فتح الله ولعلو: حول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني - حكاية جُورٍ

فتح الله ولعلو/ ت: ياسين تومي
تيل كيل عربي
  • *باحث متميز في مركز الجنوب الجديد

أعاد "طوفان الأقصى"، الاسم الرمزي للهجوم المفاجئ على إسرائيل الذي شنَّته حماس وكتائب عز الدين القسَّام، في السابع من أكتوبر 2023، والردُّ الإسرائيلي المُدمِّر للأهالي المدنيين والبنى التحتية في غزة نتيجة لذلك، قضية الشعب الفلسطيني إلى الواجهة. قضيةٌ لا زالت تسكن العقول والقلوب والضمائر. أكثر من أي وقت مضى. هكذا لا يمكن أن يبرز «شرق أوسط جديد» ويكون قابلاً للاستمرار بدون حل عادل ودائم لهذا الصراع الذي استمر 75 عاماً.

مقدمة

إنَّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو أولا وقبل كل شيء صراع محلي يحكمه منطق الكفاح من أجل التحرُّر الوطني. إنه صراع بين قوة استعمارية وشعب مُستعمَر، بين مُعْتَدٍ ومُعْتَدَى عليه. تتبلور حقيقة الطابع الاستعماري في الفضاء الفلسطيني الإسرائيلي حول علاقة غير متكافئة: بين كيان متقدم، أصبح قطباً تكنولوجياً جذاباً، وكيانٍ غارقٍ في التخلف. كما ينطوي هذا الصراع على بُعْدَيْنِ، تكنولوجي وديموغرافي، وهذا، على أرض بحجم منديل الجيب (بِالْكَاد 28165 كم ²). في هذه المساحة الصغيرة، يجد الشمال والجنوب نفسيهما وجهاً لوجه.

هناك في تطور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، علامتان فارقتان: 1948 و1967 وسلسلة حروب وصدامات. ومحاولةٌ مُجْهَضةٌ لإيجاد حل سياسي، في التسعينيات.

وإذا كانت دولة إسرائيل قد تمكنت من بناء نظام ديمقراطي تعددي، إلى درجة اعتبارها جزيرة ديمقراطية في قلب الشرق الأوسط، فإنها في الواقع وضعت هذه التعددية في خدمة توطيد احتلالها لفلسطين. فهي ديمقراطية في خدمة الوصاية على الأهالي الفلسطينيين. ووُظِّف التناوب بين أحزاب اليمين واليسار، فضلا عن تكاثر الأحزاب الصغيرة، التي كثيرا ما تكون ذات طابع ديني أو حتى عنصري، لتعزيز عملية استيطان الأراضي الفلسطينية.

الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو أيضا صراع إقليمي بين الدول العربية في الشرق الأوسط وإسرائيل عبر سلسلة من الحروب: 1948 و1956 و1967 و1973. ومنذ هذا التاريخ الأخير، برز تناقض بين نهج العداء والقطيعة ونهج الاعتراف المتبادل والتعايش.

وفي الأخير، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ذو بُعدٍ عالمي. بدأ بقرار من المجتمع الدولي (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 المؤرخ في 29 نونبر 1947) الذي أوصى بإنشاء دولة يهودية على 56٪ من أرض فلسطين ودولة عربية على 44٪ المتبقية وبالتالي تقسيم الأراضي الفلسطينية بين كيانين−دولتين. أعلنت إسرائيل استقلالها في 14 ماي 1948 (بعد طرد أكثر من 750000 فلسطيني من الأراضي المخصصة للدولة اليهودية واحتلال مدنها العربية). ومنذ حرب 1967، ظل المجتمع الدولي يدعو بلا كلل، من خلال قرارات مجلس الأمن المتعاقبة، إلى إنشاء دولة فلسطينية مجاورة لإسرائيل. لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أعاقت دائماً أي عملية يمكن أن تجعل هذا الحل عملياً. على العكس من ذلك، فقد عملت دائماً على توطيد الاحتلال.

إن تفاقم فترات الصراع بالشرق الأوسط أسهم في زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي بسبب توالي الصدمات النفطية، وبروز الاقتصادات الريعية والقوى الإقليمية الجديدة التي تهدف إلى التأثير على التوازنات السياسية للشرق الأوسط وعلى مستقبل الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني، إلى جانب القوى العالمية العظمى بالأمس واليوم.

هكذا سلطت حرب أكتوبر 2023 الضوء من جديد على مركزية القضية الفلسطينية، التي أصبحت مرة أخرى نقطة محورية في العلاقات بين الغرب والجنوب المُعَوْلَم.

النزاع الإسرائيلي الفلسطيني له أيضًا بُعْدٌ ديموغرافي

بلغ عدد سكانها إسرائيل، في سنة 2023، 9.6 مليون نسمة، 75٪ منهم إسرائيليون، معظمهم من اليهود و20٪ فلسطينيون عرب، مسلمون ومسيحيون. لقد تضاعف عدد سكان إسرائيل 12 مرة منذ إنشائها في سنة 1948، حيث لم يتجاوز حينها عدد السكان 806000 نسمة.

إن التطور الديموغرافي لهذه الدولة الجديدة منذ 1948 هو نتاج حركتين متناقضتين: طرد 750000 من الفلسطينيين، خاصة في أعقاب «النكبة». وهجرة مُؤَطَّرة لتعمير البلاد انطلاقاً من وسط وشرق أوروبا وروسيا في البداية: اليهود الأشكناز الذين سيطروا لعدة عقود على السلطة في إسرائيل. أعقب هذه الحركة الأولى للهجرة، بدءاً من عام 1948، تدفق اليهود السفارديم من البلدان العربية: بلدان المغرب الكبير والعراق ومصر.

استقر الفلسطينيون المطرودون من موطنهم الأصلي في مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وسوريا. في حين ذهب عشرات الآلاف منهم إلى دول الخليج حيث شاركوا في تأطير الإدارة والقطاع الثالث. حالياً، هناك حوالي 13 مليون فلسطيني في العالم: 5 مليون في فلسطين (2,8 مليون في الضفة الغربية و2,1 مليون في غزة)، 1,7 مليون في إسرائيل، وأكثر من 4,5 مليون في الأردن، 630,000 في سوريا، 402,000 في لبنان، وأكثر من 500000 في دول الخليج. في حين هاجر الباقون إلى أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا.

لقد عزز التغيير الديمغرافي الواقع الاستعماري في إسرائيل: الاستيطان المطلق للساكنة حيث أن السكان الفلسطينيين، الذين كانوا أغلبية بالأمس، تقلصوا بشكل كبير مع توسع عدد السكان الإسرائيليين القادمين من الهجرة، الذين أضحوا هم الأغلبية.

