أمين بن عبد الله يعلق على قرار رفض المحكمة الدستورية البت "على الحال" في نظام المستشارين

الشرقي الحرش

خص الأستاذ محمد أمين بن عبد الله ، أستاذ بكلية الحقوق أكدال، " تيل كيل عربي" برأيه في "رفض المحكمة الدستورية البت "على الحال" في النظام الداخلي لمجلس المستشارين" . ننشره هنا  تعميما للفائدة . 

بتاريخ 6 أغسطس 2020، أصدرت المحكمة الدستورية قرارا برفض البت على الحال في موضوع النظام الداخلي لمجلس المستشارين، وبالرغم من كون هذا القرار يبدو من الوهلة الأولى قرارا عاديا لا يطرح أي تساؤل فان قراءته المتمعنة تبرز أنه أتى بعناصر جديدة لا يمكن المرور عليها ببساطة مر الكرام.

لا ريب أن عدم التعليق عليه سيجعل منه قرارا عاديا كباقي القرارات التي لا تطرح أي إشكالية خاصة، وبالتأكيد سيعتبر السير في هذا المنحى حيفا في حقه، في حين انه أتى باجتهاد يعتبر بمثابة تغيير جدري بالنسبة لما سار عليه القضاء الدستوري فيما يخص مراقبة دستورية النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، سواء تعلق الأمر باجتهادات المجلس الدستوري الذي اشتغل خلال الفترة الممتدة من 1994 إلى 2017، أو تعلق الأمر بالمحكمة الدستورية نفسها منذ تنصيبها بتاريخ 04 أبريل 2017.

بماذا يتعلق الأمر؟

بتاريخ 23 يوليو 2020، صادق مجلس المستشارين على ست مواد تغير وتتمم نظامه الداخلي، وتبعا للمقتضيات الدستورية في الموضوع، فإن رئيس هذا المجلس أحال التعديلات على أنظار المحكمة الدستورية للبت في مطابقتها للدستور قبل دخولها حيز التطبيق.

وفي هذا الصدد، صرحت المحكمة الدستورية بتعذر البت على الحال في مطابقة النص المعروض عليها للدستور، مرتكزة في ذلك كون مجلس المستشارين عند وضعه لهذا النص لم يراع مقتضيات الفصل 69 من الدستور التي تلزم مجلسي البرلمان مراعاة مبدأ التناسق والتكامل أثناء وضع نظاميهما الداخليين، فضلا عن أن المجلس المعني لم يحل نص نظامه الداخلي برمته إلى المحكمة الدستورية، وإنما اكتفى بالمواد التي شملها التغيير والتتميم.

في الحقيقة، يتضح أن هناك عدة تساؤلات تطرح في هذا المضمار، على اعتبار أنه لم يسبق للمحكمة الدستورية في الماضي القريب كما للمجلس الدستوري أن فرضا مثل هذه الشروط، لذا لابد من العودة إلى الموقف السابق للمحكمة الدستورية حتى يتسنى لنا شرح الاجتهاد الجديد الذي جاء به القرار.

وفي هذا السياق، نقترح بداية التطرق لمفهوم مبدأ التناسق والتكامل كما عرفته المحكمة الدستورية نفسها، قبل معالجة مدى إجبارية التصويت على النص برمته المتضمن حتى للمقتضيات المصرح مسبقا بدستوريتها، وذلك بغية إبراز تميز قرار المحكمة عن اجتهاداتها السابقة.

- I -

تتجلى النقطة الأولى المثارة من طرف المحكمة الدستورية في نازلة الحال في مبدأي التناسق والتكامل بين مجلسي البرلمان في وضع نظاميهما الداخليين، وهما مبدآن يسيران معا ليشكلا في النهاية مبدأ واحدا، منصوص عليهما في الفقرة الثانية من الفصل 69 من الدستور، كمبادئ ملزمة وجب فحصها من طرف المحكمة الدستورية عند ممارستها للرقابة الدستورية على النظام الداخلي موضوع المراقبة.

