نجيب أقصبي: انتقادي للمخطط الأخضر لا تحكمه الإيديولوجيا.. وهذه أدلتي

المصطفى أزوكاح

لم يكف الاقتصادي المغربي، نجيب أقصبي، عن إبداء تحفظه على الاستراتيجية الفلاحية، التي اتخذت اسم مخطط المغرب الأخضر. الكثيرون ممن لا يشاطرونه تحليلاته، يعتبرون أن وراء آرائه المنتقدة أحكام مسبقة ذات خلفية إيديولوجية وحزبية، غير أنه في هذا الحوار، يشدد على أنه لم يسبق له أن صدر في تناوله للمخطط من اعتبارات غير تلك التي يمليها عليه الباحث فيه، فهو من الأكاديميين المغاربة، الذي اشتغلوا كثيرا على الزراعة، التي تخصص فيها، بحثا وتدريسا. يؤكد أقصبي، في هذا الحوار، على أنه ينتقد المخطط الأخضر، بالاستناد على الأهداف التي حددها، والتي لم يستطع بلوغها، بسبب شروط بلورة المخطط والفرضيات التي انطلق منها وعدم تجاوز بعض المعطيات الهيكلية التي تحكم أداء القطاع الزراعي، فالمغرب مرتهن للتساقطات المطرية والمشكل العقاري لم يحل.. من أجل خلق طبقة وسطى في العالم القروي.

سنتحدث عن تقييمكم لمخطط المغرب الأخضر منذ 2008، لكن قبل ذلك هناك من يعتقد بأنكم تصدرون فيما تنتجونه من خطاب حول المخطط من اعتبارات إيديولوجية وحتى حزبية..

حاولت دائما عندما أتصدى للتحليل إلى الالتصاق بالوقائع، فأنا أتوخى الموضوعية في ما يصدر عني من آراء، حيث لا أحيد عما يمكن أن يلاحظه كل شخص. أبني نقدي على الوقائع والإحصائيات التي يمكن الرجوع إليها من قبل أي مهتم. و من الصعب القول، بعد ذلك، إنني أصدر عن خلفية إيديولوجية أو حزبية.

عندما جاء مخطط المغرب الأخضر، لم تكن هناك أية استراتيجية. فمنذ برنامج التقويم الهيكلي، الذي انتهى سريانه في 1993، لم نتوفر على رؤية. كانت لدينا العديد من الدراسات التي ظلت حبيسة الأدراج، وبالتالي، عندما أعلن عن هذا المخطط، قبل أكثر من عشرة أعوام، قلت من الجيد أن تكون لدينا استراتيجية، رغم عدم مشاطرتنا لما جاء فيها.

لم يسبق لوزارة الزراعة أن توفرت على موارد مالية مثل تلك التي ضخت فيها حاليا

لا أنتقد الخطيئة الأصلية، التي تتمثل في الشروط التي تبلور فيها المخطط، وهي الشروط التي استمرت في إنتاج نفس النتائج إلى حدود الآن.

فقد دأب الخبراء وأطر وزارة الفلاحة و المثقفون على التفكير وإنتاج دراسات واستراتيجيات، غير أن الوزارة وضعت كل ذلك جانبا، وفضلت التوجه لمكتب دراسات دولي، حيث أسندت إليه وضع استراتيجية حول قطاع حيوي. أنا ليس لدي أي تحفظ على مكاتب الدراسات، شريطة أن يتوفر فيها شرط الخبرة والكفاءة. هذا شرطي الوحيد، يجب أن تكون لديها معرفة وإحاطة دقيقة بالموضوع الذي ستنكب عليه.

لكن مع ذلك كان للمخطط فضل توضيح الوجهة على مستوى السياسية الفلاحية، أليس هذا كافيا؟

لاحظنا عند قراءة وثيقة الاستراتيجية، أنها تتضمن أخطاء، لأنها بلورت من قبل أشخاص لا يعرفون جيدا تفاصيل الموضوع، فالانطلاقة كانت سيئة، ومع ذلك حرصت منذ البداية على التشديد على الإيجابي في المخطط.

أولا، بعد خمسة عشرة عاما من الفراغ، كان من الجيد، القول إن المغرب سيتوفر على رؤية من أجل إعادة تأهيل الفلاحة، حيث سيجرى وضع استراتيجية وتوفير وسائل بهدف ترجمتها،

ثانيا، بدا لي أن الحديث لأول مرة عن ترجمة الاستراتيجية على الصعيد الجهوي، شكل نوعا من التقدم المرغوب.

