التعليم العمومي يدخل ورشة الاصلاح مجددا.. بن موسى يكشف تفاصيل خارطة الطريق

أحمد مدياني

إنقاذ الموسم الدراسي الجاري، والتأسيس لحوار اجتماعي شامل، ينتج ورقة طريق ونظاما أساسيا موحدا لأسرة التعليم، يشمل "أساتذة التعاقد"، خلاصة لقاء مطول جمع وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بن موسى، يوم الأربعاء المنصرم، مع الصحافة الوطنية، حضره "تيلكيل عربي" و"تيلكيل".

ما يمكن أن يوصف به هذا اللقاء، هو اختيار لغة الوضوح في الإجابة عن الأسئلة، وطرح ما يمكن أن يتحقق، من أجل الخروج من الاحتقان الذي تعرفه منظومة التعليم في المغرب، منذ سنوات، وما لا يمكن أن يتحقق، ولو بعد حين.

ما هي الخطوط العريضة للإصلاح الجديد الذي ستطرحه الوزارة؟ وكيف ستتم صياغة خارطة الطريق؟ وما هي الجدولة الزمنية لإنهائها؟ وكيف يمكن إنقاذ الموسم الدراسي، وتعويض ساعات الهدر المدرسي، بسبب الإضرابات المستمرة لـ"أساتذة التعاقد"؟ ولماذا فشلت جولات الحوار معهم؟ وهل يمكن تسقيف مستحقات التعليم الخصوصي مستقبلا؟ وبماذا وعد الوزير جمعيات أمهات وآباء وأولياء أمور التلاميذ خلال لقائه بهم، الأسبوع الماضي؟

أسئلة وأخرى يجيب عنها شكيب بن موسي، الرجل الذي قاد إخراج النموذج التنموي الجديد في المغرب، ويحاول اليوم، إعادة نسخ تجربة صياغته.

خارطة طريق تشاركية

كشف شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، أن "الوزارة سوف تعمل على صياغة نظام أساسي موحد في قطاع التعليم".

وأضاف بنموسى في لقاء مع الصحافة الوطنية حضره "تيلكيل عربي"، أن "الوزارة تطلع على التجارب المقارنة حول العالم في هذا الباب، والتي يُمكن أن تدرج في النظام الأساسي. هذا الأخير سوف تسبقه خارطة طريق، الهدف منها صياغته، وفق منهجية تشاركية، تشمل جميع المتدخلين في القطاع".

وأوضح الوزير أن "خارطة الطريق ستتطرق لتجديد الأدوات البيداغوجية، ووسائل التدريس داخل القسم، وكيفية معالجة الاكتظاظ، وتجاوز المستويات المتباينة للتلاميذ، بالإضافة إلى الأقسام المختلطة، وإدراج التكنولوجيات الرقمية، دون إغفال جعل المدرسة منفتحة على محيطها، وضمان جودة التعليم".

وأبرز أن "أحد المشاكل التي تعيق إصلاح التعليم في المغرب، أنه يتم تنزيل برامج وطنية على المستوى الجهوي والمحلي، دون مراعاة الخصوصية والاستقلالية. كما يتم القفز على نظام المحاسبة على أساس الأهداف".

وأشار بنموسى إلى أنه "يجب الاستفادة من الحلول التي يتم ابتكارها على المستوى المحلي، بمبادرات فردية".

وقال في هذا الصدد: "هناك عدد من الأساتذة الذين ابتكروا أساليب بيداغوجية جديدة، ونجحوا في ذلك، بل وحققوا نتائج مبهرة داخل القسم، ويجب أن نستلهم منهم هذا الابتكار، ولا نعممه".

وتابع الوزير: "خلال الأسابيع المقبلة، سوف ننظم لقاءات محلية تجمع كل المتدخلين في منظومة التعليم، لقاءات سوف تعقد على مستوى كل جماعة في المغرب، وذلك من أجل القطع من سياسة تنزيل الإصلاح من المركز".

وأكد أن الهدف هو "إغناء الورقة بالمقترحات، لكي تساعد على تعبئة كل المعنيين بالمدرسة".

وشدّد شكيب بن موسى على أن "الوزارة لن تبدأ من الصفر. والأساسي هو طريقة تنزيل التصور، والتركيز على الأولويات والأهداف، وليس فقط وضع خطوطه، وصرف الأموال من جيوب من يدفع الضرائب عليها".

وبخصوص الجدولة الزمنية التي وضعتها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، لإنهاء التشاور بخصوص خارطة الطريق والنظام الأساسي الموحد، قال الوزير إنه من المرتقب أن يكون المشروع جاهزا، في غضون خمسة أشهر".

