أمنيستي وفضيحة التجسس.. هل يقطع المغرب شعرة معاوية؟

الشرقي الحرش

 

تمر العلاقة بين المغرب ومنظمة العفو الدولية "أمنيستي" بمرحلة حرجة. المنظمة اتهمت في تحقيق لها الرباط بالتجسس على ناشط حقوقي، المعطي منجب، وصحافي، عمر الراضي. المغرب طالب، في رده، المنظمة، بتقديم الدليل على مزاعمها. ورغم أن المنظمة تقول بأنها قدمت ما لديها، وأن السلطات لم تجب على حججها تقنيا، إلا أن الحكومة تعتبر أن ما أتت به أمنيستي لا يرقى إلى الدليل، وأنها مطالبة بالحجة أو الاعتراف بالخطأ. التوتر الحالي ليس الأول ولا الوحيد، نعود إلى تاريخ من شد الجبل بين الرباط وأمنيستي، قبل أن نتوقف عند الواقعة الجديدة، وأفاق العلاقة المحتملة بين الطرفين

"هذا هو عملكم، وهذه هي مهمتكم، ومهمتكم هي أن تغسلوا للمغرب وجهه لأنه لكل سبب تأتى منظمة العفو الدولية وتمارس علينا الرقابة وكأننا لازلنا تحت الحماية"
بهذه العبارة خاطب الملك الراحل الحسن الثاني يوم 8 ماي 1990 أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ليلة الإعلان عن تعيينهم.

تلخص هذه العبارة العلاقة المتشنجة بين الملك الراحل، الحسن الثاني ومنظمة العفو الدولية، التي أطلقت حملة دولية للتنديد بأوضاع حقوق الإنسان في المغرب والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المختطفين والمفقودين.

وإذا كان إعلان الحسن الثاني عن إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يعزوه البعض إلى عدد من العوامل، أبرزها التقارير المزعجة لمنظمة العفو الدولية، التي كان المناضل عبد الرحمان اليوسفي أحد أعضائها الشرفيين، فإن علاقة السلطات بالمنظمة ظلت تتأرجح بين الانفتاح والتعاون المشوب بالحذر أحيانا والتوتر في أحيان أخرى.

ورغم مرور أزيد من 30 سنة على تشبيه الحسن الثاني لتقارير منظمة العفو الدولية برقابة الحماية بما تحيل عليه كلمة الحماية من دلالات استعمارية في المخيال والذاكرة المغربية، فإن ذلك لم يكن كافيا للوصول إلى مرحلة "التطبيع" التام بين المنظمة والسلطات المغربية، بل إن حدة التوتر زادت في السنوات الأخيرة، والتي كان آخرها اتهام المغرب للمنظمة بالتحامل المنهجي المتواصل ضد مصالحه، وتحولها إلى فاعل سياسي تحركه أطراف حاقدة على المؤسسات الوطنية.
والملاحظ أن التوتر الجديد بين الدولة المغربية ومنظمة العفو الدولية، وإن كان يبدو غير مسبوق إلا أنه ليس الأول من نوعه، إذ علاقة المنظمة بالمغرب لم تخلو من صدامات منذ تأسيس فرعها في الرباط سنة 1994، كما لم تخلو من محطات للانفتاح والتعاون.

