شهد المغرب، خلال السنة الماضية، ارتفاعا غير مسبوق في وارداته من حمض الكبريت؛ حيث تجاوزت الكميات المستوردة 2 مليون طن، وهو المستوى الأعلى منذ ثلاث سنوات.
ويأتي هذا التوجه في ظل التوسع الكبير في إنتاج الأسمدة الفوسفاطية، التي تعد إحدى الركائز الاقتصادية للمملكة. فما هي خلفيات هذه الزيادة؟ وما مدى ارتباطها بالتحولات الصناعية التي يشهدها قطاع الفوسفاط المغربي؟
دور حمض الكبريت في الصناعات المغربية
ويُستخدم حمض الكبريت، على نطاق واسع، في إنتاج الأسمدة الفوسفاطية؛ إذ يدخل في عملية تحويل الفوسفاط الخام إلى حمض الفوسفوريك، الذي يشكل الأساس لصناعة الأسمدة.
ومع ارتفاع الطلب العالمي على الأسمدة، كثّف المغرب جهوده لتوسيع طاقته الإنتاجية؛ ما دفعه إلى الاعتماد، بشكل أكبر، على استيراد حمض الكبريت، خلال السنة الماضية.
واستحوذ المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) على الحصة الأكبر من هذه الواردات، التي تم توجيهها نحو مجمع الجرف الأصفر الصناعي؛ حيث تم تشغيل وحدتين جديدتين لحرق الكبريت لتعزيز الإنتاج المحلي.
تاريخ المغرب في إنتاج الأسمدة واعتماد الصناعة على حمض الكبريت
ويملك المغرب أحد أكبر احتياطيات الفوسفاط في العالم؛ وهو ما جعله لاعبا رئيسيا في سوق الأسمدة الفوسفاطية، منذ عقود.
وبدأ التركيز على إنتاج الأسمدة المركبة، منذ ستينيات القرن الماضي؛ حيث طوّر المكتب الشريف للفوسفاط وحدات صناعية مخصصة لتكرير للفوسفاط وتصنيعه.
وفي البداية، كان الاعتماد على الاستيراد الكامل لحمض الكبريت. لكن مع تطور الصناعة، بدأ المغرب في إنتاج جزء من احتياجاته محليا، عبر إنشاء وحدات لحرق الكبريت واستخراج الحمض منه.
ورغم ذلك، يظل الطلب المتزايد على الأسمدة سببا رئيسيا في الحاجة إلى استيراد كميات ضخمة لتغطية العجز الإنتاجي المحلي.
مصادر الواردات المغربية من حمض الكبريت
وتنوعت مصادر استيراد حمض الكبريت المغربي، خلال السنة الماضية؛ حيث استوردت المملكة المادة من عدة دول لتأمين حاجياتها الصناعية.
وجاءت الصين على رأس القائمة؛ حيث بلغت صادراتها إلى المملكة نحو 424 ألف طن، وهي كمية مماثلة لواردات العام السابق. تليها إيطاليا، التي زادت واردات المغرب منها بشكل قياسي؛ إذ ارتفعت من 19 ألف طن فقط، في سنة 2022، إلى 264 ألف طن، في سنة 2023، ثم بلغاريا التي ارتفعت صادراتها إلى المغرب إلى 227 ألف طن، بعد أن كانت عند حدود 19 ألف طن فقط، في السنة السابقة.
أما في المرتبة الرابعة، فجاءت تركيا التي زادت صادراتها من حمض الكبريت إلى المغرب من 37 ألف طن إلى 207,400 طن، بينما حلت إسبانيا في المرتبة الخامسة، من خلال بلوغ وارداتها 198 ألف طن، وهي أعلى كمية، منذ سنة 2021، تليهما دول شمال غرب أوروبا التي وفّرت 430 ألف طن؛ أي أكثر من ضعف الكمية المستوردة، في سنة 2023.
اتفاقية استراتيجية مع قطر لتأمين الإمدادات
وفي خطوة لتعزيز استقلالية المغرب في هذا المجال، وقع المكتب الشريف للفوسفاط اتفاقية طويلة الأجل مع شركة قطر للطاقة، في نونبر الماضي، لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت الخام، على مدى عشر سنوات.
وتُعد قطر أحد أكبر منتجي الكبريت عالميا، بطاقة تصل إلى 3.4 ملايين طن سنويا؛ مما يجعل هذا الاتفاق نقطة تحول رئيسية في استراتيجية تأمين المواد الخام للمغرب.
وبموجب هذه الاتفاقية، سيتم استيراد الكبريت الخام ومعالجته محليا في مصانع المكتب الشريف للفوسفاط؛ مما سيمكن من تقليل الاعتماد على استيراد حمض الكبريت الجاهز، وبالتالي، تحقيق كفاءة اقتصادية أكبر في الإنتاج.
كيف ستتغير واردات المغرب في المستقبل؟
ومع تشغيل الوحدات الجديدة لحرق الكبريت في الجرف الأصفر، من المتوقع أن تنخفض واردات حمض الكبريت، خلال العام الجاري، إلى ما بين 1 و1.1 مليون طن؛ حيث سيتحول المغرب إلى استيراد الكبريت الخام بدلا من الحمض الجاهز.
وستمكّن هذه الخطوة المغرب من التحكم، بشكل أكبر، في عملية التصنيع وتقليل التكاليف التشغيلية.
وعلى المدى الطويل، من المرجح أن يواصل المغرب جهوده لتطوير قدراته الصناعية في هذا المجال، مستفيدا من موقعه كمصدر عالمي للفوسفاط وسعيه المستمر لتعزيز سلسلة القيمة في إنتاج الأسمدة.