أحمد مدياني: أنقذوا ابن كيران من "متلازمة تقاعد رئيس الحكومة" أو كلفوه بها لفترة

أحمد مدياني
أحمد مدياني

لا أعلم ولا يمكن أن أتخيل كيف استحمل الحاضرون لـ"مهرجان نكت" ابن كيران، من الآباء والأمهات، ومن لهم ولهن أحفاد وحفيدات، ما فاضت به تبعات صدمته التي لم يعالج منها بعد، حين فقد رئاسة الحكومة.

حين كان يُنكت صاحب أسمن تقاعد كان هو قبل الجميع ضده، حول مشروع إصلاح مدونة الأسرة، لم يكن يَستلهم مضمون "قفشاته" من رحم "قناعاته"، بل مما ضاع من وضعها فوق كفة المصالح، والاستفادة رفقة من كانوا وكن معه منها، حسب إلى أي جهة تميل الكفة، كل بقدرٍ ممكنٍ، ولا يزال الحال كذلك، بدرجات متفاوتة، حول الفتات الذي لا يزال قائما من وراء الستار.

اختار "مرحوم" رئاسة الحكومة، يوما ما، ولم يبلع، منذ تلك اللحظة، حرمانه منها، عزف نغمة: "أنه المبشر دون غيره بحماية المجتمع المغربي"

وما إلى ذلك من شعارات لم يستطع هو نفسه إقناع من يدورون في فلكه بها، والأمثلة كثيرة، بما خفي منها وما ظهر، والأول أكثر من الثاني، دون الخوض في تفاصيل كثيرة؛ لأنها تبقى حياة شخصية ملكٌ لأصحابها وصاحباتها.

ابن كيران الذي صاح في الحضور أمامه، ويُصفق له، بتوجيه بشع، يشبه تصفيقات برامج "توك شو"، بأن "الزواج بداية السعادة وخاتمتها".

هل أقنع أسرته الصغيرة قبل الكبيرة بذلك؟!

الجواب في المقابل، بتربيته لبناته وأبنائه، ألزمهم وألزمهن بأن التعليم أولا وأخيرا، والتوظيف في الأمانة العامة للحكومة مُهم، وإدارة التعليم الخصوصي على حساب العمومي أهم بكثير!

لم يبحث عن زوج لإحدى بناته قبل أن يبلغن سن الرشد. ولم يهتم كثيرا بأن الرجل هو من يجب أن يكون دائما "القوام" في "صفقة الزواج" كما يراها هو. لم يبُح يوما بقصة زواجه، وأنه بدوره "غا تا قصد دارهم وداها، رغم وضعه الاقتصادي والاجتماعي حينها".

بل صرحت ابنة ابن كيران، سمية، شهر يناير من العام 2019، بأن "والدها يعيش على نفقة أمها".

كيف لمن يحاول إقناع المغاربة، أول يوم أمس، بأن العيش على نفقة الزوجة، أو تقاسمها للنفقات مع الزوج "عيب"، أن يكون هو نفسه من أخرج ابنته، للتصريح بأن والدها يعيش على نفقات والدتها، كوسيلة للدفاع عنه، حين استفاد من التقاعد الاستثنائي لما بعد رئاسة الحكومة، وإظهار أنه يحتاج لقمة العيش التي بدونها قد "يموت جوعا". لولا زوجته؟

السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح: ألم يكن يملك ما يعيش به ولأجله قبل احتراف السياسة والبرلمان والأمانة العامة لحزبه ورئاسة الحكومة؟!

قال ابن كيران في إحدى "قفاشاته": "كيفاش بغيت نربي البنت ونصرف عليها وتجي تديها فابور بلا ما تعطيها الصداق؟".

هنا، ابن كيران يتحدث بمنطق التجارة التي تحتكم لمنطق الربح والخسارة.

دقيقة من فضلك... حتى الولد يُصرف على تربيته وتعليمه وتنشئته، فهل نفرضُ على المرأة أداء رسوم (الصداق) لكي نقبل زواجها منه؟ أم تُوافِق أسرته على ذلك مجانا؟

خاطب ابن كيران الحاضرات قبل الحاضرين: "هاذوا باغين يحرمكُن من الزواج... ما تلقايش شكون يتزوج بيك...".

والأصل أن ما يجب مواجهته هو الحرمان من التعليم العمومي والمساواة والصحة والتوظيف والعمل؛ بمعنى التمتع، دون قيد أو شرط أو تمييز، من كل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التمتع بها على أساس أنها هي الأصل، سواء كُنت رجلا أو إمراة، وبعد ذلك، فليتنافس المتنافسون والمتنافسات على باقي التفاصيل.

ما يُضحك حد البكاء أن ابن كيران جاء بأمثلة كثيرة عن مجتمعات الغرب التي كانت حكومته هو بنفسه، ولايزال الحال كذلك، للأسف، تتنافس على استجداء القروض منها، والاحتفاء بتقارير تقييمها تجاه التنمية والتطور عندنا.

