رشاوي ماستر فاس.. كواليس من التحقيق

أحمد مدياني

لا حديث بين أهل فاس وفي مقاهيها وداخل سيارات الأجرة، سوى عن "البيع والشرا" لولوج سلك الماستر بكلية الحقوق والاقتصاد "ظهر المهراز". "تيل كيل عربي" انتقل إلى مدينة فاس، واستمع إلى مختلف الروايات المرتبطة بالملف. بحث عن العلاقات المفترضة بين الأستاذ المنسق والمتهمين بالوساطة مقابل المال لولوج الماستر؟ وهل هناك وسطاء يحترفون استدراج الطلبة لشراء شهادات جامعية؟ وكم هو السعر المتداول؟ وما هي حقيقة مقاهي ينشط فيها سماسرة الدراسات العليا؟ ونبش كذلك في الإجراءات التي قامت بها رئاسة جامعة محمد بن عبد الله بفاس ( ظهر المهراز) للوصول إلى الحقيقة؟ فضلاً عن آخر مجريات التحقيق القضائي؟

مستجدات القضية

إلى حدود الساعة، تم اعتقال شخصين متهمين على خلفية التسجيل الذي يتضمن ابتزاز أحد الطلبة، ومتابعة سبعة آخرين في حالة سراح. المتهمان الرئيسيان أبناء عمومة، ينحدران من إقليم بولمان، واحد منهما طالب في سلك الدكتورة بكلية الحقوق، والثاني طالب في سلك الإجازة شعبة البيولوجيا، فيما سبعة آخرين متابعين في حالة سراح، هم: (محمد ع) و(سفيان م) و(وفاء أ) و(أمين ك) و(معاد س) و(هشام أ) و(حمزة أ م)، وكلهم تواصلوا مع الوسيط المفترض لنيل مقعد بماستر "المنازعات العمومية".

أصابع الاتهام بعد تسريب التسجيل الصوتي وجهت نحو الأستاذ الجامعي عبد الله حارسي، منسق ماستر "المنازعات العمومية"، هذا الأخير لم يطله التحقيق إلى اليوم، ولم يتم الاستماع إليه في القضية. وحسب ما توصل به "تيل كيل عربي" من معطيات حول الملف، فقد تقرر مثول الشخصين المعتقلين والسبعة المتابعين في حالة سراح، أمام قاضي التحقيق المكلف بالجرائم المالية في استئنافية فاس محمد الطويل يوم 2 أكتوبر القادم. فلماذا لم يشمل التحقيق الأستاذ؟ ولماذا التأجيل إلى هذا التاريخ؟

مصدرً قضائي، رفض الكشف عن هويته،رد على أسئلة "تيل كيل عربي" بالقول: "منحنا رئاسة الجامعة التي بادرت لرفع دعوى قضائية مجالا لإنهاء التحقيق الإداري، كما أن المصالح الأمنية من جهتها، سوف تقوم بالتحقيق في علاقة الأستاذ بهؤلاء قبل استدعائه، والاستماع للتسجيلات الصوتية، كما سوف يطال التحقيق رصيده البنكي".

المصدر ذاته، أكد لـ"تيل كيل عربي"، أن "المتهم الرئيسي" في الملف، طالب دكتوراه في كلية القانون، وصرح خلال التحقيق معه بأن "ما ورد في التسجيل الصوتي مجرد مزحة، ولم يكن يتحدث جدياً عن قدرته على ضمان مقعد للطلبة مقابل المال لولوج ماستر المنازعات العمومية". وشدد المصدر ذاته، على أن الوحيد من بين الذين استمعت إليهم مصالح الأمن، وذكر اسم الأستاذ المنسق للماستر، هو الطالب/الأستاذ الذي ورد صوته في التسجيل، وقال خلال التحقيق معه، إن "الوسيط عرض عليه ولوج سلك الماستر والنجاح بامتياز مقابل 40 ألف درهم، لكنه تواصل مع الأستاذ المنسق(حارسي) وطلب منه تخفيض المبلغ إلى 30 ألف درهم".

