أحمد مدياني: "الجشع التضخمي".. من يستفيد؟!

أحمد مدياني
أحمد مدياني

حضرت مساء يوم أمس الثلاثاء، ندوة الأغلبية الحكومية التي احتضنها المقر المركزي لحزب الاستقلال بالرباط. أنصت بتركيز - رغم تشويش درجة الحرارة المرتفعة داخل القاعة - لكلمات "القادة" الثلاثة للأحزاب التي تقود الحكومة. لم ألتقط غير عبارة واحدة تستحق الوقوف عندها، من بين آلاف الكلمات السابحة في ربوع القاعة.

عبارة جاءت على لسان الأمين العام لحزب الاستقلال نزار البركة، وللأمانة، فقد كانت كلمة الرجل الأكثر قوة من بين أخرى، كانت مفعمة بالحماس وتحمل نبرة سياسية تؤكد أن "الميزان" لايزال يُصرف الفعل السياسي مهما تعرض لهزات الداخل والخارج. كلمة البركة وإن اختلفت مع الكثير من مضامينها تطمئن قليلا، خاصة حين تطرقت لملف الصحراء المغربية وما يشهده من تطورات مؤخرا.

لنعد إلى العبارة التي التقطت. يجب أن يركز معها المغاربة جيدا، وأن ينتبهوا إلى أنها مفتاح فهم معاناتهم اليومية مع ضنك العيش.

ما جاء على لسان أمين عام حزب الاستقلال في حضرة رئيس الحكومة عزيز أخنوش وممثل القيادة الجماعية لحزب "البام" محمد مهدي بنسعيد، يسائل كل هؤلاء حول مسؤولايتهم اتجاه من يستفيد منها، إن لم تكن دوائر الاستفادة منهم أو حولهم وحتى بمباركة أو صمت من معهم.

العبارة هي تعبير ملخص لمآسي ضياع فرص الشغل واحتكار الصفقات ورفع أسعار المواد الاستهلاكية، واستنزاف جيوب المغاربة لصالح شركات المحروقات، وضياع السيادة الوطنية على المواد الأساسية خاصة منها الفلاحية.

العبارة تبسط للمغاربة فهم، لماذا هم مرغمون على أداء مليارات الدراهم لمدارس التعليم الخصوصي؟ ولماذا نتجه نحو احتكار صحة المواطنين البسطاء لصالح فاعل واحد دون غيره؟ وكيف لم تعد أجورهم تكفيهم لتغطية مصاريف 10 أيام من الشهر؟

عبارة تفسر لنا لماذا بلغ معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة 80,6 في المائة؟

وبخصوص تطور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا المقبلة، تتوقع 56,9 في المائة من الأسر تدهوره و 35,5 في المائة استقراره في حين 7,6 في المائة ترجح تحسنه؛ وتتوقع 82,2 في المائة من الأسر مقابل 5,9 في المائة ارتفاعا في مستوى البطالة خلال 12 شهرا المقبلة.

المستفيدون مما صدح به نزار البركة أمام مكونات الأغلبية الحكومية، هم سبب استنزاف 42,2 في المائة من الأسر المغربية لمدخراتها، وهم من يدفعونها للاقتراض بغرض تأمين أساسيات العيش لا غير.

ليس المواطن البسيط، ولا الذي ينتمي لطبقة متوسطة تتم إبادتها، وحدهم المتضررون من مفهوم العبارة، بل إنها تطال كافة بنيات وفئات النسيج الاقتصادي والاجتماعي وحتى الثقافي للمغرب والمغاربة.

ولمن يشكك في ذلك، أدعوه للاطلاع على الأرقام الحقيقية التي تصاغ خارج دائرة وهم "إنجازات" حكومة أخنوش. جمع المستثمرين والمقاولين والفاعلين الاقتصاديين حول طاولة واحدة، مع تقديم ضمانات لهم، بأن لهم الحق في التعبير بحرية دون خوف من العقاب أو الانتقام.

"الجشع التضخمي" هذه هي العبارة التي وردت على لسان نزار البركة. الاعتراف بها خطوة سياسية شجاعة تحترم. لكن الأهم هو فضح من يستفيد من هذا التوع الخطير من التضخم. تفكيك لوبياته التي تستمد ظروف وشروط استمراره بفضل الحكومة.

لذلك. هل يزيد نزار البركة من جرعة الشجاعة السياسية ويخبرنا من يستفيد من "الجشع التضخمي"...؟! ومن يوفر ويحمي شروط استمراره..؟!