استفاد من ظروف متواتية لم يحظ بها أي مخطط آخر في السابق

ثالثا، استحسنت المقاربة التي استندت على السلاسل، ومن ثمة جرى الحديث عن التنظيمات البيمهنية، ما يعني، نظريا، خلق نوع من الترابط بين الإنتاج والتحويل، وقد شهدنا، بعد ذلك، تنظيم العديد من السلاسل.

رابعا، أثيرت في المخطط مسألة التجميع، صحيح، أن التجميع، أريد منه الالتفاف على مشكلة الأراضي Le probléme foncier، الذي لم يعالج، ومادام كبار المزارعين لم يعودوا يتوفرون على إمكانية التوسع بسبب ضيق مساحات الأراضي الصالحة للزراعة، فإن التجميع، جاء، بدعوى منحهم دورا قياديا في سلاسلهم، كي يوفر لهم مساحات مهمة، غير أنه بعيدا عن هذا البعد، فإن التجميع كشكل من شكال تنظيم المنتجين أمر جيد.

أنت ترى أنني أتحدث عن عديد من الأفكار الإيجابية التي جاء بها مخطط المغرب الأخضر.

لاحظ أنني من البداية قمت بتحليل مخطط المغرب الأخضر  بالاحتكام للنوايا المعلن عنها، لم أنخرط في تقييم الإنجازات، حيث اخترت، التريث من أجل رؤية الإنجازات. واليوم، نتوفر على بيانات وإحصائيات ووقائع وتجارب تغطي عشرة أعوام من حياة المخطط. فمقاربتي موضوعية، لا تستند على معاييري الخاصة، بل تحتكم لمنطق المخطط الأخضر نفسه. أنا أنظر إلى الأهداف التي حددها، وأنظر في مدى تحقيقها. فعندما يتعهد المخطط بخلق مليون ونصف مليون منصب شغل في أفق 2020، أعود للإحصائيات التي توفرها المندوبية السامية للتخطيط، وأستقرىء عدد فرص العمل التي تم خلقها في القطاع الزراعي، أنا أنظر إلى المخطط ومدى بلوغه لأهدافه، إذن، أنا أقيم مخطط المغرب الأخضر بالنظر لتجربة استغرقت أكثر من عشرة أعوام مدعمة بالتجارب والإحصائيات.

تتحدثون عن استراتيجية، هذا يعني أن وزارة الفلاحة الحالية مكنت المغرب من رؤية تسترشد بها، عكس سابقاتها.. أليس يحسب لها ذلك؟

يجب وضع المخطط الأخضر في سياقه، فقد استفاد من ظروف متواتية لم يحظ بها أي مخطط آخر في السابق. لاحظ أنه لم يسبق لأي وزير أن تمتع بالسلطة التي توفرت لوزير الفلاحة الحالي، عزيز أخنوش، ما سهل له الأمور. هذا ومن جهة أخرى، لم يسبق لوزارة الزراعة أن توفرت على موارد مالية مثل تلك التي ضخت فيها حاليا، فقد تضاعفت ميزانيتها بخمس مرات ووضعت رهن إشارتها إمكانيات مالية مهمة للدعم. وهناك عامل آخر حاسم، يتمثل في كون الظروف المناخية جاءت مواتية، فبدون أمطار لا يمكن توفير أهم شرط للنجاح للزراعة بالمغرب، وقد بلغ متوسط التساقطات المطرية السنوية  منذ انطلاق المخطط في 2008 وإلى غاية العام الماضي 410 مليمتر، بينما كانت في الفترة الممتدة بين 2000 و2007 في حدود 366 مليمتر. لقد كانت، الظروف المناخية، بشكل عام، مساعدة للمخطط، خاصة أننا كنا نشاهد قبله توالي سنوات الجفاف. لقد كانت الدولة سخية عبر الدعم الذي قدمته، من أجل التوسع في المكننة واعتماد تقنيات جديدة في مجال السقي والمضي في إدخال استعمال البذور المختارة.

