أعلنت الجزائر رسميا، أول أمس الأربعاء، إقرار رأس السنة الأمازيغية الجديدة لعام 2968 عطلة رسمية مدفوعة الأجر. قرار سبقت فيه الجارة الشرقية المغرب، مقابل مطالبة النشطاء الأمازيغ منذ سنوات، بالاعتراف رأس سنتهم وجعل يومها عطلة رسمية. "تيل كيل عربي" سأل عدداً من النشطاء، كيف ينظرون إلى هذه الخطوة؟
اختلفت آراء عدد من النشطاء الأمازيغ المغاربة، في حديثهم لـ"تيل كيل عربي"، تجاه اقرار الجزائر ليوم فاتح السنة الأمازيغية عطلة رسمية مدفوعة الأجر. بين من يرى أن الجارة "سبقت المغرب بخطوة واستجابت إلى مطالب الأمازيغ في الوقت الذي كان فيه المغرب سباقاً لذلك"، وآخرون يرون أن قرار الجزائر "غير دستوري ويمكن القفز عليه في أي وقت، ويأتي فقط في سياق منافسة المغرب وإظهار تقدم زائف أمامه، في معالجته لملف الأمازيغية وثقافتها".
الجزائر تتقدم بخطوة
أشاد محمد حنداين، رئيس كونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بالجنوب المغربي (تامونت ن يفوس)، في تصريح لموقع "تيل كيل عربي"، بـ"الموقف التاريخي للجزائر، والذي ساهم في استرجاع رموز الحضارة الأمازيغية بشمال إفريقيا، وحيا أمازيغ الجزائر على نضالهم واستماتتهم من أجل انتزاع حقوقهم المشروعة".
ولفت حنداين، العضو السابق بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إلى أن "الحركة الأمازيغية بالمغرب تدعو منذ سنوات الحكومة المغربية إلى إقرار السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، شأنه شأن بقية الأعياد الأخرى، كفاتح السنة الهجرية وفاتح السنة الميلادية"، وتابع أن "عدم اقرار هذا اليوم كعيد وطني يعكس التمييز بين الحضارات، وبين الشعوب".
وزاد المتحدث ذاته، أنه "إذا كان الأمازيغ متفتحون ومسالمون ويقبلون كل اللغات وكل الديانات وكل الحضارات عبر تاريخهم، فلماذا التفريط في حضارتهم ولغتهم وثقافتهم؟" وأضاف، "بعد أن كنا نفتخر في المنتديات الدولية بما حققناه في المغرب، لصالح الثقافة والحضارة الأمازيغية، يقع اليوم تراجع خطير، خاصة في تعليمها الذي صار مهزلة".
واستغرب حنداين من "موقف المغرب الذي كان دائما سباقا للاعتراف بالحقوق الحضارية للأمازيغ. لكن وقع تراجع منذ عهد حكومة بن كيران". وقال حنيداين كذلك، "كنا نستبشر خيراً بتعيين سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة على اعتبار أنه يتفهم جيدا موقف الحركة الأمازيغية، المتسم بالمرونة والعقلانية والحداثة في تناول القضايا الوطنية، إلا أنه من المؤسف أن يكون المغرب الآن في هذا الوضع غير المريح، وهو الذي يعتبر نفسه أمازيغيا، وسباقا إلى الاعتراف بترسيم الأمازيغية".
اقرأ أيضاً: انطلاق "عريضة المليون" للمطالبة بـترسيم"إيض إيناير"
"فرح ممزوج بالمرارة"
بدوره، وصف التيجاني الهمزاوي الناشط الحقوقي الأمازيغي والكاتب العام للشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة (أزطا)، في تصريح لموقع "تيل كيل عربي"، قرار الجزائر بأنه "فرح ممزوج بالمرارة. فلا نملك إلا التعبير عن مشاعر الفرح لخبر إقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا رسميا في الشقيقة الجزائر، ولكن نأسف لهذا الارتباك والتماطل الذي يعرفه المغرب في ملف الأمازيغية عموما".
ومضى قائلا: "ما حدث يشكل نموذجا، وأعتقد أنه بهذا القرار يكون النظام الجزائري قد وضع خطوات إلى الأمام في التفاعل مع المطالب الأمازيغية، التي لا تختلف كثيرا عن مطالب نظيرتها بالمغرب، مما سيدفع المملكة مرغمة إلى أن تحدو حدو جارتها، أو أن تتجاوزها بالتعبير عن إرادة سياسية وإجراءات واضحة لامتصاص الغضب الذي سيسفر عنه هذا القرار الجزائري الذي سيكون مدعاة للمقارنة".
اقرأ أيضاً: التجمع العالمي الأمازيغي يطالب بإقرار "إض يناير" عيدا رسميا وعطلة مؤدى عنها
قرار غير دستوري للمزايدة فقط
في المقابل، قلل رشيد بوقسيم، الناشط الأمازيغي ومدير مهرجان "إسني وورغ" في حديث لموقع "تيل كيل عربي"، من أهمية القرار الجزائري.
