شهد ملف الصحراء، خلال سنة 2024، تطورات مهمة؛ على رأسها تأييد دولتين دائمتي العضوية داخل مجلس الأمن الدولي، بعد مواقف تفاوضية قوية للمملكة؛ ما يجعله، حسب خبراء سياسيين، يتجه نحو حل نهائي.
وحسب هذه التطورات، ستكون أوراق اللعبة على مستوى الأمم المتحدة واعدة بالخير، في سنة 2025، خاصة وأنها الذكرى الخمسينية لاسترجاع المغرب لهذه الأقاليم المغتصبة من طرف الإسبان.
"الحسم" الفرنسي
وفي حوار خص به "تيلكيل عربي"، قال تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس بالرباط، إن الموقف الفرنسي شكل "منعطفا أساسيا في تسوية هذا الملف؛ لأنه وكما نعلم، فرنسا ليست بالدولة المتوسطة. فهي ضمن مجموعة الدول السبع الصناعية، وعضو دائم العضوية في مجلس الأمن، ويشارك في "مجموعة أصدقاء الصحراء"، ولو أنها ليست هي التي تحرر المقترح، بل أمريكا، حامل القلم، لكن تأثيرها، رغم ذلك، كان يساوي التأثير الأمريكي؛ لأن لها معرفة جيدة بهذه المنطقة من العالم، وتتوفر على أرشيف كبير بخصوص كل ما جرى من تقسيمات فيها. ثم إن فرنسا هي زعيمة المنظمة الدولية للفرنكوفونية التي تضم حوالي 84 دولة، وتأثيرها سيكون بالغ الأهمية حتى في هذه المجموعة".
وتابع الحسيني: "وحتى طريقة اعتراف فرنسا جاءت مقاربة لطريقة الاعتراف الأمريكي، ولكنها أكثر تفوقا من مواقف إسبانيا وألمانيا وباقي البلدان الأخرى. وأشير هنا إلى أن الاعتراف الفرنسي حمل ثلاث دلالات بالغة الأهمية. وتتمثل الدلالة الأولى في أن الرئيس إيمانويل ماكرون اعتبر، في رسالته إلى الملك محمد السادس، أن فرنسا تعتبر مقترح الحكم الذاتي هو الحل الوحيد، ليس الأكثر أهمية وليس المهم، وإنما الوحيد لنزاع الصحراء، وهذا نوع من الحسم".
وأضاف المتحدث نفسه: "ثم هناك حسم آخر أكثر قوة، وهو عندما صرح ماكرون بأن حاضر الصحراء ومستقبلها لا يمكن أن يحسم إلا في ظل السيادة المغربية. وثالثا، تأكيده على أن فرنسا ستواكب عملية التنمية والاستثمار في قلب الصحراء، وهذا أمر بالغ الأهمية، كذلك. وبالتالي، لدي اعتقاد راسخ بأن الاعتراف الفرنسي سيكون له ما بعده، سواء على مستوى اعترافات دول أخرى، أو على مستوى تطور جدي في الملف، فيما يمكن أن نسميه بـ"آلية التسوية"، التي أصبحت، بقوة، ترجح مقترح الحكم الذاتي".
وعن الدول التي يمكن أن نشهد منها موقفا مماثلا للموقف الفرنسي، في سنة 2025، سجل الحسيني أن "الكثيرين ينتظرون بريطانيا. أولا؛ لأنها غادرت، عن طريق "بريكسيت"، الاتحاد الأوروبي، وعادت إلى جزيرتها المنعزلة، ولكن انعزاليتها هذه لن تكون دائمة. فهي شرعت، مباشرة بعد انسحابها، في ربط علاقات وشيجة مع عدة دول تربطها بها مصالح حيوية، والمغرب يندرج في القائمة الأولى لتلك الدول، ليس فقط على مستوى الصادرات والواردات والمعاملات التجارية، ولكن حتى على مستوى مستقبل استعمال الطاقات النظيفة".
