وجّه محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بمجلس النواب، صباح اليوم الثلاثاء، انتقادات إلى حكومة عزيز أخنوش.
وقال التامك في الجلسة المخصصة لعرض ومناقشة الميزانية الفرعية للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إنه "على رأس هذه الأوراش الاستراتيجية تلك المتعلقة بتحسين الأوضاع المادية والإدارية لموظفي هذا القطاع الذين يضطلعون بمهام شاقة ومحفوفة بالمخاطر في حين يغمرهم إحساس قوي ومثبط بالغبن والحيف وذلك بسبب التأخر في الاستجابة لمطلب المندوبية العامة لدى الحكومة بمماثلة تعويضات موظفي هذا القطاع بما هو مخول لأمثالهم في القطاعات المماثلة".
وأضاف المتحدث ذاته، أن "قطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج تحكمه معادلة ثنائية صعبة تتعلق بتدبير الآثار الوخيمة لمعضلة الاكتظاظ من جهة، وبضرورة تنزيل الأوراش الاستراتيجية الكفيلة بأنسنة المؤسسات السجنية وصون كرامة نزلائها من جهة أخرى".
وتابع: "خلال الزيارات التي قمت بها مؤخرا لمختلف المؤسسات السجنية، لامست لدى موظفي هذه المؤسسات صفات الانضباط والإخلاص في العمل ونكران الذات منقطعة النظير، وفي الآن ذاته، شعورا بالحيف والغبن بعدم إقرار تعويضات لصالحهم تتلاءم وصعوبة مهامهم وتحفزهم على المزيد من البذل والعطاء وتعزز لديهم الإحساس بالفخر بالانتماء لهذا القطاع".
وأكد أن "ما يزيد من صعوبة عمل هذه الفئة من موظفي الدولة، هو الضغط المترتب عن تدبير الأعداد المتزايدة من السجناء، خاصة من حيث الحراسة والتأطير والخدمات المرتبطة بالتغذية والنظافة والرعاية الصحية".
وأوضح أنه "عدد السجناء عرف ما بين شهري أكتوبر من سنتي 2021 و2022 ارتفاعا بلغت نسبته 10 %، بعدما انتقل من 89000 إلى 98.000 سجينا خلال هذه الفترة، علما بأن هذا العدد مرشح في المستقبل المنظور لأن يبلغ 100.000 وفقا لنسبة ارتفاع عدد الساكنة السجنية في الثلاث أشهر الأخيرة من السنة، كما أن هذا الرقم القياسي المسجل في عدد السجناء يرافقه ارتفاع في نسبة الاعتقال ببلادنا والتي بلغت 265 سجينا لكل 100.000 نسمة خلال هذه السنة، وهي النسبة الأعلى مقارنة بدول الجوار حسب آخر المعطيات المتوفرة برسم سنة 2021 (تونس 196، موريتانيا 43 ، 217 في الجزائر ، اسبانيا 116، فرنسا 106 وإيطاليا 95 لكل 100.000 نسمة)".
ولفت إلى "ارتفاع نسبة المعتقلين الاحتياطيين إلى هذه الإكراهات، فبعدما تم تسجيل نسب منخفضة بلغ أدناها 39% في متم دجنبر 2019، عادت هذه النسبة لترتفع تدريجيا وتبلغ في متم شتنبر 2022 43%، وذلك رغم الجهود المبذولة من طرف السلطات القضائية لترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي. ومن المعلوم بأن هذا الإكراه يطرح إشكالات عدة على مستوى تدبير شؤون هذه الفئة من المعتقلين بحيث يتعذر إدماجهم في البرامج الـتأهيلية نظرا لانشغالهم بمصير قضاياهم، كما يصعب إعمال التصنيف الملائم لهم خاصة في ظل محدودية الطاقة الاستيعابية للمؤسسات السجنية".
ونبه إلى أن "هذا الإكراه يدفعنا للحديث من جديد عن الحلول المثلى لمعالجة هذه المعضلة، ونثمن في هذا السياق الخطوة التي أقدمت عليها وزارة العدل المتمثلة في الإسراع بإخراج مقتضيات العقوبات البديلة إلى الوجود من خلال تخصيصها بنص قانوني مستقل".
واسترسل قائلا: "وهو النص الذي تفاعلت معه المندوبية العامة عن طريق تقديم مقترحات إلى وزارة العدل تقضي بمراجعة المعايير المعتمدة بهدف توسيع الفئة الخاصة بالحالات المعنية بهذا النوع من العقوبات، وبالتالي تقليص عدد المعتقلين. وينبع هذا المقترح من خلاصات الدراسة التي سبق وأن أنجزتها المندوبية العامة بتعاون مع خبراء مختصين والتي أظهرت بأن عدد المستفيدين يبقى جد محدود مقارنة مع النتائج المرجوة من تنزيل هذا القانون في ما يخص الحد من الاكتظاظ في السجون".
وأكد أنه "لا يمكن الحديث عن ارتفاع عدد المعتقلين دون الحديث عما تتطلبه معالجته من مشاريع لتوسيع حظيرة السجون، علما بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال مسايرة هذا التصاعد المتسارع خاصة في ظل قلة الاعتمادات المخصصة على مستوى ميزانية الاستثمار، ناهيكم عن المدة الطويلة التي تستغرقها مشاريع البناء بدءا من مرحلة البحث عن الأوعية العقارية المناسبة، مرورا بالإعلان عن طلبات العروض، وصولا إلى مرحلة التجهيز وتعيين الموارد البشرية الكافية لضمان جاهزية المؤسسة السجنية للعمل واستقبال المعتقلين".
وأورد أن "المندوبية العامة تراهن على تنزيل تصور "تمويل بناء السجون" الذي سبق الإعلان عنه السنة الماضية في إطار مقترح تم إحالته على وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة وهو حاليا قيد الدراسة. ويهدف هذا التصور إلى تخفيف العبء على ميزانية الدولة من خلال اقتراح تمويل بناء المؤسسات السجنية في إطار الشراكة مع القطاع الخاص أو من خلال آلية التمويل المؤسساتي".