أيلال: هدفي القضاء على "خرافات البخاري".. وخفافيش الظلام هددوني بالقتل

رشيد أيلال
غسان الكشوري

التشكيك في الكتاب الذي يعتبره المسلمون أصح كتاب بعد القرآن، لا يمكن أن يمر بشكل عادي بالمغرب. هذا ما حصل للكاتب المغربي رشيد أيلال الذي أصدر كتابه "صحيح البخاري.. نهاية أسطورة"، حيث انتقد فيه وشكك في صحة "صحيح البخاري" وفي حقيقة من ألفه.

الكتاب نفدت طبعته الأولى من المكتبات بعد أسبوعين من طرحه، وأثار جدلا واسعا ولا يزال. كما جلب على مؤلفه تهديدا بالقتل والجلد. في هذا الحوار، يشرح رشيد أيلال لـ "تيلكيل عربي"، دواعي التأليف وعصارة أفكاره، وكيف شكك في وجود "صحيح البخاري".

كيف تقدم أطروحة كتابك ؟

مند ظهور "صحيح البخاري" عبر العصور تم تناوله بالنقد. وإذا راجعنا تاريخيا من يوم صدور الكتاب إلى يومنا هذا نجد أنه لم يسلم من النقد، وهذا أمر شائع. الجديد في كتابي هو الدراسة الكوديكولوجية (Codicologie)، أي دراسة مخطوطات "صحيح البخاري". لأنه لم تتم دراسة مخطوطاته بشكل مدقق وعميق، لذا كان كتابي هذا على هذا المنوال. حيث درست ومحصت أقدم المخطوطات لكتاب "صحيح البخاري"، وبطريقة مقارنة تدرس علاقة المؤلف بالمخطوطات الموجودة، وببعضها وعلاقتها بتلاميذ المؤلف ومن نسخ عن أولئك التلاميذ. كما بحثت عن إمكانية وجود إقحامات منحولة. وحاولت الإجابة عن سؤال؛ هل ألف البخاري كتابه المعروف بـ "صحيح البخاري"، وهل أنهى تأليفه، أم تكلف به تلامذته ومن جاء بعده.

ماذا تقصد بـ"الأسطورة" وبنهايتها ؟

نقصد بالاسطورة كتاب البخاري. فالعديد من الشيوخ حوّلوا الكتاب إلى أسطورة. وعندما نقرأ لابن كثير وهو يتحدث عن صحيح البخاري، ويعتبره "حجابا من النار" لا شك فيه، ويعتبر أن الكتاب "إذا كان في مركب فلن يدرك صاحبه الغرق"، ويقول إن كتاب البخاري يستسقى به الغمام.. هذه الخصائص وغيرها لم يتميز بها القرآن الكريم، فما بالك بكتاب البخاري.

كتاب البخاري بشري محض، لكن الشيوخ حولوه إلى أسطورة. وعندما نسمع شيخ الأزهر السابق يقول إن كتاب البخاري، لا يجب أن يقاس بمقياس بشري، أو بعض الشيوخ يكفرون من أنكر حديثا في صحيحه.. هل هذا يعقل؟ إذن تحول الكتاب عندنا من مكانه النسبي إلى مكانه المطلق الاسطوري والخرافي.

ما بين البخاري وما بين ظهور كتابه أزيد من 200 سنة، ثم إن كتابه لم يكن كتابا كالقرآن، يساعده التعبد به في الحفاظ على تواتره  أو حفظه من التزوير.

لماذا تأخر تدوين الأحاديث بعد مئات السنين عن وفاة النبي محمد (ص) ؟

السر في التأخر هو منع النبي محمد وقوله: "لا تكتبوا عني غير القران، ومن كتبه فليمحه". الخلفاء الراشدون من جهتهم حافظوا على هذا الأمر، وساروا على هذا الدرب.  عمر ابن الخطاب أحرق ما تم تدوينه من حديث، بل ضرب أبا هريرة حتى أدماه، وقال له "لتنتهين عن التحديث، أو لألحقنك بأرض القردة". وكان أبو هريرة يقول بعد وفاة عمر أنه ما كان يستطيع التحديث على عهد عمر.

أغلب الباحثين عبر العصور بما فيهم المستشرق الألماني يوهان فك، الذي قام بعملية تأصيل لشجرة نسب كتاب "صحيح البخاري" وبيّن أن أصله يرجع لمؤلفه البخاري.. ما الذي أتيت به وتميزت به، وغفل عنه كل الباحثين؟

هؤلاء لم يدرسوا المخطوطات، بل ذهبوا إلى الإسناد. لا توجد هناك مخطوطات للبخاري نفسه ولا لتلامذته. فمخطوطات الكتاب ظهرت بعد 6 أجيال عن زمن البخاري. الكل يعرف هذا الأمر حتى السلفيون الوهابيون الذين يبجلونه أنفسهم.