ميلاد في زمن الانفتاح

في سنة 1994، سيتم تأسيس الفرع المغربي لمنظمة العفو الدولية، تزامنا مع إطلاق الملك الراحل الحسن الثاني مسارا جديدا على مستوى حقوق الإنسان. فقد أصدر الملك عفوا في نفس السنة بالإفراج عن 424 سجينا سياسيا، وكذا السماح بعودة المنفيين، وإنشاء وزارة لحقوق اللإنسان يتولاها القانوني عمر عزيمان.
محمد السكتاوي، المدير العام لمنظمة العفو الدولية بالمغرب، يؤكد في حديث مع "تيلكيل عربي"، أن أجواء الانفتاح السياسي والحقوقي التي بدأ يعرفها المغرب آنذاك دفعت عددا من الحقوقيين المغاربة من بينهم الراحل إدريس بنزكري، الذي ستوكل له مهمة قيادة هيئة الإنصاف والمصالحة فيما بعد، إلى إعلان تأسيس فرع المنظمة.
ويشير السكتاوي إلى أن اعتراف السلطات المغربية في البداية كان مشوبا بالحذر، ولم يرق لدرجة منحهم الوصل القانوني، كما أننا بقينا ممنوعين من فتح مقر لنا إلى سنة 1998، إلا أننا رغم ذلك نظمنا ندوة حول التربية على حقوق الإنسان سنة 1995 بمشاركة وزارة حقوق الإنسان ووزارة التربية الوطنية، وهو ما فتح الباب أمام نوع من الشراكة بين المغرب والمنظمة من أجل النهوض بأوضاع حقوق الإنسان.
من جانبه، يمتدح محمد زيان ، في تصريح ل"تيل كيل عربي" العلاقة بين المنظمة المغرب خلال فترة توليه حقيبة حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن هذه العلاقة تميزت بالانفتاح والتعاون، مشيرا إلى أنه حين توليه المنصب سنة 1994 قرر بدعم من الحسن الثاني الانفتاح على المنظمة رغم العراقيل التي كان يضعها الراحل إدريس البصري، وزير الداخلية أنذاك، الذي كان يعتبرها خصما للمغرب.
ويشير زيان إلى أن منظمة العفو الدولية بدأت في تلك الفترة تصدر تقارير ايجابية عن المغرب، كما أقنعناها بضرورة إثارة ملف حقوق الإنسان في مخيمات البوليساريو.

اليوسفي وأمنيستي والحسن الثاني

كان لوصول عبد الرحمان اليوسفي لمنصب رئيس الوزراء وقيادة حكومة حكومة التناوب في الفترة ما بين 1998 و2002 انعكاس ايجابي على عمل منظمة العفو الدولية بالمغرب رغم بعض العراقيل والمطبات التي كانت تواجهها في بعض الأحيان.
ويؤكد السكتاوي أن عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان عضوا شرفيا بالمنظمة ظل يسعى من أجل تعميق التعاون بين المنظمة والمغرب، إلا أنه كثيرا ما كان يجد نفسه في مواجهة مع إدريس البصري، وزير الداخلية.
في هذا الصدد، يحكي السكتاوي أنه في سنة 1998 سمح لمنظمة العفو الدولية بفتح مقر لها بزنقة سويسرا بحي المحيط بمدينة الرباط، مشيرا إلى أن المنظمة استدعت عددا من الحقوقيين وسفراء عدد من الدول الأجنبية لحضور حفل افتتاح مقرها.
ويضيف "بعد امتلاء المقر، الذي كان صغيرا، قمنا بنصب خيمة أمامه من أجل استقبال الضيوف، إلا أننا فوجئنا بحضور عدد من رجال الأمن الذين أخبرونا بوجود قرار يقضي بهدم الخيمة غير مبالين بحضور سفراء الدول الأجنبية، الشيء الذي لا يشرف المغرب".
لم تكن عملية هدم "خيمة أمنيستي" سوى "مؤامر"ة دبرها وزير الداخلية السابق إدريس البصري، الذي اختفى ولم يعد يرد على اتصالات عبد الرحمان اليوسفي، الذي قرر الاتصال بالملك الحسن الثاني من أجل إيقاف عملية إزالة الخيمة، يؤكد السكتاوي.
ولم تمض سوى لحظات قليلة حتى جاء رجال الأمن بخيمة أخرى أفضل بكثير من تلك التي بنيناها، كما أحضروا الورود والزرابي التي تليق باستقبال كبار الضيوف، يروي السكتاوي، مشيرا إلى أن ذلك كان بتدخل شخصي من الملك.

