في مثل هذا اليوم من العام 2011، نزل آلاف المغاربة إلى الشوارع الكبيرة في مختلف المدن، معلنين عن ولادة حركة احتجاجية؛ هي امتداد لما عاشته دول عربية أخرى، من احتجاجات شعبية أدت إلى سقوط حكم حسني مبارك في مصر، وفرار زين العابدين بنعلي من تونس، ونشوب حروب أهلية في اليمن وسرويا.
في ذاك الصباح الممطر ليوم الأحد، 20 فبراير 2011، كانت للحشود كلمة في المغرب. في الدارالبيضاء والرباط وطنجة ومدن صغيرة أخرى، خرجت أولى قوافل الاحتجاج رافعة شعار"الملكية البرلمانية" ، و"عدم الجمع بين المال والسياسة"، ومحارة الفساد والاستبداد، فكان خطاب 9 مارس، وبعده دستور 2011.
بعد 8 سنوات، صار الحديث عن أفول الحركة أكثر قوة من السنوات الماضية، لكن الكثير من الفاعلين الذين انخرطوا في الحركة يقولون إن الحركة، وإن كان جسمها تحلل في تربة النسيان، فإن روحها ما تزال حاضرة، ومطالبها قائمة، وقوس الديمقراطية الذي فتحته لم يغلق بعد.
بعد مرور ثماني سنوات، يعود "تيل كيل عربي" ليسائل عددا من نشطاء الحركة، هل توقف احتجاجات الحركة، وتواري عدد من قياداتها إلى الظل، هو موت لروح الحركة وللمطالب التي رفعتها.
هنا إجابات بلسان المتكلم لكل من خالد البكاري، الاستاذ الجامعي، الذي عاش تفاصيل الحراك في الدار البيضاء، وحمزة محفوظ، أحد وجوه الحركة التي فضلت الهجرة، والنشطاء اليساريين سارة سوجار وأمين مقدم ومحسن مخلص، إضافة إلى محمد بلفول وهشام شولادي، الشابين المنتميين إلى جماعة العدل والإحسان، علما أن عددا من أبرز الوجوه، ذكورا وإناثا، اعتذروا عن الإسهام في هذا النقاش، إما لأنهم يريدون ان لا يبقى اسمهم وصورتهم مرتبطا بالحركة، وإما لأن مياها كثيرة جرت من تحت الجسر، خلال الثمان سنوات الماضية.
خالد بكاري: شباب الحركة لم يتحولوا إلى نخب سياسية
الحركة باعتبارها ذاتا حركية وتنظيمية يمكن أن نقول بأنها انتهت، فلم يعد وجود لتنسيقياتها ولا لجموعها العامة، والحركة باعتبارها أهدافا يلخصها شعار "مقاومة الفساد والاستبداد" مازالت مطلوبة، باعتبار أننا نشهد حاليا عودة للفساد عبر التطبيع مع الريع وشرعنته، وباعتبار أن الاستبداد عاد بشكل أكثر سفورا، وهو استبداد لا يحترم حتى الوثيقة الدستورية. فنحن لم نشهد انتقالا ديموقراطيا بقدر ما عشنا انتقالا سلطويا، ولذلك فالشروط الموضوعية لانبثاق حراك وطني أشبه بعشرين فبراير موجودة بالقوة وتنتظر الوجود بالفعل، وقد تكون أكثر راديكالية وصدامية.
وأعتقد أن 20 فبراير كان نتاج شروط إقليمية متمثلة في تداعيات ما سمي بـ"الربيع العربي"، أكثر منها استجابة لشروط محلية، لذلك لم تستطع الحركة أن تشكل لها امتدادات جماهيرية كبرى. ولم تستطع أن تمتد في الزمن، ومع ذلك، فأي مراقب موضوعي سيقر أنها حققت أكثر مما كانت تسمح به قواها الذاتية.
أي مراقب موضوعي سيقر أنها حققت أكثر مما كانت تسمح به قواها الذاتية.