نقترح في هذه المذكرة القيام بقراءة تاريخية للصراع الإسرائيلي -الفلسطيني من خلال ثلاث مقاربات، الأولى تهم المجتمعين، الفلسطيني والإسرائيلي، والثانية تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي الأوسع نطاقاً، حيث تعاقبت خلاله سلسلة من مراحل النزاع ومحاولات سياسات التعايش، والثالثة تتناول عواقب هذا الصراع المزدوج على وضعية الشرق الأوسط ككل، من خلال حالات عدم الاستقرار الداخلي للدول التي تُكَوِّنُه، وبين هذه الدول نفسها.

عودة إلى التاريخ

طيلة عدة قرون، كانت أراضي فلسطين، مثل أراضي الشام، جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. بعد الحرب العالمية الأولى، في سنة 1922، تم وضع هذا الإقليم الفلسطيني تحت الانتداب البريطاني من قبل عصبة الأمم.

خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، رأت حركةٌ وطنيةٌ فلسطينيةٌ النورَ بقيادة الشيخ أمين الحسيني، مفتي القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى. لكن الحسيني، الذي قاد ثورة القسَّام سنة 1936 ضد الوجود البريطاني، سيفقد مصداقيته السياسية بعد الحرب بسبب تقاربه مع النازيين خلال سنوات الهولوكوست ضد يهود أوروبا. وستنتهي زعامته الفلسطينية مع ظهور حركة فَتَحْ ومنظمة التحرير الفلسطينية.

إن الصهيونية حركة سياسية ودينية أنشأها السكان اليهود في أوروبا الشرقية في ثمانينيات القرن التاسع عشر. هدفها هو تشكيل وطن قومي يهودي في أرض إسرائيل، في أراضي فلسطين. وقد وضعت الحركة لعملها ثلاثة أهداف: هدف ديموغرافي: مع تهجير يهود العالم إلى فلسطين، هدف سياسي: إنشاء دولة قومية لليهود، هدف ديني: مع إعادة إحياء الشعب اليهودي حول دينه. في سنة 1897، أطلق تيودور هرتزل، المجري الجنسية، إنشاء المنظمة الصهيونية في إشارة إلى جبل صهيون بالقدس. وقد طور المهاجرون الأوائل القادمون من أوروبا، بقيادة بن غوريون، قومية مستوردة، تتنافس مع القومية الفلسطينية الأصلية ضد الانتداب البريطاني.

النكبة: 1947−1948

في 27 نونبر 1947، صوتت الأمم المتحدة، بإيعاز من الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وبموافقة صريحة من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، على القرار 181 الذي قضى بتقسيم فلسطين، على الرغم من الرفض الذي أعربت عنه جامعة الدول العربية. وقد أضفى هذا القرار في البداية على القدس صفة مدينة دولية.

في 14 ماي 1948، أعلن دافيد بن غوريون، رئيس الوكالة اليهودية، عن ولادة دولة إسرائيل. وفي 19 نونبر من ذلك العام، أصدرت الأمم المتحدة قراراً يوصي بإنشاء دولة فلسطينية.

في 20 شتنبر 1948، أعلنت جامعة الدول العربية إنشاء حكومة فلسطينية لها سلطة على كامل فلسطين وقطاع غزة، الذي كان لا يزال تحت الوصاية المصرية.

وضمن هذا السياق اندلعت الحرب الأولى بين إسرائيل والدول العربية، مصر والأردن وسوريا. والتي انتهت ما هُزمت الجيوش العربية.

في هذا السياق أُجبر 750000 من الفلسطينيين على النزوح ليصبحوا مجرد في مخيمات مختلفة في الشرق الأوسط. إنها النكبة، الكارثة. اليوم، وما يقرب من 6 ملايين يطالبون عبثا بالحق في العودة إلى أراضيهم.

ومن هنا جاءت المأساة الفلسطينية للسكان الذين وافقوا، بسبب عدم اليقظة، على النزوح لأن الدول العربية المشاركة في الصراع المسلح مع إسرائيل وعدتهم بعودة سريعة. وكما هو معروف ستهزم الجيوش العربية مرة أخرى عام 1967. وقد أسهم هذا النزوح الفلسطيني في ترسيخ الواقع الإسرائيلي.

من بين عواقب الهزيمة الأولى للجيوش العربية، سقوط الملكية المصرية في سنة 1952 بعد انقلاب الضباط الأحرار، بقيادة جمال عبد الناصر، من بين قادة آخرين.

خلال حرب 1947-1948، قامت منظمتان شبه عسكريتان بقيادة بن غوريون بمذبحة دير ياسين، وهي قرية غرب القدس. وقد أودى هذا التطهير العرقي الأول بحياة 250 فلسطينياً، معظمهم من النساء والأطفال العُزَّل.

ومنذ سنة 1947، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 131 قراراً بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد ركزت القرارات الأولى، التي حجبت القضية الفلسطينية نفسها، بشكل أساسي على مساعدة اللاجئين. وسيكون لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية واعتراف الجامعة العربية وحركة عدم الانحياز والمجتمع الدولي بها الدور الأساسي في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية وإبرازها.

منذ سنة 1947، قام تْسَاحَلْ، جيش إسرائيل، بحوالي 25 عملية خارج الحروب مع الدول العربية ضد فلسطينيي الضفة الغربية وغزة، ولكن أيضًا في لبنان[i].

الحروب العربية الإسرائيلية

من 1948 إلى 1973 شهد الشرق الأوسط سلسلة من الحروب (1948 و1956 و1967 و1973) بين إسرائيل والدول العربية. وقد أسهم ذلك لفترة طويلة في تقليص مكانة الفلسطينيين في الصراع وبالتالي في إخفاء الطبيعة الحقيقية للصراع، الذي هو في الأساس إسرائيلي فلسطيني:

  1. ما يسمى بالعدوان الثلاثي في الفترة من 29 أكتوبر إلى 7 نونبر 1956، عقب تأميم قناة السويس من قبل عبد الناصر لتمويل بناء سد أسوان، اجتاحت الجيوش البريطانية والفرنسية والإسرائيلية مصر للإطاحة بجمال عبد الناصر. لكن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تدخلا، مما أجبر الجيوش الثلاثة المحتلة على الانسحاب. كان هذا نجاحاً سياسياً لمصر التي خرجت منتصرة من هذه المواجهة وللقومية العربية، المدعمة من لدن حركة العالم الثالث.

