ترهيب وابتزاز.. طبيب مقيم بابن رشد يشنق نفسه وزملاؤه يطالبون بفتح تحقيق

بشرى الردادي

وضع ياسين رشيد، طبيب مقيم بمصلحة جراحة المسالك البولية بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، قبل ثلاثة أيام، حدا لحياته، بالمستشفى الذي يخضع فيه للتدريب بفرنسا.

وحسب بلاغ للجنة الوطنية للأطباء الداخليين والمقيمين بالمغرب، فإن ما حدث للطبيب ياسين راجع إلى "بعض الأساليب التي باتت تستعمل في ترهيب الأطباء الداخليين والمقيمين، ووضعهم تحت ضغط نفسي كبير، جراء الابتزاز الذي يتعرضون له، خلال مسار تكوينهم، وما يترتب عن ذلك من ضرر نفسي وجسماني يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه".

وأعربت اللجنة عن "دعمها ومؤازرتها لعائلة الفقيد، في تبنيها للمساطر القانونية اللازمة، قصد فتح تحقيق في ظروف وملابسات وفاته"، مؤكدة "استعدادها لخوض مختلف أشكال النضال في وجه كل من سولت له نفسه المس بصحة وكرامة الطبيب الداخلي والمقيم".

وأجمع عدد كبير ممن يشاركون ياسين رشيد نفس المسار الدراسي والمهني، من خلال منصات التواصل الاجتماعي، على أنه تعرض لضغوطات من المشرفين على تدريبه، جعلته يدخل في حالة اكتئاب أنهى حياته على إثرها، مؤكدين أن موته جاء ليكشف الفظائع التي تعرفها ما باتت تسمى بـ"قلاع الحكرة"، وليس المستشفيات.

وفي هذا السياق، نشر الدكتور أيمن بوبوح تدوينة فيسبوكية علق فيها على ما حدث، وكشف أيضا عما تستره حيطان المستشفيات، قائلا: "بعد أن اطلعت على كثير من الآراء التي تُرجع السبب الدافع للانتحار إلى الابتزاز والضغط الذي تعرض له من قبل المشرفين على تأطيره من الأساتذة والمكوّنين، والذين يُفترض فيهم، من الناحية المبدئية، أن يكونوا أحرص الناس على السلامة النفسية والجسدية لكل من يُوضعون تحت أيديهم، ليعلموهم، ولينقلوا إليهم أخلاق المهنة، قبل أن يعلموهم الحرفة ذاتها. وبعيدا عن الخوض في مدى صحة هذه التفسيرات من عدمها في هذه الحالة بعينها، والتي لا أزكيها ولا أنفيها، سأعتبر هذا الحادث مناسبة للتنبيه إلى بعض السلوكات التي أصبحت واقعا لا يرتفع في دراسة الطب في المغرب، انطلاقا من تجربتي الشخصية ومن تجارب زملائي وأصدقائي الذين أشاركهم ويشاركونني تجاربهم في هذا الباب".

وأوضح: "بداية، أشير إلى أن التخصص الجراحي ليس كالتخصص الطبي، آية ذلك أن التخصص الجراحي مهني محض، تحتاج إلى "مُعلّم" ومكوّن لتُتقنه. فالجراحة حرفة تُوَرّث، وأنت تحتاج إلى من تتعلم منه، كأي حرفة أخرى، خلافا للتخصصات النظرية، التي يمكنك تعلّمها من الكتب. غير أن الطبيب الجراح لا يتخرج إلا بعد مسلسل طويل من المواقف المُهِينة والحاطّة بالكرامة، في الكثير من الأحيان، وبعد مسلسل طويل من الابتزاز والاستغلال".

وتابع: "والمرور من هذا المسار المرير في هذا البلد مفروضٌ على كل الأطباء المقيمين، مع اختلاف بسيط في الدرجة. وهذه الأوضاع كثيرا ما تتسبب في التوقف عن استكمال هذا المسار، والتوقف في الطب العام، لعدم قدرتهم على استحمال تلك المواقف، أو لشعورهم بالتنقيص وانعدام المساواة، حين يرون زملاء آخرين لهم، ممن ينتمون غالبا لأبناء الأساتذة وللعائلات الطبية، يحظون بمعاملة تفضيلية، ولا يتعرضون لمثل تلك المواقف. ولا يبعُد أن البعض منهم فكّر حقا في لحظات ضعف، في الانتحار".

وأضاف الدكتور بوبوح: "ومؤسف جدا أنّ الطالب يأتي إلى كلية الطب مثقلا بالطموح وصدق العزم والمثابرة في الدراسة والرغبة الجامحة في تعلّم المهنة، وأن يصبح من أهرام وأعمدة الطب في المغرب، لكنّ ذلك كله يتحطم على صخرة واقع مُرّ، سمته الأساس هي "الحكرة"؛ إذ يجد الطالب نفسه يقوم بمهام هو غير مطالب بها، بوصفه طالبا أو طبيبا مقيما. ومن ذلك أعمال "السخرة" بكل أنواعها، وقد رأيت أطباء مقيمين يوصلون أبناء الأساتذة إلى المدرسة إذا كانوا صغارا، ويساعدونهم على إعداد العروض، إذا كانوا كبارا، وما شابه ذلك كثير لا يتسع المجال لذكره".

واسترسل: "ويا ليت أن هذا الطالب أو الطبيب المقيم "المُسخّر" يتم تلقينه المهنة بأصولها، ويعلموه تقنيات الحرفة التي لن يتعلمها من الكتب، لربما كان في ذلك بعضُ العزاء. لكن الواقع أنه يـُجبَر على القيام بتلك الأفعال فقط من أجل أن يصادق له الأستاذ أو المكوّن على الوحدة للحصول على تلك الشهادة؛ أي من أجل ألا يتم ترسيبه في النهاية".

وختم تدوينته: "رحم الله ياسين وأسكنه فسيح جنانه. والرجاء أن يكون الشرارة التي تفضح المستور، لعلنا نستطيع أن نتجاوز هذا الوضع الكارثي، وألا نسمع بآخرين بعد ياسين يضعون حدا لحياتهم".