النقطة الثانية تتعلق بمصير شبابها، مع التحفظ على نعت "القيادات"، فالمسارات التي آلت إليها أغلب الأسماء التي كان معروفة متباينة، ما بين الانسحاب من الفعل السياسي أو الاندماج في مؤسسات للسلطة أو البحث عن النجاح المهني، ولكن اللافت أن العديد من الأسماء اتجهت نحو العمل الصحافي، في هجرة شبه جماعية أشبه بما وقع لشباب انتفاضة ماي 1968 بفرنسا، كما أنه من اللافت للنظر أن الشباب الذين كانوا ينتمون إلى أحزاب سياسية أو انخرطوا فيها لم ينجحوا في اختراق تنظيماتهم نحو تشبيبها، فلا تكاد تجد في قيادات التنظيمات التي كانت جزءا من الحركة أي حضور للأسماء التي كانت معروفة في الحراك ومنتمية إليه.
والملاحظة الأخيرة تتعلق بغياب هذه الأسماء عن الاحتجاجات الجديدة، سواء ذات الطابع المناطقي (جرادة، الريف، زاكورة...) أو الفئوي (الطلبة الأطباء، الأساتذة المتعاقدون)، ليبقى السؤال معلقا: لماذا لم تتحول هذه الطاقات الشابة من قوة احتجاجية إلى نخبة سياسية أو فكرية، كما حدث في مسارات أخرى في العالم؟ هل هو عطب ذاتي أم أن الأمر مرتبط بقصور في قنوات صنع النخبة عن احتضان هؤلاء؟
حمزة محفوظ: لا شيء من الفراغ ولا شيء يعود إليه
يشيع انطباع خاطئ أن شباب حركة عشرين فبراير، كما بقية رفاقهم في حمل أحلام "الربيع العربي"، بقيمه المطالبة بالحرية والكرامة، والمتبنية للنضال السلمي والعصيان المدني للسلطوية المتحكمة، والبدل من أجله… نبعوا من فراغ أو من شبكات افتراضية على الإنترنت.
ويتسبب ذلك في مغالطة أخرى أكثر عنفا، وهي أن هذا الجيل عاد الى الفراغ أو الى التلهي في شبكاته الافتراضية. وأن الأمر كان عبارة عن قوس فُتح في لحظة معينة، وأغلق في لحظة أخرى، وأن دول وشعوب المنطقة تجاوزت مرحلة الخروج الصاخب لجيل الآمال الكبيرة والإحباطات الكبيرة. والمبدأ يقول "لا شيء يبدء من الفراغ ولا شيء ينتهي إليه، كل شيء يتحول".
الديناميات أحيانا تكون هادئة، لكنها تطبخ على نار متمهلة، وجيل عشرين فبراير، بوجوهه التي برزت كما بتلك التي توارت، يتحول ويحوّل الأشياء من حوله.
جيل 20 فبراير، بوجوهه التي برزت والتي توارت، يتحول ويحوّل الأشياء من حوله
هو اليوم في كل مكان، يتأثر ويؤثر، فتجد منهم من يؤدي من عمره في السجون، كما صديقنا المرتضى إعمرشا ورفاقه، وأحيانا يعاني في الغربة، وأحيانا يقاوم في ما يتوفر له من مجالات وأدوات في المغرب ولمغرب اليوم.
الحركة لم تكن مذبحا أو مسلخا لأعضائها؛ بمعنى أنه لم يكن من مبادئ الحركة يوما أن تربي الفاشلين أو تفرخهم، ولا تعمّم البؤس.
فمئات الآلاف الذين شاركوا في الحركة حملوا مئات الألاف من الآمال والتصورات والنماذج، ولا يجوز إدانتهم لأخطاء قد يرتكبها واحد او اثنان ممن سلطت عليهم أضواء الإعلام.
الحديث عن شباب تقاضى أتعابه وانسحب مجرد كلام، يردده بعض المأزومين الذين يحاولون استغلال أخطاء بعض النماذج السيئة لإدانة جيل زعزع الريع والتحكم، وطالب بالعدالة للجميع، وأثر أثرا عميقا في مغرب اليوم.