وبالاعتماد على المخطوطات، من الصعب الوصول إلى نسبة الكتاب إلى البخاري نفسه، ولا إلى من تتلمذوا عليه، لكن من درس كتاب البخاري اعتمد على السند فقط، أي على الأشخاص الذين رووا الأحاديث. رجوعا إلى الأبحاث نجد أن الباجي نقل عن أبي إسحاق المستملي، قوله: انتسخت كتاب صحيح البخاري من أصله، (أي من مخطوطته) كما عند بن بشر الفربري، "فوجدت أنه لم يتم بعد".

هذا تلميذ من تلامذة البخاري يؤكد أن البخاري عندما ألف صحيحه لم يكمله. ويزيد تلميذه بالقول: "وجدنا أحاديث لا تراجم فيها فأضفنا ذلك إلى بعض"، بل والأخطر من هذا، فالباجي قال: "وجاءت نسخه مختلفة". هنا نفهم أنهم نسخوا كتاب البخاري من أصل واحد. لكن ما لا يعقل هو أن ينسخوا من نفس المنبع، ونجد نحن "مخطوطات" ونسخ مختلفة

الحميدي كذلك، أشار إلى مجموعة من الإقحامات التي تم اعتمادها في "صحيح البخاري" وليست منه. والحافظ العسقلاني في عصره في القرن 9 الهجري، أي بعد وفاة البخاري ب600 سنة، قال في مقدمة "فتح الباري" أنه وجد 13 نسخة لكتاب "صحيح البخاري" مختلفة بينها، فقام بتأليف صحيح "آخر" يمزج بين كل النسخ.

لكن عدم اكتمال الكتاب، لا يعني عدم انتسابه لصاحبه ؟

ليس هناك من دليل يتبث أن البخاري أصلا ألف كتابه "الصحيح". لكن أنا أقول، أن كتابه الموجود حاليا، على الأقل، ليس هو ما ألفه البخاري. يعني حتى لو نسبنا الكتاب للبخاري فليس ما نتداوله هو نفسه الآن. وهذه المسألة يخبرها جيدا العلماء والشيوخ. بل ويقول بعض المتخصصين في الحديث إن البخاري إذا كان له كتاب فهو لم يخطه، بل كان يلقيه مشافهة، لأن ظهور اختلاف النسخ فيما بعد، لا تدل على أن البخاري خط نسخة من كتابه بيده. ولو كان خطها، فلن تكون هناك اختلافات بين النسخ المتواجدة، إلا إذا طالها التزوير. ما بين البخاري وما بين ظهور كتابه أزيد من 200 سنة، ثم إن كتابه لم يكن كتابا كالقرآن، يساعده التعبد به في الحفاظ على تواتره  أو حفظه من التزوير.

انتقدت ورود بعض الأحاديث في صحيح البخاري. هل اعتمدت على أدوات "الجرح والتعديل"؟

أنا أرى أن آليات الجرح والتعديل المعتمدة في علم الحديث، هي سبب المشاكل التي نحن فيها الآن. لأنها تعتمد على أن الرواية فرع عن الراوي، بمعنى إعطاء الأولية للراوي على الرواية. هذا كلام ومنطلق غير علمي. فهل يمكن مثلا أن نأخذ نظرية عن إسحاق نيوتن لمجرد أنه نيوتن، ولا نأخذ ما يقوله بناء على علميتها ؟ لو سارت البشرية على هذا الأساس لما تطور العلم. التقدم يتم بعدم تقديس الأشخاص.  وبالتالي فالبخاري اجتهد في نقل الأحاديث وفي حفظها. لكن نحن نمتلك حاليا آليات علمية أقوى نمحص بها ما نتلقاه، وننقي تراثنا بما نملك.

هل يمكن مثلا أن نأخذ نظرية عن إسحاق نيوتن لمجرد أنه نيوتن، ولا نأخذ ما يقوله بناء على علميتها ؟ لو سارت البشرية على هذا الأساس لما تطور العلم.

ماذا عن معرفتك بعلم المخطوطات ؟

بخصوص المخطوطات، أنا أقول أن رشيد أيلال رجل عصامي. فقد تركت المدرسة في المرحلة الإعدادية، ولم أكمل دراستي، وبعد 13 سنة من الدراسة فقط. لكن الذي يريد أن يتحدث عن الشواهد والتخصصات، فليأتي لي بشواهد العلامة الألباني "محدث العصر" كما يسمونه. الرجل كان صانع ساعات وليس متخصصا في الحديث. لكن اجتهاداته الفردية أوصلته إلى ما عرف عنه. وبالمناسبة الألباني طعن في أزيد من 13 حديث في البخاري. الكل للأسف يترك مضمون الكتاب وما جئت به، ويتجهون إلى صاحبه.

