رئيس المرصد: نجاح الدولة الاجتماعية لا يُقاس بالأموال فقط بل بتغيير منطق الفعل العمومي

محمد فرنان

قال عثمان كاير، رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية، اليوم الثلاثاء، بالرباط، إن "الورش الملكي الكبير للدولة الاجتماعية يمثل مشروعا استراتيجيا إصلاحيا ومهيكلا، يستشرف بناء نموذج اجتماعي جديد، ويحدث تحولا جذريا في محددات العلاقة بين المواطن والدولة، ويمتد تأثيره ليشمل مختلف مناحي الفعل العمومي، من سياسات وقيم ونموذج الحكامة".

وأضاف كاير، خلال مداخلته في الندوة الوطنية حول "الدولة الاجتماعية: المرجعيات، السياسات والرهانات"، المنعقدة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، أن "مسار تفعيل هذا الورش الملكي سجل تحولا نوعيا على مستوى المقاربات المنهجية، في مستويات المضامين والسياسات والإجراءات والتشريعات، فضلا عن إعادة بناء الهيكلة المؤسساتية الملائمة لتحقيق أهدافه".

وأكد أن هذا الأمر "يتطلب جهودا حثيثة على صعيد التنسيق والمبادرة والتواصل، بالنظر إلى تعقيد هذا الملف وتشعب رهاناته التدبيرية والمجتمعية والتحديات المرتبطة به".

وأوضح كاير أن تتبع دينامية هذا الورش يبرز لأول مرة انتقال الاهتمام بالمسألة الاجتماعية من منطق التدبير القطاعي الصرف، ثم من السياسات العمومية، إلى مستوى السياسة العامة، وفسر ذلك بأنه يعني "في تقاطع لافت بين اللغة المعيارية لدستور 2011 ومعجم التدبير الحديث، انتقالا مؤكدا إلى دائرة الفعل الاستراتيجي، على نحو يمكننا من القول بعيدا عن أي استعارة مجازية أن الدولة الاجتماعية هي الوجه الآخر للدولة الاستراتيجية، باعتبارها إعادة تعريف يومي للسياسة كاختيارات كبرى للأمة وكحرص دقيق على ملاءمة التدابير والسياسات مع الغايات المهيكلة للمشروع المجتمعي الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس".

وأكد كاير أن "الدولة الاجتماعية تمثل مسارا حاسما في دينامية إخراج المسألة الاجتماعية من سقف الانتظارية، ومن معادلة الارتهان لمعطيات السياسة أو الاقتصاد".

وشرح أن ذلك يشمل "انتظارية سياسوية ظلت لعقود تؤجل الشأن الاجتماعي إلى حين توفر ما يكفي من الإصلاحات السياسية، أو بانتظارية اقتصادية عملت بقوة على تأجيل 'الاجتماعي' إلى حين توفر ما يكفي من ثمار النمو".

وشدد على أن "البديل الحالي الذي يطبع ورش الدولة الاجتماعية، كتجاوز لسقف الانتظارية المعطلة، هو جوهرها الإرادوي الواضح".

وأشار إلى أن نجاح هذا الورش لا يقاس فقط بحجم الاعتمادات المالية المرصودة له، بل يتوقف أساسا على ثلاثة عناصر: أولا، "التغيير الهيكلي في ترتيب الأولويات الكبرى وضمنها المسألة الاجتماعية"؛ ثانيا، "حجم تحولات هندسة السياسات العمومية المتفرعة عن السياسة العامة المتضمنة للاتجاهات العامة للدولة الاجتماعية، في تقاطعاتها القطاعية والأفقية والترابية، وفي نموذجها المؤسسي المبتكر"؛ وثالثا، "الطابع الإرادي للفعل العمومي الحامل لامتدادات هذا الورش الكبير، وما يرتبط به من التزام ملكي سامي بكل الحمولة الدستورية والسياسية والتاريخية للمؤسسة الملكية كقائدة فعلية للمشروع المجتمعي لبلادنا".

وشدد كاير على أن "حجم هذا المشروع وامتداداته داخل ميكانيزمات الفعل العمومي وتمفصلات السياسات والبرامج العمومية، وآثاره على تدخلات القطاعات الحكومية والمؤسسات والإدارات ذات الصلة بمخرجاته، تجعلنا أمام مشروع مهيكل يحتاج إلى تملك مجتمعي واسع وإلى حالة إصلاحية مدعمة، وقبل ذلك إلى الكثير من بيداغوجيا التواصل المواكب، داخل بيئة مؤسسية منصة للشركاء الاجتماعيين والفاعلين الاقتصاديين".

وخلص إلى أن "الدولة الاجتماعية، كما تتبلور في التجربة المغربية، تعيد عمليا ترتيب عقد اجتماعي وسياسي جديد، وتؤسس لديمقراطية بمدخل المواطنة الاجتماعية، قائمة على تفاعل تاريخي للدولة ومؤسساتها وسياساتها مع دينامية الطلب الاجتماعي المتواصل".

ودعا كاير إلى "تعزيز مساهمة الجامعة في دعم هذا الورش، من خلال توفير الخبرة العلمية المسندة للأداء العمومي، وتقديم أدبيات مسهمة في دورة تقييم السياسات، وبناء منظومة مؤشرات لقياس النجاعة والفعلية، وفتح فضاءات للحوار العمومي وتقاسم الحجج، وتأطير الرأي العام ومده بمرجعيات النظر إلى الموضوع".

وأوضح أن ذلك يهدف إلى "تمكين الفاعلين السياسيين والمدنيين والنقابيين من تجاوز لحظة إنتاج المواقف السريعة المبنية على الانطباعات العابرة أو التموقعات الظرفية أو الأفكار المسبقة، إلى تحليل عقلاني مبني على الأدلة والمعطيات".