على العكس، أرى أن شباب الحركة قدم تضحيات غالية؛ فمنهم من هو في السجن نتيجة تحديه للسلطوية، وعندنا العديد الذين يعانون في الغربة، وعندنا آخرون يعانون من الحصار والتشويه..
سارة سوجار: الوضع اليوم مقلق أكثر من قبل الحركة
بعد 8 سنوات، يظهر أن السياق الزمني يختلف عن بدايات انبثاق الحركة في 2011. فاليوم نعيش تراجعا في هامش الحريات وتدهورا في الوضع السوسيواقتصادي للمغاربة، وهو ما أعطى تناسلا لحركات اجتماعية احتجاجية في مناطق متفرقة، تنهل كلها من معين فكر 20 فبراير.
عندما رأت الحركة النور قبل 8 سنوات، لم يكن الأمر اعتباطيا، بل كانت تمثل امتدادا تاريخيا للوعي النضالي المغربي الذي برز منذ خمسينات القرن الماضي.
وحتى لا أكون عدمية، فإنه بعد مرور هذه السنوات، فإن الوضع لا يبعث على الارتياح، وهذا بشهادة أعلى سلطة في البلاد، فعندما يتحدث الملك عن فشل النموذج التنموي وسؤاله عن الثروة وأوضاع التعليم، فهذا مؤشر دال على أن المغرب ليس بخير، رغم خفوت نجم 20 فبراير.
هذا الإجماع حول الوضع المقلق للبلد، سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الحقوقية، سيُبقي روح الحركة في نفوس كثيرة، وهو ما نراه اليوم في الحركات الاحتجاجية التي تجتاح مدنا وقرى منذ مدة، سواء في الريف أو جرادة أو في زاكورة أو من خلال الإضرابات القطاعية المختلفة، التي ترفع المطالب نفسها التي رفعتها الحركة قبل 8 سنوات، والمتجلية أساسا في محاربة الفساد والاستبداد والدفاع عن العدالة الاجتماعية وحرية التعبير، كما نجدها في مطالب بشعارات أصغر، تتعلق بالدفاع عن القدرة الشرائية ومحاربة الغلاء المعيشي.
ومادامت مطالب الحركة لم تتحقق، فإن الحركة باقية، ربما ليس بشكلها التنظيمي القديم، لكن نفَسها وروحها ما زالا مستمرين.
مادامت مطالب الحركة لم تتحقق، فإن الحركة باقية
في الذكرى الثامنة، لا يجب أن ننسى أن جزءا كبيرا من شباب الحركة يقبع حاليا وراء القضبان؛ أغلبهم ضمن المدانين على خلفية حراك الريف، وهو ما يعتبر نكوصا وتراجعا في الحريات، وهو ما زاد الطين بلة في اعتقادي، إذ انعدمت ثقة الشباب في المؤسسات الرسمية.
لقد شكلت حركة 20 فبراير حلما للشباب المغربي، حلم تجلى في تحقيق عدالة اجتماعية وحرية، لكن، للأسف اليوم، ما نلاحظه أننا تراجعنا للخلف، فالأوضاع اليوم هي أسوأ بكثير من 2011. على الأقل في تلك الحقبة، كان هناك سياق دولي، ما أجبر الدولة على التجاوب سياسيا، من خلال وثيقة دستورية جديدة وإعادة الانتخابات. أما اليوم، فالرد على أي احتجاج هو المواجهة، في ظل غياب أجوبة اقتصادية واجتماعية آنية للعديد من المشاكل.
على المستوى الشخصي، مثلت تجربة 20 فبراير مدرسة نضالية بامتياز، فبحكم تكويني السياسي كانت معارفي مقتصرة على اليسار بكل تلاوينه، لكن في 2011، سنحت التجربة بالانفتاح على مشارب سياسية وإيديولوجية أخرى، ليست فقط متناقضة، بل حتى قريبة من مرجعيتي الفكرية، وبالتالي فإن 20 فبراير كانت مدرسة نضالية وسياسية وميدانية، أفادتني بشكل كبير.
