هنري ميشيل المدرب الذي وعده الحسن الثاني بالجنسية المغربية وبكى لإقصاء الأسود في 1998

المختار عماري

رجل المهمات الصعبة، ارتبط إسمه بقوة بالمنتخب الوطني خلال فترة التسعينات، ليودعنا اليوم بعد صراع مرير مع السرطان بإحدى المصحات الفرنسية وعن سن يناهز الواحدة والسبعين، إنه هنري ميشيل، المدرب السابق للرجاء الرياضي والمنتخب الوطني الأول لكرة القدم.

أولى الخطوات..

تولى زمام قيادة سفينة المنتخب في سنة 1995، وكان ضمن الأهداف المسطرة آنذاك مع الجهاز المشرف على الكرة في المغرب، بلوغ نهائيات كأس إفريقيا للأمم في نسخة جنوب إفريقيا لسنة 1996، ثم نهائيات كأس العالم بفرنسا سنة 1998.

خطوات هنري ميشيل الأولى مع الأسود لم تكن موفقة، بعد أن فشل رفاق بصير في ضمان بطاقة العبور إلى كأس الأمم الإفريقية، بجنوب إفريقيا نسخة 1996، لكن غالبا ما تكون البدايات محفوفة بالضغوطات وترقب الجماهير الكروية، هاته الأخيرة تؤمن بالنتائج السريعة.

سنة 1998 كانت مليئة بالمسرات وأرخت لحقبة جميلة  للمنتخب، بعد ضمانه لبطاقة العبور للمشاركة بـ "كان" بوركينا فاسو، وتصدر مجموعته ليصل إلى دور الربع، حيث كتب للمغامرة أن تنتهي، بتشجيع كبير للعناصر الوطنية المقبلة على خوض ثان موعد تاريخي حاسم، وهو كأس العالم، بعد أربعة أشهر فقط على المسابقة القارية.

خبير الكرة الإفريقية كما يلقبونه، استطاع كسب قلوب الملايين المغاربة، بعد أن قاد النخبة الوطنية إلى مشاركتها الرابعة في المونديال، لتتعالى أصوات الإشادات برجل رمم الصفوف، ومنح الفرصة للشبان، من أجل الدفاع عن ألوان الراية المغربية، لتكون شعلة انطلاقة عدد من نجوم الساحرة المستديرة على يد هنري ميشيل.

مونديال 1998 وإجهاض الحلم

انطلقت المغامرة المونديالية لجيل ذهبي، ضم أسماء وازنة من طينة بصير، كاماتشو، نور الدين النيبت وآخرون،  وخاض المغرب أولى مبارياته بدور المجموعات أمام النرويج، وهو اللقاء الذي انتهى بالتعادل الإيجابي هدفين في كل مرمى، في حين كانت ثان المباريات أمام منتخب "السامبا" وانهزم آنذاك المغرب بثلاثية نظيفة، لكن عودة أبناء هنري ميشيل كانت بنفس النتيجة أمام اسكتلندا، لكن الحظ غاب بعد فوز النرويج في آخر دقيقة بمباراتها أمام البرازيل، حكمت على المنتخب بتوديع التظاهرة الكروية، لكن مرفوع الرأس.

ومن بين اللقطات التي بقت راسخة في ذاكرة تاريخ الكرة الوطنية، دموع هنري ميشيل بعد إقصاء المغرب، فبقدر صرامة الرجل، لم يتمالك نفسه بخروج أشباله، من المسابقة العالمية رغم الفوز في آخر مباراة وبحصة عريضة.

مصطفى حجي، من بين العناصر الكروية التي عايشت هنري ميشيل في أزهى الفترات وحتى أصعبها، الدولي المغربي السابق أوضح في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، أن فرنسا ليست وحدها من فقدت لاعباً أنيقا بل المغرب أيضا، نظرا للارتباط الكبير للناخب الوطني السابق بالبلد وشعبه.

حجي تحدث عن جانب ظل خفيا في شخصية ميشيل، فقال:" هو الرجل الصارم والهادئ بالمستطيل الأخضر، والأذن الصاغية والصديق خارج الملعب، بسيط في حياته لدرجة كبيرة".

وأضاف: " لازلت أتذكر جيدا كل كلماته وتعليماته، كان يقول دائما العبوا لأجلكم ولأجل هذا الشعب العاشق للساحرة المستديرة، فأنا أثق بكم وهم أيضا يفعلون نفس الشيء".