هل حقق المخطط هدف تحديث الزراعة، بما يتيح زيادة الإنتاج والتوسع أكثر على مستوى التصدير؟

لقد كان المحور الأول، هو تحديث الزراعة وزيادة الإنتاج والصادرات، وهو توجه يندرج ضمن استمرارية السياسة القائمة على تطوير الصادرات وإدماج المغرب في الأسواق العالمية. لذلك نتساءل اليوم حول العناصر التي تؤشر على تحديث الزراعة، ولعل المعيار هو ذلك الذي له صلة بالتكثيف، وذلك عبر النظر إلى مدى التقدم في استعمال المكننة والأسمدة والبذور المختارة والمواد المتصلة بالصحة النباتية. وعندما نتحدث عن التحديث، نلاحظ أننا مازلنا دون المستوى المرغوب، فلم يتجاوز استعمال البذور مليون طن، بينما يفترض أن نكون، قد وصلنا إلى 2,5 ما يعني أننا، لم نحقق سوى 40 في المائة من الهدف. وعندما ننظر إلى البذور المختارة، نسجل أن استعمالها لا يتعدى 20 في المائة، بينما كنا قبل التسعينيات قد بلغنا 16 في المائة، وعندما ننظر إلى المكننة، نسجل أننا لم نتقدم كثيرا، فاستعمال الجرارات، في حدود 0,38 حصان/ هكتار، فلم نتجاوز 8 جرارات في الألف هكتارات. لقد سجلت مبيعات الجرارات ارتفاعا كبيرا في بداية المخطط، لكن سرعان ما تراجع وهدأت السوق، فبعدما بيع 6791 جرار في 2010، لم يتجاوز ذلك العدد 2350 في العام الماضي. يصعب بعد هذه المعطيات أن نقول إننا تقدمنا في مجال التكثيف، خاصة بالنظر للوسائل التي سخرت.

ماذا عن العلاقة بين الإنتاج والتحويل الذي كان رهانا كبيرا في المخطط؟

المشكل أن الزراعة منفصلة عن الصناعة المرتبطة بها، فلا نتوفر على توجه في مجال التحويل، دون ان نتحدث عن مشاكل التسويق وريع أسواق الجملة. لقد كان يتوجب أن نتوجه نحو نوع من الزراعة المندمجة، هذا هو منطق المقاربة التي قامت عليها فكرة السلاسل، حيث يفترض التوجه نحو زراعة مندمجة، تمتد من المحصول إلى التحويل، غير أننا لم نحقق هذا الهدف، وقد رأينا في العام الحالي، مثالا بارزا على ذلك الانفصال بين الإنتاج والتحويل، أنا أستحضر هنا، ما حدث على مستوى الحوامض ببركان حيث تخلص المزارعون من الحوامض، فقد وفر للقطاع الدعم ووسعت المساحة من 80 ألف هكتار إلى 125 ألف هكتار، وانتقل الإنتاج من 1,2 مليون طن إلى 2,3 مليون طن، وقد كان الفائض موجها للتصدير، والحال أن تخلص المزارعين من الحوامض ببركان في الموسم الحالي، يكشف عن أنه لا شيء انجز من أجل التصدير أو التثمين، بل إن ما نلاحظه اليوم أن الصادرات تراجعت عما كانت عليه في السابق، فقبل عشرين عاما، كنا نصدر نصف الإنتاج من الحوامض، بينما اليوم لا يتجاوز ذلك ما بين 20 و25 في المائة، هكذا نجد أنفسنا أمام فائض إنتاج لا يعرف المزارعون ماذا يفعلون به، فتضيع، والحال أنه لو أحدث مصانع لإنتاج العصائر، لحل المشكل. أنا أميل لخدمة السوق المحلية أولا، لكنني أحكم على الأمور انطلاقا من أهداف المخطط، الذي لم يحقق لا هدف التصدير ولا هدف التثمين. والنتيجة كانت كارثية هذا العام.

رغم ذلك حصل تقدم على مستوى الإنتاج. أليس كذلك؟

لقد أريد للمخطط أن يكون إنتاجويا، يقوم على الإنتاج والتصدير، غير أننا نلاحظ أنه لم يكن له انعكاس على الناتج الداخلي الزراعي، فقد ظل يتأثر بالتساقطات المطرية. لم يحدث تغيير على هذا المستوى، فنحن نلاحظ أن الناتج الداخلي الخام الوطني يحدده الناتج الداخلي الزراعي، والذي يرتهن للأمطار. وهذا معطى لا نتحكم فيه.