أمين مقدم: القوس الديمقراطي لم يكن منةً من أحد
بعد مرور 8 سنوات على 20 فبراير 2011، ارتفعت العديد من الأصوات اليوم القائلة بأفول حركة 20 فبراير وانغلاق "القوس الديمقراطي"، مُتَناسين أن ما عاشه المغرب، خلال 2011، لم يكن منةً من أحد. وشباب 20 فبراير قاموا، خلال 2011 بحشر الجميع (رجالات الدولة، الأحزاب، النقابات، حركات المجتمع المدني....) أمام سؤال الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتطلعات المغاربة لمستقبلهم... هذا، دون ذكر انهيار منطق حاجز الخوف الذي جرى تكسيره على يد شابات وشباب الحركة، أمر نرى نتائجه في كل هذه الحركات الاجتماعية المتنوعة التي عرفناها خلال 8 سنوات الأخيرة، بكل أراضي الوطن، ويمكن القول إن الحركة مازالت مستمرة بأشكال ومسميات مختلفة.
اليوم شابات وشباب حركة 20 فبراير، أخذوا مسارات متنوعة، بين من رحل عن هذا الوطن ومنهم العديد من الحالات، وبين من التحق بالعمل الجمعوي أو المسرحي أو انخرط في النضال الحزبي والنقابي. وككافة الحركات التي عرفها تاريخ المغرب، هناك أيضا من التحق بموجة "المصلحية"، وهم محسوبون على رؤوس الأصابع... لكن يجب أن لا ننسى أننا نتحدث عن شباب، كان أغلبهم يتابع دراسته أو يخطو خطواته الأولى في عالم "الشغل". أنا مثلا اليوم، أشتغل صحافيا وأعيش تحديين كبيرين؛ أولها خلق مسار مهني يتجاوز صفة "المناضل"، بما لا يتناقض وروح حركة 20 فبراير...
هناك من التحق بموجة "المصلحية"، وهم محسوبون على رؤوس الأصابع
لكن يجب أن أقف اليوم أمام سؤالكم حول مصير نشطاء 20 فبراي، رأتساءل بدوري أين هي الحركات الأخرى، هل اندثرت هي أيضا، أم مستمرة بأشكال ومسميات أخرى؟
محسن مخلص: شباب الحركة موزع بين المحبط والمنتظر
الحديث عن أفول نجم حركة 20 فبراير يستدعي منا، أولا، أن نحدد طبيعة الحركة، فإذا كانا نعتبرها هيكلا تنظيميا يفتقد لتنسيقيات قوية ونشطة كما في السباق، حينها يمكننا الجزم أن نجمها أفل، لكن إن اعتبرناها حراكا أسس لدينامية شبابية، بروح نقدية واحتجاجية، فإنها لم تمت. وما حصل بالحسيمة وجرادة يمكن اعتباره هزات ارتدادية للزلزال الذي أفرزته الحركة.
بعد مرور 8 سنوات، من الحتمي أن يتساءل كثيرون عن مآل شبابها. الأكيد أنهم اليوم موزعون في مجلات مختلفة؛ أولها الصحافة والمجتمع المدني، ومنهم من يكمل دراسته بالداخل أو بالخارج. والكثير منهم أسسوا ديناميات وجمعيات، إما حقوقية أو ثقافية، ومنهم من عاد إلى الوراء وأخد دور المتفرج، ربما إحباطا أو ربما انتظارا لفرصة أخرى أو طرق أخرى للنضال. أكيد أننا لم نعد نلتقي، كما في السابق، لأن كلا منا أخذ مساره الخاص، لكننا نتتبع بعضنا البعض، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر هوامش اللقاءات العابرة.
شكلت 20 فبراير، بالنسبة لي شخصيا، مدرسة نضالية تكوينية. مدرسة علمتنا طرق القبول بالآخر المختلف؛ قبول النقد وتدبير التناقض. علمتنا أن نحلم وأن نقاوم ثم أن نستسيغ الفشل. لقد كانت تكوينا مستمرا على مدار السنة.
