هل تكون طنجة مصدر إلهام للدار البيضاء في كيفية تطويق "كوفيد19"؟

تيل كيل عربي

عاشت مدينة البوغاز طيلة غشت الماضي شهرا جهنميا بعد التدهور الكبير في الحالة الوبائية بها. بيد أن تدبيرا "نموذجيا" للأزمة أتاح للمدينة العودة إلى "المنطقة الخضراء" في زمن قياسي. هل يمكن أن تكون "نموذجا" بالنسبة إلى الدار البيضاء التي تعيش رهن الحجر منذ أسابيع طويلة؟

في مدخل طنجة، يوجد حاجز للدرك الملكي. ولكن في هذا الثلاثاء (15 شتنبر)، كل العربات تمر دون مشاكل، وحركة السير سلسلة، على عكس ما كان عليه الوضع قبل أسابيع، حيث كان من الصعب عبور هذا الحاجز دون رخصة للتنقل. فقد كانت طنجة تسجل حوالي 400 إصابة في اليوم طيلة شهر غشت الماضي. ولكن هذا الرقم انخفض بشكل كبير في أواسط شتنبر ليصل في أحد الأيام إلى 7 حالات فقط. كما تقلص عدد الحالات النشطة والحرجة بشكل مثير. كيف نجحت مدينة البوغاز في تحقيق هذا الإنجاز؟

تدبير الأزمة بدون مستشفى جامعي

يقول فوزي عمراني أنور، المتخصص في طب المستعجلات والكوارث ورئيس قسم "SAMU" للإنقاذ بمستشفى محمد السادس بطنجة: "تجاوزنا الأزمة بفضل المجهودات التي بذلها كل المسؤولين المحليين".

والواقع أن النجاح في الانتقال من المؤشرات الحمراء إلى الخضراء يعود فيه الفضل إلى فكرة تشكيل لجنة لتدبير الأزمة. وكانت هذه اللجنة، التي يرأسها والي جهة طنجة-تطوان- الحسيمة، محمد امهيدية، وتضم المديرة الجهوية للصحة، مديري مستشفيات طنجة، فضلا عن طبيب متخصص في الإنعاش وآخر متخصص في طب المستعجلات. وكانت تعقد اجتماعاتها بشكل يومي لـ"تقييم الوضع الوبائي بالمدينة، واتخاذ الإجراءات اللازمة" يقول فوزي عمراني أنور.

وقد اختارت اللجنة منذ البداية مستشفى مرجعيا، هو مستشفى محمد السادس، وشكلت داخله خلية لضبط الطبي، التي كانت تتلقى مكالمات الأطباء الخواص، وكذلك اتصالات من الحالات المشتبهة. بعدها يبادر الطبيب المسؤول بهذه الخلية إلى تقييم الوضع الصحي للمريض وتوجيهه إلى المختبر لإجراء الكشف، أو إلى المستشفى المرجعي، إن كان وضعه يتطلب العناية الفورية.

ويضيف الدكتور عمراني أنور أن هذا المستشفى "يستقبل كل المرضى الذين كان فحصهم إيجابيا. ويتم توجيههم إلى واحدة من الوحدات الأربع الخاصة بكوفيد في المدينة، حسب وضعهم الصحي. إذ فضلا عن مستشفى محمد السادس، كانت هناك ثلاث وحدات مخصصة للتكفل بالمصابين بالفيروس: مستشفى القرطبي، مستشفى الدوق دي طوفار، ومصحة الضمان الاجتماعي.

"لقد وضعت إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كل بنياتها رهن إشارة المديرية الجهوية للصحة. وكانت تضم 50 معالجا عسكريا جاؤوا لدعم فرقنا" يوضح محدثنا الذي يشدد على أن طنجة "تمكنت من تدبير الأزمة دون التوفر على مستشفى جامعي". وفي المجموع صار للمدينة 266 سريرا مخصصا لمرضى كوفيد "العاديين" بالإضافة إلى 75 سريرا للإنعاش.

العلاج المبكر

فضلا عن هذا التنظيم الممركز، كسبت طنجة المعركة بفضل آلات السكانير. ويقول محدثنا المتخصص في طب المستعجلات، إن الأطباء كانوا يشرعون في العلاج بناء على صورة السكانير. "للفيروس توقيع مميز في السكانير، يمكننا من التشخيص دون انتظار ظهور نتائج تحليل الـ"PCR"، التي تستغرق حوالي ثلاثة أيام. هذا الأمر مكننا من كسب الوقت وتقديم العلاج المبكر للمرضى" يضيف عمراني أنور.

الميزة الثالثة التي مكنت من التغلب على الأزمة، تتجلى في الفحص المكثف. فحسب المصدر ذاته، كانت طنجة تجري 600 فحص في اليوم، مع التركيز على الأشخاص الأكثر هشاشة. ويقول الدكتور عمراني أنور "لقد وضعت المراكز الصحية قوائم تضم الأشخاص الذين يعانون من الأمراض الأخرى، فقمنا باستدعائهم جميعا لإجراء فحص كوفيد. هذا مكننا من إنقاذ العديد من الحيوات...".

