واحات درعة.. لعنة الاسمنت والتصحر

سعيد أهمان

"رغم جود قانون في المغرب يتعلق بالتنمية المستدامة لمناطق النخيل وبحماية نخلة التمر منذ 10 سنوات، فإن مساحات وادي درعة تقلصت بنسبة 20 في المائة بفعل عوامل بشرية انضافت لمسبباب طبيعية أخرى".

هكذا لخص جمال أقشباب رئيس جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة في حديث لموقع "تيلكيل عربي"، حال واحات درعة، والتي أكد "أنها تتعرض يوميا للاندثار والاستنزاف، مما يشوه جمالية الواحات ويقلص المجال الواحي بشكل كبير نتيجة زحف الاسمنت والتصحر".

حيل الاستنزاف

بينت إحصائيات رسمية صادرة عن المعهد الوطني للبحث الزراعي، حصل عليها موقع "تيلكيل عربي"، معطيات صادمة بخصوص نخيل واحات درعة التي تصل مساحتها لنحو 23 ألف كيلومتر مربع، إذ في الوقت الذي تشير فيه الاحصائيات إلى وجود مليون و 900 ألف نخلة، فإن ثلثي النخيل دمر نتيجة عوامل يتداخل فيها ما هو طبيعي كزحف الرمال وشح المياه، بما هو بشري كزحف الاسمنت واستنزاف النخيل.

التقارير الصادرة عن جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة، تؤكد أن 20 في المائة من واحة درعة تعرضت للاستنزاف والاندثار. وهو ما يؤكد أن هاته الواحة فقدت أكثر من 4 آلاف و 600 هكتار من بساتينها ونخيلها ومزارعها.

أسباب الاستنزاف والاندثار متعددة، كما يشرح الناشط البيئي أقشباب، إذ أن "الكثير من مستغلي أراضي واحة درعة يلجؤون لحيل بعد منحهم رخص البناء المحددة قانونا في 2 في المائة من الرقعة المملوكة داخل الواحة، غير أنه ما يلبث المالك أو المستثمر أن يحصل على الترخيص بالبناء حتى تلتهم البنايات الاسمنتية مساحات الواحة عبر فيلات وإقامات سياحية ضخمة ومنازل فسيحة وغيرها، من دون مراقبة ولا ردع.

ويضيف أقشباب أن "إلحاق مواقع من واحة درعة بالمدار الحضري في "أمزرو" و"تنسيطة" و"المهدية" قلص السماحات وتحولت البساتين والمزارع إلى بنايات إسمنتية.

كل هاته التخوفات والإشكالات نقلتها جمعية أصدقاء البيئة إلى مكتب عامل إقليم زاكورة ورئيس الجماعة الترابية للمدينة بأسماء المواقع والأشخاص، وتلقت وعودا بالتصدي لكل الاختلالات، غير أنه لم تتخذ أية إجراءات أو تدابير تذكر، وإلى اليوم ما يزال النزيف مستمرا بسبب تواصل اقتحام المجالات الخضراء في واحات درعة، يوضح أقشباب.

نفس الهموم والآلام تدارسها المجلس الاداري للوكالة الحضرية لورزازات وتينغير وزاكورة في اجتماعه شهر يوليوز الماضي، ودعا لـ"اتخاذ إجراءات لحماية المناطق الواحية"، غير أنه الاستنزاف ما يزال متواصلا، وفق تعبير الناشط البيئي.

وتعزى هاته الاختلالات إلى "غياب المراقبة والمتابعة وعدم تطبيق القانون وبيع حقول الخواص المستثمرين في السياحة سواء كانوا مغاربة وأجانب، مما يشوه منظر واحات درعة وجماليتها ويقلص حقولها وبساتينها"، وفق تعبير جمال أقشباب.

وبالرجوع للقانون رقم 06-01 المتعلق بالتنمية المستدامة لمناطق النخيل وبحماية نخلة التمر الرامي إحداث قانوني لأجل تفعيل تدخلات الدولة لمواجهة الأخطار التي تهدد مناطق النخيل بسبب التوسع العمراني وعمليات اقتلاع أشجار النخيل ونقلها خارج الواحات لأهداف غير إنتاجية، فإن هذا القانون نص على "إنشاء مناطق نخيل محمية ووضع مخططات لحمايتها وتنميتها المستدامة إلى جانب حماية شجرة النخيل وتحديد الشروط التي تجيز اقتلاعها وتحويلها وإعادة غرسها".

وقبل ذلك، صدر قرار عاملي عام 2004 على خلفية اقتلاع ما يفوق 5000 نخلة من واحات درعة، وفق إحصائيات رسمية أثارت ضجة بيئية آنذاك واستنفرت السلطات وشوهت المناطق الواحية واستنزفتها، وفق ما نقله مصدر من المنطقة في إفادة لموقع "تيلكيل عربي".

خريطة الواحات المستنزفة

بينت معطيات توصلت إليها جمعية أصدقاء البيئة في زاكورة خريطة المواقع المستهدفة أكثر بزحف الاسمنت وتقليص المجالات الخضراء وتعرض النخيل للاجتثات والاستنزاف، فإن واحة المحاميد هي الأكثر تضررا إلى جانب واحة كتاوة ومواقع أخرى من قبيل "العروميات" بجماعة بترناتة، و"تسركات" و"تنسيخت" و"تامنوكالت" و"تاكونيت".

"جنانات الجامع" في تعبير أهالي درعة، وهي حقول مملوكة لوزارة الأوقاف ولشؤون الاسلامية، لم تسلم هي الأخرى من زحف الاسمنت وتقلص مساحاتها الخضراء.

وأمام هذا الوضع، قدمت جمعية أصدقاء البيئة شكاوى كتابية لوزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية في شأن بنايات نبتت بتلك الأراضي، بعدها حلت لجنة من الرباط للبحث والتقصي فوقفت على ما ضمته شكايات الجمعية من معطيات بخصوص تحول حقول النخيل والنبات الأخضر إلى إسمنت.

ويلخص الناشط البيئي أقشباب ما يحدث بواحات درعة بقوله: نحتج ونترافع ونشتكي، لكن لاحياة لمن تنادي...فالبناء وزحف الاسمنت مستمر رغم كل القوانين والقرارات.