الحركة مدرسة نضالية تكوينية علمتنا طرق القبول بالآخر المختلف
لقد مثلت الحركة، لعدد كبير من الشباب، فرصة من ذهب لربط علاقات على الصعيد المحلي والوطني. لقد كنا جزرا متباعدة، وحولتنا الحركة إلى قارة واحدة. فجل علاقات الصداقة، أو حتى العلاقات الجمعوية والنضالية، جاءت نتاجا للحركة.
محمد بلفول: لم نعتقد في الجماعة أن انسحابنا سيؤثر على الحركة
شباب الحركة الذين كانوا في القيادة اتخذوا مسارات مختلفة؛ منهم من اتخذ مسارا مهنيا وابتعد قليلا عن الساحة، ومنهم من استمر في الممارسة السياسية، داخل أحزاب أو جمعيات، ومنهم من هاجر إلى الخارج لاستكمال الدراسة أو البحث عن فرص عيش أفضل خارج البلد. وهناك شق آخر مستمر في النضال في واجهات مختلفة بنفس القوة والحماس.
في الحقيقة، لا يمكن القول إن أسباب تراجع الحركة في الميدان راجع إلى انشغال الشباب وتفرق طرقهم. أعتقد أن الحركة كانت قد استنفذت أغراضها بذلك الشكل من الممارسة، ونظرا لمجموعة من الاعتبارات الذاتية والموضوعية، أما السؤال حول انبعاث الحركة، فأظن أن الحركة لن ترجع إلى سابق عهدها.
الحركة استنفذت أغراضها بذلك الشكل من الممارسة، ولن ترجع إلى سابق عهدها
بالتأكيد، الساحة النضالية عرفت زخما نضاليا كبيرا، بعد تراجع 20 فبراير، العديد من الواجهات فتحت وعرفت نضالات فئوية قوية، كان هناك حراك الطلبة الأطباء والأساتذة المتدربين والممرضين والطلبة المهندسين وشق مهم من أساتذة "الزنزانة9"، وانتفاضة العطش في زاكورة واحتجاجات الشمال ضد "أمانديس" وغيرها كثير. إذن هناك زخم أكبر في قطاعات متعددة، ما جعل الحركة الأم يخفت وهجها.
أنا من شباب جماعة العدل والإحسان في الدارالبيضاء، منذ المرحلة الثانوية. كنت مناضلا في صفوف طلبة العدل والإحسان في كلية الحقوق عين الشق، وكانت 20 فبراير محطة مهمة في مساري النضالي على اعتبار أن الحركة كانت فضاء مهما للتواصل والتعرف على مجموعة من الأصدقاء من مختلف التيارات السياسية، والتي لم يكن لي بها سابق معرفة أو تواصل. وهذا أمر مهم جدا. ثم إن الحركة كانت فرصة كذلك للتعلم واكتساب خبرات ومهارات جديدة في التواصل والحوار على اعتبار أنني كنت ضمن لجنة الإعلام والتواصل.
أما بخصوص شباب الجماعة، فمن المهم جدا التذكير أن شبيبة الجماعة كانت من بين أول التنظيمات التي أعلنت انخراطها في الحراك ببيان تاريخي، في حين أن البعض فضل التريث ومعرفة ما سيؤول إليه أمر الحركة.
وكما كان الوضوح في الانخراط كان كذلك الوضوح في توقيف انخراطنا في الحركة، بناء على دراسة معمقة لواقع الحركة ومستقبلها وكذلك تأثيرها في الواقع. طبعا لم نكن نعتقد أن انسحابنا من الحركة سيؤثر عليها إلى هذا الحد، على اعتبار أن الحركة تضم أحزابا وتيارات مناضلة ولها وزنها، على كل حال، في الساحة النضالية، لكن بالمقابل، كنا متأكدين أن الانخراط في مختلف واجهات النضال الأخرى، والتي كانت الجماعة حاضرة فيها بأشكال مختلفة، كان سيؤثر لا محالة على زخم الحركة.