لكن النتيجة الرئيسية لهذه الحرب ستكون تثبيت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على حساب الدولتين الاستعماريتين الأوروبيتين، بريطانيا العظمى وفرنسا. هكذا قام اللوبي الإسرائيلي، الذي كان يعمل منذ الثلاثينيات، أو حتى منذ العهد الفيكتوري، بنقل نشاطه من لندن إلى واشنطن، مما أدى إلى تعزيز علاقاته مع الولايات المتحدة. ومن جانبه، انحاز اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، في خضم الحرب الباردة، إلى جهة مصر عبد الناصر ثم سوريا والعراق البعثيين؛

  1. حرب الأيام الستة من 5 إلى 10 يونيو 1967، التي شنتها إسرائيل وانتهت بانهيار الجيوش العربية واحتلال سيناء والضفة الغربية والقدس الشرقية التي ضمتها تل أبيب إلى أراضيها بجانب الجولان السوري. لقد وجهت هذه الحرب ضربة كبرى ضد التيار الناصري والقومية العربية، وعلى المستوى الاقتصادي، كانت وراءه التحولات الأولى التي عرفتها سوق المحروقات، نظراً لإغلاق قناة السويس.

في 22 نونبر 1967، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً رئيسياً، القرار 242، طالب فيه بالانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة بعد الصراع. كما أقر احترام مبدأ حرية الملاحة في قناة السويس وأكد ضرورة حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. واستمر اختزال القضية الفلسطينية في مشكلة اللاجئين وحدها.

من 1967 إلى 1970، أدت حرب الاستنزاف إلى مواجهات متعددة بين الجيشين المصري والإسرائيلي. وفي 9 دجنبر 1969، سيقدم روجرز، كاتب الدولة الأمريكي، عدداً من المقترحات لتسوية النزاع في الشرق الأوسط، وفقا لقرار نونبر 1967.  وستنخرط مصر، التي كانت لا تزال ناصرية، بما أصبح يسمى خطة روجرز. وكانت هذه هو أول مقاربة للسلام في المنطقة، وهي مقاربة لم تكن واردة من قبل حرب الأيام الستة.  لِنُذَكِّرْ أن الحكومة المصرية كان لها رد فعل قوي للغاية على خطاب بورقيبة في أريحا (3 مارس 1965) عندما أوصى هذا الأخير الفلسطينيين والعرب بقبول تقسيم الأراضي على النحو الذي أوصت به الأمم المتحدة في سنة 1947؛

  1. حرب أكتوبر 1973، المعروفة أيضاً بحرب رمضان وحرب يوم الغفران، واجهت فيها إسرائيل تحالفاً عسكرياً عربياً بقيادة مصر السادات وبدعم من سوريا الأسد في الفترة من 6 إلى 24 أكتوبر. حيث قام الجيش المصري − الذي كان يريد محو إذلال هزيمة عام 1967، وعبر قناة السويس (العبور)− والجيش السوري، بمهاجمة القوات الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان في نفس الوقت، وهي على التوالي الأراضي المصرية والسورية التي احتلتها إسرائيل منذ حرب الأيام الستة. لكن سينجح الجيش الإسرائيلي في إيقافهما في نهاية المطاف.

شكلت هذه الحرب حدثاً جيوسياسياً كبيراً، وأعطت الفرصة للدول النفطية لفرض حظر على صادراتها وكشفت عن موقعها على الصعيد الإقليمي، بل حتى على الصعيد الدولي، لأنها تمكنت من زيادة أسعار المحروقات بشكل كبير في السوق العالمية. وأعقبت هذه الصدمة النفطية الأولى صدمة ثانية في سنة 1979، بعد الثورة الخمينية الإيرانية. من المؤكد أن تنامي قوة الدول النفطية في الخليج، التي أصبحت دولاً ريعية، وعلى رأسها العربية السعودية السنية−الوهابية وإيران الشيعية، ساهم في فتح آفاق لظهور الحركة الإسلامية، التي حلت تدريجياً محل القومية العربية بكل العواقب التي نعرفها على منطقة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.

كان لحرب أكتوبر 1973 عدد من العواقب: فقد عززت النفوذ الأمريكي في المنطقة، مما أدى إلى تغيير في ميزان القوى السابق، وكان وراء فتح مفاوضات سرية بين مصر السادات وإسرائيل بيغن. سيقوم السادات بعد ذلك بزيارة إسرائيل وسيلقي خطابه في الكنيست في 19 نونبر 1977، وهو ما شكل إلى حد ما الخطوة الأولى نحو توقيع اتفاقات السلام في كامب ديفيد في 17 شتنبر 1978.

وهكذا اعترفت مصر، الدولة العربية الرئيسية ومهد الناصرية، ومقر جامعة الدول العربية، رسمياً بدولة إسرائيل (مقابل هذا الاعتراف، ستغادر هذه الأخيرة سيناء). لكن سيتعين عليها جَرَّاء ذلك أن تواجه جبهة الرفض التي تشكلت بمشاركة العراق وسوريا واليمن والجزائر وليبيا.  وسوف يتم استبعادها من اجتماع جامعة الدول العربية المنعقد في بغداد في 31 مارس 1979 (تصدع الصف العربي). وبعد عشر سنوات، وبفضل جهود جبهة البلدان المعتدلة، ستعود إليها بمناسبة انعقاد قمة عمان في عام 1987. كما سترفرف راية مصر فوق المقر العابر لجامعة الدول العربية بتونس. وفي مارس 1990، ستعود الجامعة إلى مقرها الأصلي في القاهرة بعد انعقاد قمة الدار البيضاء في 23 ماي 1989.

نحو استقلالية المقاومة الفلسطينية

ظهر في الستينيات جيل جديد من القادة الفلسطينيين. بعد ابتعادهم عن تيار الشيخ الحسيني، أراد هؤلاء القادة الجدد تحرير أنفسهم من وصاية الدول العربية، وخاصة الأردن، والانخراط في صراع سياسي ومسلح متعدد الأوجه ضد الاحتلال الإسرائيلي. وهكذا وُلد كيان نضالي جديد، تنظيم فَتَحْ، في يناير 1965، حيث نجد على رأسه – ورأس منظمة التحرير الفلسطينية التي جاءت منها -، في سنة 1966، أُطُراً شابة تنتمي للشتات الفلسطيني المقيم في دول الخليج، تحت زعامة ياسر عرفات (أبو عمار) ورفاقه بمن فيهم أبو جهاد وأبو إياد وحنان العشراوي.

وغداة هزيمة 1967، ظهرت منظمتان جديدتان: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بقيادة جورج حبش والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، بقيادة نايف حواتمة. كانتا ماركسيتين، وبالتالي على يسار منظمة فتح التي كانت تمثل خط التيار الوطني. ولقد كان لهاتين المنظمتين تأثير على جزء من اليسار في العالم العربي.

في 28 ماي 1964، أسس أحمد شقيري بدعم من جامعة الدول العربية منظمة التحرير الفلسطينية كناطق رسمي باسم الشعب الفلسطيني في إطار اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني بالقدس. وبتأثير ومبادرة من ياسر عرفات، تم توحيد فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين داخل منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتمدت في القاهرة في 10 يوليوز 1968 ميثاقها بهدف النهوض بالكفاح المسلح لتحرير فلسطين.