وذكر أستاذ العلاقات الدولية بأن "بريطانيا بصدد إقامة مشروع الربط الكهربائي البحري بين المغرب وبريطانيا، الذي سيمتد على طول 4000 كيلومتر تحت سطح البحر، والذي سيسمح بتزويد أكثر من 9 ملايين منزل بريطاني بالكهرباء، بحلول سنة 2030، انطلاقا من مزارع الطاقة الشمسية في جنوب المملكة. كما أنها ستكون، كذلك، في حاجة إلى استغلال الهيدروجين الأخضر، الذي سيصبح مصدرا أساسيا للطاقة النظيفة، مستقبلا، بالإضافة إلى حاجتها إلى السيارات الكهربائية، التي ستصنع، في المستقبل القريب، في المغرب. ونحن نعلم أن الصين بادرت إلى إنشاء معمل مهم لصناعة البطاريات الكهربائية الخاصة بالسيارات في المملكة".
وتابع الحسيني: "لكل هذا، تعتبر بريطانيا من بين الدول المرشحة لأخذ هذه المكانة، مستقبلا. وهناك دعوات من طرف أعضاء البرلمان البريطاني إلى ذلك، إلا أن الحكومة لا تزال مترددة، لكن هذا بالتأكيد سيأتي في المستقبل القريب".
الحكم الذاتي
وتعزز الدعم الدولي المستمر لمبادرة الحكم الذاتي كأساس لحل نزاع الصحراء، خلال هذه السنة، بدخول أربعة بلدان أوروبية إلى القائمة؛ وهي سلوفينيا، وفنلندا، والدانمارك وإيستونيا، ليصل عدد دول الاتحاد الأوروبي التي تعبر عن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي إلى أكثر من 20 دولة، في وقت بلغ هذا العدد 113 دولة على المستوى الدولي.
بالمقابل، تزايد تعليق الاعتراف بالجمهورية المزعومة (الإكوادور في أكتوبر الماضي، وبنما في نونبر الماضي)، وهو ما يعتبر تأكيدا على أن الطرح الانفصالي ما فتئ يتلاشى؛ حيث إن قرابة 50 دولة سحبت، في العقدين الأخيرين، الاعتراف بالجمهورية الوهمية، ليتراجع عدد البلدان التي ما تزال تعترف بها إلى حدود 28 دولة فقط.
وفي هذا الصدد، ذكر تاج الدين الحسيني بأن "هذا الوميض انطلق، في أواخر السبعينات، عندما استطاعت الجزائر أن تدخل بـ"الجمهورية المزعومة" إلى قلب منظمة الوحدة الإفريقية، في حينه، وأصبحت عرابا لدعم وجودها، هناك، وبالتالي، إحداث نوع من الإشعاع على الصعيد الدولي، حتى فاق عدد الدول المعترفة بهذا الكيان، في حينه، 80 دولة. اليوم، هذا الرقم تراجع، بقوة، إلى بضع دول صغيرة ومعزولة".
وسجل المتحدث نفسه: "أما بالنسبة لباقي البلدان، نلاحظ، اليوم، أن ما يقارب 120 دولة في المعترك الدولي؛ أي أكثر من الثلثين، تعتبر أن مقترح الحكم الذاتي هو الحل المناسب لتسوية النزاع. وهذا في حد ذاته ما قد يدفع المغرب، خلال سنة 2025، إلى أن يلح على سحب ملف الصحراء من لجنة تصفية الاستعمار للأمم المتحدة".
وتابع أستاذ العلاقات الدولية: "هو موجود هناك فقط بالتاريخ، وليس بشيء آخر، والمغرب قدم، في أوائل الستينات، ملفا متكاملا يهم، في آن واحد، منطقتي الصحراء وسيدي إفني، ليسترجع هذه الأخيرة، سنة 1969، في حواره مع الجنرال فرانكو، وتبقى قضية الصحراء معلقة داخل تلك اللجنة، قبل أن تحل، سنة 1975 وتسترجع المملكة الصحراء، بنفس المسطرة التي استرجعت بها المناطق الشمالية، سنة 1956، وإقليم طرفاية، سنة 1958؛ أي أن اتفاقية تصفية الاستعمار وقعت مع المحتل الإسباني، وسجلت في الأمانة العامة للأمم المتحدة، ووزعت على أعضاء المجموعة الدولية".