هشام شولادي: انتهت كحركة لكن ليس كحراك
ما أود التركيز عليه بداية هو أن حركة 20 فبراير لم تكن تتوفر على قيادات، بل كان هناك انخراط عفوي منذ البداية، انبثق عنه تنظيم، عبر خلق لجان وجموع عامة، وبالتالي فلا يحق لنا أبدا أن نسائلهم اليوم، بل علينا أن نسائل المسؤولين والمنتخبين.
ولا أتفق تماما مع نظرية جلد شباب الحركة، بعد مرور 8 سنوات على خروجها إلى الوجود، في ظرف جيوسياسي مشحون.
عملية الجلد ليست منطقية، فشباب 20 فبراير كان جزءا من الشباب المغربي، منهم من أفل نجمه وهناك من أحس باليأس، وهناك من فضل الانسحاب ليركز على مساره الدراسي، ولهم الحق في اختياراتهم الشخصية. غير أن الأكيد هو أن هؤلاء الشباب بقوا ملتزمين طيلة الأشهر التي كانت تنزل فيها الحركة للاحتجاج بشعارات الحركة.
وشخصيا، لا أتفق مع الطرح الذي يعمد إلى تلطيخ سمعة شباب الحركة، بين من ينعتهم بالانتهازية وأنهم فضلوا المواقع ومناصب العمل على النضال، فأثناء الحراك لم يثبت أنهم باعوا أو اشتروا أو زايدوا على الحراك. إن الحركة أفرزت لنا شبابا ناضجا، ثم إنه بعد أن خفت توهج الحركة من حق أي شاب أن يختار المسار الذي أراد، فـ20 فبراير لم تكن حزبا ولا نقابة، بل حركة اجتماعية أدت وظيفتها الحقيقية.
بعد أن خفت توهج الحركة من حق أي شاب أن يختار المسار الذي أراد
المسألة الثانية التي يجب ألا نغفلها هي أن حركة 20 فبراير انتهت كحركة، لكن كحراك مازال مستمرا، فروحها باقية وتتمدد، وهو ما نراه اليوم في أشكال احتجاجية عديدة، كحراك الريف ومسيرات العطش في زاكورة والإضرابات القطاعية، سواء في التعليم أو في الصحة. لقد كسر شباب الحركة في 2011 جدار الخوف، وهو ما يجعلنا نصفق لهم.
لقد ألهمت الحركة المواطن البسيط، ذاك البقال البسيط الذي لم يكن يبرح محله التجاري مطلقا، وذاك العامل والطالب والعاطل، وتمكنت من التأليف بين العديد من المغاربة بمختلف مشاربهم الفكرية والإيديولوجية.
لا أتفق مع منطق محاسبة شباب الحركة، لأنها قدمت للمغرب، في توقيت كان الجميع يضع يده على قلبه، تخوفا من أن تنزلق الأمور، خاصة وأن الوضع الإقليمي والسياق العربي كان متسما بالتوتر، غير أن الحركة تمكنت من نيل مكاسب كبيرة، تتمثل أبرزها في الإطاحة بحكومة عباس الفاسي، وإجراء انتخابات سابقة لأوانها، ثم تعديل دستور، طال انتظاره. حتى من الناحية الاقتصادية، ساهمت الحركة في الضغط على الحكومة من أجل إقرار زيادة في أجور الموظفين بقيمة 600 درهم، غير أنه اليوم نرى أن إصلاح أنظمة التقاعد الذي أقرته حكومة عبدالإله بنكيران خصم 700 درهم من خلال الاقتطاعات الأخيرة.
صحيح اليوم أن توهج الحركة خفت حتى لا نقول اختفى، لكن منذ 2011 إلى اليوم، ما زلنا نشاهد تناميا ملحوظا للحركات الاحتجاجية والإضرابات القطاعية، وفي مناطق مختلفة من المغرب. لقد كان للحركة دور مفصلي في استقرار البلد، لذا فأنا ضد جلد إرث الحركة أو شبابها، بل ينبغي جلد الجهات التي لم تلتقط الرسالة وخذلان النخب.
بعد أن خفت توهج الحركة من حق أي شاب أن يختار المسار الذي أراد