وفي شتنبر 1970 هاجم الجيش الأردني المقاتلين الفلسطينيين في مخيم عجلون. وجَرَّاء حالة اليأس التي تلت هذه المذبحة الرهيبة وُلدت منظمة راديكالية جديدة، أيلول الأسود، التي ستكون مسؤولة عن اختطاف الرهائن خلال الألعاب الأولمبية بمدينة ميونيخ في 5 شتنبر 1972 والهجوم على مطار فيوميتشينو في روما في 17 دجنبر 1973. كما ستقوم باغتيال رئيس الوزراء الأردني الذي حملته مسؤولية مذبحة عجلون (في القاهرة في 28 نونبر 1971).

وفي سنة 1974، أسس خليل البنا -أبو نضال حركة فتح المجلس الثوري، وهي حركة منشقة قريبة من حزب البعث في بغداد. وسيتم اغتياله هو نفسه بعد تنظيمه لعدة عمليات معادية لإسرائيل.

بعد مأساة عجلون، استقرت المقاومة الفلسطينية (فتح والجبهتين)، التي طردت من الأردن، في بيروت. في غضون ذلك، استقرت عناصر قريبة من البعث -الصاعقة في دمشق.

وفي يونيو 1982، اجتاحت إسرائيل تحت قيادة مناحيم بيغين لبنان لمهاجمة القواعد الجديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية ودحر السوريين الذين يدعمونها.

الحرب الأهلية اللبنانية وتدخل إسرائيل

كانت الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) فترة مأساوية لكل من لبنان نفسه والمقاتلين الفلسطينيين. وتزامنت مع ما أطلق عليه الحرب الأولى لإسرائيل في لبنان. بدأ الأمر عندما حاول الفدائيون اغتيال بيار الجميل، زعيم الكتائب المسيحية. كان المتحاربون من المسيحيين والمسلمين والدروز ينتمون إلى جهتين: الأولى مكونة من القوات اللبنانية، والكتائب المسيحية القريبة من إسرائيل، والثانية من الفلسطينيين أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية، تدعمهم قوات البعث ثم حزب الله فيما بعد. كما تدخل في الصراع الجيشان النظاميان لإسرائيل وسوريا بشكل مباشر أو غير مباشر.

وخلال هذه الحرب الأهلية، ارتُكبت المذابح الكبرى التي أودت بحياة حوالي 3500 فلسطينيا في مخيمات تل الزعتر وصبرا وشاتيلا.

في 6 يونيو 1982، غزا الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان في إطار عملية سلام الجليل. كان هدفها هو طرد المقاتلين الفلسطينيين.

من عام 1982 إلى عام 1985، احتل الجيش السوري من جهته طرابلس. حيث قاد البلاد تحالف سوري لبناني بدعم من الأمريكيين.

إن الحرب الأهلية في لبنان وتدخل إسرائيل في ذلك البلد حدثان مرتبطان ارتباطا وثيقاً، حيث كانت القضية الفلسطينية، من ناحية، في قلب الحرب الأهلية اللبنانية، وحيث أصبح الجيش الإسرائيلي، من ناحية أخرى، عنصرا عملياتيا فيها: إذ اغتنم الفرصة لغزو البلد لإزاحة المقاومة الفلسطينية.

أدى اغتيال الرئيس بشير الجميل في شتنبر 1982 إلى أعمال عنف، بما في ذلك مذبحة صبرا وشاتيلا على يد ميليشيات الكتائب المسيحية، بتواطؤ فعال من إسرائيل. وفي هذا السياق تعرضت القوات الأمريكية والفرنسية لهجوم من قبل حزب الله الذي تم إنشاؤه حديثاً في سنة 1982.

حزب الله جماعة لبنانية إسلامية شيعية. كان في البداية قريباً من سوريا، ثم تم تبنيه بسرعة من قبل إيران. هدفه المعلن هو محاربة الاحتلال الإسرائيلي. كان متحالفاً مع الجماعات المسيحية اللبنانية، بما في ذلك تيار المردة. وكان من بين من أسسوه عماد مغنية وعباس موسوي، ويرأسه حالياً حسن نصر الله.

وبدعم من إيران، جعل حزب الله جنوب لبنان قاعدته الخلفية في قتاله ضد إسرائيل. وهكذا أصبح عنصراً رئيسياً في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي مثله مثل المنظمات الفلسطينية. وقد التحق تدريجيا بالمؤسسات السياسية اللبنانية وأصبح عنصرا أساسيا ضمنها، إن لم يكن مهيمنا على التوازن السياسي لهذا البلد.

اشتبك حزب الله مع الجيش الإسرائيلي في عدة مناسبات، في إطار حرب الاستنزاف التي أخضعه لها، وخاصة: في جنوب لبنان عام 1985، وفي نزاع مزارع شبعا عام 2000، مما أجبر إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، على إخلاء هذه الأراضي. وقد عزز اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني في فبراير 2005 وانسحاب السوريين من لبنان في مارس 2005 تجذر حزب الله في بلد الأرز وفي جميع أنحاء المنطقة. كما واجه الإسرائيليين مرة أخرى في عام 2006 (خلال حرب استمرت أكثر من شهر) وفي عام 2015. وبعد اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، كان الجميع ينتظر خطابات وقرارات حسن نصر الله حول فتح جبهة في جنوب لبنان بصفة واضحة، وهو ما يتطلب موافقة طهران.

شكلت مغادرة ياسر عرفات لبيروت في 30 غشت 1982 حدثاً بارزاً   للمقاومة الفلسطينية في الحرب الأهلية اللبنانية. في وضح النهار تم آخر عبور له لبيروت الغربية رافع الرأس، حيث رافقته شخصيات لبنانية بارزة إلى رصيف الميناء، وصعد على متن السفينة أتلانتس، وحَيَّتْهُ رشقة من مدافع منظمة التحرير الفلسطينية، ورافقته سفن حربية أمريكية وفرنسية إلى اليونان.

22 أكتوبر 1989، أنهى اتفاق الطائف الحرب الأهلية اللبنانية.

الانتفاضة، شكل جديد من المقاومة ومفاوضات السلام

بدأت عملية إنشاء المستوطنات الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1967 في سنة 1979، وتسارعت مع الحكومات العمالية والليكود.

وقد اعتبر قرار مجلس الأمن 476 بشأن القدس، الذي صدر في 30 يونيو 1980، ضم إسرائيل للمدينة المقدسة غير شرعي بموافقة الولايات المتحدة تحت رئاسة جيمي كارتر. وهي الموافقة التي سيدفع هذا الأخير ثمنها بهزيمته في الانتخابات الرئاسية لسنة 1982، وفقاً لبعض المحللين.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فقد ابتكروا شكلاً جديداً من أشكال المقاومة، الانتفاضة أو حرب الحجارة، وهو نوع من التمرد الشعبي ضد الاحتلال. بدأت الانتفاضة الأولى في غزة بقيادة أبو جهاد من منظمة فتح عام 1987 قبل أن تمتد إلى الضفة الغربية. بدأت في 9 دجنبر 1987، وستنتهي في عام 1993، بعد توقيع اتفاقات أوسلو.

