السيجارة الإلكترونية.. هل تكون الخلاص من التبغ؟

صورة: ياسين التومي
سامي جولال

دخل الرجل الأربعيني إلى محل لبيع السجائر الإلكترونية، ودخنها لأول مرة، فكانت النتيجة كحة شديدة. صاحب المحل يقول إن هذه الكحة سببها أن صدره غير نظيف، ومتسخ بسموم سجائر التبغ، وفي المقابل لا ينفي الرجل أنه يستهلك ما بين علبتين وثلاث علب من السجائر العادية يوميا. فهل تكون السيجارة الإلكترونية الخلاص من التبغ، وأمراضه، وروائحه، أم أن الوقت سَابِقٌ على استنتاجات متسرعة؟

ماذا ندخن؟

تحتوي السيجارة الإلكترونية على سائل مكون من أربعة عناصر؛ ''البروبيلين كليكول''، و''الغليسيرين فيجيتال''، و النيكوتين، ونكهة. 95 في المائة من هذه العناصر يستحوذ عليها ''البروبيلين كليكول''، و''الغليسيرين فيجيتال''، و1 في المائة منها يكون نيكوتينا، والباقي نكهة.

بالنسبة للنيكوتين، فنسبته، في السائل الموضوع داخل هذه السيجارة، تختلف حسب رغبة كل مدخن، إذ تتراوح ما بين 0.3 و1.2 في المائة من تلك العناصر الأربعة المذكورة.

''الغليسيرين موجود في الياغورت، والبروبيلين موجود في المناديل المبللة للأطفال، أي أنها مواد غير سامة. وفي المقابل، السجائر العادية لا نعرف مكوناتها، وظروف تخزينها''، يقول مهدي،  أحد بائعي السجائر الإلكترونية في الدار البيضاء، مضيفا أن تدخين 10 ميليلتر من سائل السيجارة الإلكترونية في اليوم الواحد، أقل ضررا من تدخين علبة سجائر عادية يوميا''.

يعد ما يصطلح عليه بـ ''الريزيسطونس'' جزءًا مهما في جهاز السيجارة الإلكترونية؛ وهو عبارة عن قطعة حديدية يكسوها القطن، وتغلفهما قطعة حديدية أخرى. ''الريزيسطونس'' يستمد، لوحده أوتوماتيكيا، السائل الموجود في السيجارة الإلكترونية، ويصبه على القطن. وبعد أن يصبح ''السبيرال''، وهو مكون من مكونات ''الريزيسطونس''، ساخنا، ينتج البخار الذي يدخنه مستخدم السيجارة الإلكترونية.

''كلما خرج البخار كثيفا من السيجارة الإلكترونية، فهذا يعني أن هناك نيكوتين أكثر''، يفيد مهدي، مبينا أن النساء يفضلن أن يكون البخار قليلا، ومعتبرا أن بائعي السجائر الإلكترونية يبيعون للزبون أي نوع كان، دون مراعاة لخصوصية وضعية بالنسبة لتدخين سجائر التبغ، هادفين، فقط، إلى التخلص من البضاعة عن طريق بيعها.

الإقلاع عن تدخين التبغ

ظهرت السجائر الإلكترونية في الصين، على يد الصيدلي الصيني هون ليك في سنة 2003، على أساس أنها تساعد في الإقلاع عن تدخين سجائر التبغ. فكرة يقول عنها نبيل، واحد من بائعي السجائر الإلكترونية في الدار البيضاء، أنها صحيحة، إذ يقول ''شهر واحد من استعمال السيجارة الإلكترونية كاف للإقلاع عن التدخين''، وفي المقابل يقول مهدي أن هذا الأمر غير صحيح وغير منطقي، معتبرا أن الآراء والتجارب تختلف، مبرزا أن هناك من أقلعوا عن تدخين سجائر التبغ، وعددهم قليل، في ثلاثة أيام أو أربعة، لكنهم يَعُودُونَ إلى هذه العادة بعد ثلاثة أشهر أو أربعة.