وأضاف الحسيني: "حقيقة، التغيير الذي عرفه الملف، من خلال استرجاع المغرب لوادي الذهب، بعد أن كانت قد اختصت به موريتانيا في "اتفاقية مدريد"، كان هو الذي أشاع جوا جديدا من توغل الدور الجزائري في عدة تنظيمات، ومن تحقيق تلك الاعترافات الخطيرة التي شكلت، في حينه، تحديا حقيقيا للمغرب. لكن هذه الأشياء أصبحت، اليوم، في ذمة التاريخ، واقتراح الحكم الذاتي، سنة 2007، جاء ليضع القطار على السكة، بشكل أكثر متانة، وأعتقد أن سنة 2025 سيكون لها دور مهم؛ لأنها، أولا، السنة التي ستكون فيها عملية استرجاع الصحراء قد بلغت نصف قرن من الزمان. 50 سنة ليست بالشيء اليسير. هذا الملف يعاني داخل الأمم المتحدة، ويعلم الجميع أن مجلس الأمن هو صاحب الاختصاص الحصري في تسويته".
واعتبر أن "حتى هذا المجلس أصبح واعيا بأن ضربة قوية ينبغي أن تنزل على الطاولة لتقول: "كفى". ينبغي أن تأخذ الأمور مجراها نحو تطبيق الحكم الذاتي، حتى تتمكن هذه المنطقة، مجددا، من أن تجد موقعها تحت الشمس، كمحور للترابط بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، وتؤكد دورها، ليس فقط لتبقى كموضوع للعلاقات الدولية يناقشه ويتنازع فيه الكثيرون، وإنما لتصبح طرفا في هذه العلاقات الدولية، تؤثر في مسارها، وتفرض احترام مواطنيها عبر العالم، وتفرض، كذلك، صوتها في المنتديات الدولية، بشكل أكثر كفاءة وقوة".
اللجان المشتركة
تطور آخر شهده الملف؛ هو انعقاد لجان مشتركة لزامبيا وغينيا بيساو ومالاوي وغامبيا، في مدينتي العيون أو الداخلة، خلال سنة 2024؛ حيث عبرت عن سيادة المغرب على هذا الجزء من ترابه، من خلال عقد الاجتماعات وتوقيع الاتفاقيات بالأقاليم الجنوبية.
هل تلتحق الصين وروسيا بالركب؟
وما توج كل هذه التطورات، على صعيد الدبلوماسية الخارجية، قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يوم 31 أكتوبر الماضي، بتجديد ولاية بعثة "المينورسو" في الصحراء المغربية، لمدة سنة، والذي كان إشارة قوية، بالرغم من أن التركيبة بمجلس الأمن فيها أطراف معنية مباشرة بالنزاع، إلا أن هذا الأخير أكد على أن توجه المجموعة الدولية والأمم المتحدة واضح، والقرار لم يحافظ فقط على مكاسب المغرب، ولكن أضاف عنصرين أساسيين؛ هما الدينامية التي خلقها الملك محمد السادس في هذا الملف، وتأكيده (مجلس الأمن) على أن من يختار السلاح، ويختار المس بوقف إطلاق النار، لا مكان له حول طاولة حل هذا الملف، وبأنه بدون احترام صارم لوقف إطلاق النار، ليس هناك حوار ولا مفاوضات ولا مسلسل سياسي؛ لأن المسلسل السياسي يكون مع الأطراف الجدية، ذات المصداقية، والتي تحترم القوانين الدولية وتحترم الاتفاقيات، وخاصة وقف إطلاق النار. وبهذا، قال مجلس الأمن، بشكل صريح، من خلال كل هذا، إن كل ما يهدد وقف إطلاق النار والأمن، يمس بالمسلسل السياسي بحد ذاته.
وفي هذا الصدد، قال الحسيني: "هناك حقيقة حق "الفيتو" الذي تتمتع به الدول الخمس دائمة العضوية. وأظن أن المغرب من حقه، وبإمكانه، أن يخترق كل هذه القوى، بشكل كبير؛ لأن كلا من فرنسا وأمريكا، وهما عضوان مركزيان في مجلس الأمن، قد اعترفتا بسيادته الكاملة على أراضيه، دون أي تحريف. وهناك دول أخرى؛ كبريطانيا، التي تحدثنا عليها، قبل قليل، وهي مقبلة، دون شك، على ذلك".
وتابع المتحدث نفسه: "تبقى كل من الصين وروسيا، وعلينا هنا أن نتحدث بوضوح. الأولى تواجه مشاكل ترابية جد مهمة، خاصة فيما يتعلق بتايوان، وفيما يتعلق بمناطق أخرى حتى من الإقليم الصيني، وهي من بين البلدان التي تعزز مبدأ الوحدة الترابية وتناصره. ولذلك، لم يسبق للصين، إطلاقا، أن صوتت ضد مشاريع التسوية التي يفرضها مجلس الأمن".