في 6 أبريل 1988، في خضم الانتفاضة، نظمت أجهزة المخابرات الإسرائيلية هجوما على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، واغتالت قادة فتح وعلى رأسهم أبو جهاد.

وفي هذا السياق أعلن المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي اجتمع في الجزائر العاصمة في 15 نونبر 1988، إنشاء الدولة الفلسطينية -وهي دولة اعترفت بها جميع بلدان الجنوب بسرعة. ولقد أقرت المنظمة ضمنياً بوجود دولة إسرائيل بقبولها الصريح للقرارين 242 و338. (المؤرخين   في 22 نونبر 1967 و22 أكتوبر 1973).

مع تفكك الاتحاد السوفيتي، شهد السياق الدولي تحولاً كبيراً في أوائل التسعينيات. في عالم أصبح أحادي القطبية، أشرفت الولايات المتحدة على أول اجتماع حول السلام في الشرق الأوسط عقد في مدريد في 30 أكتوبر 1991 برئاسة رئيس الوزراء فيليبي غونزاليس. وهو الاجتماع الذي سيمهد الطريق أمام مفاوضات أوسلو بين محمود عباس (أبو مازن) والمسؤولين الإسرائيليين، التي ستخرج منها اتفاقات أوسلو الموقعة في واشنطن في 13 شتنبر 1993 من قبل عرفات ورابين وكلينتون. وكان لهذا الاتفاق نتيجتان مباشرتان: تطبيع الأردن لعلاقاته مع إسرائيل (اتفاقيات عربة في 26 أكتوبر 1993) واغتيال رابين في 4 نونبر 1995.

وبعد مؤتمر مدريد واتفاقات أوسلو، اجتمعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، بمبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية، في عدة مناسبات:

- 17 يناير 1997 : بروتوكول الخليل المتعلق بإعادة انتشار جيش الدفاع الإسرائيلي في مدينة الخليل بالضفة الغربية؛

13 - أكتوبر 1998 : اتفاقية واي بلانتيشن (اتفاقية واي ريفر) بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بشأن إخلاء 31 في المائة من الضفة الغربية ؛

4 - شتنبر 1999 : مذكرة شرم الشيخ التي وقعها باراك وعرفات لتنفيذ الاتفاقات الموقعة منذ عام 1993 ؛

- يوليوز 2000 : قمة كامب ديفيد 2 بين باراك وعرفات وكلينتون - دون اتفاق؛

21-27-   يناير 2001: قمة طابا بين كلينتون وباراك وعرفات، التي أكدت فشل المحادثات بسبب تعثرات  حول مسألة الاستيطان وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.

إثر ذلك نجح اليمين الإسرائيلي في تعزيز قبضته على الحكومة الإسرائيلية. وفي هذا السياق تسببت زيارة أرييل شارون، رئيس الوزراء، لساحة المسجد الأقصى في اندلاع الانتفاضة الثانية التي ستغطي السنوات الخمس الأولى من القرن الحادي والعشرين: من 28 شتنبر 2000 إلى 8فبراير 2005.

في سنة 2002، شرع أرييل شارون في بناء جدار عازل -يُعرف باسم السياج الأمني -بين إسرائيل والضفة الغربية، بطول يفوق 700 كيلومتر، الغرض منه هو احتواء عمليات التسلل والهجمات من قبل المقاتلين الفلسطينيين على الأراضي الإسرائيلية. وقد أصبح هذا الحاجز الرمز الجديد لتفاقم سياسة الاستيطان. حيث سمح بناؤه لإسرائيل بضم 10٪ من الأراضي الإضافية من الضفة الغربية. وبإنشاء المستوطنات، عزز تشييد الجدار تجزئة الضفة الغربية ومهد الطريق لممارسة الإبادة العنصرية بشكل متقدم.

أفرزت الانتفاضة الثانية بطلها، مروان البرغوثي، الذي شكل الرمز الجديد للمقاومة الفلسطينية. وعلى الرغم من أنه مسجون في إسرائيل لأكثر من 20 عاماً، إلا أنه حافظ على شعبية كبيرة في فلسطين، حيث يعتبر ممثلاً للجيل الجديد من المناضلين الفلسطينيين.

انتهت الانتفاضة الثانية بخارطة طريق جديدة للسلام في الشرق الأوسط أنتجتها المجموعة الرباعية، وهي مجموعة دبلوماسية شكلتها الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وافقت المنظمات الفلسطينية على هدنة جديدة ووقَّع محمود عباس مع أرييل شارون اتفاقية شرم الشيخ التي مهدت الطريق لانسحاب إسرائيل من غزة.

وفي أعقاب الانتفاضة الثانية، صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار 1397 المؤرخ في 12 مارس 2002، الذي يدعو إلى إنهاء جميع أشكال العنف وإرساء الحل القائم على وجود دولتين.

توفي عرفات في 11 نونبر 2004، نتيجة لتسميمه على الأرجح. ومع رحيله، طُويت صفحة من النضال الفلسطيني. وخلفه محمود عباس، المفاوض في عملية أوسلو للسلام، في رئاسة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. لكنه سرعان ما واجه رفضاً متصاعداً مع صعود التيار الإسلامي لحماس من جهة، واستيلاء اليمين المحافظ على السلطة في إسرائيل من جهة.

حماس والتيار الإسلامي الفلسطيني

يرتبط ظهور التيار الإسلامي في العالم العربي إلى حد كبير بتطور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إذ أنه كان تعبيرا عن يأس في مواجهة التطرف الإسرائيلي الذي يرفض الاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين. ويرتبط مسار الحركة الإسلامية في العالم العربي بمراحل الصراع المختلفة. إذا كانت هزيمة عام 1967 قد مثلت فشل القومية العربية، فقد أعطت في ذات الوقت دفعة حقيقية للمناضلين الفلسطينيين في سعيهم للتخلص من وصاية الدول العربية، الأردن ومصر وسوريا ودول الخليج. كما عززت ولادة الحركات الإسلامية التي اقترحت أشكالًا جديدة من الكفاح. بَيْدَ أن هذه الولادة أسهمت في تقويض مصداقية كفاح الفلسطينيين. بالنسبة لِفَتَحْ ومنظمة التحرير الفلسطينية وكلتا الجبهتين، ترتبط القضية الفلسطينية بمقاربة التحرر الوطني. أما تأسيس حماس فقد ارتكز على اعتبارات دينية. حيث أعطى ا لأولوية للعداء بين الإسلام واليهودية عوض التعارض بين طرفٍ مُحْتَّلٍ وطرفٍ خاضعٍ للاحتلال. اعتمدت حماس نهجاً مجتمعياً ودينياً في المقام الأول: فقد أرادت قبل كل شيء إعادة أسلمة المجتمع الفلسطيني لتهيئة الظروف لتثبيت السلطة الإسلامية.