ما يؤكد انفتاح المغرب على منظمة العفو الدولية كذلك تجسد في تنظيم مؤتمر حول حقوق المرأة بشمال افريقيا سنة 1998 بفاس تحت الرعاية الشرفية للأميرة لالة مريم. يحكي السكتاوي أنهم تقدموا بطلب للديوان الملكي من أجل تنظيم هذا المؤتمر، وفوجؤوا بالتجاوب السريع للملك، حيث وافق على عقد المؤتمر، الذي حضره عدد من ممثلي الدولة.انفتاح المغرب على المنظمة في تلك الفترة بدعم من اليوسفي دفع المنظمة إلى اختياره من أجل عقد مؤتمرها سنة 1990.
وبحسب السكتاوي، فقد كانت الاستعدادات على قدم وساق لتنظيم المؤتمر، بل تم تحضير كل شيء، وحضر الأمين العام للمنظمة في تلك الفترة "بيير ساني" من أجل لقاء الملك الراحل الحسن الثاني قبل أن يقرر هذا الأخير إلغاء عقد المؤتمر في اللحظات الأخيرة.
يوضح السكتاوي: "كان كل شيء جاهزا لعقد المؤتمر، إلا أن لقاء سيعقده "بيير ساني" مع بعض مناضلي اليسار في إحدى القاعات بمدينة سلا سيغير رأي الملك الراحل الحسن الثاني، بعدما توصل بتسجيل مجتزأ لجواب الأمين العام على سؤال لأحد المناضلين".
عبد الرحمان اليوسفي يعلق على هذه الواقعة في مذكراته بالقول: "قام وزير الداخلية بتقديم تسجيل صوتي للملك الحسن الثاني، لحوار شخصي بين "بيير ساني" الأمين العام للمنظمة مع أحد مناضلي اليسار المغربي، حيث تم استدراجه للتلفظ بكلمات تمس مقدسات هذا الوطن، وكان هذا التسجيل كافيا لعرقلة عقد المؤتمر".
وبحسب السكتاوي، فإن الأمين العام للمنظمة أنذاك صرح بأنه "سيطلب من الحسن الثاني إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المختطفين، أما إذا كان اللقاء سيكون من أجل التقاط الصور فلا داعي لعقده".
ويعتبر السكتاوي أن حديث "بيير ساني" عن لقائه المرتقب بالملك بتلك الطريقة جانب الصواب، ولم يراع وضع الملك، الذي تعامل مع الأمر بحكمة كبيرة رغم إلغائه للمؤتمر، إذ استمر عمل "أمنيستي" بعد ذلك وازداد توسعا، حيث عقدت شراكات مع مختلف القطاعات الحكومية، كما وقع جميع الوزراء على التعهد باحترام حقوق الإنسان باستثناء الراحل إدريس البصري.
ويشير السكتاوي، إلا أن الملك الحسن الثاني استدعى عبد الرحمان اليوسفي وقدم له التسجيل الصوتي للأمين العام لمنظمة العفو، وهو ما دفع قائد حكومة التناوب إلى استدعاء قادة المنظمة لمكتبه وإبلاغهم بإلغاء عقد المؤتمر في المغرب، معبرا عن أسفه وحزنه الشديد على ذلك.
وبحسب السكتاوي، فإن إلغاء عقد مؤتمر منظمة العفو الدولية في المغرب الذي كنا نريد منه تحسين صورة المغرب في مجال حقوق الإنسان على المستوى الدولي كان سحابة عابرة، ولم يؤثر على عمل المنظمة، التي عقدت مؤتمرات أخرى تكاد تكون بنفس أهمية المؤتمر العام، وهو ما سيتوج سنة 2001 بلقاء الملك محمد السادس، الذي وجه شكره للمنظمة على مساهمتها في النهوض بحقوق الإنسان في المغرب، وأعطى تعليماته بتسهيل عمل المنظمة.

تهمة التعذيب

يؤكد السكتاوي أن الأزمة بين المغرب ومنظمة العفو الدولية انطلقت مع تقرير أصدرته في ماي 2015 حول التعذيب، والتي جاءت تزامنا مع حملة قادتها المنظمة من أجل إيقاف التعذيب في خمس دول هي: المكسيك ونيجيريا والفلبين وأوزبكستان والمغرب.

ويتفق مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان مع السكتاوي في كون الأزمة بدأت بسبب تقرير المنظمة حول التعذيب، إذ أكد في تصريح لـ"تيلكيل عربي" أن العلاقة مع المنظمة عرفت تأزما سنة 2014 بعد إدراجها للمغرب ضمن خمس بلدان معنية بحملتها ضد التعذيب لمدة سنة كاملة وعبر فروعها في العالم أجمع، معتبرا أن تقديرات المنظمة كانت خاطئة، ويبدو أن هذه التقديرات التي تسببت في تأزم العلاقة لازالت قائمة"، بحسب الرميد.
وإذا كانت السلطات المغربية اتهمت "أمنيستي" بالتحامل على المغرب فيما يخص حملة التعذيب، فإن السكتاوي دافع عن هذا الخيار بالقول: "كان هدفنا هو دفع الحكومة من أجل معالجة الاختلالات الموجودة، وليس التحامل، كما أننا كنا نعتبر أن المغرب في الطريق الصحيح، وأكدنا أن التعذيب الممنهج لم يعد موجودا في المغرب، إلا أننا ووجهنا بالاتهامات".
يحكي أحد الذين حضروا جل اللقاءات التي جمعت المسؤولين المغاربة بمسؤولي المنظمة أن السؤال المركزي الذي ظل يطرحه المسؤولون المغاربة على أمنستي هو "لماذا في كل مرة التركيز على المغرب؟"، وكان جواب المنظمة أنها تقوم بذلك لأن المغرب قطعا أشواطا في مجال حقوق الإنسان، وهي ترغب في أن تدفع إلى الأمام بتطوير هذه الحقوق، غير أن هذا الدفع لم يكن ليقنع المسؤولين المغاربة، الذين أجاب أحدهم ساخرا في إحدى اللقاءات "إذا كنتم تتجنبون الحديث عن الدول الميؤوس منها، وتتحاملون على الدول التي تبدل جهودا في مجال حقوق الإنسان، فإن الأفضل ربما أن تعتبرونا ميؤوس منا أيضا".

