فيروس "كورونا".. شهادات صادمة لمغاربة يعيشون الحجر الصحي في إيطاليا

أحمد مدياني

بسبب تفشي فيروس "كورونا" المستجد، آلاف المغاربة من أبناء الجالية في إيطاليا، يتقاسمون مع البلد ظروف الحجر الصحي العام في البلاد. منذ يوم الثلاثاء 10 مارس الجاري. توقفت الحياة بشكل شبه نهائي، حسب شهادات استقاها  "تيلكيل عربي"، واختار بعضهم الاتصال عبر تقنية الفيديو، لنقل الأجواء التي تمر بها إيطاليا صوتاً وصورة. شوارع خالية ومحلات مقفلة وشح في الموارد الغذائية في بعض المناطق، كما أن أسعار مواد الوقاية والتنظيف ارتفعت وأصبح الحصول عليها صعباً.

شهادات من البندقية إحدى البؤر المصدرة للفيروس والأكثر تضررا منه، ومن إقليم "ليغوريا" الذي يوجد على الحدود الفرنسية، ومن منطقة "لومبارديا" التي دخلت الدائرة الحمراء لتفشي المرض قبل أسابيع. من هذه المناطق كلها،  ينقل مغاربة إيطاليا يوميات عيشهم وتعايشهم مع فيروس شل البلاد.

تشديد المراقبة

زهير بوفاريسي، مغربي من مدينة بني ملال يقطن بإقليم "ليغوريا"، الواقعة على الحدود مع فرنسا. من شرفة بيته، تواصل مع "تيلكيل عربي" عبر تقنية الفيديو، لينقل صورة تظهر الشوارع خالية من كل جانب، وجميع المحلات التي تجاورها مقفلة.

يقول زهير إن أول حالة سجلت في الإقليم، كانت لإمرأة مسنة قدمت من نواحي ميلانو، واستقرت بفندق "بلازيو". مكثت لأكثر من أسبوع، قبل أن تظهر عليها علامات المرض، وبعد خضوعها للتحليل، تأكدت إصابتها بفيروس "كورونا" المستجد.

وأضاف الشاب المغربي الذي يعمل في أحد فنادق مدينته، إنه بعد اكتشاف أول حالة، قررت السلطات الإيطالية في الحال إخضاع 40 شخصا من العاملين والمقيمين في الفندق المذكور للحجر الصحي.

ومع مرور الأيام، ارتفع عدد الحالات المؤكد إصابتها بالفيروس إلى 30 حالة، كما تم تسجيل حالات جديدة في نواحي مدينته وتحديدا بمناطق "فروكيتو" و"سانتوس" و"بيريتو".

وأفاد زهير بوفاريسي أن التنقل بين المدن والبلدات أصبح ممنوعاً بشكل نهائي، ومن يعمل في مكان بعيد عليه أن يحمل معه عقد العمل أو تصريحاً من السلطات يسمح له بالتنقل. وأضاف المتحدث ذاته: "بحكم قربنا من الحدود الفرنسية، إجراءات الحجر الصحي مشددة جداً، وكل المناطق الحدودية تعيش نفس الوضع، المسؤولون في إيطاليا يتحدثون في الإعلام هنا عن إعطائهم لضمانات بالمنع النهائي لخروج مصابين من البلاد وتوجههم نحو دول أخرى".

نفس الوضع ينقله عز الدين نورسي، من إحدى أكثر المناطق التي تعرف تفشيا للفيروس، البندقية، مدينة فرض عليها الحجر الصحي الكامل منذ مساء يوم الجمعة 6 مارس الجاري، وقال في شهادته لـ"تيلكيل عربي": "أقطن في إقليم البندقية، والمنزل يبعد عنها قرابة 20 كيلومترا فقط، حركة التنقل توقفت بالكامل منذ أيام، وأصبح ممنوعاً حتى الانتقال من تراب بلدة إلى أخرى، ومن يخالف اجراءات الحجر الصحي في التنقل، يعرض نفسه لغرامة مالية تقدر بما بين 200 و300 أورو، وإذا كرر المخالفة ترتفع قيمتها".

وكشف عز الدين نورسي أن بعض أقسام الشرطة في الإقليم، نشرت تحذيرات صارمة لمن يخالفون منع التنقل والسفر، وتوعدت ما من مرة أن الأمر قد يصل للمتابعة القضائية.

شهادة أخرى،هذه المرة على لسان يوسف كوطي، شاب مغربي يقيم بإقليم "لمبرديا" نواحي "ميلانو"، يقول إن العمل توقف، ووحدهم الذين يشتغلون في الوظائف الأساسية يغادرون منازلهم.

