وأنا أتابع بعض ردود الفعل حول ما تعرض له المغرب من هزائم كروية أمام منافسيه بمونديال روسيا، بين من يحمل الحكم مسؤولية ذلك، ومن يجعل ذلك عائدا لاختيارات المدرب أو أخطاء اللاعبين، ومن يرى أن كل هؤلاء لا يتحملون أي مسؤولية، وإنما هو الحظ العاثر.
كل هذه التعليقات وغيرها مقبول ومتوقع في شأن رياضي يستولي على اهتمام الملايين وتتبعهم، خاصة حين يتعلق الأمر بالفريق الوطني، لكن أغرب ما وقفت عليه من التعليقات، هو محاولة بعض الإسلاميين ربط هذه الهزيمة الكروية بأسباب دينية، ذكر بعضهم أن سبب ذلك هو عدم توكل اللاعبين على ربهم، ولو توكلوا لنصروا، وقال آخرون أن تلبس بعض اللاعبين بالمعاصي هو ما جلب عليهم خذلان الله وعدم توفيقه في نصرهم.
ليست المشكلة في هذه التحليلات سطحيتها ولا حتى تفاهتها، ولا مخالفتها للواقع ونسفها لمنطق الأسباب الطبيعية والمنطقية، ولكن المشكلة هو هذا التعسف والتكلف في ربط كل شيء بالدين، أو بالتدقيق ربطه بالإيديولوجيا، لأن مثل هذه التعليقات لا تكون إلا ممن تلبس بإيدولوجيا مغلقة لا يرى العالم إلا من خلالها، ويربط كل حدث وقع داخل بيته أو في العالم بأسره بمفاهيمها ومواقفها.
هو نفسه ذلك الشخص الذي إذا مارس السياسة جعل نشر ايديولوجيته وفرضها على المجتمع أساس مشروعه وأسمى أهدافه، وإذا خاض في الاقتصاد تعسف من أجل أدلجته بعيدا عن قواعد التجارة وأصول المعاملات العصرية، وإذا تحدث في الطب أو العمارة أو الفن فعل مثل ذلك.
هو مرض الإيديولوجيا، ومحاولة تفسير كل ظواهر العالم من خلالها، حتى الرياضة وكرة القدم التي كانت إلى وقت قريب لهوا لا ينبغي متابعته ولا تضييع الوقت به، لكن تسللها لكل البيوت وافتتان كل العالم بها، جعل التعامل معها ضروريا، ولكن عن طريق أدلجتها، والركوب على انتصاراتها وهزائمها لتقديم دروس دينية ومواعظ شرعية.
ذكرني ذلك بحجم الإشادة التي يتلقاها بعض اللاعبين، ليس لموهبتهم و مهارتهم الكروية، وإنما لكونهم يواظبون على أداء الصلاة، أو يؤدون سجود الشكر بعد كل هدف، بل محاولة ربط ما يعرفونه من تألق بسلوكهم الديني ومواقفهم الإيديولوجية.
غريب فعلا مثل هذا النمط من التفكير، أفلا يرون أن أكثر اللاعبين في العالم تألقا وأعظمهم تميزا ليسو على دين واحد، بل جلهم ممن ليس له تعلق بأي دين ولا التزام بأي طقس، وإن أظهر بعض الشعائر الدينية التي ليست بالنسبة له إلا طريقة لشكر الله على التوفيق، لكن العامل الأساس في تألقه هو موهبته الرياضية، واشتغاله الحرفي على استغلالها وتوظيفها، فضلا على ما يحيط به من أجواء تساعده على تحقيق كل تلك الإنجازات والانتصارات.
ومثل ذلك يقال على صعيد الأندية والمنتخبات، فليس لانتصار هؤلاء ولا إخفاق الآخرين أي ارتباط بالعلاقة بالله قربا أو بعدا، فلم تشفع تسمية المنتخب المصري بمنتخب الساجدين له في تحقيق أي انتصار يذكر بهذا المونديال، ولا كان لما يقال عن تدين محمد صلاح من أثر عليه حتى لا يعجز عن دك شباك الخصم الروسي بدزينة من الأهداف، ولا كان لإسلام المغاربة وحرص كثير منهم على أداء الصلوات أي فعالية في التغلب على زملاء رونالدو من المسيحيين واللادينيين.
كل ذلك لم يكن، لأن أسباب النصر والهزيمة في هذه المواق الكروية لا علاقة لها بالسماء، وإنما الأصل فيها مدى قوة هذا الفريق أو ذاك، ومدى استعداده ماديا ومعنويا لمواجهة الخصوم، الحاسم في ذلك هو ما تتوفر عليه من مواهب تقنية وفنية، ومدى استفادة المدربين من ذلك لوضع خطط ناجعة تساعد على هزم الخصم، فضلا على توفر الأجواء المساعدة على ذلك، وتوفير كل الإمكانيات لدعم ذلك الفريق، مع قليل من الحظ، وكل ذلك من الأسباب الأرضية التي لا ترتبط بدين ولا ملة ولا عقيدة أو مذهب.
في خلط الدين بالرياضة خطر على الدين نفسه، فكيف نفسر هذا الإخفاق للمنتخبات الإسلامية وهذه الانتصارات المتواصلة لغيرها؟ هل هي هزيمة للإسلام مقابل باقي الأديان والملل؟ هل هي دليل على أن معتقدات المنتصرين هي الحق واجب الاتباع؟ ليس ذلك كله، لأن الأمر لا علاقة له بالدين ولا بالتصور، التفوق عائد لتحقيق أسبابه الكونية، وتدبير أهدافه بحرفية ومسؤولية، والهزيمة عائدة لوضع عام يطغى عليه كثير من التخلف والضعف والارتجالية.
الدين أصلا تجربة فردية، لا ترتبط إطلاقا بكل أنواع الانتصار والانهزام الدنيوية، وقد انتهت عصور التنافس الديني وتحقيق الانتصارات الإيديولوجية، بعد أن أثبتت فشلها في تحقيق التعايش بين الأمم، وهو أحد مقاصد هذه التظاهرات الرياضية، التي تجتمع بها كل الأجناس والألوان والأديان، لذلك لا حل لذلك كله إلا : فصل الدين عن الرياضة.