النساء العدول.. فقهاء يشرحون أسباب المنع ودواعي الإباحة

غسان الكشوري

بعد سنوات من التردد والنقاش، سمح المغرب أخيرا، للمرأة بأن تتولى مهنة "عدل" كنظيرها الرجل. فأصبح بإمكانها أن تزاول عدة مهام، كبإبرام العقود والإشهاد، وذلك بعد استشارة المجلس العلمي الأعلى. لكن ما الذي كان يمنع المرأة من تولي هذا المنصب؟ وما هي الدوافع الشرعية التي حرمتها؟

أصدر الملك محمد السادس أوامره، أمس الاثنين (22 يناير)، بأن يتم السماح للمرأة بالدخول في خطة العدالة ومزاولة مهنة “عدل”، التي كانت حكرا على الرجال. هذا الموضوع، بحسب بلاغ الديوان الملكي، سبق للملك أن كلف وزير العدل بالانكباب على دراسته، مشيرا أنه تمت إحالته، في وقت سابق، على المجلس العلمي الأعلى، قصد الإدلاء برأيه فيه.

وخلص المجلس، بحسب البلاغ ذاته، إلى أن المرأة يجوز لها ممارسة مهنة "عدل"، "بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية".

لكن ما رأي الفقهاء والمتخصصين في المجال الديني، حول هذا القرار؟ وما الدافع الشرعي الذي كان يمنع المرأة من أن تصبح "عدلا" لتزوج المغاربة؟

علماء يؤيدون

يرى محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في الفقه الإسلامي، أن هذه المبادرة تعد "فتحا وتقدما فقهيا محمودا"، إذ هي في نظره "نوع من المساواة في وظيفة مبنية على قدرات عقلية ولا مبرر لحرمان المرأة منها من ناحية دينية"، بحسب حديثه لـ" تيل كيل عربي".

من جهتها، ترى مونية الطراز، الباحثة في القضايا النسائية في الاسلام، أن الحديث عن مهنة العدول يعد طبيعيا، وذلك بعدما "تطرقت المدونة من قبل، لتصحيح مسائل أخرى كالقوامة والولاية". وهذا "الاستحقاق" من وجهة نظر الباحثة "نوع من الاستحقاقات السابقة التي استبعدت منها المرأة بسبب فهوم إقصائية أولت بعض النصوص تأويلا لا يسلم من معارضة لروح الشريعة ومقاصدها".

وتردف الباحثة التي اشتغلت بمركز الدراسات والأبحاث في القضايا النسائية بالرابطة المحمدية للعلماء، في حديثها للموقع، أن "بعض الأحكام الفقهية تأثرت بعقلية عربية تزدري المرأة وتطعن في أهليتها، وهي عقليات حاربها الاسلام، لكنها وجدت منافذ للظهور من خلال التأويل بعد العصور الأولى للتنزيل".

أما المتخصص في الفقه والحديث، محمد ابن الأزرق الأنجري، فيرى أن الخروج بهذا القرار الشرعي يعد "إنجازا كبيرا". وقد "تأخر صدروه بسبب عقلية الفقهاء التي لم تكن تسمح بتولي المرأة وظيفة توثيق عقود الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وخلع ومواريث"، وهو "موقف نفسي لا يشهد له دين ولا عقل"، وفق المتحدث.

منع المرأة.. أزمة فقه

رغم السماح للمرأة بمزاولة مهنة "عدل"، إلا أن ذلك "سيثير حفيظة بعض العلماء بالمغرب"، بحسب رفيقي. وذلك راجع، في نظره إلى أن الفقهاء التقليديين ينحازون إلى تأويل الآية القرآنية (واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)، "بأنها تخص كتابة عقود الزواج"، لكن واقع الآية يشير أن المرأة كانت في عهود سابقة "مكلفة بأمور التجارة وليس النكاح، وكانت تحتاج إلى من يقويها ويشد عضدها بحسب الظروف الاجتماعية التي كانت تعيش فيها".

من جهته يوضح خريج دار الحسنية، محمد ابن الازرق الأنجري، في حديثه لـ"تيل كيل عربي"، بأن الآية التي يستدل بها الفقهاء حول شهادة الرجل التي تعادل شهادة امرأتين (واستشهدوا شهيدين من رجالكم..)، "تصرح أن شهادة المرأة صحيحة تامة، لكن يستحسن أن تكون معها امرأة ثانية لقطع الشك".