كما عزز نجاح ثورة الخميني في إيران في أواخر السبعينيات، وصعود القوى النفطية العربية بعد الصدمتين النفطيتين 1973 1979، تجذر الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط.

إن الانتفاضة الأولى، التي أطلقتها فتح، هي التي أدت إلى إنشاء حركة المقاومة الإسلامية حماس في عام 1987، بدعم من جناح مسلح من كتائب عز الدين القسَّام، التي سميت على اسم بطل فلسطيني توفي في معركة ضد البريطانيين في عام 1935. كان القسَّام رجلاً متديناً، ويعتبر رائد الحركة الإسلامية، بل وحتى القومية الفلسطينية. تأسست حركة حماس، مستلهمة فكر جماعة الإخوان المسلمين، على يد عدة شخصيات من بينهم أحمد ياسين (زعيمها) وحسن يوسف ومحمود الزهار. ومنذ اغتيال الشيخ ياسين في مارس 2009، قادها خالد مشعل ثم إسماعيل هنية (زعيمها الحالي). وتُعتبر إيران، على الرغم من كونها شيعية، وقطر وتركيا، المؤيدين الرئيسيين لحماس سياسياً وعسكرياً ومالياً.

وأيدت حماس، وهي حركة فلسطينية بحتة، المعارضة الإسلامية للرئيس السوري بشار الأسد. ومن ناحية أخرى، فإن نظام الرئيس السيسي في مصر المجاورة لغزة مُعَادٍ لحماس. كما هي حالة المملكة العربية السعودية أيضًا، التي أصبحت عَدُوَّةً لإيران (قبل المصالحة المفاجئة في سنة 2023) ومُنَافِسَةً لقطر وتركيا.

الشخصيتان الجديدتان لحركة حماس، محمد ضيف، الذي أصبح زعيماً لكتائب عز الدين القسَّام -مِمَّا منحه شعبية كبيرة في كل من غزة والضفة الغربية -ويحيى السنوار، الزعيم السياسي في غزة الذي قضى أكثر من 20 سنة في السجون الإسرائيلية، تركتا بصماتهما على هجمات 7 أكتوبر 2023.

وساهم انسحاب إسرائيل من غزة (غشت -شتنبر 2005) في تجذر حماس في تلك المنطقة، مما أدى إلى إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية والوحدة الفلسطينية بشكل أعم. حيث تولت حكومة حماس، بنجاحاتها في الانتخابات البلدية والتشريعية لعامي 2006 و2007، السلطة في غزة على حساب السلطة الفلسطينية.

وبالنسبة لإسرائيل، أصبح قطاع غزة كياناً مُعادياً أخضعته للحصار الشامل منذ أكتوبر 2007، وتقوم بمهاجمته وتدميره بانتظام وتقتيل المدنيين:

- في 2 دجنبر 2000، شن جيش الدفاع الإسرائيلي هجوماً على غزة في إطار عملية الرصاص المصبوب؛

- في عام 2004، عملية قوس قزح ضد رفح؛

- في عام 2007، فرضت إسرائيل حصارا على الأراضي، أعقبته ردود طوال عامي 2008 و 2009؛

- في 27 دجنبر 2008، استمر الهجوم الإسرائيلي على غزة 23 يوماً، مما أسفر عن مقتل 1430 شخصاً؛

- في 3 يناير 2009، دخلت القوات الإسرائيلية إلى أراضي غزة؛

- في عام 2014، هجوم آخر استمر 51 يوماً؛

- تجدد العنف بين عامي 2015 و 2017؛

- عملية «مسيرة العودة» التي استمرت 6 أيام انطلاقاً من 12 نونبر 2019؛

- عملية كبيرة في عام 2021 أطلقت فيها حماس لأول مرة صواريخ بعيدة المدى على إسرائيل؛

- هجوم استمر يومين في غشت 2022، وهو العام الذي شهد أكبر تصعيد منذ الانتفاضة في الضفة الغربية؛

- في 9 ماي 2023، اتخذت عملية الدرع والسهم شكل غارات جوية على كامل أراضي غزة؛

- في 7 أكتوبر 2023، بعد دخول قوات حماس إلى الأراضي الإسرائيلية، اتخذ الرد الإسرائيلي شكل حرب شاملة.

في هذه الاشتباكات المختلفة، من خلال إطلاق الصواريخ الفلسطينية مقابل الغارات الجوية الإسرائيلية، استخدمت حماس جناحها العسكري، كتائب عز الدين القسام.

 كما كانت تتدخل في عمليات القتال حركة الجهاد الاسلامي، التي تأسست سنة 1981 بتشجيع من طرف ياسر عرفات لخلق نوع من الضغط على إسرائيل. وكان من يبين المؤسسين فتحي الشقاقي وعبد العزيز عودة اللذان تأثرا في البداية بفكر الإخوان المسلمين. بعد ذلك ابتعد الجهاد الإسلامي عن جبهة التحرير الفلسطينية، خاصة بعد اتفاقية أوسلو واقترب من إيران ومن حماس. لكنه بقي مصرا على الحفاظ على استقلاليته. وكان له حضور في هجومات 7 شتنبر 2023.

وفي إسرائيل، أصبحت السلطة متطرفة بقيادة نتنياهو الذي يفرض هيمنته على البلاد، بدعم من المتطرفين الدينيين. في هذا الإطار أقر الكنيست، في 19 يوليوز 2018، قانوناً يُكرس الطابع اليهودي للدولة. وهو قانون يفتح الباب أمام جميع الانتهاكات ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل ويمكن أن يؤدي إلى إضفاء الشرعية على ممارسات كل أشكال الإبادة العنصري. كما أدخل نتنياهو والمتطرفون الدينيون، ابتداءً من عام 2022، تعديلاً على التشريع للحدِّ من السلطة القضائية أمام السلطة التنفيذية، مما أثار معارضة شديدة من الرأي العام الإسرائيلي. وفي ظل هذا السياق شنت حماس هجماتها في 7 أكتوبر 2023، مما أدى إلى رَدِّ فعل إسرائيل وحربها الجديدة.