أزمة التجسس

في 22 يونيو الماضي نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا يزعم تعرض هاتف الصحفي عمر الراضي للتجسس باستخدام برنامج "بيجاسوس" المملوك لشركة إسرائيلية" وهو ما كان كافيا لتأزيم العلاقة من جديد.

لم يتأخر رد السلطات المغربية كثيرا، حيث قامت يوم الجمعة 26 يونيو باستقبال
محمد السكتاوي، المدير التنفيذي للمنظمة بالمغرب، وعبرت عن استغرابها من ادعاء المنظمة في تقريرها الصادر بتاريخ 22 يونيو 2020 اتصالها بالسلطات المغربية قبل نشر هذا التقرير.
كما طالبت السلطات المغربية المدير التنفيذي لأمنستي بموافاتها في أقرب الآجال بالأدلة المادية المفترضة، حتى يتسنى للمغرب اتخاذ ما يلزم دفاعا عن حقوق مواطنيه، بحسب بلاغ نشر في وكالة المغرب العربي للأنباء.
ويؤكد محمد السكتاوي لـ"تيلكيل عربي" أن الاجتماع الذي عقد معه تم بحضور الكاتب العام للمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، ومسؤولين من وزارة الداخلية والخارجية، مشيرا إلى أنهم أبلغوه انزعاجهم من تقرير المنظمة وطالبوا بالكشف عن الأدلة التي في حوزة المنظمة.
وأضاف "أكدت لهم أن الأمر تقني ويحتاج مني العودة لهياكل المنظمة، فطلبوا مني أن يكون ردي في ظرف أسبوع، لكن الكاتب العام للمندوبية بدأ الاتصال بي منذ بداية الأسبوع"، معتبرا أن الحكومة لم تنتظر تلقي الجواب وأصدرت بلاغا يوم 2 يوليوز يتهم المنظمة بالتحامل ضد المغرب.

اتهمت الحكومة المغربية المنظمة بالتحامل المنهجي المتواصل ضد مصالح المغرب، وتحولها إلى فاعل سياسي تحركه أطراف حاقدة على المؤسسات الوطنية، كما دعاها رئيس الحكومة في مراسلة رسمية إلى تقديم أدلتها على تعرض هاتف عمرالراضي للتجسس، فضلا عن اتهامها بعدم منح المغرب حق الرد على التقرير قبل نشره.
المنظمة تنفي أن تكون قد نشرت التقرير دون أن تطلب من المغرب الرد عليه، كما توصلت "تيلكيل عربي" بمراسلات المنظمة لمسؤولين في وزارة حقوق الإنسان، إلا أن الرميد أكد في تصريحه لـ"تيلكيل" أن مسؤولي الوزارة يؤكدون عدم توصلهم فعليا بأي رسالة من منظمة العفو.

ويؤكد الرميد أنه كان معتادا في التعامل مع أمنستي أن يتم التأكد من التوصل بالرسائل بطرق مختلفة (بريد إلكتروني، فاكس، هاتف) لتأكيد التوصل، لكن لوحظ أنه في هذه النازلة، وعلى خلاف ما كان يتم العمل به، لم تلجأ أمنستي إلى طلب تأكيد التوصل من مصالح الوزارة، وهذا تغيير منهجي في أسلوب المنظمة يؤكد عدم اهتمامها بردود السلطات المغربية، علما أن بلادنا كانت منفتحة على منظمة العفو من خلال التفاعل الإيجابي مع كثير من تقاريرها واستبياناتها عبر إعداد وتوجيه المعلومات والمعطيات والردود المتعلقة بها".