تعد مدة ستة أشهر كافية للإقلاع عن التدخين، إذا اتبع المدخن الطريقة الصحيحة لاستعمال السيجارة الإلكترونية؛ إذ يجب، في البداية، أن يضع المدخن 12 ميليغراما من النيكوتين في سائل السيجارة الإلكترونية، و6 ميليغرامات بعد مرور شهر، و3 ميليغرامات بعد ذلك، ختاما بـ 0 ميليغرام من النيكوتين في السائل، وبالتالي الإقلاع عن تدخين التبغ، حسب ما أفاده واحد من بائعي هذا المنتج، دخل هذا المجال منذ أربع سنوات.

بعض الشركات المصنعة لسائل السيجارة الإلكترونية تستعمل، في صناعة هذا الأخير، نكهات حقيقية تتسم برائحة زكية، وهو الشيء الذي يجعل المدخن يكره رائحة السجائر العادية بعد تدخينه للسيجارة الإلكترونية. كما أن هذه الأخيرة تطفى ولا ترمى مثل سجائر التبغ، التي تجبرنا، في بعض المواقف، على رميها قبل أن تستهلك كليا، وبالتالي الاقتصاد في المصاريف.

في سنة 2014، وبالضبط في 22 أبريل، حذرت وزارة الصحة المغربية المواطنين من السيجارة الإلكترونية، وأفادت، حينها، أنه لا توجد أدلة على سلامة هذا المنتج، وخلوه من الأضرار الصحية، وقدرته على المساعدة على الإقلاع عن التدخين فعلا، مبينة أن منظمة الصحة العالمية لم تعتبر السيجارة الإلكترونية بديلا مساعدا للإقلاع عن التدخين، ولم تخلص إلى سلامة الأجهزة الإلكترونية الْمُقَدِّمَةِ للنيكوتين، ومعتبرة أن هذه السجائر لا تخضع للمراقبة من قبل أية هيئة وطنية للمراقبة على الصعيد الدولي.

صورة: أ.ف.ب

الوزارة أضافت في بلاغ أصدرته في التاريخ السالف الذكر أنه من الواجب عليها القيام بواجبها في حماية صحة المواطنين، وتحذيرهم من التدخين بصفة عامة، ومن السيجارة الإلكترونية بصفة خاصة، خاصة بعد انتشار إعلانات للترويج لها، واعتبارها غير مضرة بالصحة، حسب نفس البلاغ.

وأبرز بلاغ الوزارة أن هذه الحملات الدعائية تستهدف الشباب والنساء الذين لم يسبق لهم التدخين من قبل بشكل خاص، مما يعرضهم بلا شك، حسب البلاغ، للمخاطر الصحية الوخيمة، كالسرطانات، وأمراض القلب، والشرايين خاصة، والمثبتة علميا وبشكل قاطع كنتائج مباشرة للتدخين، نظرا لكون السيجارة الإلكترونية تحتوي على النيكوتين مما قد يجعلها سببا في الإدمان على التدخين، إضافة إلى أنه يمكن أن يكون استهلاكها مدخلا سهلا للتدخين، خاصة عند الشباب والنساء، حسب نفس البلاغ.

وأوضح نفس المصدر أن الحملات الدعائية المذكورة تبين صورة غير حقيقية لهذه السيجارة، وتروج أنها تخلو من أي أضرار صحية، إذ اعتبرت الوزارة، عبر بلاغها، أنه لا توجد دراسات تعزز ذلك، وحذرت من كون هذه الأساليب التسويقية مضللة، وتعرض صحة وحياة المواطنين إلى الخطر.

 مستهلكوها

من خلال بحث أجراه ''تيل كيل عربي''، حاور فيه بعض بائعي السجائر الإلكترونية، تبين أن الأشخاص الذين يستعملونها تتراوح أعمارهم ما بين 25 و50 سنة، وينتمون إلى جنسي الذكور والإناث، والقليل منهم أعمارهم ما بين 22 و23. ويمنع القانون، في المغرب، بيع السجائر الإلكترونية للأشخاص البالغين أقل من 18 سنة، ولكن هؤلاء يتحايلون على بائعي هذا المنتج من خلال إرسالهم لأشخاص رائدين إلى محلات بيع هذه السيجارة، لكي يقتنوها لهم.