وأوضح بهذا الصدد، أن "إقرار إض يناير عطلة رسمية في الجزائر قرار ملغوم وليس بقانون، وقد تطعن فيه مؤسسة دستورية حالية أو لاحقة".
واعتبر بوقسيم، أن "الجزائر أجابت بمطلب ملغوم بتخصيص يوم 12 يناير عيداً وعطلة، والصواب هو 13 يناير الذي يصادف رأس السنة الأمازيغية، ويوم 14 يناير هول أول (فاتح) السنة الأمازيغية الجديدة المتعارف عليه كونيا في كل بلاد تمازغا".
وبسط الناشط الأمازيغي بوقسيم ثلاثة سياقات تحكمت في إصدار هذا القرار الرئاسي الجزائري، أولها استجابة لاحتجاجات داخلية في الثانويات والجامعات لم يشهدها البلد إلا في سنوات الربيع الأمازيغي، وثانيها التنافس القوي مع المغرب على ملف الأمازيغية، مع ما يستتبع ذلك من النقاش الدائر حول الولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة التي فرق الجزائر بين مناصر ومعارضين كثر، وثالتها اقتناص الجزائر الفرصة للمزايدة السياسية على المستوى الإقليمي، للقول إنها "رسمت الأمازيغية بلا ضجيج مقارنة مع منافسها الأول المغرب، وهي أيضا إجابة سياسية للجزائر بأن لها قوة جيوسياسية في شمال إفريقيا والساحل".
للإشارة، يضيف المتحدث ذاته، القرار الجزائري يتضمن أيضا إنشاء أكاديمية للأمازيغية، بعد أن أقرت المحافظة السامية للأمازيغية كتابتها بالحرف اللاتيني، وهذا نقيض حرف "تيفيناغ" المعمول به في المغرب. وخلص بوقسيم إلى أن مطلب "إقرار "إض يناير" ليس بيد الحكومة، لكنه قرار بيد المؤسسة الملكية".
اقرأ أيضاً: فتح 150 منصبا للأمازيغية بالتعاقد.. مكسب جديد ومطامح للتعميم
انتصار للهوية الأمازيغية
من جهته، اعتبر الحسين أيت باحسين الباحث السابق بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والناشط الأمازيغي أن "هذا الإجراء؛ على غرار كل الإجراءات التي اتخذت سابقا لصالح هويتنا الوطنية بمقوماتها الثلاث: الإسلامية والعربية والأمازيغية؛ كفيل بتعزيز الوحدة والاستقرار الوطنيين في الوقت الذي تستوقفنا فيه العديد من التحديات على الصعيدين الداخلي والإقليمي".
وأكد الحسين أيت باحسين الباحث في الثقافة الأمازيغية في تصريح لموقع "تيل كيل عربي" أن ذلك "مكسب من المكاسب التي جاءت استجابة لمطلب الحركة الأمازيغية منذ عقود؛ وعرفان للفلاح المرتبط بقضايا البيئية كذا بالمرأة، خاصة القروية، التي حافظت وتحافظ على العادات والتقاليد المرتبطة بتدبير الندرة، وهو أيضا رد الاعتبار لثقافة سكان شمال إفريقيا، التي تعتبر هذا الاحتفال من خصوصياتها تاريخا وتقويما وبيئيا ورمزيا".
ولفت أيت باحسين إلى أن "معظم تيارات الحركة الأمازيغية في الجزائر، ومثيلاتها في الدياسبورا، تعتبر بداية رأس السنة الأمازيغية الجديدة هو 13 يناير الكريكوري، بينما يتم الاحتفال بليلة رأس السنة الأمازيغية في الثاني عشر منه".
اقرأ أيضاً: مطلب "معرفة الأمازيغية لتصير قاضيا" يصل إلى البرلمان
وفي مقارنة له بين المغرب والجزائر، خلص أت باحسين إلى أنه "منذ 1994 حين أعلن المغرب إدماج الأمازيغية في التعليم وفي الإعلام، أصبحت القضية تتسم بنوع من المنافسة والسبق إلى تهدئة الحركة الأمازيغية وإلى نوع من إحراج دولة لأخرى، أمام حركتها ونشطائها، وأمام المنتظمات الدولية خاصة منها المتعلقة بحقوق الإنسان".
وتمنى أيت باحسين أن "تكون السنة الأمازيغية سنة شمسية، وأن يتوحد التقويم بين مختلف بلدان تامازغا (شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء حيث يوجد الأمازيغ وجزر الكناري)، وأن يكون الاعتراف الرسمي لبلدان تامازغا، بالسنة الأمازيغية وباللغة والثقافة والهوية والحضارة الأمازيغية دستوريا ويتم تفعيلها مؤسساتيا، لأن هذه الخطوة عامل أمن ثقافي وسلم اجتماعي بين شعوب تامازغا وباقي شعوب المنتظم الدولي، إسوة بمختلف التكتلات الديموقراطية في مختلف قارات العالم".
جدير بالذكر، أن يوم فاتح السنة الأمازيغية في الجزائر، سوف يتزامن خلال سنتي 2018 و2019 بيومي الجمعة والسبت، وهي نهاية الأسبوع في الجزائر.