"في الحي حيث أقطن ارتفعت حالات الإصابة بالفيروس بشكل مهول خلال الأسبوع الماضي، وكانت السلطات تعلن يوميا عن 3 حالات جديدة، إقليمنا تفشى فيه الفيروس كما تابعتم في الإعلام بشكل متسارع"، يقول يوسف كوطي.

وأجمع كل من تحدث إليهم "تيلكيل عربي" على أن الصلاة جماعة في المراكز الإسلامية والمساجد بدورها منعت، وأنهم توصلوا بداية الأسبوع الجاري برسائل نصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تخبرهم بعدم التردد على المساجد، لأنها سوف تخضع لنفس إجراءات الحجر الصحي.

منازل تحولت لمحلات بقالة

في ركن صغير من بيته، أظهر زهير بوفاريسي لـ"تيلكيل عربي" كيف تحولت الرفوف خلف الباب إلى ما يشبه محلا للبقالة.

وقال في هذا الصدد: "قبل ثلاثة أيام من إعلان الحجر الصحي في البلاد، توجهت نحو المركز التجاري للحي، واقتنيت كل المواد التي يمكن أن تؤمن لنا حاجيات أكثر من شهر ونصف، ومع ذلك اضطررت للخروج بعد ذلك، لدي طفلتان، وفي كل مرة تتذكر شيئا نسيته ويجب أن تجلبه للمنزل".

يوسف كوطي، الذي يقطن بإقليم "لمبادريا"، نقل الواقع نفسه، وأوضح أن "المناطق التي تشهد كثافة سكانية عالية، أصبح من الصعب جداً الحصول فيها على الموارد الغذائية، وتفاقمت الأوضاع بعد قرار الحكومة فرض الحجر الصحي في البلاد كلها".

في المقابل، صرح عز الزدين نورسي بواقع مختلف تماماً، رغم بعده عن مركز مدينة البندقية بـ20 كيلومترا فقط، وقال: "حيث أقطن المنطقة توجد بها تجمعات سكنية كبرى عبارة عن فيلات، وإلى حدود اللحظة ما هو متوفر لنا يكفينا، وقمت بالتسوق يوم الثلاثاء 10 مارس، نعم يفرضون عدداً محدوداً من الأشخاص الذين يسمح لهم بدخول المركز التجاري، ولكن الأمور عادية".

وبالعودة إلى شهادة زهير بوفاريسي الذي يقطن بإقليم "ليغوريا" على الحدود الفرنسية، الوضع مختلف تماماً. حكى أنه اضطر يوم الثلاثاء 9 مارس للخروج من أجل جلب مؤن إضافية من الخضر، ليجد نفسه وسط صف طويل يمتد لأمتار، أمام باب المركز التجاري وهو موصد. لايسمح بدخول زبون جديد، الا إذا انتهى زبونوسابق منوالتسوق وخرج.

وسائل الوقاية ومواد التعقيم.. شح وغلاء

وكما هو الحال في مجموعة من الدول، أصبح شراء وسائل الوقاية من فيروس "كورونا" المستجد خاصة الكمامات الطبية والمواد المعقمة، أمراً صعباً، بل تسببت المضاربات في ارتفاعها.

ونقل زهير بوفاريسي أن ثمن الكمامة الطبية ارتفع ليصل إلى 30 أورو للواحدة، أما المطهر السائل فقفز سعره من 12 أورو إلى 70 أورو، وكل هذه المواد والوسائل حسب المتحدث ذاته مفقودة، ولو لا تدخل بعض الجمعيات لما استطاع مجموعة من الناس تأمين حاجياتهم منها.

يوسف كوطي، بدوره، تحدث عن صعوبة الحصول على مواد التعقيم ووسائل الحماية، بل ذهب حد القول، إن "عدداً من المقيمين الأجانب من جنسيات أخرى، توصلوا بحاجياتهم من الكمامات الطبية من خلال قنصليات بلدانهم".

رعاية صحية.. "مع وقف التنفيذ"

"إذا أحسست بآلام أو حمى أو نزلة برد، يمنع عليك التنقل إلى المستشفى، يجب أن تتصل أولاً بطيب العائلة، وإن شك في إصابتك بالفيروس، فإنه يتصل بفرقة صحية خاصة، تنتقل إلى منزلك لأخذ عينة تخضع للتحليل، الحجر الصحي أصبح إلزاميا في المنازل قبل نقلك إلى المراكز الصحية المخصصة للمرضى بكورونا، إن جاءت نتائج التحليلات إيجابية"، كانت هذه شهادة زهير بوفاريسي، وأضاف أن الإجراءات المرتبطة بالرعاية الصحية، بدورها أصبحت مشددة.