يؤكد الأستاذ الجامعي جان بيير فيليو، في عمود له بجريدة لوموند الفرنسية ليوم 26 نونبر 2023، أن فلسطين لم يسبق لها أبداً أن عانت مما تعانيه منذ 7 أكتوبر. كما قدم إحصاء بعدد الوفيات من الفلسطينيين طيلة مراحل هذا الصراع:

- القمع البريطاني للانتفاضة الفلسطينية عامي 1935-1936: 5000 قتيل؛

- النكبة عام 1948: 13000 قتيل، ما يعادل 1٪ من السكان الفلسطينيين آنذاك؛

-  1000 وفاة خلال الاحتلال الإسرائيلي لغزة في عامي 1956 و 1957؛

- بضعة آلاف من الضحايا في عام 1970 في الأردن (أيلول الأسود) ؛

- بضعة آلاف من ضحايا مذابح عام 1976 (تل الزعتر) ؛

-  3000 ضحية في مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982 في بيروت؛

- 1200 وفاة في الانتفاضة الأولى في الفترة 1987-1993؛

-  3000 وفاة في الانتفاضة الثانية (2000-2005) ؛

- أكثر من 4000 ضحية في العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد غزة بين عامي 2008 و 2022 ؛

- حصيلة الحرب في غزة إلى غاية 22 نونبر والاتفاقات المتعلقة بتبادل الأسرى الفلسطينيين ضد الرهائن الإسرائيليين: 14854 قتيلا... و25000 شهيد إضافة إلى آلاف المفقودين بتاريخ 15 يناير 2024. وما تزال الحرب مستمرة.

الشرق الأوسط، منطقة في حالة غليان مستمر

لقد كان لتطور القضية الفلسطينية آثار مباشرة وغير مباشرة على جميع مكونات الشرق الأوسط، بدءاً بالأداء الداخلي لمؤسسات الدول وصولاً إلى العلاقات المتناقضة بينها وعلاقاتها بالغرب وبقية العالم:

  1. أدت مختلف تقلبات الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني إلى اضطرابات سياسية في عدة دول. حيث شجعت على إنشاء أنظمة تقوم على سيادة الحزب الوحيد وهيمنة الجيوش. وقد أدى ذلك إلى تراجع التعددية والديمقراطية. وأدت هزيمة الجيوش العربية في سنة 1948 إلى سقوط الأنظمة الملكية في مصر عام 1952 والعراق عام 1958. وأدت هزيمة 1967 إلى انقلاب القذافي على السنوسيين في ليبيا. وهيمنت صيغتان من مفهوم القومية العربية في المنطقة: الناصرية في مصر والبعث في العراق وسوريا؛
  2. ومنذ الخمسينيات من القرن الماضي، تعرضت المنطقة لزعزعة الاستقرار بسبب التوترات التي ترجع إلى حد كبير إلى موقف الحكومات والنظم السياسية فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي:

- التوترات بين ما كان يسمى بالبلدان التقدمية من جهة (مصر الناصرية وسوريا والعراق البعث، وفيما بعد ليبيا) وما يسمى بالأنظمة المحافظة أو حتى الرجعية من جهة ثانية (المملكة العربية السعودية والأردن) ؛

- التوترات بين الناصرية والبعث وبين صِيغَتَيْ البعث (دمشق وبغداد).

حيث تمحور العداء بين هذه الأنظمة السياسية والعسكرية حول زعامة الوحدة العربية وطبيعة العلاقات مع المقاومة الفلسطينية؛

- التوترات الجيوسياسية بين إيران البَهْلَوِّيَة، من جهة، ومصر الناصرية، وكذلك اتجاه ملكيات الخليج والفلسطينيين، من جهة أخرى. والتناقض بين حضارتين، الفارسية والعربية، ولكن أيضاً بين الدول العربية المعادية لإسرائيل وإيران، التي كانت أول دولة في الشرق الأوسط تتحالف مع إسرائيل والتي ستقاطعها بعد تولي الخميني السلطة. وقد دخلت إيران الجديدة، حاملة لواء النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، في صراع مع مصر السادات والمملكة العربية السعودية ومعظم دول الخليج؛

  1. تزعزع استقرار الشرق الأوسط بسبب توالي الحروب بين الدول التي يتألف منها:

- حرب عبد الناصر ضد اليمن (1962-1970) التي اجتاحها 60000 جندي مصري. كانت اليمن الخاضعة للحكم الملكي آنئذ مدعومة من الأردن والمملكة العربية السعودية. أما اليمن الجنوبي الذي تحرر من الوصاية البريطانية، فقد تبنى النهج الماركسي.

أدى هذا التدخل العسكري إلى إضعاف الجيش المصري الذي فقد 30000 رجل ووجد نفسه غير مهيئ لمواجهة إسرائيل في سنة 1967.

- الحرب العراقية الإيرانية الكبرى في الفترة الممتدة من شتنبر 1980 إلى غشت 1988، التي أسفرت عن خسائر فادحة في الأرواح وخسائر مادية في صفوف الجانبين : ما يقرب من نصف مليون جندي ومثل هذا العدد من المدنيين. ولقد تم دعم العراق من قبل دول الخليج والولايات المتحدة.

- حرب الخليج الأولى (20 غشت 1990 -22 فبراير 1991) التي اندلعت بسبب غزو الكويت من قبل قوات صدام حسين، مما أدى إلى تدخل الجيش الأمريكي في إطار تحالف يضم 35 دولة. وانتهت بانسحاب العراق من الكويت وخضوعه لحصار الدولي. وبما أن منظمة التحرير الفلسطينية انحازت إلى جانب صدام حسين، سيتم طرد الفلسطينيين، وجلهم من الأطر، الذين استقروا في الكويت منذ الستينيات. وأدى ذلك إلى القطيعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وجميع دول الخليج.

- حرب الخليج الثانية، عقب هجمات 11 شتنبر 2001، التي شَنَّهَا بوش الابن في 20 مارس 2003 بمبرر امتلاك العراق المزعوم لأسلحة الدمار الشامل وقرب صدام حسين من القاعدة، وتمثلت عواقبها في اندحار نظام صدام حسين، الذي تم إعدامه في 30 دجنبر 2006، وتفكك بلاده وزعزعة استقرارها. مما سيشجع تَوَطُّن القاعدة وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية. وستقوم إيران، مستغلة هذا الوضع، ببسط نفوذها على الدواليب السياسية للبلد.

وفي هذا السياق، وتحت تأثير الأوساط اليمينية والدينية المتزايد، تفاقم تطرف إسرائيل وسَرَّعت من عملية الاستيطان وزادت من حدة ضغطها على السكان الفلسطينيين.

