على مدى سنوات طويلة عرفت العلاقات المغربية الإيرانية مدا وجزرا كبيرين. في عهد الشاه كان البلدان يتقاسمان كثيرا من الصفات المشتركة ليس أقلها أنهما يمثلان ملكيتين عريقتين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فضلا عن تموقعهما في خانة البلدان الحليفة للغرب زمن الحرب الباردة، البعد الشيعي لإيران لم يكن له حضور كبير قبل الثورة التي قادها الإمام الخميني، إذ كان رجال الدين الشيعة يعيشون شبه عزلة عن السياسة وعن الدولة هناك في الحوزات الدينية بقم، وساهمت أخطاء الشاه و محيطه في تحويل التدين الشيعي الشعبي من مجرد طقوس وعقيدة وتمثل لتاريخ آل البيت، إلى اختيار شعبي جارف يوفر إيديولوجية للتغيير في البلد إلى جانب ما كانت تطرحه القوى اليسارية والليبرالية. في هذا السياق، ساهم غياب الشاه وقيام نظام تيوقراطي في طهران في فك الارتباط بين البلدين، بل تحول الأمر مع الحكام الجدد لإيران إلى مواجهة ومنافسة تضيق وتتسع حسب الظروف الدولية والإقليمية.
العلاقات المغربية الإيرانية هي أكثر تعقيدا مما يظهر على السطح، هناك عدة مستويات لهذه العلاقة التي لم تستقر منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي، لهذا يمكن القول إن التوتر هو السمة الغالبة على العلاقات بين البلدين.
القرار المغربي الأخير القاضي بقطع العلاقات مع طهران والتي تم استئنافها أصلا قبل سنوات قليلة فقط، تجد مبرراتها فيما أثاره وزير الخارجية المغربية بخصوص تورط السفارة الإيرانية بالجزائر في تيسير دعم حزب الله اللبناني لمليشيات البوليساريو، سواء على المستوى التدريب أو مستوى إحداث تحول نوعي في أسلوب العمليات العسكرية التي هددت بها البوليساريو أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، هذا الأمر لا يمكن للمغرب بالطبع أن يقبله، خاصة وأن حزب الله كما يعلم الجميع يبقى هيئة وأداة لخدمة المصالح الإيرانية، ولو أن تورطه في دعم مليشيات البوليساريو يبقى غير مفهوم بالنظر إلى أن إيران وعلى مدى سنوات من الصراع المفتعل في الصحراء المغربية، لم تبدي أي تأييد لخيار الانفصال جنوب المغرب رغم التوتر الذي كانت تعرفه العلاقات بين البلدين، هنا تطرح كثير من علامات الاستفهام وخاصة تزامن ذلك مع الموقف الروسي الأخير من قرار مجلس الأمن المتعلق بالصحراء المغربية رقم 2414، ويمكن القول أننا أمام ثلاثة احتمالات ربما قد تكون منفصلة أو مرتبطة ببعضها البعض لتفسير قطع العلاقات بين البلدين:
الاحتمال الأول يعود بنا إلى المخاض الذي عرفه القرار 2414 داخل مجلس الأمن الدولي، و الدور الذي قامت به روسيا في التضييق على مكاسب المغرب في النسخة الأولى للقرار التي أعدتها الولايات المتحدة الأميركية، ما يؤكد أن النزاع في الصحراء بدأ يدخل تدريجيا في نطاق الحرب الباردة الجديدة القائمة بين روسيا والغرب. فهل يمكن تصنيف دعم "حزب الله" لجبهة البوليساريو الانفصالية على أنه عمل من أعمال "المناولة" لخدمة أجندة إيرانية تصب في مصلحة روسيا، بجعل التوتر في المنطقة أمرا مستمرا يساهم في دفع نزاع الصحراء إلى الواجهة الدولية وهو ما يخدم مصالح البوليساريو بشكل واضح؟ يضاف إلى ذلك انخراط المغرب في مشروع أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا و المغرب ثم أوربا، و هو مشروع يضعف التأثير الروسي المزود الرئيسي لأوروبا بالغاز الطبيعي، و إذا علمنا أن الغاز يقع كخلفية رئيسية للحرب الجارية في سوريا، فإنه يمكن تقدير حجم الرد الروسي عند إضعاف تحكمه في سوق الغاز بأوروبا.
الاحتمال الثاني الذي يفسر هذا التوتر هو الصراع الديني في إفريقيا بين البلدين، حيث يسجل هنا العمل المكثف الذي تقوم به إيران بخصوص نشر التشيع في المنطقة، و هذا يمس الحضور التقليدي المغربي خاصة في إفريقيا الغربية.
الاحتمال الثالث الذي قد يفسر قطع العلاقات هو التوتر الجاري بين طهران و السعودية و عدد من بلدان الخليج، حيث أن المغرب و خاصة بعد القمة الخليجية المغربية، يلتزم بشكل أعمق بالعلاقات مع الخليج، كما لا يجب أن ننسى أن البلدين المغرب و إيران يوجدان في مواجهة عسكرية غير مباشرة في اليمن، حيث ينخرط المغرب و لو بشكل رمزي في عاصفة الحزم، بينما تدعم إيران كما هو معلوم الحوثيين، هذه الاحتمالا الثلاث و نسب مختلفة تفسر قرار المغرب قطع العلاقات مع طهران.
يبقى أن هناك من يطرح فكرة أن المغرب بقراره قطع العلاقات مع إيران يريد توظيف التصعيد ضد إيران خاصة من طرف أمريكا، من أجل كسب تأييد هذه الأخيرة لإنهاء أحلام البوليساريو في المنطقة وهو ما لا يسنده أي دليل، بحيث تؤكد زيارة وزير الخارجية ناصر بوريطة لطهران طلبا للتوضيحات، أن المغرب لم يكن خيار قطع العلاقات الثنائية هو اختياره الأول، لذلك يمكن القول دون تردد أن مصلحة المغرب في قضيته الوطنية الأولى هي الباعث على اتخاذ قرار قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران، بالتأكيد هذا القرار يتزامن مع التوتر القائم مع طهران والذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية تنصل دونالد ترامب من الاتفاقية النووية الموقعة بين الدول الغربية و إيران، لهذا يمكن اعتبار هذا التزامن موضوعيا في مصلحة مشروع عزل إيران في المنطقة و الذي تنخرط فيه بحماس المملكة العربية السعودية، أما الموقف الأمريكي من قضية الصحراء فهو محكوم باعتبارات مختلفة فيها ما هو ظرفي و فيها ما هو استراتيجي و أعتقد أنه من الصعب تغيير الرؤية الاستراتيجية لواشنطن بخصوص النزاع المفتعل في الصحراء عبر قطع العلاقات مع طهران، كما لا أعتقد أن الدولة المغربية تتوهم ذلك.