يُعتبر الاعتقال الاحتياطي من أبرز المواضيع التي أثارت جدلا واسعا داخل الأوساط القضائية والحقوقية بالمغرب، خاصة مع الارتفاع المستمر لعدد المعتقلين الاحتياطيين داخل السجون.
واقع الاعتقال الاحتياطي
وفي هذا السياق، سلط تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2023 أن الاعتقال الاحتياطي لا يزال يشكل نسبة كبيرة من مجموع الساكنة السجنية؛ حيث بلغ عدد المعتقلين الاحتياطيين، في سنة 2023، 102,653 معتقلا، وهو ما يمثل نسبة 45.8 في المائة من إجمالي نزلاء المؤسسات السجنية.
وتُظهر هذه الأرقام ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالسنوات السابقة؛ حيث كان العدد لا يتجاوز 64,833 معتقلا، في سنة 2011؛ مما يعكس زيادة بنحو 58.3 في المائة، خلال العقد الأخير.
كما أشار التقرير إلى أن نسبة الاعتقال الاحتياطي لا تزال مرتفعة في بعض الجرائم، لاسيما الجرائم الاقتصادية والجنائية الكبرى؛ حيث لم تصدر في حق 60 في المائة من المعتقلين الاحتياطيين أحكام نهائية بعد؛ مما يطرح تساؤلات حول مدى استدامة هذا الإجراء ومدى تأثيره على حقوق الأفراد في الحرية والمحاكمة العادلة.
أسباب ارتفاع المعدلات
أوضحت النيابة العامة أن هناك عدة عوامل تساهم في ارتفاع معدلات الاعتقال الاحتياطي، أبرزها؛ طول مدد المحاكمة؛ حيث يؤدي البطء في الإجراءات القضائية إلى بقاء المعتقلين لفترات طويلة قيد الاحتجاز، دون صدور أحكام نهائية في حقهم، وغياب تطبيق واسع للعقوبات البديلة؛ إذ رغم وجود ترسانة قانونية تسمح بالعقوبات البديلة؛ مثل السوار الإلكتروني، والعمل لأجل المنفعة العامة، إلا أن تطبيقها لا يزال محدودا، بالإضافة إلى تخوف القضاة من الإفراج المؤقت؛ حيث يترددون، في بعض الحالات، في اللجوء إلى بدائل الاعتقال الاحتياطي، خوفا من فرار المتهمين أو ارتكابهم جرائم جديدة، وارتفاع معدلات الجريمة، خاصة في الجرائم التي تتطلب اعتقالا احتياطيا لضمان حسن سير العدالة.
إجراءات الترشيد
وفي إطار الحد من اللجوء غير الضروري للاعتقال الاحتياطي، اعتمدت رئاسة النيابة العامة مجموعة من الإجراءات؛ من بينها تفعيل المراقبة الدورية لقرارات الاعتقال الاحتياطي؛ حيث يتم إخضاع هذه القرارات لرقابة دقيقة من قبل رؤساء النيابات العامة لضمان احترام الضوابط القانونية، بالإضافة إلى تعزيز اللجوء إلى التدابير البديلة؛ مثل الوضع تحت المراقبة القضائية أو فرض ضمانات مالية كبديل للاعتقال، فضلا عن إطلاق برامج تكوينية للقضاة، بهدف توعيتهم بأهمية ترشيد الاعتقال الاحتياطي واعتماد بدائل ناجعة، وتشجيع استخدام التكنولوجيا القضائية لتسريع البت في القضايا، وبالتالي، تقليص مدد الاعتقال الاحتياطي.
نتائج الجهود المبذولة
وأشارت الإحصائيات الواردة في التقرير إلى أن الإجراءات المتخذة بدأت تؤتي ثمارها تدريجيا؛ حيث تم تسجيل انخفاض طفيف في معدل الاعتقال الاحتياطي، خلال النصف الثاني من سنة 2023، بنسبة 3.2 في المائة، مقارنة بالنصف الأول.
كما تم الإفراج عن 4,872 معتقلا احتياطيا بعد مراجعة أوضاعهم القانونية، وهو ما يؤكد فعالية الرقابة على قرارات الاعتقال الاحتياطي.
ومع ذلك، يضيف المصدر نفسه، لا تزال نسبة المعتقلين الاحتياطيين مرتفعة مقارنة بالمعدلات الدولية؛ حيث لا تتجاوز هذه النسبة 30 في المائة في العديد من الدول الأوروبية؛ مما يعكس الحاجة إلى مواصلة جهود الإصلاح.
توصيات النيابة العامة
وخلص تقرير النيابة العامة إلى مجموعة من التوصيات التي تهدف إلى ترشيد الاعتقال الاحتياطي وضمان عدالة أكثر توازنا؛ من بينها مراجعة الإطار القانوني للاعتقال الاحتياطي؛ بحيث يتم تقنين شروط اللجوء إليه بصرامة أكبر، والتوسع في تطبيق العقوبات البديلة كآلية أساسية لتقليل عدد المعتقلين الاحتياطيين، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق بين القضاء والشرطة والنيابة العامة لضمان تدبير أمثل للاعتقال الاحتياطي، وإطلاق حملات توعوية للقضاة وأعضاء النيابة العامة لتعزيز ثقافة الحد من الاعتقال الاحتياطي غير الضروري، فضلا عن إدخال تعديلات على المسطرة الجنائية لتسريع وتيرة المحاكمات وتجنب طول مدة الاعتقال الاحتياطي.