في المغرب لا توجد شركة، أو موزع، أو مستورد، في مجال السجائر الإلكترونية، إِلَّا شركة ''إِي كْلُوبْ''، التي كانت مملوكة لمنير الماجيدي، السكرتير الخاص للملك محمد السادس، التي كانت تستورد السجائر الإلكترونية، وتوزعها في المغرب، لكنها أغلقت محلاتها.

 وتتراوح أسعار السجائر الإلكترونية، في المغرب، ما بين 400 و2500 درهم. وبالنسبة للسائل الخاص بها، فيبدأ ثمنه من 25 درهما. وحسب عدد من بائعي هذه السجائر، فالمبيعات تكون مستقرة طيلة السنة، لأن المتعاطين المغاربة قليلون، في حين تشهد المبيعات ارتفاعا خلال فصل الصيف، بفضل زيارة السياح بكثرة للمغرب.

مضرة وغير فعالة

''لم تأت بأي جديد فيما يخص الإقلاع عن تدخين التبغ''، يقول عزيز عيشان، اختصاصي في أمراض الجهاز التنفسي والحساسية، قبل أن يضيف في تصريح لـ ''تيل كيل عربي''، واستنادا إلى تجربته الشخصية في مجال طب أمراض الجهاز التنفسي والحساسية، أن هناك من جرب السيجارة الإلكترونية لمدة شهر واحد، وبعد ذلك عاد إلى التدخين، وهناك من استهلك هذه السيجارة بشراهة، وعاد بعدها إلى تدخين السجائر العادية بشكل أكبر مما كان عليه قبل أن يجرب السيجارة الإلكترونية.

عيشان، الذي اعتبر أن المراهقين تعاطوا للسيجارة الإلكترونية في وقت وصفه بالمبكر بالنسبة لأعمارهم، قال أن الإقلاع عن التدخين لا يتم من خلال استعمال هذه السيجارة، وإنما من خلال أخذ أقراص مهدئة، وأدوية، والتمتع بإرادة واستعداد نفسي قويين للإقلاع عن تدخين السجائر العادية.

وفيما يخص الأضرار الصحية التي تنتج عن استعمال هذه السيجارة، قال عيشان ''تسبب السيجارة الإلكترونية التهابا في القصبات الهوائية، وتقيحات، وأمراض تعفنية إذا كانت نفس السيجارة تستعمل من قبل عدة أشخاص مثل النارجيلة (''الشيشة'' بالدارجة المغربية)''.

ويورد نفس المصدر، في تصريحه، أن السيجارة الإلكترونية لا تحتوي على مواد سامة. وأن جودتها تختلف حسب ثمنها؛ إذ كلما ارتفع ثمنها ارتفعت، في المقابل، جودتها.

ويرى الدكتور أن السيجارة الإلكترونية لم تحقق الأهداف التي وجدت من أجلها، وأصبحت مجرد موضة جديدة لدى مستعمليها، خاصة المراهقين منهم. وفي المقابل لا ينكر عيشان أنها ساعدت أشخاصا في الإقلاع عن التدخين، ولكنه يقول أن عددهم قليل. وينصح الدكتور عزيز الذين يريدون أن يقلعوا عن التدخين بواسطة السيجارة الإلكترونية، باستعمالها إلى جانب التسلح بالعزم والاستعداد نفسيا.

عيشان ختم تصريحه قائلا ''بعض المدمنين على التدخين من مرضاي يقولون لي إنهم يريدون الإقلاع عن هذه العادة باستخدام السيجارة الإلكترونية، فإذا رأيت أنهم يتمتعون بإرادة قوية للإقلاع عن التدخين، أشجعهم على استعمال السيجارة المذكورة، لكنني لا أبادر إلى توجيه النصيحة إليهم فيما يتعلق باستخدامها للابتعاد عن تعاطي التبغ''.