سجل تقرير صدر، بداية الأسبوع الجاري، عن مركز الدراسات الإفريقية بجامعة "Nanyang" التكنولوجية سنغافورة، بروز المغرب كقوة رائدة في الزراعة التجديدية في إفريقيا، القارة الأكثر جفافا في العالم، من حيث نسبة مساحة اليابسة، بعد أستراليا.
وأبرز تقرير "المغرب كقوة دافعة للزراعة التجديدية في إفريقيا" أنه على عكس الدول الغربية؛ حيث يتم الترويج للزراعة التجديدية، بشكل رئيسي، كوسيلة لمكافحة تغير المناخ، من خلال الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، فإن أولوية إفريقيا هي الاستفادة من تركيز هذا النوع من الزراعة في تحسين صحة التربة كوسيلة لمكافحة التصحر وزيادة غلة المحاصيل.
وكشف المصدر ذاته أنه مع قيام الشركات الزراعية الآسيوية؛ مثل "Olam Agri"، بتشجيع الزراعة التجديدية في إفريقيا لضمان سلاسل التوريد الخاصة بها، تمثل حلول المغرب المستدامة للشركات العاملة في إفريقيا جنوب الصحراء فرصة شراكة فريدة لتحقيق هذه الأهداف.
وتابع التقرير أن 350 مليون مزارع صغير يتواجدون في إفريقيا، وهو عدد أكبر من سكان الولايات المتحدة، مسجلا أنه على الرغم من أن جذب هؤلاء المزارعين يمثل مهمة صعبة، إلا أن المغرب قد أنشأ حلولا للزراعة التجديدية، مبنية على تقليل الكربون، وتحقيق الربح من الائتمانات الكربونية التي تتناسب، بشكل خاص، مع احتياجات الزراعة الإفريقية.
وأضاف أن هذه الحلول المستدامة المغربية أثبتت فعاليتها في تعزيز اعتماد الممارسات الزراعية التجديدية بين المزارعين الأفارقة؛ مما رفع دخولهم مع إصلاح التربة وضمان سلاسل الإمداد الزراعية.
وأشار التقرير إلى أن هذا النجاح بدأ مع مزارعي المغرب، الذين تقل مساحة 71 في المائة من مزارعهم عن 5 هكتارات، مضيفا أن إشراك المزارعين الأفارقة خارج المغرب من قبل الشركات المغربية للحلول المستدامة يعتمد، أيضا، على برامج خدمات الإرشاد الزراعي الفعالة التي يديرها المغرب في العديد من الدول عبر منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.
واعتبر مركز الدراسات أن المغرب قصة نجاح زراعية في إفريقيا، موضحا أنه بحلول عام 2020، نجح "مخطط المغرب الأخضر" في زيادة قيمة صادراته الزراعية بنسبة 117 في المائة إلى حوالي 3.5 مليار دولار، وخلق 342,000 وظيفة جديدة. وأصبح المغرب أحد الموردين الرئيسيين للفواكه والخضروات إلى أوروبا؛ حيث يشكل قطاع الأغذية الزراعية حوالي 21 في المائة من صادراته من حيث القيمة. ومع تمثيل الزراعة لـ39 في المائة من إجمالي العمالة الرسمية في المغرب، أعطى مخطط "الجيل الأخضر 2020-2030" الأولوية لاستدامة الإنتاج الزراعي المربح في البلاد، مع محاولة رفع 400,000 أسرة زراعية إلى الطبقة المتوسطة.
ولتحقيق هذا الغرض، أنشأ المغرب حلولا للزراعة التجديدية، مبنية على تقليل الكربون، وتحقيق الربح من الائتمانات الكربونية التي تركز على مساعدة المزارعين الصغار، حسب التقرير.
وسجل المصدر ذاته أن الميزة الفريدة للمغرب في تطوير شركات الزراعة التجديدية تتمثل في عملاق صناعة الأسمدة "OCP"، أكبر منتج لمنتجات الفوسفات في العالم، ورابع أكبر مصدر للأسمدة في العالم؛ حيث بلغت إيرادته، عام 2023، تسع مليارات دولار. وبما أن استدامة عمليات "OCP" تعتبر أمرا ذي أهمية وطنية حيوية، فقد طور المكتب مجموعة من الشركات الفرعية والكيانات التابعة له لتطوير القدرات اللازمة لدعم جهود الاستدامة الخاصة بها، وكذلك جعل المغرب مزودا عالميا لحلول التنمية المستدامة، بما في ذلك الزراعة التجديدية.
وأوضح التقرير أن المغرب يركز في الزراعة التجديدية على التوسع الواسع في الزراعة بدون حرث؛ وهي ممارسة أساسية في الزراعة التجديدية. ومن المساهمات المهمة لدعم جهود الحكومة لتطوير الزراعة بدون حرث عبر البلاد؛ هناك برنامج "المثمر"، وهي مبادرة محلية بارزة مسؤولة عن تقديم خدمات الإرشاد الزراعي للمزارعين، ويقع مقرها في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات (UM6P)، الممولة من طرف "OCP".
