أزولاي... يسارية صديقة للكتاب

امحمد خيي

منذ ليلة أمس (الجمعة)، والتدوينات المسرورة بانتخاب أودري أزولاي، ابنة أندري أزولاي، مستشار الملك محمد السادس، تتقاطر على شبكة التواصل الاجتماعي بالمغرب، إذ رغم أن وزيرة الثقافة الفرنسية سابقا، مرشحة البلاد التي ولدت فيها، إلا أن المغاربة رأوا فيها أيضا مرشحتهم، بحكم أصولها المغربية. فمن تكون ثاني امرأة في التاريخ تصل إلى عرش منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة؟

"كبرت في وسط يساري جدا، مسيس حول الصراع الإسرائلي-الفلسطيني، ولكن في البيت، لم نكن نتحدث كثيرا عن السياسة الداخلية، إنما حول السياسة الخارجية"، تقول أودري أزولاي، في 2016 لمناسبة مفاجأة تعيينها وزيرة للثقافة في فرنسا، هي التي تتحدر من أسرة، الوالدة فيها هي الكاتبة كاتيا برامي، وأندري أزلاي، مستشار الملك الحسن الثاني، ثم خليفته في العرش محمد السادس.

وبالنسبة إلى مارتين أوبري، الكاتبة الأولى سابقا للحزب الاشتراكي الفرنسي، التي تعرفها منذ فترة المراهقة، "أودري تشبه والديها، فهي تتمتع بحس من الفطنة، وذكاء مصقول وحاد، ولها ابتسامة حقيقية ومنفتحة، وفي علاقتها بالآخرين، تتعامل بأناقة شخصية ثقافية".

واعتقد الفرنسيون حينما تعرفوا عليها مستشارة رئاسية ثم وزيرة للثقافة، حسب "بورتريه" نشرته صحيفة "جي دي دي"  في 2016،  أنها تقنوقراطية، قبل أن يكتشفوا أنها مناضلة يسارية: "شاركت في التظاهرات التلاميذية والطلابية لـ1986، فنهاية المرحلة الثانوية، كانت معركة الفاشيين ضد مناهضي الفاشية، فكنت أنا وأصدقائي مناهضون جدا للفاشية، أما في 1995 فقد كنا جميعا في الشارع ضد قوانين التقاعد".

ولدت في باريس في 1972، وترعرت في الدائرة 15 من المدينة رفقة شقيقتيها، فوالديها اللذين قدما إلى فرنسا حيث أنشآ مهنتيهما وأسرتهما، عادا إلى الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، وبالنسبة إليها، "الطفولة هي المدرسة، ومتعة المدرسة، ولكن العمومية منها، فقد كانت كلاسيكية، وبأساتذة رائعين. كنت تلميذة جيدة، وكان لي أصدقاء، لقد كانت مرحلة رائعة".

ومن تلك الطفولة السعيدة، تحتفظ أندري أزولاي، بحماس معد يعكس المزاج الجيد للذين دللوها، وكانت خلال أيام السبت، تذهب إلى المكتبة، "كنت أقرأ كل شيء، أكانت "فونطوميت" (سلسلة من 52 رواية موجهة للشباب) أو الأدب الكلاسيكي، وأتذكر أنني قرأت لفلوبير، وسالامبو، دون أن أفهم ما أقرأ، وفي عمر الثانية عشرة، قرأت وأنا أبكي، البنات الأربع للدكتور مارش".

وتقول التي وصلت إلى  منصب المديرة العامة لـ"يونسكو"، "كانت هناك ثقافة للكتاب في بيتنا"، فوالدتها كتبت "حول بلدة طفولتها نصا شاعريا جدا"، تفتخر به أودري أزولاي، التي كانت "الفتاة الثالثة للأسرة، فكنت أحصل على كتب أخواتي، دوما أقرأ، وأعشق الروايات البوليسية، وأبنائي صاروا مثلي، يقرأون كثيرا".

ولدى آل أزولاي، الثقافة كانت هي الكتب، "كانت بيئة ثقافية ملتزمة، تتمحور حول أسئلة الهوية، والحوار الفلسطيني الإسرائيلي، الذي كان روعة سنوات الثمانينات"، أما المغرب-فرنسا، فهو ميراث مزدوج تعتز به، فتقول: "المغرب أذهب إليه كثيرا خلال العطل، جدتي تعيش هناك، وهو بلد القلب، والنكهات، والموسيقى".

وبخصوص مسألة أن والديها وأجدادها ليسوا فرنسيون، تقول "لم يكن ذلك مشكلة، ولم نتحدث قط عنه في المدرسة، أفضل صديقة لي كانت يابانية، ثم أخرى نيوزيلندية، أما صديقات شقيقاتي فكن إيرانيات"، فقد كانت تلك المرحلة، سنوات مباركة، كان فيها اختلاط المختلفين هو القاعدة.

"ليست لدي أي ذكرى أي سيئة تتعلق بالشجارات بسبب الهوية، ولا أية ذكرى حول معاداة السامية، فلم نكن يوما يهودا إلا في نظر أولئك الذين يعادون السامية"، وقبل سن العشرين، لم يكن لدى أودري أزولاي، أي مشكلة تتعلق بديانتها، إلا حينما أرادت ولوج المدرسة الوطنية للإدارة، حيث "كانت صدمة اكتشفت بقوة فيها معاداة السامية بفرنسا القديمة".

مرت من جامعة "باريس دوفين"، ثم "بدأت اعمل في بنك، وهو ما كرهته"، فقررت دراسة العلوم السياسية ولوج المدرسة الوطنية للإدارة، دون أن تتقين أن ذلك سيكون مستقبلها، وبعد التخرج، اختارت أندري أزولاي الثقافة، وتحديدا القطاع السمعي البصري العمومي.

وفي 2003، ذهبت إلى العمل في المحكمة المالية، وبعد ثلاث سنوات، اقترح عليها فيرونيك كايلا، العمل في المركز الوطني للسينما، وظلت فيه إلى غاية 2014، وهي التجربة التي تقول عنها "ما صقلنيكثيرا من الناحية المهنية، هو السينما، فالمركز الوطني للسينما، هو قبو كل الزيوت المستعملة من قبل النظام".

انخرطت في معركة الدفاع عن الخصوصية الثقافية الفرنسية، وهو الصراع الذي ستلتقي فيه بفرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي السابق، خلال صيف 2014، فاقترح عليها العمل مستشارة له في الثقافة والتواصل، وهو ما قبلته "على الفور"، فيقول عنها جون لوك مارتينيز، "باطرون اللوفر"، أنها "كانت تتمتع بقدرة جيدة على الاستماع، وهو أمر نادر في المجال الثقافي".

وخلال 15 شهرا، سهرت أندري أزولاي، على ترتيب لقاءات للفنانين مع رئيس الجمهورية، المولوع بالثقافة، وذهبت به إلى المسارح والمعارض، وخلال الهجمات الإرهابية على مجلة "شارلي إيبدو"، كانت مداومة في قصر الرئاسة بالإليزي، وفي عطلة نهاية الأسبوع قالت لأطفالها "إن الإرهابيين لهم أهداف متعددة، يمكن أن يكون هناك ضحايا من غير الرسامين، رجال شرطة أو يهود، والذين يتحكمون في الإرهابيين يقتلون أيضا ويوميا المسلمين في بلادهم".