جنيف.. بوريطة يعلن تفاصيل رؤية المغرب لإصلاح مجلس حقوق الإنسان ويجدد دعم المملكة لحقوق الفلسطينيين

أحمد مدياني

جنيف/الأمم المتحدة - أحمد مدياني

جدد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، اليوم الثلاثاء بمقر الأمم المتحدة بجنيف، التأكيد على عزم المغرب خلال ترؤسه لمجلس حقوق الإنسان، إنجاح تصور إصلاحه الذي تقدم به بعد تسلم ولايته، وكشف عن احتضان المغرب لمحطة تدخل في سياق تنزيل هذا الاصلاح.

وفي كلمته باسم المملكة، أمام الدورة 55 لمجلس حقوق الإنسان، شدد وزير الخارجية المغربي على أن "المغرب عمل على إرساء منظومة متكاملة لحقوق الإنسان، عبر تنزيل العديد من الأوراش والإصلاحات والمبادرات النوعية".

وذكر المتحدث ذاته، بالتجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية، من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة، التي يخلد المغرب ذكراها العشرين هذه السنة.

واعتبر أنها "نموذج يحتذى به، على المستوى الدولي".

وأضاف بوريطة، أن "ورش تعديل مدونة الأسرة يعد محطة فارقة في مسار ترسيخ القيم الدستورية الأساسية المتعلقة بالتمكين الكامل للمرأة، وإرساء المساواة وضمان حقوق الطفل ومصلحة الأسرة، في حين أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، وتعميم الحماية الاجتماعية، كلها أوراش ملكية تضع المواطن المغربي في صلب توجهات برامج التنمية المستدامة".

في السياق ذاته، قال وزير الخارجية، إنه "إنطلاقا من المكتسبات التي حققها على المستوى الوطني، ووفقا لالتزاماته الدولية، ستنخرط الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان، بنفس المبادئ والقيم، التي عُرفت بها الدبلوماسية المغربية، بتعليمات ملكية، وعلى رأسها المصداقية في العمل، والدينامية في الأداء، والابتكار في الأساليب، والسعي إلى التوافقات البناءة، لتحقيق الأهداف النبيلة التي من أجلها تم إحداث هذه الهيئة الموقرة".

وتابع الوزير: "تنعقد الدورة الـ55 لمجلس حقوق الإنسان في سياق دولي معقد يطرح تحديات عصيبة، أهم تجلياتها الاستقطاب الحاد الذي يقوض دعائم التوافق العالمي الكفيل بتعزيز حقوق الإنسان، واستمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في العديد من مناطق العالم، وتراجع المكتسبات التي حققها المنتظم الدولي في قضايا جوهرية؛ كالتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومكانة المرأة، وحقوق الطفل، ووضعية المهاجرين اللاجئين، إضافة إلى تصاعد خطاب الكراهية والإقصاء ورفض الآخر".

وقال الوزير إن "هذا السياق الصعب، بقدر ما يسائل مصداقية النظام متعدد الأطراف، بقدر ما يبرهن عن مدى وجاهة إحداث هذا المجلس، الذي يقف اليوم بعد 18 سنة على إنشائه، في مفترق الطرق".

وفسر وزير الخارجية المغربي، توجه المغرب وقناعاته بخصوص إصلاح مجلس حقوق الإنسان، بالقول: "فمن جهة، مجلس حقوق الإنسان يتوفر على نقاط قوة مهمة، من خلال مساهمته كمنتدى محوري للحوار وتدارس قضايا حقوق الإنسان، ودوره المركزي في تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها ورصدها عبر العالم، ومواكبته للدول في مسارها الوطني لترسيخ القيم الكونية الإنسانية المنشودة. في المقابل، رغم الإنجازات المتميزة التي حققها المجلس، منذ إنشائه، فهو يواجه تحديات تعيق مسيرته".

