مهرجان "ثويزا".. يوسف زيدان: خطبة طارق ابن زياد تزوير بديع وتقسيمات الجابري للتراث وهمية

محمد فرنان

دعا الأديب والكاتب يوسف زيدان، من مدينة طنجة، إلى "إمتلاك القدرة النقدية لإصدار أحكام صائبة على الحكام والحكماء في تاريخنا، وهذا لن يكون إلا بوجود معايير، وهو على كل حال معيار بسيط".

بين قوسين

وأضاف زيدان في محاضرة له بمهرجان ثويزا، عشية أمس السبت، بعنوان "الحكم على الحكام والحكماء"، أن "الحكيم ننظر في منهجه وإبداعاته العلمية وآثاره بعد وفاته، والحاكم ننظر في مساره من بداية حكمه إلى نهايته، إذا كان فيها ويلات وقتل وتخريب، حينها لا يستحق منا اي تقدير".

وأوضح المتحدث ذاته، أنه "نفعل العكس، ونشوش على الوقائع التاريخية، لذلك نعجز عن إصدار الأحكام، مثلا في الشرق، لم نسمع عن الكاهنة دهية، التي ظهرت بعدما قتل المسلمون كسيلة، والملقبة في المصادر في العربية بالكاهنة وهو لقب غير بريئ، والمشهور أنها كانت يهودية، وهذا غير صحيح".

وأبرز الفيلسوف أن "هذه المرأة قامت بتوحيد كل القبائل الأمازيغية تحت راية واحدة، ولُقبت بالكاهنة عند النصوص العربية، لأن اللفظ يحيل على العقيدة والديانة، لذلك نضع هذه الكاهنة بين قوسين لأن المادة المتوفرة عنها غير كافية ولا يمكن حينها إصدار حكم في حقها".

وتابع: "في المقابل علينا أن نصدر حكما بحقارة السفاحين اللذين قتلوا الناس ليحكموا، وعلينا تمجيد واحترام المفكرين والعلماء اللذين كانت لهم إضافات إلى زمانهم وللإنسانية، بهذا الحكم يمكن أن تتطور العقلية الجمعية للعرب ولمن يقرأون بالعربية".

وأشار أنه "إذن لنحكم على الحكام والحكماء لا بد من الإدراك النابع من المعرفة، وإذا لم تكن المعلومات غير كافية، هنا نتوقف ونضعه بين قوسين إلى إشعار آخر، إلى حين ضبط الرواية التاريخية أو اكتشاف المزيد عنه".

طارق بن زياد

وأول مثال قدمه الأستاذ الجامعي يوسف زيدان على وضع شخصية بين قوسين، لطارق بن زياد، قائلا: "في مناهجنا الدراسية الأولى، درسنا أنه أمازيغي وشارك في فتح جزيرة إيبيريا، فإذا نظرنا إلى اسمه، وجدناه طارق، ومقبول أن يكون هذا الاسم، وقد يكون سمي به بعدما  دخل الإسلام، ماذا عن أبيه زياد الذي لم يشهد الإسلام، ولا يعرف الثقافة العربية، لذلك لا معنى أن يكون اسمه زياد، والأكثر من هذا هو اللقب الليثي، هذا في كل المصادر، من أين جاء الليثي، من هنا نبدأ في الانتباه".

ولفت إلى أنه "حتى تأتينا الخطبة التي درسناها في المدارس، وسأقرأ عليكم مقاطع منها، هذا الكلام لا أظن من واقع خبرتي بالتراث العربي أن يقال قبل الجاحظ، هذه المتانة والسبك اللغوي، كيف لشخص في القرن الأول الهجري، وأسلم حديثا، أن يكلم جنوده من الأمازيغ باللغة العربية، وأعجبني التزوير البديع".

وأفاد أنه "طارق ابن زياد يقال عنه، لما وصل للظفة الأخرى، حرق المراكب، معنى ذلك أنه كان متخلف ذهنيا، وهذا خطأ عسكري استراتيجي، والهزائم التي عرفتها الجيوش عبر التاريخ تكون أحيانا بسبب قطع طريق الإمدادات، فكيف بطريق الارتداد؟ والحرب كر وفر، والقصة كلها غير منطقية".

وأورد أن "طارق ابن زياد المزعوم، وقلت ذلك لأن بعض الباحثين شككوا أصلا في وجوده، ومن هنا لا نحكم على هذه الشخصية التاريخية إنما نضعها بين قوسين".

 تقسيمات محمد عابد الجابري

وجوابا على أسئلة الحضور، ذكر أن "محمد عابد الجابري التقيت به مرة واحدة، أظن في سنة 2007 أو 2006، وتحدثنا طويلا، كما تعلمون يقسم الثرات إلى تقسيمات وهمية، إلى برهاني وعرفاني والبياني، ولقد نشرت رأي لي لما كنت شابا ومتحمسا بشكل زائد في الحوارات التي كانت بين حسن حنفي، ومحمد عابد الجابري".

وأورد صاحب وراية عزازيل، "قلت أن الحوار بين حسن حنفي ومحمد عابد الجابري، (كلام فاضي)، لأنهما معا يتكلمان في الثرات، ولا تجد مخطوطة في كلامهم، و95 في المائة من التراث العربي مخطوط لم ينشر، إذن لما تتقاتلون على الجزء المتداول المعروف".

وتابع: "لما يقول الجابري، طبعا هو أستاذ كبير، أن التراث ينقسم إلى برهاني وعرفاني وبياني، فنقول له جابر ابن حيان، كيميائي معروف ومؤمن بالأئمة الشيعية بأنهم لا يخطئون، ومن وسائل الاستدلال عنده ما يقوله الإمام، إذن هو عرفاني أم برهاني، وابن سينا كان له شغف بالعمل العلمي، لكن يضاف لهم أمرين، النبيذ والنساء، حينما يرغب في النوم يحتسي كأسا من النبيذ، وبعدها يقوم للصلاة، وينكر المعاد الجسماني، ويبدع في تحليل الحالات النفسية، كيف سأصنفه؟ وفق تقسيمات الجابري، لن أستطيع".

وشدّد على أن "البعض يظن أنني اتخذ مواقف شخصية من شخصيات تاريخية أو المعاصرة، وهذا غير صحيح، ولكن أسعى إلى الابتعاد عن الصورة النمطية التي يتم ترويجها".