وتابع أن خبراء الزراعة في "المثمر" يعملون بشكل تعاوني مع المزارعين في المجتمعات الريفية المغربية، لتقديم المساعدة لهم في اعتماد التقنيات المبتكرة وأفضل الممارسات للانتقال إلى الزراعة المستدامة.
وأضاف أن عرض الزراعة بدون حرث الذي يقدمه برنامج "المثمر" هو نظام إنتاج زراعي للزراعة دون حرث مسبق للحفاظ على الحياة الميكروبية للتربة والحفاظ على مخزونها المائي. وفي هذه العملية، يقلل نظام الزراعة بدون حرث، بشكل كبير، من مستويات ثاني أوكسيد الكربون المنبعثة أثناء الحرث التقليدي.
وتم تحديد فوائد الحفاظ على المياه من خلال الزراعة بدون حرث، علميا، لعقود من الزمن. وعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" حول الزراعة بدون حرث للذرة في الأرجنتين زيادة بنسبة 37 في المائة في كفاءة استخدام المياه مقارنة بالحرث التقليدي، حسب المصدر ذاته.
وسجل التقرير أن برنامج "المثمر" يعمل في 23 مدينة مغربية؛ حيث استفاد منه أكثر من 4,000 مزارع، مضيفا أنه تم وضع أكثر من 32,710 هكتارات تحت الزراعة بدون حرث، معظمها من الحبوب والبقوليات.
وأبرز أن هذه الجهود استفادت من 1,000 منصة عرض أتاحها "المثمر" يمكن تتبعها من قبل جميع الأطراف المعنية باستخدام التطبيقات الرقمية. وكشفت هذه المنصات عن زيادة متوسطة في غلة المحاصيل بنسبة 30 في المائة للزراعة بدون حرث مقارنة بالحرث التقليدي، وذلك بتكلفة أقل.
وبناء على نجاح "المثمر"، أطلقت الشركة المغربية المتطلعة لتكون مزودا عالميا للحلول المستدامة "InnovX" شركة زراعية باسم "Tourba" تساعد المزارعين ومربي الماشية على تبني ممارسات الزراعة المحافظة؛ مثل الزراعة بدون حرث، والتسميد العقلاني، وتحسين إدارة الرعي، من خلال تحقيق الربح من الائتمانات الكربونية.
وفي إطار "الزراعة الكربونية"، وبالتعاون مع "المثمر"، حولت "Tourba" ممارسات الزراعة عبر 25,000 هكتار من الأراضي الزراعية المغربية. وتعمل الشركة في نيجيريا وإثيوبيا، بالإضافة إلى المغرب. وتهدف إلى تحويل 6 مليون هكتار من الأراضي الزراعية والمراعي المتدهورة عبر إفريقيا وأمريكا الجنوبية، من خلال نهج الزراعة الكربونية، بحلول عام 2030.
واعتبر مركز الدراسات أن عمليات الزراعة الكربونية في "Tourba" في إفريقيا جنوب الصحراء أحدث تجسيد لانخراط "OCP" العميق مع المزارعين الأفارقة، والذي وضع المغرب في طليعة الجهود الرامية إلى تحويل الزراعة الإفريقية.
وأشار التقرير إلى أنه في عام 2016، أنشأ مكتب "OCP" قسم "OCP Africa" للمساهمة في تطوير النظم البيئية الزراعية المتكاملة في القارة. ومع وجود فروع في 12 دولة إفريقية وعمليات في أربع دول أخرى، يركز هذا القسم على تمكين المزارعين الصغار من المشاركة، بشكل أفضل وأكثر ربحية، في سلاسل القيمة الزراعية. وفي عام 2018، أطلق "OCP Africa" برنامج "Agribooster" لتوفير "حلول شاملة ومخصصة من البداية إلى النهاية" للمزارعين الأفارقة، لزيادة غلاتهم ودخولهم وسبل عيشهم، على المدى الطويل.
وإلى جانب خدمات التعليم والتدريب المتخصصة، يسهل البرنامج إقامة علاقات مع موردي المدخلات، ومقدمي الخدمات المالية، ومشتري السلع، لتحسين استخدام البذور والأسمدة والمدخلات الأخرى، والقروض والتأمينات، والميكانيكا، والتخزين، وآليات الشراء.
ويعمل البرنامج في أكبر أربعة اقتصادات في غرب إفريقيا — نيجيريا، وغانا، وكوت ديفوار، والسنغال — وقد استفاد 630,000 مزارع من تنفيذه، خلال أول خمس سنوات؛ مما أدى إلى زيادة بنسبة 48 في المائة في محصول الذرة في نيجيريا، وقفزة بنسبة 63 في المائة في محصول الدخن في السنغال، وزيادات مماثلة في المحاصيل عبر مختلف المناطق.