فمبدأ التناسق ومبدأ التكامل يهمان أولا اشتغال مجلسي البرلمان من أجل نجاعة العمل البرلماني، وهما المبدآن الواجب مراعاتهما في كامل النظام الداخلي، وفي هذا الموضوع فقد شددت المحكمة الدستورية في قرارها رقم 93.19 المؤرخ في 9 يوليو 2019، والمتعلق بالنظام الداخلي لمجلس المستشارين على ضرورة احترام هذه المبادئ، بل أكثر من ذلك، فقد ألحت في صلب قرارها هذا على الذكر أن عدم مراعاة هذه المبادئ عند وضع النظام الداخلي من شأنه تعطيل العمل البرلماني والمس بنجاعته، وبالتالي فمن واجبها عند النظر في دستورية النظام الداخلي لكل مجلس مراقبتها وتأكدها من احترام هذين المبدأين، وهو ما سمته المحكمة في صلب قرارها "بملاحظات عامة".

إلا أنه، ومن غير تفسير لمعنى هذه المبادئ، فإن المحكمة الدستورية عند فحصها لمواد النظام الداخلي مادة مادة بغية رصد المواد المطابقة للدستور من غيرها المخالفة، لم تتطرق لمسألة احترام النص موضوع المراقبة من عدمه لمبدأي التناسق والتكامل.

وبالتالي فإن من يلاحظ تعداد المحكمة الدستورية للإيجابيات الناتجة عن احترام النظام الداخلي للمبادئ المذكورة وللسلبيات المترتبة عن الإخلال بها، سيعتقد أنها في آخر المطاف ستخلص إما إلى تقيد مقتضيات النظام الداخلي موضوع الفحص لهذه المبادئ وإما إلى عكس ذلك،وفي الحالة الأخيرة التصريح بعدم دستوريتها، وهو الأمر الذي لم يحصل، فالمحكمة تحدثت فقط عن المبادئ من غير اعتمادها كسند في مراقبة دستورية النظام الداخلي، وبالتالي فما جدوى التطرق لمبادئ دستورية دون استخلاص أي نتيجة بخصوصها ؟

علاقة بهذا، وإذا افترضنا جدلا ضرورة إثارة هذه الملاحظة من طرف المحكمة من الوهلة الأولى، فإننا نعتقد أن هذه الإثارة قد طالها تأخر كبير، ذلك أن المرة الأولى التي عرض فيها نظام داخلي لأحد المجلسين على أنظار المحكمة الدستورية كانت في تاريخ 11 سبتمبر 2017 من خلال القرار رقم 37.17، وهو القرار الذي لم تشر فيه المحكمة بتاتا لمبدأي التناسق والتكامل، وهو نفس التوجه ونفس الصمت الذي ميز قرار ذات المحكمة رقم 65.17 الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2017، وكأن هذه المبادئ لم تكن موجودة بعد، غير أنه يتبين أن النظام الداخلي لمجلس المستشارين كان قائما ويمكن اعتماده كمرجع لمراعاة واحترام هذه المبادئ، وذلك بمناسبة فحص النظام الداخلي لمجلس النواب، وبالتالي فإننا نتساءل لماذا يا ترى لم تتطرق المحكمة الدستورية لهذه المبادئ إلا بعد عامين من ذلك، أي بمناسبة مراقبة النظام الداخلي لمجلس المستشارين في تاريخ 9 يوليو 2019 ؟

من جهة أخرى، فإن تقييم مبدأي التناسق والتكامل لا يمكن أن يتم بصفة مجردة، حيث إن التصريح بتناسق أو تكامل نص من عدمه مع نص آخر، يستلزم بالضرورةالتوفر على مرجع يتم الاستناد إليه، بمعنى أن تناسق أو تكامل نص لا يمكن الحديث عنه إلا مقارنة بنص يسبقه، وهو الأمر الذي لم تقم به المحكمة الموقرة التي اكتفت بالتذكير فقط بهذه المبادئ من غير أن ينتج عن ذلك أي مراقبة، سواء تعلق الأمر بقرارها المؤرخ في 9 يوليو 2019 أو بقرارها الصادر بتاريخ 6 أغسطس 2020 ، موضوع هذا التعليق، وهو ما يمكن اعتباره صمتا غير مبرر.على الإطلاق.
وبالتالي ألم يكن من المجدي، عند تطرق المحكمة لمبدأي التناسق والتكامل، أن تصرح بعد ذلك إما بمطابقة أو عدم مطابقة النظام الداخلي موضوع المراقبة لمقتضيات الفصل 69 من الدستور؟
ونتيجة لذلك، فإننا نعتقد أن مراقبة احترام النظام الداخلي لمجلس المستشارين لمبدأ التناسق والتكامل لا يمكن أن يتم إلا من خلال المقارنة مع النظام الداخلي لمجلس النواب الساري المفعول وقت المراقبة، وهو نفس الأمر الواجب عند مباشرة تغيير أو تتميم مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب، وبالتالي فإن عملية التحقق من احترام مبدأي التناسق والتكامل لا يمكن أن تتم إلا بالاستناد إلى نصوص سابقة وليس بالاستناد إلى نصوص لاحقة.