وسيتأسس الإصلاح الجديد، حسب شكيب بن موسى، على ثلاثة أسس؛ هي الجودة داخل القسم، وإغناء مسار التكوين لدى المدرسين والأطر التربوية، واستمرارية تقييم الأداء بالنظر إلى الأهداف المسطرة من أجل إعادة الثقة في المدرسة العمومية، وأداء منطلقه الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل منطقة في المغرب واستقلالية جهاته.

هل سنبدأ مجددا من الصفر؟

منذ إنشاء اللجنة العليا لإصلاح التعليم في المغرب عام 1957، وهذا القطاع يعرف تعديل مشاريعه وخططه وبرامجه ومناهجه. وفي كل مرة، تبدأ العملية من الصفر. وكلما جاء وزير جديد، جاءت معه تغييرات شاملة تمس المنظمة التعليمية المغربية، حتى بلغ عدد الإصلاحات 43 محطة، طيلة 65 سنة، محطات انتهت بإعلان فشل "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، ثم إطلاق "المخطط الاستعجالي الثلاثي" الذي فشل بدوره، واختتمت بإخراج رؤية "2015-2030: التدابير ذات الأولوية والرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتعليم لإصلاح التعليم"، رؤية يؤطرها "القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين".

عن هذا الواقع والمسار الذي أوصل المدرسة العمومية لواقع حالها اليوم، قال الوزير شكيب بن موسى: "نعم سلكنا مسارات كثيرة لإصلاح التعليم في المغرب. لكن المتغير اليوم، هو مكسب القانون الإطار الذي جاء به المجلس الأعلى للتعليم، ويفرض هذا القانون عدم الانطلاق من الصفر، لأنه يوفر مرجعية صلبة".

ولم يخفِ وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أن "شخصية الوزير تلعب دورا في تنزيل مجموعة من الإصلاحات، ويبقى لديه هامش لاتخاذ مجموعة من القرارات. لكنها مؤطرة، كما قلت، بالقانون الإطار".

مصير الحوار الاجتماعي وكلفته

بخصوص هذا المحور، صرّح شكيب بنموسى أن "كُلفة المراسيم التي تم إصدارها بعد الحوار الاجتماعي، وتوقيع الاتفاق الأخير مع النقابات الأكثر تمثيلية، تصل إلى 20 مليار سنتيم".

وتابع الوزير أن "تنزيل تفعيل المراسيم كان نتاج الاعتراف بحقوق يجب الإيفاء بها، وأن الوزارة اختارت منهج الحوار مع النقابات، وتنزيل ما يتم الاتفاف عليه".

في السياق ذاته، رفض بنموسى ما يتم الحديث عنه حول "رفض الوزارة الجلوس إلى طاولة الحوار مع الأساتذة أطر الأكاديميات".

وكشف بهذا الخصوص أنه "مباشرة بعد تعيينه على الرأس الوزارة، تم عقد لقاء مع الأساتذة أطر الأكاديميات. عندما طلبنا منهم تقديم مقترحاتهم، قالوا إنهم جاؤوا ليسمعوا فقط مقترحات الوزارة، وليست لديهم صلاحيات الحسم في موقف الفئة التي يمثلونها، ثم غابوا لفترة طويلة. وعندما عقد اللقاء الثاني بحضور النقابات الأكثر تمثيلية، وجدنا أنفسنا أمام ممثلين آخرين غير الذين جالسناهم خلال اللقاء الأول، وبدورهم قالوا إنهم جاؤوا ليسمعوا لمقترحات الوزارة، ولا يملكون غير مطلب الإدماج الفوري في سلك الوظيفة العمومية".

وتساءل الوزير حول جدوى استمرار الإضرابات، رغم أن الوزارة في عهد الوزير السابق، سعيد أمزازي، استجابت لعدد من مطالبهم، من ضمن المطالب الـ17 التي طرحوها على طاولة الحوار.

وعبّر عن تساؤله بالقول: "كيف يعقل أن تتفهم الوزارة عددا من المطالب، وتستجيب لها. لكن في المقابل، تستمر الإضرابات ويضيع الزمن المدرسي للتلميذ؟".

وأضاف: "نحن منفتحون على الحوار الدائم مع النقابات وكل الفئات التي تعتبر أنها متضررة من واقع معين. لكن في نفس الوقت، نحن ملزمون بتحصين مصلحة التلاميذ".

تأثير إضرابات "أساتذة التعاقد"

في هذا الصدد، أوضح وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أن "المشاركين في إضرابات الأساتذة أطر الأكاديميات، خلال الأسابيع الماضية، تتراوح ما بين 24 إلى 25 ألف، في حين أن المنظومة التعليمية تضم 300 ألف".

وأضاف بنموسى: "في بعض المناطق، كان هناك أثر كبير للإضرابات، وتتمركز في المجال القروي".