كما سجل الحسيني: "لكن روسيا هي شيء آخر، نظرا إلى علاقاتها الوطيدة بالنظام الجزائري، لكن مسلسل الكذب قد ينتهي في وقت قريب؛ لأنها لن تقبل خرافات هذا النظام، عندما يتحدث عن حق شعب ما في تقرير المصير، وعندما يلوح بالكفاح ضد الاستعمار، أو بشيء من هذا القبيل".
واعتبر أستاذ العلاقات الدولية أن "روسيا واعية بما يجري في المنطقة، ولها علاقات تاريخية مع المغرب. ألا تذكرون أن روسيا سبق لها، منذ سنة 1975، أن وقعت مع المملكة ما يسمى بـ"اتفاقية القرن"، المتعلقة سواء بالفوسفاط وبالصيد البحري وبتصدير الحوامض المغربية؟ ثم إن هذه العلاقات تجددت، بقوة، عندما زار العاهل المغرب موسكو، سنة 2016، ووقع اتفاقية استراتيجية معمقة مع الرئيس فلاديمير بوتين، والتي كان هدفها ترسيخ وتقوية العلاقات بين البلدين".
وأضاف: "ربما روسيا، في مستقبل قريب، ستكون مدعوة إلى بناء مفعل نووي في الأراضي السلمية في المغرب. كما أنها قد تعوض الكثير من البلدان الأوروبية في توسيع مجال اصطياد الأسماك على المحيط الأطلسي".
وأبرز الحسيني أن "روسيا واعية بأن المغرب هو الطرف الرائد في مجموعة التحالف الأطلسي الإفريقية، التي لا تضم فقط البلدان المحاذية للمحيط، وإنما بلدان مجموعة الساحل. كما أنها على علم بأن المملكة تحتل مركز المستثمر الأول في إفريقيا الغربية، ومركز المستثمر الثاني في مجموع القارة، بعد جنوب إفريقيا. وبالتالي، سيكون من مصلحتها، هي الأخرى، أن تعيد دراسة ملفاتها ومذكراتها في العلاقات مع المغرب. وحتى ولو لم تقم بمشاركة مباشرة في الاعتراف، لكن القرارات الشجاعة التي أصدرها مجلس الأمن لم تعرف أي "فيتو" روسي. ربما امتنعت عن التصويت، إرضاء للحليف الجزائري، لكنها لم تقدم، أبدا، على استخدام حق "الفيتو". وقد يتم النص في قرار يعطي الأولوية للحكم الذاتي من طرف مجلس الأمن، في هذا الإطار، إن لم تغير روسيا موقفها، واتجهت لتتحالف مع المغرب بدلا عن الجزائر، وهذا كذلك ممكن".
وتابع: "وبالتالي، فأوراق اللعبة على مستوى الأمم المتحدة واعدة بالخير، في سنة 2025، خاصة وأنها الذكرى الخمسينية لاسترجاع المغرب لهذه الأقاليم المغتصبة من طرف الإسبان".
قرار الأمم المتحدة
من جهتها، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 04 دجنبر الجاري، قرارا يجدد تأكيد دعمها للعملية السياسية الجارية تحت الإشراف الحصري لمجلس الأمن الدولي من أجل تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، مؤكدة بذلك القرار الذي اعتمدته اللجنة الرابعة، في أكتوبر الماضي.
ويدعو القرار كافة الأطراف إلى التعاون الكامل مع الأمين العام للأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع الإقليمي، بناء على القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن، منذ سنة 2007. ويدعم، بذلك، العملية السياسية على أساس قرارات مجلس الأمن المعتمدة، منذ سنة 2007، بهدف التوصل إلى حل "سياسي عادل ودائم ومقبول لدى الأطراف" لقضية الصحراء المغربية.
وأشاد القرار بالجهود المبذولة في هذا الصدد، داعيا كافة الأطراف إلى التعاون الكامل مع الأمين العام، وفيما بينها، بغية التوصل إلى "حل سياسي مقبول لدى الأطراف".