- II -

لا تقل النقطة الثانية المثارة من طرف المحكمة الدستورية أهمية عن سابقتها، إذ أنها تعالج جانبا يجب ألا يشمل الأنظمة الداخلية فحسب، وإنما، إن تم فهمها فهما جيدا، كل التعديلات المدخلة على القوانين بما فيها التنظيمية.

ففي تاريخ 23 يوليو 2020، أقر مجلس المستشارين 6 مواد تغير وتتمم نظامه الداخلي، فحسب قرار المحكمة "تم استحداث 45 مادة جديدة مجمعة في 6 مواد، وتعديل مادتين من النظام الداخلي الساري، والإبقاء على المقتضيات التي صرحت المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور"، بمعنى أن مجلس المستشارين ارتأى تغيير وتتميم نص سبق وأن أقره بالتصويت.

لنتتبع تسلسل النازلة منذ البداية !

بواسطة قرارها رقم 93.19 الصادر بتاريخ 9 يوليو 2019، قسمت المحكمة الدستورية نص النظام الداخلي لمجلس المستشارين بعد فحصه مادة مادة، إلى ثلاثة أقسام : قسم أول يضم المواد المطابقة للدستور، وقسم ثاني يضم المواد المطابقة شريطة تفسيرها تفسيرا معينا، وقسم ثالث يضم المواد المخالفة للدستور.
و وفقا لمضامين هذا القرار، قام مجلس المستشارين بصياغة نظام داخلي آخر ترتيبا للآثار القانونية لقرار المحكمة، مع الاحتفاظ طبعا بالمواد المصرح بمطابقتها للدستور؛ وهنا تكمن المفاجئة!

فبعد أن صرحت المحكمة الدستورية سابقا بمطابقة مجموعة من مواد النظام الداخلي للدستور، صرحت بواسطة القرار رقم 96.19 الصادر بتاريخ 2 سبتمبر 2019 بأنه يتعذر على الحال البت في نص النظام الداخلي المحال عليها، وذلك بعلة عدم تصويت مجلس المستشارين على نص النظام الداخلي برمته.

" وحيث إن مجلس المستشارين، كما تم بيان ذلك، لم يصوت على نظامه الداخلي برمته، وإنما على التعديلات التي أدخلها لملاءمة بعض مواده مع قرار المحكمة الدستورية، وكأن الأمر يتعلق بنظام داخلي سار، والحال أن مسطرة وضع النظام الداخلي قد أعيدت من جديد ترتيبا لأثر قرار المحكمة الدستورية، مما لا يمكن معه التمسك بأثر التصويت السابق على المواد المصرح بمطابقتها للدستور".

ويتجلى التساؤل المطروح في هذا الصدد، لماذا التصويت على النص برمته بينما الأمر يتعلق بمجرد تعديلات وتتميمات طالت نصا سبق التصريح بمطابقة بعض مواده للدستور؟ فلماذا التصويت من جديد على نفس هذه المواد ؟

بعد ذلك، وتبعا للقرار رقم 96.19 قام مجلس المستشارين بإقرار نظامه الداخلي بالتصويت، ثم عرضه من جديد بواسطة رئيسه على أنظار المحكمة الدستورية التي صرحت بواسطة قرارها رقم 102.20 الصادر بتاريخ 2 مارس 2020 أنه "لا موجب لفحص دستورية مواد النظام الداخلي المعدل بمجلس المستشارين الذي سبق للمحكمة الدستورية أن صرحت بمطابقتها للدستور" و"بأن باقي مواد النظام الداخلي المذكور مطابقة للدستور".

