هل تنتج السلفية بالضرورة الإرهاب ؟

صورة: ياسين التومي
محمد عبد الوهاب رفيقي

 

يعرف العالم  رجوعا قويا للأصوليات في مختلف الأديان والحضارات، الأصوليات الإسلامية والمسيحية واليهودية، بل امتد الأمر ليشمل أديانا شرقية لطالما اعتبرت نموذجا للسلم كالبوذية!

يتساءل الجميع اليوم : هل تنتج السلفية بالضرورة الإرهاب؟ ، أتصور أن السؤال يستمد مشروعيته من جرائم البروتستانت، والجماعات الأصولية اليهودية، والجماعات الماركسية عبر العالم ، وأخيرا التنظيمات السلفية الشيعية والسنية في الفلبين، سوريا، نيجيريا، العراق، اليمن ...

أعتقد أن السلفية كنمط تفكير منتج لهوية بديلة - هوية تعرف الأنا بكل التضخم الممكن، في مقابل الإلغاء التام للآخر: الآخر الذي يقف بالضرورة حجر عثرة في سبيل المشروع الفاضل؛ الآخر الذي يعتبر جزءا من الواقع المتردي و"غير الطاهر"- تؤدي بالضرورة إلى إخراج منتوجات متطرفة وإرهابية بالنهاية.

لقد ظهرت البوادر الأولى للقاعدة بعد النكسات المتتالية للمسلمين التي توجت بالتدخل الأمريكي إبان حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت من العراق، لم يستسغ السلفيون إقامة الأمريكيين لقواعد عسكرية بالجزيرة العربية، كان الأمر في نظرهم مخالفة سافرة للأمر النبوي المانع من دخول المشركين جزيرة العرب.

ينبغي فهم الأمر على أساس هوياتي محدد ، التفكير السلفي يمارس نوعا من الحماية لهويته التي أصبحت مهددة في عقر داره "منطقة نجد والحجاز"، المعاداة الشديدة للآخر "الكافر" شكلت عاملا أساسيا في شدة الاحتقان السلفي تجاه السلطة السعودية التي قبلت بدخول "المشركين"، وساعدتهم على فرض حصار طويل ثم احتلال نهائي للعراق الذي يختزن ذاكرة تراثية قوية في المخيال السلفي .. العراق أرض الإمام أحمد بن حنبل ، وموطن المحدثين ، وأساس الحضارة الإسلامية التي تتمنى الحركات السلفية عودتها ذات يوم .

أفضى هذا التفكير الهوياتي المنغلق والمتطرف، إلى ظهور البوادر الأولى للفعل الإرهابي العابر للقارات، والذي سيصب جام غضبه على كل "الكفار" والمتعاونين معهم أينما كانوا.

في الفكر السلفي، لا مجال لفكر آخر للتعايش معه، كل من ليس سلفيا فهو ضال، ومصير الضال في الآخرة الجحيم، وفي الدنيا كل ما يمكن تطبيقه من إجراءات القمع والحصار والتنكيل! المطالع لكتب العقيدة السلفية والآثار المروية عن  بعض السلف بخصوص التعامل مع المبتدعة وأهل الذمة مغرقة في التعصب وإهدار الحقوق الأساسية للآخر.

صحيح أن بعض السلفيين اليوم يحاولون التنصل من هذا الإرث الفكري، والظهور بمظهر الاعتدال،لأنه يشكل لهم حرجا في ممارستهم الدعوية على الأرض، لكن المؤسف أن كثيرا من هؤلاء لا يتحرجون بسبب موقفهم المتقدم من الآخر، بل كما صرح لي كثير منهم  ، لأن الزمن زمن استضعاف وليس قوة!، وأن ذلك الإرث في القسوة مع الآخر محله زمن التمكين والحكم، حيث لا حاجة لذلك المبتدع في تقوية الصف، وروى لي أثرا عن أحمد بن حنبل في ذلك : سأل إسحاق الكوسج الإمام أحمد -رحمه الله- فقال له : (مَن يقولُ : القرآن مخلوق ؟ قَالَ : ألحق به كل بلية ، قُلْتُ : يقال له : (ك ف ر ؟)  قَالَ : إي والله ، كل شر وكل بلية بهم . قُلْتُ : فتظهرُ العداوة لهم أو تداريهم ؟ قَالَ : أهل خراسان لا يقوون بهم ، يقول كأن المداراة). هكذا ينظر هذا المعتدل إلى الآخر، مجرد تحالف مرحلي لمواجهة العدو الأكبر:العلمانيون والليبراليون واليساريون، على أن دائرة التسامح عنده حتى زمن الاستضعاف لا تتجاوز بعض الفرق التي تتقاسم معه الذهنية السلفية وما يسميه بالثوابت السنية!، أما غيرهم فلا سلم ولا مسالمة، كان الزمن زمن قوة أم استضعاف.

البنية الدينية التي تختارها الحركات السلفية لصناعة هوية متميزة عن باقي الهويات المجتمعية تساهم بشكل فعال في إنتاج التطرف، الذي لا يلبث أن ينقلب إرهابا، السبب الوجيه هنا يتعلق بعدم وجود شكل احتجاجي مناسب لحجم السخط على واقع الدولة والمجتمع الذي لا يمت بصلة للمجتمع الإسلامي المثالي، فيكون الجهاد هو الشكل الاحتجاجي الأكثر عنفا المكافئ لعمق الانفصال عن هذا الواقع والتمرد عليه كما يرى "أوليفييه روا".

لقد أظهرت الممارسة السياسية السلفية على الأرض نوع الهوية التي ينبغي أن تسود في العالم الإسلامي، هي بالضبط ما رأيناه بأفغانستان ومالي والصومال والشيشان وغيرها من البلدان التي عرفت وجودا جهاديا صانعا للتطرف والإرهاب معا.

ترى ، هل يعترف الفاعلون الدينيون بوجود مشكلة ما في التفسير الديني التراثي مسببة للكثير من المطبات اليوم؟