وعلى غرار القرارات السابقة، وتلك التي تبناها مجلس الأمن، على مدى عقدين، لم يتضمن هذا القرار أي إشارة إلى الاستفتاء، الذي أقبره كل من الأمين العام الأممي، والجمعية العامة، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
كما أشادت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في هذا القرار، بتعهد الأطراف بمواصلة التحلي بالإرادة السياسية والعمل في جو مناسب للحوار، في ضوء الجهود المبذولة والمستجدات التي طرأت، منذ سنة 2006، مؤكدة بذلك تطبيق قرارات مجلس الأمن الصادرة، منذ سنة 2007.
وتجدر الإشارة إلى أن المستجد الوحيد الذي طرأ على العملية السياسية، منذ سنة 2006، يتمثل في مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، في 11 أبريل 2007.
فتح القنصليات
وفيما يخص فتح القنصليات، خلال سنة 2024، بالأقاليم الجنوبية للمملكة، فقد تم فتح قنصلية تشاد بمدينة الداخلة، ليصل عدد القنصليات التي تم فتحها، إلى حدود الساعة، إلى أكثر من 30 قنصلية؛ وهو ما يمثل تقريبا 40 في المائة من دول الاتحاد الإفريقي التي لها قنصليات في العيون أو في الداخلة.
مساندة الأفارقة
وعلى مستوى الاتحاد الإفريقي، تواصلت، خلال سنة 2024، الرؤية التي أرادها عاهل البلاد، والمتمثلة في أن يكون الاتحاد الإفريقي مجالا للتعاون، وليس طرفا يتم استغلاله في الدفع بأطروحات معينة، كما كان الأمر في السابق.
ولم يصدر الاتحاد الإفريقي، ومنذ أربع سنوات، وهذه السنة بالخصوص، أي تصريح أو تقرير أو موقف يهم قضية الصحراء المغربية الموجودة بين أيدي الأمم المتحدة؛ حيث بات دور الاتحاد الإفريقي، ومنذ نواكشوط 2017؛ هو مواكبة الأمم المتحدة، دون أن يكون له موقف بشأن هذا الملف.
وبهذا الشأن، قال الحسيني، في نفس الحوار: "هذا كان من الأهمية بمكان. عندما نعود أدراجنا قليلا بضع سنوات قبل أن يسترجع المغرب مكانته داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، كانت هذه المنظمة تسير في تصعيد لم يسبق له مثيل، لدرجة أن الجزائر كان تتزعم ما كان يسمى بـ"مجلس السلم والأمن الإفريقي"؛ حيث عملت كل جهدها من أجل إنشاء ما يسمى بمنصب "المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي لدى الأمم المتحدة"، ومن كلف بهذه المهمة هو رئيس دولة الموزمبيق السابق، عدو لدود للمغرب، وكانت مهمته هي أن يقول لمجموع المجتمع الدولي، وللأمم المتحدة كافة، إننا نحن 54 دولة نقف مع الصحراء كدولة وكوسيلة تحرير، ونطالب بأن يتم تنظيم الاستفتاء، في أقرب وقت ممكن".
واعتبر أستاذ العلاقات الدولية أن "هذه العملية التي شرعتها الجزائر أصبحت نيرانها تنطفئ، تدريجيا، مباشرة بعد التحاق المغرب. ولذلك، لاحظتم أن هذه الأخيرة كانت هي الدولة الوحيدة التي تعارض، جهارا، عودة المملكة إلى الاتحاد الإفريقي. لكن أكثر من ذلك، استطاع المغرب اقتحام المراكز القوية داخل الاتحاد، وإقناع الأفارقة بأن مصلحتهم تكمن في التحالف معه وليس مع غيره".
وتابع المتحدث نفسه: "جاء ذلك واضحا من خلال الموقع الجديد الذي أعطيه، والذي مركزه في المغرب، الخاص بإشكاليات الهجرة. جاء من خلال تعامله مع الهجرة، ليس لكي يبقى بمثابة دولة عبور، بل ليصبح دولة استقرار للمهاجرين، وليعطي المثال لباقي البلدان المتقدمة في إفريقيا".