ثم نصل إلى سياق القرار، الذي يشغلنا، ذي الرقم 107.20 الصادر بتاريخ 6 أغسطس 2020.

فبعد موافقة المحكمة الدستورية نهائيا على النظام الداخلي لمجلس المستشارين، قرر هذا الأخير تغييره وتتميمه، ثم عرضه على أنظار المحكمة الدستورية بعد عملية إقراره؛ وتأتي المفاجئة الثانية، مفاجئة اكتشاف مفهوم جديد !

نعم، في هذا المضمار، وخلال عملية المراقبة اكتشفت المحكمة الدستورية مفهوما جديدا و هو "مفهوم الوحدة العضوية للنظام الداخلي"، حيث اعتبرت المحكمة أنه "حيث إن مصطلح "النظام الداخلي" ورد في العديد من أحكام الدستور، بصيغة المفرد المفيد للوحدة العضوية للنظام المذكور، لاسيما في الأحكام التي تم التنصيص عليها في الفصول، 10 و61 و68 و69 من الدستور"، و تبعا لهذا استنتجت أن مجلس المستشارين كلما أراد تعديل وتتميم نظامه الداخلي وجب التصويت عليه برمته، أي التصويت حتى على المقتضيات المصرح مسبقا بمطابقتها للدستور، كما لوان التصويت الأول أصبح مشوبا بالتقادم !

وتضيف المحكمة بهذا الخصوص " حيث إنه، في هذه الحالة، كان يجب إحالة التعديلات الواردة على النظام الداخلي، بعد المصادقة على النص برمته، على النحو المحدد في مقتضيات الجزء العاشر من النظام الداخلي المذكور، إلى المحكمة الدستورية، مضمنة في النص الكامل لهذا النظام، احتراما للوحدة العضوية للنظام الداخلي المستخلصة من أحكام الدستور المشار إليها".

وفي هذا السياق، فقد قرأنا وأعدنا قراءة الجزء العاشر من النظام الداخلي، لكننا لم نجد ما تفضلت به محكمتنا العليا، وهذا ما تنص عليه المادة 369 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين والذي لم يرد في تعليل القرار: "بعد موافقة المجلس على التعديلات الواردة على النظام الداخلي، يحيلها رئيس المجلس إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور، طبقا لمقتضيات الفصلين...".

لكن الغريب في الأمر أن المحكمة الدستورية كان تصرفها مغايرا عندما تعلق الأمر بمجلس النواب، وهو تصرف طبيعي ومنسجم من حيث المنطق القانوني.

III --

بواسطة الرسالة المؤرخة في 11 أغسطس 2017، أحال رئيس مجلس النواب النظام الداخلي لهذا المجلس على أنظار المحكمة الدستورية، وذلك بعد إقراره بالتصويت في الجلسة العمومية بتاريخ 18 أغسطس 2017.

وبعد فحص المحكمة للنص المكون من 369 مادة، صرحت من خلال قرارها رقم 37.17 الصادر بتاريخ 11 سبتمبر 2017 أن مجموعة من المواد مطابقة للدستور، وأن مجموعة أخرى مطابقة كذلك لكن وفق تفسيرات معينة، في حين ان هناك تسع مواد غير مطابقة.

و بعد هذا، وبواسطة الرسالة المسجلة في أمانتها العامة بتاريخ 17 أكتوبر2017، التي تم بموجبها إحالة التغييرات المدخلة على المواد التسع على نظر المحكمة الدستورية، وذلك ترتيبا للقرار السابق للمحكمة في الموضوع، أصدرت المحكمة قرارها رقم 65.17 الصادر بتاريخ 30 أكتوبر2017، والذي صرحت من خلاله بكل بساطة "أن مواد النظام الداخلي لمجلس النواب في صيغتها المعدلة كما أقرها مجلس النواب في جلسته العامة المنعقدة في 16 أكتوبر 2017، مطابقة للدستور".

و هنا يثار كل الفضول حول الاجتهاد القضائي فيما يخص انسجام مذهب المحكمة الدستورية.