وهذا، بحسب المتحدث نفسه، "مراعاة للعرف الاجتماعي الذي كان يرفض شهادة المرأة مطلقاً، فهيأ الله النفوس بخطوة قبول شهادة امرأتين ريثما تتقبل عقلية الرجل مساواة شهادة المرأة لشهادة الرجل، وهو ما أصبح ممكنا".

الأنجري يستطرد أن نصوص الشريعة، "ليس فيها ما يمنع، فالقرآن يقول: (وليكتب بينكم كاتب بالعدل)، والكاتب في اللغة هو الذي يعرف الكتابة سواء كان رجلاً أو امرأة، لكن المرأة كانت جاهلة بالكتابة زمن السلف، وكان الرجل مستحوذا على نعمة الكتابة لأسباب ثقافية واجتماعية"، ولهذا السبب "ظن الفقهاء أن كاتب العقود لا يكون إلا ذكرا"، وفق نظره.

وتعزز الطراز، نفس الرأي بقولها إن الفروق التي خلقت بين المرأة وبين الرجل وتسببت في عدم تقلدها لعدة مناصب عبر التاريخ الفقهي، "هي فروق مصطنعة، بسبب بعدها عن الحياة العامة في أزمنة التخلف أو استبعادها سدا لذريعة الفتنة".

ولم يتسبب بعد المرأة عن الحياة، بإلصاق "النقص في الخبرة" بها فحسب، بل تحول إلى نقصان في عقلها "حرمت بسببه من الشهادة على قدم المساواة مع الرجل، ومن تولي القضاء وغير ذلك من المسؤوليات حتى قال بعضهم في قوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) أن المقصود بالسفهاء هم النساء"، توضح الباحثة الطراز قبل أن تردف متأسفة بأن "بقية من هذا الموروث الجاهلي لا يزال لدى البعض".

وفي نفس السياق، تجد نادية الشرقاوي، الباحثة بالقضايا النسائية، ومؤلفة كتاب "ناقصات عقل ودين"، أن التدرج في السماح للمرأة باقتحام مجالات يهيمن عليها الرجال، "راجع لكون بعض المسائل الفقهية تحمل حساسية اجتماعية أكثر من كونها شرعية، كما حصل مع تجويد المرأة للقرآن، أو تقلد مناصب ذكورية، كأن تصبح قاضية، وموثقة..وغيرها". بالإضافة إلى أن "إجراءات الزواج مثلا، يتم فيها اختيار العدول المناسب بحسب هوى الأزواج"، تضيف الباحثة.

"عدل" المذهب المالكي !

يقوم العدول (الذكر) في المغرب بعملية الإبرام والإشهاد في نفس الوقت. لكن ومع دخول المرأة هذا المجال، هل ستقوم بهاتين العمليتين معا كنظيرها الرجل، أم سيقتصر عملها على إحداها؟

يعود رفيقي ليلفت الانتباه إلى أن فقهاء المذهب المالكي، الذي يتبعه المجلس العلمي الأعلى، "لا يجيزون أصلا للمرأة أن تكون شاهدة على الزواج حتى ولو كانت ألف امرأة، لأن ما يعتريها من نقص في نظرهم، لا يسمح لها بتقديم شهادتها في مواضيع كبيرة كالحدود والزواج والطلاق".

وأسر مولاي بوشعيب الفضلاوي، رئيس الهيأة الوطنية للعدول، في معرض توضيحه لـ"تيل كيل عربي"، بأن المجلس العلمي، أجاز للمرأة أن تقوم بعملية إبرام العقود (الكتابة) في المال وما يؤول إليه فقط، وليس في الإشهاد بعد، إذ "سيقتصر إشهاد المرأة في بعض المسائل النسائية، وليس في الإشهاد على عقود الزواج والطلاق، وذلك في انتظار رأي المجلس العلمي ليمكنها من ممارسة المهنة بشكل كامل".

نتيجة لكل هذه التعديلات، ستكون المرأة "العدل" بمنصبها الجديد في المغرب، أمام تحدي الفقه والممارسة على أرض الواقع.