وأضاف الحسيني: "جاء، كذلك، في بعث روح البحث في قضية الطاقات النظيفة، وإعطائها الأولوية في الوسط الإفريقي. وجاء أكثر أهمية، أيضا، من خلال مبادئ شرع لها، أول مرة، عندما قال إن إفريقيا للأفارقة، وإنه على الأفارقة أن يبادروا إلى خدمة بلدانهم، وإن العلاقات بين البلدان الإفريقية ينبغي أن ترتكز على مبدأ "رابح-رابح"، وعلى حماية المصالح الحيوية لكل دولة، وعلى تحقيق الاستقرار، ومحاربة الإرهاب، وبحث الهجرة في الداخل قبل أن نبحثها في الخارج، وعلى أساس التنمية المستديمة، وتحالفات التنمية، واللائحة طويلة".
كما سجل: "وبالتالي، أصبح كل الأفارقة، اليوم، بما فيهم حتى الدول التي تتحالف مع الجزائر، وخاصة كمثال، جنوب إفريقيا، يشعرون بأن المغرب، هو في الحقيقة، بمثابة الشريك الموثوق به، والقادر على أن يفي بالتزاماته، بشكل كامل، ودون إحراج أو تواطؤ أو تحالف مع الغير. ولهذه الأسباب، أعتقد أن موقع المملكة في الاتحاد الإفريقي يسير نحو الأفضل، في مزيد من التطور في المستقبل القريب".
هل سينطق الاتحاد الأوروبي بها؟
أما على مستوى الاتحاد الأوروبي، فإنه ولأول مرة، ومنذ 22 سنة، لم يكن هناك وجود لمجموعة "الصحراء الغربية"، بعدما كان موجودا في الأربع ولايات السابقة للبرلمان الأوروبي؛ حيث إن الفرق الكبرى قررت أنه لا مجال لخلق هذا الفريق الذي كان يشتغل كلوبي للانفصال؛ ما يعتبر إشارة قوية من الاتحاد والبرلمان الأوروبيين على أن، اليوم، هناك مسار واحد وضعه الملك، وأن هناك دينامية خلقها عاهل البلاد واشتغل عليها، والآن، تبدو نتائجها على المستوى الثنائي وعلى المستويين الأممي والأوروبي، وأساسها كل المشاريع التنموية والنموذج التنموي الجديد، منذ سنة 2016، الذي تظهر نتائجه الملموسة.
وفي هذا الصدد، أبرز الحسيني أن "قضية المجموعة هذه ليست بالشأن بالغ الأهمية؛ لأن بعض البرلمانيين قد يقومون بتشكيل هذه المجموعة داخل البرلمان الأوروبي، والتي تسمى بمجموعة التنسيق أو مجموعة التعاون، من أجل بحث القضايا الخاصة، وتحسيس المجتمع الدولي بها، إلخ".
وذكر أستاذ العلاقات الدولية بأن "الجزائر كانت قد أفلحت، عن طريق وسائل التأثير، وما يمكن أن نسميه بالدعاية التي تشنها، وهي دعاية ممولة بالتأكيد، في أن تنشئ مجموعة ظلت، خلال أربع دورات، تتغلغل داخل البرلمان الأوروبي، وتمارس هذا النوع من النشاط، لكن أظن أن الدور الفرنسي والإسباني والألماني والبلجيكي كان حاضرا، في هذه السنة بالذات؛ حيث ذهبت هذه الدول في تجاه أن قضية الصحراء ينبغي أن تعرف طريقها نحو التصفية، التي تبقى الأمم المتحدة هي صاحبة الاختصاص الحصري فيها، وخاصة مجلس الأمن".
وأضاف المتحدث نفسه: "وبالتالي، يعتبر أنه من الأفضل، بالنسبة لبلدان الاتحاد الأوروبي، أن تساند هذا المقترح المغربي. وقد يأتي يوم، ربما في سنة 2025، لنسمع بلسان واحد للجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي تصريحا واضحا بالرغبة في اعتبار مقترح الحكم الذاتي هو المقترح الوحيد أو الأكثر أهمية أو الأفضل لتسوية نزاع الصحراء".
وختم الحسيني كلامه، بالقول: "الواقع بات يفرض حقيقة واحدة، مفادها: قد يقوم هؤلاء، في مستقبل قريب، بمحاولة إنشاء مجموعة أخرى، ولكن الصورة ستكون باهتة، بكل تأكيد. فنهايتها، الآن، لا تفضي إلى ولادة قوية لها في المستقبل؛ لأن التيار الأكبر يسير في اتجاه آخر غير اتجاه الموقف الجزائري".