ففي قرارها رقم 37.17 الصادر بتاريخ 11 سبتمبر 2017 والمتعلق بالبت في مطابقة النظام الداخلي لمجلس النواب للدستور، لم تشر المحكمة إلى أي مبدأ متعلق بالتناسق أو التكامل، وفي مقابل ذلك فإن ذات المحكمة من خلال قرارها رقم 93.19 المؤرخ في 9 يوليو 2019 المتعلق بالنظام الداخلي لمجلس المستشارين، لم تكتف فقط بالإشارة إلى هذه المبادئ، وإنما ذهبت إلى شرح إيجابيات وسلبيات إهمالها، لكن دون التصريح بمدى تطبيق أو احترام النص موضوع الفحص لها.

وفي قرارها رقم 65.17 الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2017 المتعلق بالنظام الداخلي لمجلس النواب، فإن المحكمة أقرت التعديلات التي طالت المواد التي سبق التصريح بعدم مطابقتها للدستور، لكن دون إرغام المجلس المعني من إقرار هذه التعديلات في إطار التصويت على النص برمته، وفي مقابل ذلك، وفي إطار القرار 96.19 المؤرخ في 2 سبتمبر 2019 المتعلق بالتعديلات المدخلة من طرف مجلس المستشارين على نظامه الداخلي، فإن ذات المحكمة أجبرت مجلس المستشارين واعتبرت أن التصويت على المواد المعدلة يجب أن يتم في إطار التصويت على النص برمته.
وفي الأخير، ومن خلال القرار رقم 107.20 الصادر بتاريخ 6 أغسطس 2020 موضوع تعليقنا، فإن المحكمة الدستورية وفاء لتوجهها الجديد تشبثت بوجوب التصويت على نص النظام الداخلي بكامله، وذلك استنادا إلى المفهوم المكتشف حديثا والمتعلق "بالوحدة العضوية للنص"، وهو المفهوم الذي لم تشر إليه بتاتا في قراراتها السابقة، وكأنه بزغ فجأة ، ودون سابق إنذار تربع ضمن أحكام الدستور.

وفي هذا الصدد، فإن المعنى الذي أعطته المحكمة لمفهوم "الوحدة العضوية"، والذي استنتجته من خلال مجموعة من الفصول الدستورية، هواستنتاج يظهر أنه غير مقنع، وهو نفس الشيء عندما يتعلق الأمر بوجوب التصويت على النص برمته، أي التصويت حتى على المواد المصرح مسبقا بدستوريتها، وذلك عند مباشرة التصويت على التعديلات المدخلة على بعض مواد النظام الداخلي.

أكثر من ذلك، وإن كان لابد من الأخذ بهذا المفهوم حسب اعتقاد محكمتنا العليا، فإنه يجب ألا يطبق فقط على النظام الداخلي، ولكن على كل نصوص القوانين!

- IV-

وحتى نبقى أوفياء لتفكير المحكمة، لا بد أن نستحضر ما قالته في صلب قرارها!

" وحيث إن مصطلح "النظام الداخلي" ورد في العديد من أحكام الدستور، بصيغة المفرد المفيد للوحدة العضوية للنظام المذكور، لاسيما في الأحكام التي تم التنصيص عليها في الفصول 10 و61 و68 و69 من الدستور".

(...)

"وحيث إنه، يستفاد مما أسند الدستور تنظيمه إلى النظام الداخلي، بموجب الفصول السالفة الذكر، بصفة خاصة، أن تحقيق الغايات الدستورية المناطة بالميادين الموكل تحديدها إلى النظام المذكور، سواء التشريعية أو الرقابية أو التقييمية منها، يتوقف على احترام الوحدة العضوية للنظام الداخلي، المتكامل في مواده والمترابط في مقتضياته، والتقيد بها، سواء بمناسبة وضع النظام الداخلي أو تعديله أو إقراره بالتصويت أو إحالته إلى المحكمة الدستورية للبت في مطابقته للدستور ".

في هذا الصدد يمكن استنتاج فكرتين أساسيتين:أن استعمال المفرد يفيد الوحدة العضوية للنظام الداخلي، وان هذه الوحدة تفيد بدورها وجوب التصويت على نص النظام الداخلي برمته خلال عملية المصادقة على التعديلات المدخلة على مواده.

