربة والنوع ومحاربة كل أشكال التمييز القائمة على الجنس وكذى التنسيق مع باقي الفاعلين والمتدخلين المغاربة والمنظمات الدولية ذات الصلة للحصول على نتائج ملموسة على المدى المتوسط بالرغم من ضعف الإمكانيات المتاحة لنا كفاعل مدني.

عموما، لا يمكن لعاقل ان يجادل في نتائج وآثار العنف النفسية السلبية خصوصا عندما يتعلق الامر بالحلقة الأضعف كونها امرأة أولا ومهاجرة ثانيا يجعلها هدفا سهلا للتعنيف ومختف أشكال الإستغلال والحيف داخل مجتمع بعقلية ذكورية تنظر إليها كمجرد تابع وهامش مجتمعي في حين انها تشكل نصف المجتمع وتمثل قوة إنتاجية خلاقة هائلة.

 لكن واقع الحال يدق ناقوس الخطر لمن يهمه الامر لتفادي خلق فئة اجتماعية هشة ستراكم مستقبلا تبعات معاناتها مع العنف والاستغلال وتفوت فرص اندماج اجتماعي حقيقي يستفيد منه الجميع اقتصاديا، ثقافيا ولكن قبل كل شئ إنسانيا.