الربيع العربي ونتائجه

لقد فاجأت أحداث الربيع العربي المنطقة بأسرها. بعد انطلاقها بتونس في بداية سنة 2011، كانت هي الشرارة التي أشعلت انتفاضات شعبية حقيقية زعزعت استقرار أنظمة الحزب الواحد في العديد من البلدان العربية، مما أجبر هذه الأخيرة على إجراء انتخابات تعددية أدت إلى نجاح الأحزاب الإسلامية القريبة من الإخوان المسلمين، خاصة في مصر وتونس. وفي سوريا، تحولت انتفاضة 17 فبراير 2011 إلى حرب أهلية، مما أخضع البلاد للعديد من التدخلات الخارجية: إسلاميو داعش والروس والإيرانيون المؤيدون للأسد، وتركيا لاحتواء النفوذ الكردي في شمال البلاد والولايات المتحدة كما هو الحال في العراق لمحاربة إقامة تنظيم الدولة الإسلامية. كما أدت الانتفاضة الشعبية في ليبيا والتدخل الفرنسي البريطاني إلى تدمير نظام القذافي والقضاء عليه (20 أكتوبر 2011). وانقسمت البلاد إلى عدة مناطق، الغرب مع حكومة معترف بها من قبل الأمم المتحدة وبدعم من تركيا، والشرق الذي يهيمن عليه المارشال حفتر بدعم من مصر وروسيا والإمارات العربية المتحدة، والجنوب الذي وقع تحت قبضة القبائل والعشائر المختلفة. أدى تفكيك ليبيا بشكل مباشر إلى تغذية عدم الاستقرار في دول الساحل انطلاقاً من مالي مع التنامي النشط للراديكالية الإسلامية والقوى الانفصالية. وشهد اليمن بدوره، البلد الهش هيكلياً وتاريخياً، اهتزازاً بسبب انتفاضة شعبية أدت إلى القضاء على الرئيس علي عبد الله صالح في 27 يناير 2011، وعانى من حرب منذ 25 مارس 2015 قادتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ضد الحوثيين الذين تمكنوا من التوطن في صنعاء بدعم من إيران.

وأخيراً، تفاقمت الأزمة السياسية في لبنان في بلد أصبح غير قابل للاستقرار، وغير قادر على إعادة بناء المؤسسات الأساسية وانتخاب رئيسه. وراء الأزمة في لبنان، كما هو الحال في اليمن، هناك العداء بين المملكة العربية السعودية وإيران.

وفي كل مكان، أدى تصاعد التوترات وتفاقم عدم الاستقرار الإقليمي في أعقاب فشل الربيع العربي إلى «تَنَاِسي» الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. حيث أطلقت الحكومة الإسرائيلية التي تفاقم توجهها اليميني، بدعم من ترامب، مسلسل تطبيع علاقاتها مع دول الخليج في إطار مقاربة أبراهام. وفتحت المملكة العربية السعودية نفسها مفاوضات ثنائية مع الحكومة الإسرائيلية والتي توقفت منذ انطلاق حرب غزة.

عشية 7 أكتوبر 2023، كانت الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو في ورطة بسبب غطرسة مزدوجة: ضد الفلسطينيين الذين تقمعهم وضد مجتمعها الذي يرفض إصلاحها القضائي.

ومع الحرب الجديدة، استعادت القضية الفلسطينية مركزيتها في العالم من خلال انقسام جديد بين الغرب الذي يدعم إسرائيل والجنوب المُعَوْلَم. وبشكل أقوى من الحرب الأوكرانية، أعطى إحياء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الجنوب المُعَوْلَم الفرصة لإظهار وحدته، لاسيما مع اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو إلى هدنة إنسانية فورية في غزة في 27 أكتوبر 2023. وتمكنت المملكة العربية السعودية، التي ترغب في تعزيز نفوذها الإقليمي، من جمع في أكتوبر جزءٍ من هذا الجنوب المُعَوْلَم لصالح الحقوق الفلسطينية من خلال تنظيم ثلاث قمم في الرياض تجمع بين دول عربية وإسلامية وإفريقية.

ختاماً

كشفت الحرب الفلسطينية الإسرائيلية الجديدة حول غزة في عام 2023 أن القضية الفلسطينية لا تزال مركزية ولا يمكن تجاهلها. ولا يمكن تجنب ذلك إذا أردنا بناء شرق أوسط جديد تقبل فيه جميع كيانات الدول بعضها البعض وتتعايش.

إن الاعتراف بأن الاحتلال الاستيطاني هو أصل الصراع يعني ضرورة الاعتراف بشرعية الكفاح الفلسطيني.

في الوقت الحالي، في خضم الصراع، يبدو أن السلام بمثابة حُلْمٍ مثاليٍ بعيد المنال. ومع ذلك، يجب أن نعطيه فرصة جديدة. ومن شأن مراعاة وجود شعبين يتنافسان على نفس الأرض، والاعتراف بأن شعباً واحداً ودولته قد استعمرا أراضي الشعب الآخر، والامتثال للقرارات المتتالية التي اتخذها مجلس الأمن منذ سنة 1948 والتي أوصت بتقاسم الأراضي وطالبت بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، من شأن كل ذلك أن يؤدي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

في هذا الإطار يجب على القوى العظمى اليوم، الولايات المتحدة والصين، مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والدول الصاعدة في مجموعة العشرين أن تأخذ زمام المبادرة لضمان حل الدولتين هذا، الحل الوحيد القابل للتطبيق (المستوى الأول).

كما يجب أن تلعب القوى الإقليمية الجديدة، المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا ومصر، دوراً نشيطاً في إيجاد حلول في المفاوضات (المستوى الثاني).

ويتعين على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يقبلوا نهج التعايش. ويجب على إسرائيل أن تجدد ديمقراطيتها، التي تنحصر الآن في خدمة الاحتلال. كما يجب أن تتطور المنظمتان الفلسطينيتان الكبيرتان: يجب على حماس أن تدير ظهرها بشكل قاطع للراديكالية ويجب على فتح تجديد قيادتها وبث حياة جديدة في منظمة تحرير فلسطينية ذات مصداقية أكبر. إن القضية الفلسطينية قضية عادلة للتحرر الوطني. إنها تستحق توحيد الصفوف (المستوى الثالث).

دجنبر 2023−يناير 2024

__________________

[i]  عمليات:  بساط الريح « 1949 ؛ عزرا ونحميا 1951 ؛قادش   1956 ; الرعد 1976، وأعيد تسميته جوناثان ؛ الليطاني 1978; موسى  1984 ؛ الساق الخشبية 1989 ؛ سالومون ١٩٩١ ؛ تصفية الحساب في عام 1993 ؛ عناقيد الغضب 1996 ؛  الدرع الواقي 2002; قوس قزح 2004 ؛ أيام الغضب لعام 2004 ؛ أمطار الصيف 2006 ؛ حرب تموز (حسب التسمية الشائعة في لبنان) أو حرب لبنان الثانية (حسب التسمية الإسرائيلية) 2006،  البستان 2007 ؛ الرصاص المصبوب 2009 ؛  عامود السحاب 2012 ؛ مجموع الإفصاح 2014 ؛  الجرف الصامد2014; حراس إخواننا 2014 ؛ درع الشمال 2018 ؛ الحزام الأسود 2019 ؛ حراس الجدران 2021.