أنا ألفت الكتاب وأعرف أني مخطئ، ولست صائبا في كل ما جئت به، فلست معصوما عن الخطأ. وكتابي هذا عن البخاري فيه إصابات وفيه زلات، أنا بشر فقط. وكتابي يحتمل الخطأ والصواب. أنا لست متخصصا في المخطوطات وكتبت هذا الكتاب، ولي حق التعبير والكتابة. ولذا أتمنى أن يساعدني كل من ينتقدني، متخصصا كان أو باحثا، بالتفكير وبإيجاد أخطائي وزلاتي، بالرد علي بالعلم وبالتحليل، وبدحض انتقادي للمخطوطات التي أدرجتها في الكتاب، عن قصد بالصور، حتى تكون متاحة للجميع.

ما الذي سيتغير إذا حذفنا كتاب البخاري من الوجود، ومن استعماله لدى المسلمين ؟

لن يتغير شيء، ولن يتغير في الإسلام شيء. لكن الغاية من الانتقاد هو القضاء على عبادة الأشخاص. وما سيتغير هو تقديس الأشخاص، وتقديس الخرافات الواردة في صحيح البخاري، والتي تسيء إلى الاسلام. وبالتالي لن نجد في الأحاديث "القردة الزانية" على طريقة "توم وجيري". ولن نجد أن الرسول كان شعره مقملا، تفليه النساء. وسيتمكن العقل الإسلامي والعربي من التحرر من الخرافة ومن الأسطورة، ونتمكن من أن نسير إلى الأمام، لأن القران يدعونا إلى البحث والتقدم.

لا مشكل في رأيي من انتقاد الكتب البشرية، أو بتنقية تاريخنا وتراثنا من الشوائب. يجب أن نعود إلى الإسلام الغض الطري الأول، وأن نفهم القرآن بتفكيرنا الحالي، وليس بما فسره أو فهمه الجيل الغابر. القرآن نفسه يذم من يتبع أجداده وأسلافه و"ما وجدنا عليه آبائنا". في نظري يجب أن نتعامل مع "صحيح البخاري" الذي يقدسه المسلمون، على أنه كتاب تاريخي محض بسياقه الزمني وبظرفيته، لا أن ينعكس وأن يتحكم فينا في عصرنا الراهن، ولا أن نصل لمرحلة يقدس فيها العقل العربي ما هو غير مقدس.

في نظرك، من له دور نزع القداسة، هل المؤسسات الدينية أو العلماء أو.. ؟

الكل مدعو لنزع القداسة. كلنا معنيون وكل من يجد في نفسه الكفاءة معني. والمقصر بذلك هم الشيوخ ومن يقلدهم. مع وجود بعض الاستثناءات من المتخصصين الذين يقومون بهذا الدور، أي دور نزع الاسطورة والتقديس. فمثلا الفقيه المغربي، خريج دار الحسنية للحديث، ابن الأزرق الأنجري، تحدث عن كتابي بشكل إيجابي وأبدى بعض ملاحظاته وانتقاداته، لكنه أعرب أن معظم ما جاء في كتابي صحيح. وقال إنه يجب منح جائزة لصحاب "نهاية الأسطورة" لأنه شخص عصامي، لا يملك شواهد وقام بهذا العمل، المساوي للدكتوراة والأبحاث الجامعية.

ماذا عن رأي مصطفى بنحمزة وما قاله بعض الشيوخ المغاربة ؟

الشيخ مصطفى بنحمزة، نطق عنوان كتابي خاطئ، ولم يقرأ الكتاب، وبنى حكمه على سماعه به فقط من الجرائد. أنا أستغرب من تقديمه لمكافئة مالية لمن يرد علي. ما قام به مجرد ترهات تبيّن أنهم ضعاف جدا. بنحمزة الذي قال هذا الكلام كان يمثل رأيه داخل المركز الذي يرأسه، ولا يلزم المؤسسة الدينية بالمغرب. هذه الأخيرة من جهتها لم تقم بالرد على كتابي. لذا أنا طرحت الكتاب وأنتظر منهم الرد عليه. فمهمتي انتهت بإصداره ومهمة الآخر تبتدأ بعد ذلك.

من جهة أخرى، هناك من طالب بحرق كتابي وبالتعزير في حقي وبجلدي، فضلا عن تلقي لتهديدات بالقتل، وهذا أمر شائع عند خفايش الظلام. لكن يجب الإشارة هنا، أني لن أتقبل الرد على كتابي في سطور عديدة، كما فعل محمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) الذي كتب بضعة سطور بكلام عاطفي. أنا انتظر الرد العلمي بشكل مستفيض. فكتابي يضم 284 صفحة، ولا يجب الرد عنه في بضعة أسطر.

اقرأ أيضا: "صحيح البخاري".. مجهود بشري غير مقدس لكنه مهم