استقبال ملكي وقصة الجنسية المغربية

استقبال ملكي، هكذا كافئ الملك الراحل الحسن الثاني، اللاعب السابق لمنتخب "الديوك"، مباشرة بعد عودة بعثة الأسود من المونديال، الذي كتب للكرة الوطنية الخروج منه بأولى الأدوار لكن بأداء ومستوى، سيظل راسخا بأذهان جيل عايش تلك الحقبة.

وحسب مقربين من الراحل، فإن الملك الحسن الثاني كان وراء تجديد عقد هنري ميشيل وجامعة الكرة، كما قال له بأنه يستحق أن يكون مواطنا مغربيا، بعد الخدمات الجليلة التي قدمها لتطوير كرة القدم المغربية، وإعطاء صورة مشرفة عنها بالمحافل الدولية.

موضوع الجنسية المغربية ظل حبيس أروقة القصر الملكي بعد التتويج، فالإطار الفرنسي لم يحصل عليها كما وعده الملك الراحل، ولم يستلم أي وثيقة رسمية أو جواز سفر يثبت ذلك عمليا، لكنه عاش بين المغاربة واعتبر نفسه واحد من أبناء البلد، كما أن زوجته اللبنانية ربطت علاقات صداقة قوية مع عائلات بيضاوية، وكانت حريصة التواصل معهم، حتى بعد نهاية مهام المدرب.

وكتب هنري ميشيل آخر سطر في مسيرته  مع المنتخب المغربي الأول، في 2000 بعد أن قدم استقالته، لفشله في تجاوز دور المجموعات لبطولة إفريقيا خلال السنة ذاتها، لكن ارتباطه بالمغرب وشعبه لم ينتهي، حيث ظل يتردد برفقة عائلته إلى البيضاء كلما سنحت الفرصة بذلك، ليسترجع شريط الذكريات مع أسود زأروا بقوة، رغم غياب التتويج.

ما بعد المنتخب..

عاد هنري لمنافسات البطولة المغربية عبر بوابة الرجاء الرياضي بعد ثلاث سنوات، وقاد النادي إلى التتويج بلقب كأس الاتحاد الافريقي لكرة القدم، وقاد قرابة السنتين داخل أسوار القلعة الخضراء، قبل أن تحوله الظروف إلى إمساك زمام قيادة الكوت ديفوار، وبعدها، النادي العربي القطري، ثم الزمالك المصري، وصن داونز من جنوب إفريقيا، فكانت العودة مجددا إلى المغرب في 2010، ليخلف  البرتغالي جوزي روماو، لكن مقامه لم يكن طويلاً بالرغم من ارتقاء الفريق بسبورة الترتيب واحتلاله لمراكز متقدمة، رافضا توضيح الأسباب التي دفعته لاتخاذ ذلك القرار.

وسيبقى إسم هنري ميشيل محفورا بذاكرة المغاربة، فهو الذي عرف بصرامته في الملعب، وقلة خرجاته الإعلامية، كما كان دائماً يتحدث عن سحر البلد الذي استقبله، خلال أولى تجاربه، وصنع أفراح المغاربة بالتأهل لأغلى وأهم المسابقات.

رونار يودع  أفضل مدرب..

وجه هيرفي رونار، مدرب المنتخب الوطني المغربي، التعزية إلى عائلة مواطنة هنري ميشيل، الذي سبقه لإنجاز قيادة الأسود إلى نهائيات كأس العالم.

رونار نشر تغريدة عبر حسابه الرسمي على "تويتر"، يؤكد من خلالها أن الراحل كان وسيظل أفضل ناخب وطني عرفه المغرب، وذلك بعد مساهمته في اكتشاف عدد من نجوم الكرة الوطنية، وصناعة جزء مشرق من تاريخ اللعبة في المغرب.

وسبق لرونار أن كان له حديث مطول عن هنري ميشيل في إحدى اللقاءات الصحفية، حيث شدد بأنه يبقى من بين رجالات الكرة بفرنسا، واستطاع بفضل مثابرته والتجارب التي راكم، أن يكون ضمن أول المطلوبين بالأندية الإفريقية، نظرا لخبرته الكبيرة في القارة السمراء وبين ملاعبها.

كما يحظى المدرب بمكانته كبيرة في بلده أيضاً، فهو الذي سبق له تدريب المنتخب الأولمبي والأول، في بداياته، وأثبت بأن كل شيء ممكن معه.