وأضاف: "مجلس حقوق الإنسان الذي تم إنشاؤه بهدف الحد من التسييس والانتقائية وسياسة الكيل بمكيالين، يشهد، حاليا، محاولة استغلال بعض القضايا وتحريفها عن أهدافها، من أجل خدمة أجندات لا علاقة لها بحقوق الإنسان".

وتساءل في هذا الصدد: "كيف لمؤسسة ينبغي أن يستند عملها على مبادئ التعاون والحوار، وأكثر من ثلث قراراتها تعتمد بالتصويت؟ ألم يكن المجلس خلال سنواته الأولى مثالا للإجماع والتوافق؛ حيث وصلت، أحيانا، درجة التوافق على قراراته إلى أكثر من 85 في المائة؟ وكيف لمؤسسة ملزمة بالنظر في قضايا حقوق الإنسان، وفق مبادئ العالمية والموضوعية واللانتقائية، ولم يعقد المجلس سوى دورتين استثنائيتين ذات طبيعة موضوعاتية، مقابل 34 دورة استثنائية خصصت لحالات حقوق الإنسان، في دول أو مناطق معينة؛ أي بمعدل 95 في المائة من الدورات الاستثنائية؟ وكيف لمؤسسة تشمل ولايتها أحد الركائز الثلاث للأمم المتحدة، وهي لا تتوفر على الموارد اللازمة لكي تطلع بمهامها وتحقق أهدافها؟"

من هذا المنطلق، يضيف ناصر بوريطة، "ستعمل المملكة المغربية، من موقع رئاستها لمجلس حقوق الإنسان، هذه السنة، على إطلاق مجموعة من المبادرات؛ ومن ضمنها".

أولا، الدعوة لعقد دورة استثنائية للمجلس حول موضوع توافقي يتم اختياره بالتشاور مع كل الأطراف؛

ثانيا، احتضان المغرب لخلوة للمجلس لتقييم فعاليته، ورسم توصيات عملية كمساهمة في مسار مراجعة أساليب عمل المجلس المرتقبة خلال سنة 2026؛

وثالثا، إطلاق مبادرة مع مجموعة من الشركاء حول المرأة في العمل الدبلوماسي، وبالخصوص في مجال حقوق الإنسان.

واغتنم الوزير، حسب ما جاء في كلمة المغرب، هذه المناسبة ليؤكد دعم المملكة المغربية للمفوض السامي لحقوق الإنسان لإنجاح مبادراته ذات الأولوية.

وبخصوص الأوضاع في فلسطين، صرح وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والمغاربة المقيمين بالخارج: "يعيش قطاع غزة أزمة غير مسبوقة وكارثة إنسانية حقيقية لا يمكن للمجتمع الدولي مواصلة غض الطرف عنها، وهذا ما جعل الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، يدعو إلى صحوة الضمير الإنساني لوقف قتل النفس البشرية التي كرمها الله عز وجل، وتعبئة كل الجهود لوضع حد لكل هذه الوضعية".

وتابع في السياق ذاته، أنه "لن يتم ذلك إلا بالوقف الفوري والشامل والمستدام للحرب الإسرائيلية على غزة، ولن يتم إلا بضمان حماية المدنيين وعدم استهدافهم والتوقف عن القصف العشوائي للمستشفيات والمدارس ودور العبادة، لن يتم ذلك إلا بالسماح بإيصال المساعدات الإنسانية، بانسيابية، وبكميات كافية، لساكنة غزة، ولن يتم ذلك إلا بحماية الفلسطينيين من التهجير من وطنهم وإرساء أفق سياسي للقضية الفلسطينية كفيل بإنعاش حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".

وختم وزير الخارجية المغربي الكلمة أمام مجلس حقوق الإنسان، بالقول إن "مسار النهوض بحقوق الإنسان يتطلب إرادة صادقة، وانخراطا جماعيا تضامنيا، ومنظومة مترابطة، وهي المقاربة التي سيواصل العمل وفقها، في سعيه للمساهمة في الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق التكامل بين أبعاد الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان".