%40 من السجناء يتحول احتجازهم الاحتياطي إلى "إدانة" بدون محاكمة!

سجن
بلال مسجد

أكثر من 40٪ من نزلاء السجون هم من الموقوفين الذين لم تتم محاكمتهم نهائياً، بما يتناقض مع المبدأ المقدس الخاص بقرينة البراءة، ما يرفع من فاتورة الاحتجاز الاحتياطي.

وتقول المادة 1 من القانون الجنائي: "أي متهم أو مشتبه به بريء حتى تثبت إدانته (...) والشك يفسر لصالح المتهم". هذا من الناحية النظرية، وبالتالي، يجب احترام المبدأ المقدس القائم على افتراض البراءة، لكن الأمر مختلف من الناحية العملية، كما يتضح من خلال معدل الاحتجاز الاحتياطي، والذي يبغ نسبة 40٪ من نزلاء السجون (مقابل أقل من 20٪ في إسبانيا والجزائر). وهذا يعني، أن ما يقرب من نصف عدد السجناء يقبعون في السجن في انتظار المحاكمة، في تناقض مع المادة 23 من الدستور، والتي تنص على أنه "لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون. الاحتزاج التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات". إذن كيف تحول الاحتجاز الاحتياطي، من تدبير استثنائي، إلى قاعدة في تحدٍ للقانون؟

قرينة البراءة

حتى شهر دجنبر2017، كان 35 ألف شخص محتجزين قبل المحاكمة، أي أكثر من 40 ٪ من مجموع عدد المحتجزين. بهذا الصدد يقول رئيس جمعية هيئة المحامين بالمغرب محمد أكديم، إنه "من حيث المبدأ، يعد الاحتجاز السابق للمحاكمة تدبيراً استثنائياً، ولكنه يميل إلى أن يصبح القاعدة. لذلك يجب أن يكون تدبيرا استثنائيا أو يجب أن نلجأ إلى هذه الممارسة لأنها حرية المواطنين"، حسب تصريحه لـ"Telquel.ma ".

استنتاج نقيب المحامين يقر به وزير العدل محمد أوجار، وقال بهذا الصدد: "منذ أن توليت منصبي في وزارة العدل، تأسفت بمرارة تجاه الإحصائيات المتعلقة بالاحتجاز قبل المحاكمة. في المغرب، ومنذ عقود، يصعب انزول تحت عتبة 40٪ من نزلاء السجون قبل محاكمته"، عبر وزير العدل عن أسف من هذا الوضع.

من جهته، وفي مقابلة سابقة مع مجلة "تيل كيل"، قال رئيس النيابة العامة محمد عبد النبوي، إنه "لأكثر من 40 عاماً، لم نتمكن بعد من حل مشكلة الاحتجاز السابق للمحاكمة، والذي لا يزال مصدر قلق كبير للسياسة الجنائية ". وسجل المتحدث ذاته، أنه من تفعيل استقلالية النيابة العامة، فإن معدل الاحتجاز الاحتياطي انخفض من 42 في المائة إلى 40 في المائة. وشدد على أن "الهدف هو الوصول إلى عتبة 35 في المائة من المحتجزين الاحتياطيين؛ مقارنة مع العدد الإجمالي للسجناء المغاربة".

الضغط من المجتمع أو الضغط من العدالة؟

ويعتبر الاحتجاز قبل المحاكم، في نظر العديد من القانونيين، وسيلة للضغط لانتزاع الاعترافات. خاصة وأن العديد من المحتجزين الاحتياطيين قادرين على منح ضمانات تسمح لهم، وفقاً لما ينص عليه القانون، بالاستفادة من إجراء المتابعة في حالة سراح. في هذا الصدد، يقول محمد عبد النبوي: "من بين الأسباب الرئيسية عدم وجود أحكام بديلة للاحتجاز في الترسانة القانونية الوطنية". وثمة سبب آخر، وفقا له، وهو أن "الضغط المجتمعي، الذي يمارسه الرأي العام على المدعين العامين والقضاة، فبشكل عام، لا يعطي الضحايا مصداقية للمقاضاة إلا عندما يكونون تحت طائلة الاحتجاز الاحتياطي".

وعن نسبة المحتجزين الاحتياطيين الذين صدرت في حقهم أحكام، أوضح رئيس النيابة العامة، أن "15 في المائة منهم فقط لم يعرضوا على المحكمة. بالنسبة للبقية، صدر حكم واحد على الأقل في حقهم، ولكن دون أن يكون نهائياً؛ بعبارة أخرى، لم تكن أحكامهم قد اكتسبت بعد سلطة الشيء المقضي به".

وأشار عبد النبوي، إلى أن "أكثر من 96 في المائة من المحتجزين احتياطيا سينتهي بهم الأمر إلى محاكم المملكة، وبذلك ينتقلون من وضع المحتجز الاحتياطي إلى وضع السجين. أما نسبة 4 في المائة المتبقية فيمكن لهم الاعتراض على سبب احتجازهم قبل محاكتهم، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الاعتقال السابق للمحاكمة كان مسيئا في البداية".

في وثيقة قدمت في عام 2013، أشار مصطفى راميد،  من بين أسباب أخرى للاحتجاز الاحتياطي، إلى "ضعف الأخلاقيات في القطاع القضائي، التي تدفع القضاة إلى اللجوء بشكل منهجي إلى الاحتجاز المؤقت، لتجنب جميع الشكوك حول الفساد".

وأمام كل هذا، يعد رئيس النيابة العامة بـ "ترشيد" اللجوء إلى هذه الممارسة، ويرى أن هذه القضية مسؤولية المجتمع بأكمله، وليس السلطة القضائية لوحدها.