وبعد الاتهامات التي وجهتها الحكومة عقب اجتماعها في 2 يوليوز، أصدرت "أمنيستي" بيانا جديدا اعتبرت فيه أن الحملة التي شنتها الحكومة المغربية ضدها تستهدف مصداقيتها وتكشف عن عدم تساهلها مع الانتقادات الموجهة لسجلها في مجال حقوق الإنسان، كما قالت إنها وجهت مراسلة جديدة لرئيس الحكومة تؤكد فيها علي صحة النتائج التي خلص إليها بحث المنظمة بشأن التجسس على عمر الراضي، وتقدم مزيداً من التفاصيل حول منهجية البحث لديها.

ويؤكد مصطفى الرميد، وزير الدولة في حقوق الإنسان أن منظمة العفو لم تقدم أي دليل في هذا الشأن ، بل إن ما تدعيه لا يعدو أن يكون ادعاء نفته السلطات المغربية بشكل قاطع، وسيبقى الأمر كذلك طالما لم تقدم المنظمة أي دليل أو حجة لإثباته، هذا علما أن هذا الادعاء يتعلق بواقعة مادية يمكن إثباتها أو نفيها عن طريق الوسائل التكنولوجية، إذ أن الأمر لا يتعلق بتقييم للوضع الحقوقي أو لممارسات معينة تختلف حولها التقديرات، لذلك طالبنا المنظمة بشكل رسمي مدنا بحججها المادية الملموسة، وما زلنا ننتظر ذلك إلى حد الآن، فيما يعتبر السكتاوي أن المنظمة قدمت ما يكفي من الأدلة على صحة ما تعرض هاتف الراضي للاختراق، وأن السلطات المغربية لم ترد على الجوانب التقنية التي قدمتها المنظمة.

أي أفق للعلاقة؟ 

رغم هذه الأزمة غير المسبوقة بين المغرب ومنظمة العفو الدولية، إلا أن رئيس المنظمة يظل متفائلا بإمكانية عودة العلاقات إلى طبيعتها، نافيا أن تكون لأعضاء المنظمة أية مصلحة أخرى غير حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها.
أما مصطفى الرميد، فيؤكد أن الحكومة لازالت تنتظر الجواب من منتظمة العفو في لندن، وأن أي حوار بيننا يتوقف على تقديمها لما يثبت ادعاءاتها، وأنه إذا كانت وقعت في خطأ التقدير فعليها أن تقوم بمراجعة موقفها، وهنا يمكن فتح قنوات الحوار بناء على إطار مرجعي للتعاون.
ويضيف "شخصيا أرجو ألا يؤدي الخلاف الحالي إلى حدوث قطيعة مع هذه المنظمة الدولية الهامة، وأن يكون عابرا، ويشكل مناسبة لبناء الثقة مرة أخرى بما يسهم في خلق فرص جديدة وآفاق جديدة للحوار الإيجابي والتعاون البناء لمصلحة حقوق الإنسان التي يحرص المغرب على تنميتها والرقي بها"، فيما اعتبر محمد زيان وزير حقوق الإنسان في عهد الحسن الثاني أن تجنب انتقادات المنظمات الحقوقية لن يكون إلا باحترام حقوق الإنسان.
ويرى زيان أن الانشغال يجب أن ينصب على تعزيز أوضاع حقوق الإنسان في المغرب بدل الانشغال بالرد على المنظمات الحقوقية الدولية، التي لا تقوم سوى بعملها، بحسبه.

وإذا كانت منظمة العفو الدولية تصر على مواقفها بشأن المغرب وتنفي أن يكون لذلك علاقة بخدمة أية أجندات أخرى، فإن السلطات المغربية ترى في الأمر استهدافا للمغرب وأصبحت ترى في "أمنيستي" منظمة فاقدة للحياد والشرعية، الشيء الذي يجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل العلاقة بين الطرفين، خاصة في ظل تداول أنباء عن توجه السلطات المغربية لإغلاق مقر المنظمة بالرباط، وعدم اقتناع السلطات المغربية بـ"الأدلة" التي تقول "أمنيستي" إنها قدمتها بخصوص واقعة التجسس المزعومة، لكن الرميد يظل مقتنعا بأن إغلاق الباب سياسية مناقضة للاختيارات الاستراتيجية للمملكة.