كان يوزع بلاغات لقاء قادتها وزعمائها ومسؤوليها بكثير من عبارات "الفتح" لمجرد التقاط صورة. حينها، لم يكن يُمحص كثيرا في تفاصيل القناعات الحقيقية لهؤلاء، ودرجة دعمهم لما يُعلن اليوم من خارج "دائرة السلطة" أنه ضدهم، بل "عدوهم".

يحاول إظهار أن تلك المجتمعات تفككت، وهو نفسه، طيلة ولايته على رأس الحكومة، بحث عندها عما ينقذ رأسه، كل مرة، من مقصلة المساءلة والمحاسبة. وكان اللجوء إليها كل مرة إما "استقواء" على المغرب في السر أكثر من العلن أو ديون تراكمت إبان رئاسته للحكومة أكثر من غيره.

كيف تلجأ لدول لأكل غلتها ثم تسبُ مِلتها؟!

ما تعيشه تلك الدول من تحولات مجتمعية غير متفق معها، للعلم والإشارة والتأكيد، ليس وليد اليوم، بل تتنفسه مجتمعاتها مثل الأوكسجين، منذ سنوات.

تتنفسه منذ ما قبل بزوغ "حركة 20 فبراير" التي حملتك تضحياتها لنيل الرتبة الأولى في الانتخابات، رغم تنكُرك لها من قبل في سياق صفقة، واستنفعت منها فيما بعد، ثم واصلت الابتزاز بها.

الطلاق... هنا يتحدث ابن كيران على نسبه، وكأن مدونة الأسرة هي المتهم في ارتفاع نِسبته. وهو يعرف جيدا أنه لا يملكُ الجرأة على توجيه أصابع الاتهام للمجرمين "تاع بصح" في هذه الآفة.

المجرمرون هم المتسببون في استفحال الفقر والتفقير والجهل وغياب كل ما يرافق الأسرة على خط الاستمرار معا في مواجهة تحديات الحياة والمعيشة التي تتفاقم صِعابها، سنة بعد أخرى، بسببه هو، وأمثاله، من الذين يواصلون التحكم في مصائر المغاربة، بمنطق "سلطة" صناديق لا سلطة لها في الواقع لضعفهم وضعفهن.

سببه مواصلة تفتيت الأسرة بضغوط اجتماعية وأسرية لا يسع المجال هنا لتفكيك وسرد تفاصيلها؛ لأنها تحتاج مدادا ومساحة لكتابة سردها من الشمال إلى الجنوب.

يتحدث ابن كيران عن الإرث بكثير من التبخيس... ولم يذكر في حينه مئات الآلاف من الوقائع إن لم نقل الملايين؛ حيث يتم تشريد الأمهات والبنات، بعد شقاء الأب في حياته، حتى يترك لهن ما يحميهن من التشرد والحرمان من العيش الكريم.

ثم يأتي العم والخال أو أبنائهما لسبي كل شيء. ابن كيران مرتبط بثقافة السبي على ما يبدو ويفهمها جيدا. وأتمنى أن لا يكون من الذين يحنون إليها.

هي حالات من المؤكد أنه لم يواجهها، ولم ير لها مثيلا في محيطه، لأجل ذلك يتجاهلها. لأجل ذلك ليست ذات أهمية أو أولوية، ما يهم عنده وهم اعتقاده بأنه بهذا الخطاب سوف يعود "قويا" خلال الانتخابات القادمة.

يجب أن يفهم المغاربة أنهم جربوا وجربن ابن كيران في ما قبل. خبروه وخبرنه جيدا. اسألوا واسألن عنه من تقاسموا وتقاسمن معه المسؤولية داخل الحزب وخارجه.

الرجل يمكن أن يضحي بأي شيء وكل شيء لأجل أن يعود إلى الواجهة.

اسألوه، إن كان يملك شجاعة الرد، حول ما إذا كان فعلا يبعث برسائل مبطنة إلى الملك من خلال نكاته، ويحاول الضغط عليه؟

سوف يتحول في إطلاق الكلام على عواهنه أكثر من 180 درجة إن تمت مواجهته بالسؤال الحقيقي مباشرة وصراحة.

يمكن أن يعود إلى نقطة الصفر، دون خجل؛ لأنه مثل ما تعلم كيف يزايد حين يحتاج عودة الإهتمام به دون غيره.

تعلم، منذ السبعينيات، كيف يُطأطئ، حين تكون الحاجة إلى ذلك ضرورة.

ابن كيران لا يُهدد بإخراج الملايين في مسيرات احتجاجا لأجل الصحة والتعليم وغيرهما من هموم المغاربة التي يمكن بحلها أن تقلص نسب ما يُزايد به. لأنه يتنفع مثل غيره من استمرار هذا البؤس في العيش. بل يكنز منه هو من يتحلقون حوله وهم كثر. من غنائم استمرار تركه كما هو.

أمام كل ما سبق، أتمنى لو منح ابن كيران فرصة أخيرة لرئاسة الحكومة، حتى تمر تعديلات مدونة الأسرة. سوف يكون صوتا معارضا له بل يعلو صوته.