المخطط الأخضر يخاطب أقلية من المزارعين عديمي الفعالية

يجب أن نتذكر أن الفكرة التي قام عليها المخطط في البداية، كانت خلق نوع من الاستقلالية للناتج الداخلي الزراعي عن المعطيات المناخية مع تكثيف الإنتاج. من هناك جاءت الفكرة التي ترنو إلى خفض مساحة الحبوب من 5,2 مليون هكتار إلى 4,1 مليون هكتار في 2020، مع توجيه المساحة المتمثلة في 1,1 مليون هكتار للتشجير. وعندما ننظر المساحة المخصصة للحبوب لم تنخفض على بعد عام على نهاية النسخة الحالية من المخطط. هذا يعني أننا لم نحقق تقدما على مستوى تقليص المساحة.

لماذا؟

يجب أن نعلم أن أي شخص يدرك دور الحبوب في الإنتاج الزراعي المغربية، إنه نمط حياة. فالمزارعون المغاربة يزاوجون بين الإنتاج الحيواني والإنتاجي النباتي. يفترض أن ندرك أن الحبوب، وخاصة الشعير، يعول عليها من أجل توفير العلف، وتربية المواشي، تشكل نوعا من التأمين أو استثمارا يحل مشاكل المستقبل.

نحن نلاحظ أن المزارعين، شجعوا على التحول إلى الأشجار التي لن تطرح ثمارها سوى بعد أربعة أعوام، لقد منحوا دعما من أجل ذلك، فالتشجير مغر، غير أنهم لم يتخلوا عن الحبوب وتربية المواشي. هذا يحدث نوعا من التوازن بالنسبة لهم، وإن كان من الناحية الزراعية غير جيد، على اعتبار أن وجود الحبوب بجانب الأشجار، يخلق نوعا من "الصراع" على المياه بين الزراعتين.

وعموما، نحن لم نخفض مساحة الحبوب، وظل المحصول مرتهنا للتساقطات المطرية، هذا ما يتجلى، بشكل صارخ هذا العام، ما يعني أن الأفكار التي جاء بها من بلوروا المخطط لم تأخذ بعين الاعتبار طبيعة انشغالات المزارعين الصغار والمتوسطين.

وأنت تلاحظ أن متوسط المحصول يتراوح في المتوسط السنوي بين 60 و70 مليون قنطار، حيث أنه بعدما كنا نحقق الاكتفاء الذاتي في حدود 50 في المائة، تراجع ذلك المعدل إلى 40 في المائة، ونحن نستورد اليوم بشكل، بنيوي، جزءا معتبرا من حاجياتنا من الحبوب.

ماذا عن المحاصيل الأخرى التي راهن عليها المخطط؟

عندما ننظر إلى الزيوت نسجل أننا نستورد 98 في المائة من حاجياتنا، وفي ما يتعلق بزيت الزيتون، قمنا بزيادة المساحة من 650 ألف هكتار إلى 1,1 مليون هكتار، هكذا ارتفع الإنتاج كي يصل في العام الحالي إلى 2,2 مليون طن، وبينما كانوا يقولون إن الطلب الخارجي سيرتفع، رأينا أننا فقدنا حصصا في السوق العالمية، ما دمنا لم نتمكن من زيادة صادراتنا. وبما أن العرض يكون كبيرا في السوق المحلي، فإن المزارع الصغير، يكون هو المتضرر من هذا الوضع. فهذا القطاع يعطى مثالا صارخا، على توسيع المساحة المزروعة وزيادة الإنتاج، دون أن التمكن من التصدير، حيث يبقى الفائض في السوق المحلي، ما ينعكس سلبا على المنتجين المحليين، خاصة الصغار منهم.

فقدنا 131 ألف فرصة عمل صافية، عوض الاتجاه نحو خلق 1.5 مليون فرصة عمل.

ولعل أبرز مثال على عدم بلوغ أهداف المخطط، هو ما حدث على مستوى قطاع السكر، فالإنتاج الوطني في السبعينات، الذي كان يغطي 55 في المائة من الحاجيات، تراجع إلى 20 في المائة في 2012، قبل أن يرتفع إلى 47 في المائة في العام الماضي. نحن نوجد دون المستوى الذي بلغناه في السبعينات. ما لاحظناه على مستوى السكر، يتجلى، كذلك، عند النظر لقطاع الحليب، حيث يصل الإنتاج إلى 2,4 مليار لتر، حيث نبقى بعيدين عن هدف 5 ملايير لتر الذي حدده المخطط الأخير في 2020.