رواية الأستاذ المنسق

بمقهى "لاروك" في فاس بطريق "عين الشقف"، ضرب "تيل كيل عربي" موعداً مع مصدر موثوق جد مقرب من الأستاذ عبد الله حارسي، الذي بلغت إلى علمه فضيحة التسجيل الصوتي وهو يقضي عطلته في مدينة تطوان.

اشترط مصدر الموقع إطفاء الهاتف النقال، وإبعاده عن الطاولة قبل الحديث عن أي شيء، وقام بدوره بإطفاء هاتفه النقال. بعد هذا الشرط الاحترازي كما وصفه، قال: "جئتم إلى هنا لمعرفة حقيقة ماستر المنازعات، أخبركم أن الأستاذ لا علاقة له بالموضوع ولم يتم استدعاؤه إلى اليوم للتحقيق معه في الموضوع".

بعد مبادرته بالحديث حول الموضوع، سأله "تيل كيل عربي": "لكن صاحب التسجيل تحدث عن تواصله مع الأستاذ لتخفيض المقابل بـ10 آلاف درهماً على حد قوله؟ !"... "أؤكد لكم أن الأستاذ لا علاقة له بالموضوع، ولم تكن له أي علاقة بالوسيطين اللذين تم توقيفهما على خلفية التسجيل الذي سرب". يضيف مصدر الموقع.

"وماذا عن البحث الإداري الذي شرعت رئاسة الجامعة في إجرائه؟ والتحقيق في المكالمات الواردة على الأستاذ والصادرة من هاتفه النقال؟ كذلك هل عنده علم بالتحقيق في رصيده البنكي؟" .

المصدر الموثوق والمقرب من الأستاذ حارسي، الأخير بالقول: "نعم هناك بحث إداري في الموضوع، والأستاذ المنسق أنهى قبل أسبوع تقريراً طالبته به رئاسة الجامعة، ووصل إلى وزارة التعليم، كما أن عمادة كلية الحقوق، تقوم منذ مدة بالتدقيق في أوراق الامتحان الكتابي لولوج  ماستر المنازعات العمومية، التي تتوفر على جميع أوراقها منذ الموسم الجامعي 2006/2007، حين فتحه وزير الاتصال والثقافة محمد الأعرج، كما باشرت الرئاسة الاستماع إلى الأستاذين اللذين يشرفان مع منسق الماستر على إجراء الامتحان الشفوي".

وعن مضامين التقرير الذي تحدث عنه الأستاذ  لـ"تيل كيل عربي"، كشف المصدر أن الأستاذ حارسي "أكد فيه غياب أي علاقة له مع المتابعين في الملف، ونفى أي اتصال بينه وبينهم، وتحدث فيه عن صعوبة إقناع قرابة 16 أستاذ يشرفون على 18 مادة في الماستر لمنح نقط بامتياز لمن يفترض أنهمقدموا المقابل لولوج ماستر المنازعات العمومية، فضلاً عن تضارب في المعطيات التي وردت في التسجيل الصوتي، وحديث الوسيط عن تمكنه من تسجيل 35 طالبا، وبقاء 5 مقاعد شاغرة فقط، والحقيقة أن عملية الانتقاء لم تبدأ بعد، وماستر المنازعات يقبل في المتوسط بين 50 و52 طالبا منذ افتتاحه، وليس 40 طالباً".

وتابع مصدر "تيل كيل عربي"، بخصوص التحقيق في المكالمات الهاتفية والرصيد البنكي، أن "الأستاذ يرحب بالخطوة، وليس له أي مشكل مع التدقيق في حسابه البنكي. سوف يجدون، باستثناء راتبه، تحويلات بنكية من مؤسسات يعمل معها حارسي، حكومية وغير حكومية".