وتابع المتحدث ذاته أن "السلطات تتواصل معهم دائماً عبر رسائل نصية قصيرة، أو من خلال وسائل الإعلام، ومن بين ما أخبرتهم به، هو عدم التوجه إلى أقسام المستعجلات كيف ما كانت الحالة، وهناك عدد من المرضى توصلوا بطلب تأجيل عملياتهم الجراحية إن لم تكن طارئة أو قد يسبب التأجيل خطراً على حياتهم".

نفس الوضع تحدث عنه يوسف كوطي، وقال: "في إقليم لمبرديا الوضع الصحي خطر للغاية، يومياً هناك وفيات خاصة عند المصابين بالفيروس من كبار السن والذين يعانون من الأمراض المزمنة".

وأضاف كوطي أن "المستشفيات ترفض استقبال أي حالة بشكل مباشر. طبيب العائلة اليوم هو القناة الأولى لمعرفة ما يصيبك من مرض، وقبل الحجر الصحي كان من الصعب الحصول على موعد بسبب الاكتظاظ الذي سببه الهلع من انتشار الفيروس".

التفكير في العودة إلى المغرب؟

في الوقت الذي قرر كثيرون مغادرة البلاد، وحاول من يقطن في بؤر تفشي الفيروس الهروب منها، اختار هو طريق العودة من المغرب إلى إيطاليا.

وقال نورسي في شهادته لـ"تيلكيل عربي": "في المنطقة حيث أقطن لم يعد أي مغربي خائفا من الفيروس. أنا عدت إلى إيطاليا شهر فبراير الماضي، رغم انتشار المرض. إيطاليا اشتغلت فيها وإن مرضت سوف أبقى هنا، ويجب أن يفكر جميع أفراد الجالية هكذا. هنا السلطات تقوم بدورها وتتواصل حول المرض وتبذل جهدها، لذلك أنصح المغاربة بعدم المغامرة والتفكير في العودة إلى المغرب خلال هذه الفترة العصيبة، وعلى كل حال لا يمكنهم ذلك بعد قرار الحجر الصحي".

نفس الموقف صرح به زهير بوفاريسي، الذي أثنى على الدور الذي تقوم به السلطات الإيطالية في مواجهة إنتشار الفيروس رغم الصعوبات التي توجهها بسبب رفض الإيطاليين لسجنهم في منازلهم لمدة طويلة.

وأضاف: "نحن هنا منذ سنوات من أجل كسب قوت العيش، لا يمكن أن نغادر البلاد التي قبلت بنا في أزمة، كما أن عودتنا إلى المغرب قد تشكل خطراً على إخواننا هناك، وتابعنا بحسرة الكشف عن حالتين في المغرب مصدرها سيدة من إيطاليا توفيت وشخص آخر من أفراد الجالية".

يوسف كوطي، الذي يقطن بأحد أخطر مناطق إيطاليا اليوم، له رأي مخالف تماماً، بل حاول يوم الجمعة 6 مارس الجاري شراء تذاكر السفر عبر الطائرة له ولعائلته الصغيرة، لكنه أخبر باستحالة ذلك، لأن الإقليم حيث يقطن فرضت عليه اجراءات الحجر الصحي في نفس اليوم.

وبرر كوطي قراراه بأن الخوف على طفلتيه تملكه، وفضل أن يعود إلى المغرب عوض البقاء في بلد ينتشر فيه الفيروس بأوروسرعة.

زهير بوفاريسي ختم حديثه لـ"تيلكيل عربي" بالإشارة إلى سبب  اختياره البقاء في إيطاليا بالقول إن  من يحكمون تلك البلاد يخبرونهم بكل شيء، وآخر ما توصل به خلال لحظة الحديث معه، رسالة نصية اطلع الموقع على فحواها، وتحمل توصية بـ"ضرورة إغلاق الأبواب والنوافذ وإدخال الحيوانات من الحدائق وعدم ترك الثياب أو أي غرض خارجا، لأن السلطات الإيطالية سوف تبدأ عملية تعقيم شاملة، تستعين فيه بالمروحيات في بعض المناطق، وذلك مساء يوم الأربعاء 11 مارس الجاري، ابتداء من الساعة الحادية عشرة مساء وإلى غاية الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس 12 مارس".