مع ذلك تبقى المنتجات الزراعية من أهم صادرات المملكة؟

هناك مؤشر على عدم التوفيق في هدف التصدير، فالميزان التجاري الفلاحي وصل في العام الماضي إلى 17 مليار درهم، حيث أن تغطية الصادرات للواردات لم تتعد 47 في المائة، ما دامت مبيعات المملكة من المنتجات الزراعية في الخارج، وصلت إلى 22 مليار درهم، بينما بلغت المشتريات من الخارج 39 مليار درهم. فبالنظر لما سخر من دعم للتصدير، كان يفترض أن يسجل الميزان فائضا لصالح المغرب.

ما هي مبررات عدم التقدم في التصدير، كما تقولون؟

ما لم نرد إدراكه، هو أن مخطط المغرب الأخضر، بني على تصور يستحضر نموذج الضيعات الكبرى، التي تعتبر بمثابة آلات صناعية، والحال أن ما بين 75 و80 في المائة من المنتجين الزراعيين هم من الصغار والمتوسطين، الذين لديهم انشغالات أخرى مرتبطة بنمط الإنتاج المعاشي. إذا كنت تراهن على المزارعين الكبار، يجب أن أن تتساءل حول ما يمثلونه. وحتى عندما تتناول المزارعين الكبار والمصدرين، فأنت تعود لتلاحظ نفس المشاكل البنيوية، فقد منح لهم الدعم من أجل دعم تنافسيتهم وجرى توقيع اتفاقيات للتبادل الحر فتحت أمامهم أبواب التصدير، غير أنهم لم يلعبوا دورهم المتمثل في البحث عن عقود تصدير وفتح الأسواق. لنأخذ اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة في شقه الفلاحي، فهو يمنح إمكانيات تصدير كبيرة مقارنة بما يسمح به الاتفاق مع الاتجاد الأوروبي، غير أنه يبقي على المصدر المغربي، احترام الجودة، والمعايير الصحية، والترويج للمنتوج، وإبرام عقود مع قنوات التسوق والتوزيع وإتقان اللغة الإنجليزية. يجب أن نلاحظ أن المصدرين المغاربة لم يستطيعوا سلوك هذه السبيل، ولم يستفيدوا من الفرص التي يتيحهم ذلك الاتفاق، هذا يفسر العجز التجاري  الصارخ على مستوى المنتجات الفلاحية الذي يعاني منه المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية. ويتجلى أن المخطط الأخضر يخاطب أقلية من المزارعين عديمي الفعالية.

ماذا عن فرص العمل التي توقع المخطط توفيرها في أفق 2020؟

عندما نستقرىء التاريخ، نلاحظ في نموذج البلدان المتقدمة، أن حصة الزراعة تتراجع مع ارتفاع الإنتاجية، التي تعني أن ما كان ينجزه العامل في يوم أضحى يقوم به في نصف يوم أو ربعه. هكذا، تم تحرير جزء من اليد العاملة من الزراعة، كي تلتحق بالمدن، وتتحول إلى الصناعة الصاعدة في تلك البلدان.

يجب أن نقوم في حالتنا باختيار، فأنت لن تستطيع تحقيق هدف رفع الإنتاجية، والتعبير عن الرغبة في خلق مليون ونصف مليون فرص عمل في القطاع الزراعي في أفق 2020، لأن المؤكد أن تحقيق الهدف الأول عبر دعم الممكننة والتقنيات، سيفضي إلى الحد من ارتفاع عدد مناصب الشغل.

ونحن عندما نفحص بيانات المندوبية السامية للتخطيط، نلاحظ أن الفلاحة خلقت مناصب شغل صافية، وصلت في المتوسط السنوي إلى 26 ألف بين 2000 و2007، بينما فقدنا 12 ألف فرصة عمل صافية بين 2008 و2018، هكذا يستفاد من بيانات المندوبية السامية للتخطيط أننا فقدنا 131 ألف فرصة عمل صافية، عوض الاتجاه نحو خلق 1,5 مليون فرصة عمل.