وبالإضافة إلى ذلك، يعمل مختبر "OCP" المدرسي في ما لا يقل عن تسع دول في كل من غرب وشرق إفريقيا، باستخدام مدارس متنقلة، ومعامل متنقلة، ووسائل الاتصال الرقمية، لتوفير دعم وحلول تكنولوجية لأكثر من 420,000 مزارع، على مدى عدة سنوات.
كما عمق "OCP" علاقاته مع شركائها في إفريقيا من خلال تطوير أسمدة مختلطة لكل بلد، وإنشاء وحدات خلط محلية. ويسمح السماد المختلط للبلد بمطابقة مغذيات الأسمدة، على وجه التحديد، مع الظروف المحلية للتربة واحتياجات النباتات. ويمكن أن تكون هذه الممارسة أكثر فعالية، من حيث التكلفة وتجنب الأضرار البيئية الناجمة عن تسرب العناصر الغذائية الزائدة إلى مصادر المياه، وفق المصدر نفسه.
ومن خلال التعاون مع وكالة التحول الزراعي في إثيوبيا، اكتشف "OCP Africa" أن أحد القيود التي تحول دون نمو المحاصيل في إثيوبيا هو نقص الكبريت في التربة. ومن خلال إنتاج تركيبات الأسمدة "NPS" و"NPS+" المعدة، خصيصا، لإنتاج القمح، والذرة، والتيف، في إثيوبيا، تمكن "OCP" من المساهمة في زيادة المحاصيل بنسبة وصلت إلى 37 في المائة. كما أنه يطور تركيبات أسمدة جديدة لإنتاج الكسافا والخضروات وفول الصويا في غانا.
وسجل التقرير أن "OCP Africa" يشارك، الآن، أيضا، في مرحلة جديدة من التعاون، من خلال استثمارات مشتركة في تصنيع الأسمدة في إفريقيا، وبناء مصانع لإنتاج الأسمدة في نيجيريا وغانا وإثيوبيا. وبفضل خبرته العميقة في دعم القطاع الزراعي في أكثر من عشرة دول إفريقية، بالإضافة إلى حلوله الزراعية المتجددة الناجحة، يقدم المغرب نفسه كشريك جذاب للشركات الزراعية الآسيوية التي تسعى إلى تطوير برامج الزراعة المتجددة لعملياتها في إفريقيا.
وأشار إلى أن "Olam Agri" تتمر بين الشركات الزراعية الآسيوية بجهودها الرائدة في الزراعة المتجددة في إفريقيا. وبفضل خبرتها التي تزيد عن ثلاثين عاما في إنتاج الأغذية الزراعية في إفريقيا، تدير "Olam Agri" عمليات إنتاج الأغذية الزراعية في عشرة دول في إفريقيا جنوب الصحراء.
وأضاف المصدر ذاته أن الشركة، التي يقع مقرها الرئيسي في سنغافورة، التزمت، بشكل جاد وشامل، بضمان استدامة سلاسل التوريد الزراعية التي تشمل عملياتها في الأغذية والأعلاف والألياف.
وتابع التقرير أن تبنت الشركة سياسة "المناظر الطبيعية الحية" التي تعتمد على الزراعة التجديدية كأساس لها. ومن أبرز التزامات "Olam Agri" إطلاقها لأكبر برنامج للزراعة التجديدية المعتمدة في العالم في سلسلة توريد القطن.
كما ذكر أن البرنامج بدأ في كوت ديفوار؛ حيث تحصل "Olam Agri"، مباشرة، على المواد من أكثر من 40,000 أسرة مزارعة وشبكة واسعة من التجار المحليين. وبالتعاون مع برنامج شهادة "®Regenagri" التابع لمؤسسة "Control Union" في هولندا، حصلت الشركة الآسيوية على الشهادة المذكورة لأكثر من 250,000 هكتار من الأراضي، و20,000 مؤسسة زراعية في كوت ديفوار، بالإضافة إلى منشأتي الجني التابعتين للشركة اللتين تعالجان محليا 100,000 طن متري من بذور القطن. وفي آسيا، تتم، أيضا، زراعة القطن والمانغو، وفقا لمعايير "®Regenagri".
ولفت إلى أن الفرع الهندي للمنظمة غير الحكومية "Solidaridad" يساعد المزارعين في العمل ضمن إطار "Regenagri". وقد ركز على المدخلات البيولوجية (مثل المواد الطاردة الحيوية بدلا من المبيدات الكيميائية)، والرعي، وتغطية المحاصيل، بالإضافة إلى ممارسات الحد الأدنى من الحرث، مضيفا أنه يمكن لمثل هذه الممارسات أن تكون مناسبة لنفس المحاصيل في إفريقيا، في حين أن ممارسات "الحرث المعدوم" التي تميزت بها المغرب لها تطبيق أوسع في آسيا.