"مرتزقة الصحة".. خبراء مزيفون في مرمى نيران أخصائيي التغذية بالمغرب

المصطفى أزوكاح

مريض يخبر طبيبه بأنه أخطأ في تشخيص مرضه بعد ركونه لرأي أحد الذين يقدمون أنفسهم على أنهم خبراء في التغذية، ومريض يسعى لدى طبيبه من أجل استرجاع ثمن الاستشارة، بعدما وثق في شخص قدم له علاجا بالأعشاب مقابل ثمانمائة درهم، وأشخاص يرددون بأن اللحوم الحمراء تتسبب في السرطان مستندين في ذلك إلى خلاصات دراسة أنجزت في بلد غربي يختلف فيها نمط التغذية عما درج عليه المغاربة.

الغذاء في خدمة الأمراض غير المعدية

ذلك غيض من فيض الأمثلة التي يسوقها خبراء "الجمعية المغربية لعلوم التغذية والجهات الفاعلة الرئيسية التابعة لها"، الذين يؤكدون أن الكثير من الوصفات التي يقترحها من يقدمون أنفسهم على أنهم خبراء في التغذية، تنتج عنها مضاعفات خطيرة، مثل ذلك الشخص الذي أصيب بفشل كلوي أو الشخص الذي استدعى وضعه بتر أحد أعضائه.

يبدي أعضاء الجمعية المغربية لعلوم التغذية والجهات الفاعلة الرئيسية التابعة لها، التي نظمت ندوة صحفية الثلاثاء بالدار البيضاء، عزما أكيدا على التصدي لمن يسمونهم "مرتزقة الصحة"، فالبروفيسور عبد اللطيف بور، رئيس الجمعية، يعتبرون أن الخبرة في مجال التغذية، يجب أن تكون مسنودة بتكريس علمي، يعطي لصاحبه سلطة الحديث عن القضايا المرتبطة بالتغذية، فكل متدخل يجب أن يكون له تخصص في البحث المرتبط بالتغذية في الجامعة المغربية أو له تكوين يؤهله لتمثل رأي الباحثين و تشخيص الحالات التي تعرض عليه، من أجل تقديم المشورة للمريض.

يحذر خبراء الجمعية من مساهمة "مرتزقة الصحة" في تفشي الأمراض غير المعدية، ويؤكدون على أن الحرص على مواجهة الارتزاق الذي يلجأ إليه بعض من يقدمون على أنهم خبراء في مجال التغذية، يجد مبرره في كون أكثر من 29 في المائة من المغاربة يعانون من ضغط الدم، و10,5 في المائة يعانون من ارتفاع الكوليسترول، و20 في المائة يعانون من السمنة المفرطة، بعدما كانت في حدود 13 في المائة.

ويشيرون إلى أن الأمراض غير المعدية مثل السكري وضغط الدم، يمكن أن يذكيها نظام التغذية، المتسم بضعف استهلاك الخضر والفواكه واللحوم والبيض مع ارتفاع استهلاك الملح والسكر.

ذلك تشخيص يزيد في سوداويته، تناول أربع وجبات في الأسبوع خارج المنزل، خاصة في ظل الانتقال للتوقيت المستمر، وعدم ممارسة 84 في المائة من المغاربة لأي نشاط رياضي.

ويؤكد كريم والي، الاختصاصي في التغذية، على أن الأمراض غير المعدية، تكلف المغرب 24 مليار درهم، أي حوالي 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مشيرا إلى أن 11 مليار من تلك الكلفة تهم السكري، ومشددا على أن 2 في المائة فقط من ميزانية وزارة الصحة، أي حوالي 320 مليون درهم، ترصد للوقاية.

ارتزاق يؤجج الأمراض

تبدي الجمعية المغربية للتغذية والجهات الفاعلة الرئيسية التابعة لها ، الكثير من الضيق بأولئك الذي يسعون إلى تقديم المشورة في مجال التغذية، رغم عدم توفرهم على المؤهلات العلمية والمعرفية لذلك، بل إن من أولئك الذين يصفونهم بـ"مرتزقة الصحة"، من يعمدون إلى استثمار معطيات علمية حول التغذية عند الحديث عن التغذية، ويدعمون نصائحهم باللجوء إلى تسخير مسوغات من المأثور ذي الحمولة الدينية، من أجل إقناع جمهورهم.

ويشير البروفيسور عبد اللطيف بور، رئيس الجمعية، إلى أن الخطر الذي يشكله الخبراء المزيفون  يتجلى في كونهم يؤثرون على صحة الناس، فعندما يمتثل الأشخاص للوصفات التي يقدمونها مرتين أو أربع مرات في اليوم، يتسببون في تفاقم وتعقد حالتهم الصحية، إلى درجة تجعل الطبيب عاجزا عن متابعة حالة مريضه، خاصة عندما يتعلق الأمر بمرض السكر أو ارتفاع ضغط الدم أو السرطان.

ويتصور أعضاء الجمعية أنه في سياق يشهد فيه مجال التغذية تحولات كبيرة، يتدخل مرتزقة الصحة، ويساهمون في العبث بصحة الأشخاص، عبر استثمار مختلف وسائل التواصل، من أجل تمرير رسائل لا تستند على أسس عليمة، ما يفرض في رأي كريم الوالي  أخصائي التغذية، تحديد وضع الأخصائي الذي يمكنه تقديم النصائح والإرشادات المناسبة، مع الحيلولة دون وصول "مرتزقة الصحة" إلى وسائل الإعلام ومراقبة حضورهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

دعوة لتأطير المعلومة الغذائية

ويتصور البروفيسور يوسف أبوصالح، التي تضم خبراء في الزراعة والأحياء وأطباء وصيادلة وتقنيين في مجال الغذاء وأخصائيين في الصحة، واقتصاديين وباحثين في علم الاجتماعي والديموغرافيا، أنه يجب بذل مجهود من أجل تأطير وإضفاء الطابع المؤسسي على المعلومات الغذائية من أجل تفادي الفوضي التي يمكن أن تؤثر في مجتمع يعاني من إكراهات معرفية لها علاقة بالأمية.

ويشير مسؤولو الجمعية إلى أنهم لجؤوا إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، من أجل إثارة انتباهها إلى بعض من يقدمون أنفسهم على أنهم خبراء في مجال التغذية، حيث أضحوا نجوما رأيهم مطلوب من قبل وسائل إعلام، في الوقت نفسه، الذي يقترحون أن تصبح جمعية يفترض العودة إليها من قبل وسائل الإعلام من أجل إجازة أو الاعتراض على مرور بعض الخبراء الذين يقدموا على أنهم خبراء في التغذية.

ويتطلعون إلى تجاوز الفراغ التشريعي الذي يعاني منه المغرب في مجال تأطير العمل في التخصصات في مجال التغذية، على اعتبار أن من الأشخاص الذين ليسوا أطياء أو متخصصين في الحمية Diététiciens، الذين يخضعون لتدريب لفترة قد لا تتجاوز في بعض الأحيان أسبوعا خارج المغرب، كي يحصلوا بعد ذلك على شهادة، يستعملونها من أجل الادعاء بأنهم أضحوا متخصصين في التغذية.

ويعتقد رشيد السايل، مدير مختبر البيولوجيا والصحة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أنه يجب المضي في توطيد الشراكة بين الباحثين والمهنيين المتخصصين في التغذية من أجل نشر المعلومة الصحيحة، مع التأكيد على " تنفيذ تدابير الوقاية من عوامل الخطر ذات الصلة بأمراض القلب والشرايين للحد من تطورها بالمغرب".