هذا الأمر كان منتظرا لأنك لا يمكنك أن تمعن في دعم المكننة وتوسيع التقنيات دون أن تفقد فرص عمل في الزراعة. صحيح أننا ربحنا على مستوى المردودرية في بعض الزراعات مثل الحبوب والسكر، لكن هل انعكس ذلك إيجابا على التشغيل؟  فما يحدث في قطاع السكر مثلا يؤشر على التحول في المسار التقني، بما له من آثار على التشغيل، فقد انتقلنا من البذور المتعددة الأجنة Multigerme إلى البذورالأحادية الجنين Monogerme، وتساعد هذه التقنية الثانية القائمة على الممكنة، على رفع الإنتاجية، لكنها تقتضي استدعاء يد عاملة أقل من الأولى. وهذا أبلغ مثال على تغيير التقنية من أجل رفع الإنتاجية وكلفتها على فرص العمل. لا يمكنك الجمع بين المردودية وزيادة فرص العمل.

عندما نريد خلق طبقة متوسطة قروية، يجب التوفر على سياسة لإعادة توزيع الأراضي

لاحظ أن الملك أوصى بتحسين الدخل والتشغيل في العالم القروي، فلو بلغ المخطط أهدافه على هذه المستويات لما ألح الملك على ذلك، فقد هدف المخطط الأخضر إلى رفع القيمة المضافة الزراعية من 78 مليار درهم إلى 140 مليار درهم، والحال أننا في حدود 120 مليار درهم، وهو مستوى سينخفض في العالم الحالي بسبب ضعف التساقطات المطريةوراهن المخطط الأخضر على خلق 1,5 مليون فرصة عمل، وهو هدف لم يتم بلوغه كما تجلى من بيانات المندوبية السامية للتخطيط التي سقتها، كما أن المخطط توقع مضاعفة دخل ثلاثة ملايين مزارع بمرتين وثلاث مرات.

ماهي شروط خلق طبقة وسطى بالعالم القروي؟

يجب أن ندرك أن الخطيئة الأصلية، هي أننا لم نعالج مشكل العقار Le Foncier، فالبلدان التي تقدمت هي التي استطاعت، في مرحلة من تاريخها، إنجاز إصلاح زراعي Réforme agraire. نحن نؤدي اليوم ثمن عدم تسوية مشكلة العقارالزراعي، وعندما نريد خلق طبقة متوسطة قروية، يجب التوفر على سياسة لإعادة توزيع الأراضي التي تتيح نوعا من الحركية الاقتصادية، فالأراضي ليست موزعة بطريقة غير عادلة فقط، بل إنها لا تتيح التحويل الاقتصادي Transformation économique.

هل نتوفر على بانوراما محينة حول الرصيد العقاري الزراعي بالمغرب؟

إذا قلت أن 71 في المائة من الأراضي الزراعية، تقل مساحتها عن خمسة هكتارا، فهل تعلم من أين استقيت هذا المعطي؟  إنها تعود للإحصاء الزراعي الذي أنجز في 1996، وقد قيل بعد بلورة المخطط الأخضر إن إحصاء زراعيا سينجز، حيث سنتوفر على معطيات مفصلة حول الأراضي الزراعية والاستغلاليات والزراعات واليد العاملة. ونحن نعلم أن تلك الدراسة موجودة منذ 1995، لكن لا أحد له معرفة بنتائجها وتفاصيلها. هل تعلم أن المندوبية السامية للتخطيط نفسها لم تستطع الحصول على نتائج تلك الدراسة من وزارة الفلاحة والصيد البحري. ويجب أن نتوفر على معطيات محينة من أجل مقاربة مسألة الطبقة المتوسطة في العالم القروي، لا يمكن أن نقوم بذلك بالاستناد على معطيات تعود لعام 1993.

لقد جاء في أحد عروض وزير الفلاحة والصيد البحري بمناسبة المناظرة الوطنية حول الزراعة بمكناس، بأن المغرب يتوفر على 1,8 مليون استغلالية، علما أن إحضاء 1996، أحصى 1,5 مليون استغلالية، يجب توضيح كيف زادت 300 ألف استغلالية في الوقت الذي لم تتوسع المساحة الصالحة للزراعة بالمملكة. هذا الوضع، يدفعنا إلى طرح فرضية مفادها أنه إذا لم يكشف عن تفاصيل الإحصاء المنجز من قبل وزارة الفلاحة، فلإنه، ربما كشفت، عن نتائج غير قابلة للنشر. نحن نتساءل حول كيف ارتفع عدد الاستغلاليات في الوقت الذي لا نتوفر على سوق عقارية. هذا قد يعني أنه تم الإمعان في تفتيت الاستغلاليات.