شراكة بين القطاعين العام والخاص

استفادت طنجة، إبان هذه المعركة، من المجهود "الكبير" للمجتمع المدني. "لقد استعنا بالعديد من الجمعيات المحلية للمشاركة في حملات التحسيس" تقول وفاء أجناو، المديرة الجهوية للصحة. كما استفادت بالخصوص من مساهمة القطاع الخاص. فقد حرصت لجنة تدبير الأزمة على إشراك الأطباء الخواص منذ بداية الطفرة الوبائية. وتقول المديرة الجهوية للصحة بهذا الخصوص "جرت اجتماعات عديدة مع الأطباء الخواص لتحديد طريقة عمل هذه الشراكة. كما أننا لبينا طلب أحد المختبرات الخاصة إجراء فحص الـ'PCR'"، مضيفة ان "هذه الشراكة كانت ناجحة بكل المقاييس".

ويعود الفضل في هذا النجاح إلى نظام الضبط الطبي الذي جعل مسار التكفل بمرضى كوفيد 19 "واضحا جدا" حسب أحمد غسان الأديب، الطبيب المتخصص في الإنعاش بالمستشفى الجامعي لمراكش، الذي يضيف موضحا "لما يكون لدى الأطباء الخواص مريض مشكوك فيه، يمكنهم إجراء السكانير أو توجيهه لإجراء فحص الـ'PCR' في آجال سريعة.

كما كان لديهم تواصل جيد مع خدمة 'SAMU' للإنقاذ. وكانوا يصفون الدواء ويوجهون المرضى إلى جهات محددة لتلقي العلاج". وتابع "في طنجة، أبان هذا التعاون أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص حل مهمة لتطويق المرض. إنه نموذج يتعين تبنيه وتعميمه".

الرئة الاقتصادية للمغرب في محنة

على بعد 340 كلم من مدينة البوغاز، تعيش الدار البيضاء على الإيقاع الذي يرفضه الفيروس التاجي. وتسجل أكبر مدن المغرب منذ أيام عديدة أرقاما قياسية من حيث الإصابات. بل إن المدينة تضم 42% من مجموع الحالات المسجلة يوميا بالمغرب كله، و40% من الحالات الحرجة، و38% من الوفيات. هذا الوضع استلزم فرض إجراءات صارمة على البيضاويين منذ 7 شتنبر. وحذرت نبيلة الرميلي، المديرة الجهوية للصحة بجهة الدار البيضاء- سطات،اثناء مرور بدوزيم، من خطر وصول الوحدات الاستشفائية المخصصة لمرضى كوفيد19 إلى أقصى قدراتها الاستيعابية. وهو الأمر الذي أكده لـ"تيل كيل" العديد من الأطباء العاملين في المستشفى الجامعي ابن رشد.

"لقد بلغنا الحدود القصوى لطاقاتنا الاستيعابية.. وأخذ المستشفى الجامعي يخلي بعض الأقسام لتخصيصها للتكفل بمرضى كوفيد، وهذا على حساب المرضى الآخرين، وعلى حساب الأطقم الطبية وشبه الطبية المنهكة" يقول مسؤول بابن رشد فضل عدم الكشف عن هويته.

وإذا كانت طنجة نجحت في تدبير الازمة بفضل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فإن الأطباء الخواص بالدار البيضاء يشعرون أنهم "على هامش مسار التكفل بحالات كوفيد 19".

ويقول بدر الدين داسولي، رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الخاص، "منذ بداية الجائحة وأطباء القطاع الخاص يطلبون من المسؤولين الحكوميين إشراكهم في التكفل بمرضى فيروس كورونا". نفس النبرة نجدها عن رضوان السملالي، رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة"، الذي يقول إن الفاعلين في القطاع الخاص "لم يتم أبا الاتصال بهم بشكل رسمي للمشاركة في مكافحة كوفيد 19. والأدهى أن القطاع الخاص غير ممثل في اللجنة الوطنية لتدبير الجائحة".

شراكة غير رسمية

ولكن تجدر الإشارة إلى أن شراكة غير رسمية رأت النور على مستوى الجهات، كما هو الحال في الدار البيضاء. ويقول السملالي إن "القطاع الخاص اقترح بكل تلقائية المشاركة في مكافحة كوفيد 19" (...) ويتعلق الأمر بوضع الآليات الطبية والموارد البشرية وحتى بعض المقرات رهن إشارة المديرية الجهوية للصحة. ويوضح السملالي أنه تم في الدار البيضاء تخصيص مصحتين للتكفل بمرضى كوفيد(...) ويتابع أن الفاعلين في القطاع الخاص "يسعون إلى تقديم المزيد من الدعم للقطاع الخاص، وعدم الاقتصار على مساهمة غير مباشرة من خلال التكفل بمرضى غير الكوفيد"....

بتصرف عن "تيل كيل"