وبخصوص الاقتطاعات من أجور المضربين، شدد الوزير على أنه "يتم الاقتطاع من أجورهم، ومبدأ الأجر مقابل العمل لن يتم التراجع عنه".

وذكر المتحدث ذاته أن "المفتشين لا يتمكنون من دخول بعض الأقسام التي يكون فيها الأساتذة أطر الأكاديميات، وذلك بسبب منعهم لهم".

وتابع في السياق ذاته، أن "عددا منهم غير مرسّم، بسبب رفضهم أيضا للحلقة الأخيرة في تكوينهم، وهي إلقاء عرض داخل القسم، أمام هيئة التدريس".

الهدر المدرسي وإنقاذ الموسم التعليمي

قبل التوصل لاتفاق حول ترافع الأساتذة من أجل وضعهم الاجتماعي والقانوني، هناك اليوم، آلاف التلاميذ الذين ضاعت منهم ساعات التمدرس، بسبب تواصل الإضرابات. وهذا الوضع أثّر، وسوف يؤثّر على مستوى التحصيل الدراسي، خاصة بالأقسام الإشهادية. فكيف ستتجاوز الوزارة هذا الوضع؟

حسب الوزير شكيب بن موسى، فإن تعويض الزمن الدراسي المهدور، وضعت له جدولة زمنية، وسيتم ذلك بانفتاح المدرسة على محيطها.

كيف ذلك؟ يجيب الوزير: "كما تعرفون، سوف نلجأ لبرنامج "فرصة"، من أجل استقطاب كفاءات قادرة على الانخراط معنا في تعويض ساعات الدراسة التي ضاعت من التلاميذ".

وتابع في السياق ذاته: "هناك اتفاق على المستوى الجهوي مع عدد من جمعيات المجتع المدني والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من أجل توفير أطقم ذات كفاءات سوف تقدم دروس الاستدراك والدعم للتلاميذ".

وأضاف أن "الوزارة سوف تركز أساسا على تعويض الزمن المدرسي الضائع على الأقسام الإشهادية والمواد الأساسية، حسب كل شعبة".

في سياق متّصل، صرح الوزير أنه التقى خلال الأسبوع الماضي، بممثلين عن جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، وحول ما ركزوا عليه خلال لقائهم بها، قال: "طرح أولياء الأمور نقطتين أساسيتين، هما تعويض الزمن المدرسي الذي تم تضييعه، والحراسة المدرسية".

ولفت إلى أن "النقطة الثانية مهمة جدا، لأن التلاميذ الذين لا يدخلون الفصل، بسبب الإضراب أو لسبب آخر، يخرجون إلى محيط المدرسة، وهناك أمور كثير تحدث تتثير مخاوف الأمهات والآباء".

ووعد الوزير بخصوص هذا الجانب، أن المدرسة سوف "تتحول من فضاء يغلق بعد انتهاء الحصص الدراسية، إلى فضاء منفتح على محيطه. ويمكن أن تلعب مستقبلا الأدوار التي تقوم بها دور الشباب، والمراكز الثقافية، والمكتبات كما يمكن أيضا، أن تضع فضاءاتها الرياضية رهن إشارة الجمعيات".

التعليم الخصوصي.. الجودة والتكاليف

هل يمكن تسقيف تكاليف الدراسة في التعليم الخصوصي؟ حسب وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، "هذا الطرح صعب جدا، والأمر متروك لعاملين من أجل ضبطها؛ وهما توسيع قاعدة المنافسة، وإعادة الثقة في المدرسة العمومية".

وعاد شكيب بن موسى في أجوبته عن هذا السؤال الذي يشغل بال 15 في المائة من أمهات وآباء وأولياء أمور التلاميذ في المغرب، الذين يتابعون دراستهم في التعليم الخصوصي، لما جاء في التقرير الأخير لمجلس المنافسة.

وقال الوزير: "لا يمكن أن نصدر مرسوما لتسقيف تكاليف التمدرس في التعليم الخصوصي. لكن في نفس الوقت، يجب أن نوسع قاعدة التنافس على إنشاء المدارس الخصوصية. كما يجب علينا أن نشدد على ضمان الكفاءة والجودة داخل هذه المؤسسات".

وبخصوص ضمان الكفاءة ودور التفتيش في التعليم الخصوصي، كشف بنموسى أن "هناك اتفاق مبدئي مع أرباب التعليم الخصوصي على وضع برنامج للتكوين، سوف يكون جزء منه على نفقتهم، من أجل ضمان توفير أطر دراسية وتربوية خاضعة لنظام تكوين تشرف عليه الوزارة".

في سياق متصل، شدّد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة على "ضرورة مطالبة أولياء الأمور بعقد التأمين الذي يؤدون مقابله، مبالغ مالية باهظة".