وبالعودة إلى التقرير الذي بعث به الأستاذ لجامعي حارسي، إلى رئاسة الجامعة، ووزارة التعليم، أوضح المصدر ذاته، أنه أوضح فيه منهجية إجراء الامتحان الشفوي، وأورد فيه أنه "يضع مجموعة من الأسئلة، في أرواق مطوية، ويقوم ثلاثة طلبة يجتازون الامتحان الشفوي دفعة واحدة باختيار 3 أوراق تتضمن كل واحدة سؤالا، وتوجه الأسئلة لكل واحد منهم ، ما يصعب عملية اطلاعهم على جميع الأسئلة التي سوف ترد في الامتحان الشفوي".

خلاصة المصدر أن "التحقيق في ملف السمسرة في الماستر يجب أن يطال السماسرة ومن يسرب لهم معطيات عن الطلبة من داخل الجامعة".

في السياق ذاته، حصل "تيل كيل عربي" على لائحة الطلبة الذين تم اختيارهم لمتابعة دراستهم في سلك ماستر "المنازعات العمومية" برسم الموسم الجامعي 2016/2017، وعددهم 52 طالبا، من بينهم 32 طالباً و30 طالبة، وينتظر أن يشمل التحقيق بالدرجة الأولى الطلبة الذين ينحدرون من مدينة بني ملال، وعدد منهم يتابعون دراستهم في سلك ماستر المنازعات العمومية.

وبخصوص الحديث عن متابعة قضاة لدراستهم في سلك الماستر الذي ينسقه الأستاذ عبد الله حارسي، قال المصدر إن "فوج العام الماضي تتابع فيه موظفة واحدة في وزارة العدل دراستها، ولا وجود لأي قاض ضمن طلبة الماستر، وهذه من بين النقط التي تحدث عنها الأستاذ حارسي في تقريره لرئاسة الجامعة".

سماسرة الماستر

"قبل ثلاث سنوات توجهت نحو أستاذ منسق للماستر، وخاطبته قائلاً: شكراً أستاذ على مساعدتك، واش وصلتك الأمانة بعدا؟ "، الشهادة هنا لموظف في المندوبية السامية للسجون وإعادة الإدماج، اختار أن لا يكشف عن هويته، وكانت صدمته حين أجابه الأستاذ: "أشمن أمانة أولدي كتدوي عليها؟ !" ليرد الطالب: "راه عطيت 20 ألف درهم لطالب عندك في الدكتورة، واتفقنا على 20 ألف درهم أخرى بعد ولوج الماستر !"، ووصف الموظف ردة فعل الأستاذ بعد سماع كلامه بـ"الصدمة والدهشة ونفيه لأي علاقة بينه وبين من تسلم منه المبلغ المالي المذكور".

لا أحد من لذين التقاهم "تيل كيل عربي" ينفون وجود سماسرة حرفتهم استدراج الطلبة لولوج سلك الماستر بجامعة "ظهر المهراز"، بل ذهبوا إلى حد تحديد ثلاث مقاهي يرابطون داخلها لاصطياد الطلبة، وهي: مقهى"ج" ومقهي "أ" والمقهى المعروفة ب(ز)".

أستاذ بـ"ظهر المهراز"، قال لـ"تيل كيل عربي"، إن "المقاهي التي ذكرناها أمامه معروفة بين الطلبة، ويقصدها عدد منهم للبحث عن ولوج ماستر دون عناء، والسعر المتداول هو 40 ألف درهم، يحصلون على 20 ألف درهم كتسبيق والبقية بعد نجاح الطالب، وإن أخفق كيرجعو ليه رزقو".

لكن هل يتحرك هؤلاء السماسرة لوحدهم؟ أم يرتبطون بأستاذ أو أساتذة أو إداريين داخل الجامعة؟ وماهو حجم الفساد في سلك ماستر المنازعات؟ وكم سنة استمر؟

أسئلة وأخرى سيكون الجواب عنها ممكنا يوم2 أكتوبر ، موعدا كشف نتائج التحقيق التفصيلي، فضلاً عن نتائج البحث الإداري الذي باشرته رئاسة جامعة فاس.