علاقة بهذا، وانطلاقا من المفهوم الجديد الذي اعتمدته المحكمة الدستورية وخاصة صيغة المفرد التي أشارت إليها، فإن هذا الأمر يجب أن يشمل كل النصوص التي تحال إليها وليس فقط النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان؛ وهذا يعني أن المشرع الدستوري كلما تحدث عن قانون تنظيمي أو قانون عادي بصيغة المفرد، فإن هذا الأمر يؤدي إلى وجوب التصويت على النص برمته بما فيها المواد التي سبق التصريح بمطابقتها للدستور، وذلك عند مباشرة تعديلات بشأن هذه القوانين !

ومن سخرية القدر أن هذه القوانين عديدة، منها الفصل 5 من الدستور المتعلق بالأمازيغية الذي ينص على أنه " يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي..." ليضيف " ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبته"، والفصل 7 المتعلق بالأحزاب السياسية الذي ينص " ويحدد قانون تنظيمي..." والفصل 14 المتعلق بتقديم ملتمسات في مجال التشريع الذي ينص "...ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي.."، أي أنه يكفي إلقاء نظرة سريعة على فصول الدستور لنلاحظ أن الأمثلة عديدة في هذا المضمار؛ وفي كل الدساتير في العالم فان القوانين لا توصف إلا بصيغة المفرد، ولما تعدل أو تتمم بنودها فإنها لا تعرض برمتها للمراقبة الدستورية، هذا ما يسير عليه القضاء الدستوري كونيا.

الأخطر، بل المضحك في الأمر! ماذا يجب على مجلسي البرلمان فعله عند مباشرة تعديلات بشأن، مثلا، قانون الالتزامات والعقود الذي يحتوي على ما يفوق ألف مادة أو القانون الجنائي أو قانون المسطرة المدنية أو الجنائية؟ ألا يستلزم التصويت تبعا لذلك إعادة قراءة مئات المواد ! اقل ما يقال هوأنه لا جدوى لمثل هذا التوجه ذي التداعيات المحرجة.

- V -

بواسطة القرار رقم 928 الصادر بتاريخ 14 نوفمبر 2013، صرح المجلس الدستوري بتعذر البت على الحال في دستورية النظام الداخلي لمجلس المستشارين المحال إليه من طرف رئيسه، وكان السبب في ذلك يتجلى في كون النظام المعروض على أنظار المجلس الدستوري "أبقى على 82 مادة من "النص الأصلي" للنظام الداخلي السابق دون إيراد النص الكامل لهذه المواد، مكتفيا بإعادة ترتيبها وترقيمها" بحيث برر موقفه هذا بأن "إحالة نظام داخلي على المجلس الدستوري، بعد دخول هذا الدستور حيز التنفيذ، في شكل تعديلات على "النص الأصلي" ودون تضمينه النص الكامل لكافة مواده، يجعل هذا النظام لم تراع في وضعه أحكام الفصل 69 من الدستور".

وبالتالي يلاحظ أن المحكمة الدستورية، بدون شك، استلهمت توجهها من هذا القرار، غير أن معطياته تختلف جذريا عن معطيات القرار الصادر في 6 أغسطس 2020، بحيث لا وجود لدستور جديد في نازلة الحال، ولا حتى لقانون تنظيمي جديد، فعلى عكس ذلك هناك القرار رقم 102.20 الصادر بتاريخ 2 مارس 2020 الذي صرحت بمقتضاه المحكمة الدستورية أنه "لا موجب لإعادة فحص دستورية مقتضيات النظام الداخلي التي سبق التصريح بمطابقتها للدستور" وأن "باقي مواد هذا النظام هي مطابقة للدستور"، وهو القرارالذي بموجبه دخل النظام الداخلي حيز التطبيق، ليتم تغييره وتتميمه بواسطة مقتضيات رفضت المحكمة الدستورية البت فيها على الحال، فارضة بذلك التصويت على النص برمته، وهو أمر يناقض توجهها السابق تجاه النظام الداخلي لمجلس النواب.