إعادة تأهيل وتهيئة قرى المغرب.. مشروع لتجاوز التعثرات والتفاوتات

أشغال اليوم الدراسي حول التعمير والإسكان بالعالم القروي
أحمد مدياني

أقر مختلف المتدخلين خلال اليوم التواصلي المنعقد بمدينة ابن جرير، اليوم الأربعاء، حول "التعمير والإسكان بالعالم القروي.. الرهانات والآفاق"، بأن تأهيل المجال القروي والنهوض بأوضاع ساكنته عرف مجموعة من "التعثرات" بسبب تعدد المتدخلين من جهة، وعدم تكامل البرامج القطاعية الموجهة له، فضلاً عن بعد المشاريع التي وضعت عن تحقيق تغطية شاملة للحاجيات التي تعبر عنها ساكنة هذا الوسط، من جهة أخرى.

ورصد المتدخلون، ومن بينهم وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة عبد الأحد الفاسي الفهري، وجود تفاوتات كبيرة بين المناطق القروية التي لا تعرف نفس مستوى الاندماج.

وقدم المتدخلون، خلال اليوم الدراسي الذي يتابعه "تيل كيل عربي"، مجموعة من المعطيات حول مجال القروي بالمغرب، وتقسيمه كما هو واقعه اليوم، بالإضافة إلى عدد من المشاريع التي تروم تجاوز ما تعانيه ساكنته من مشاكل والنهوض بأوضاعها المعيشية كذا تأهيل مجال اعداد الترابي والتعمير فيه.

وعاد المتدخلون، خلال اللقاء التواصلي إلى الخطاب الملكي بتاريخ 15 أكتوبر 2018، بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية، والذي دعا فيه الملك محمد السادس إلى "ضرورة العمل على توفير ظروف عيش أفضل في الوسط القروي عبر تطوير القطاع الفلاحي بما يمكن من انبثاق طبقة وسطى قروية".

العالم القروي بالمغرب

يشكل العالم القروي بالمغرب ما نسبته 98 في المائة من المساحة الإجمالية للتراب الوطني، ويضم حوالي 40 في المائة من مجموع الساكنة. ويعتبر هذا المجال محركاً أساسياً لعدة أنشطة اقتصادية تخلق الثروة وتوفر الآلاف من فرص الشغل كما يساهم بالشكل كبير في النمو الاقتصادي للمغرب عبر الأنشطة الفلاحية المختلفة.

ويضم العالم القروي اليوم 85 في المائة من الجماعات الترابية؛ أي 1282 جماعة ذات طابع قروي من أصل 1503 جماعة ترابية، وتقطنه 13 مليون نسمة 80 في المائة منها تعمل في القطاع الفلاحي.

تفاوتات مجالية

رغم البرامج المعتمدة سلفاً لتأهيل الأرياف المغربية، مايزال الواقع وما يعكس يفرض تقسيمها إلى ثلاثة أقسام، وهي: الأرياف المتقدمة والأرياف الشبه حضرية والأرياف العميقة.

ومرد هذه التصنيفات الثلاثة يعود بالأساس إلى حجم تطور العمران فيها والأوضاع المعيشية لساكنتها كذا حجم النشاط الاقتصادي الذي تعرفها.

فبالنسبة للأرياف المتقدمة، يبدو الاقتصاد القروي متنوعاً مع الحفاظ على بنيات فلاحية نشيطة نسبياً وتطوير أنشطة أخرى. هذه الأوساط القروية تتموقع بين مستوى تصنيفها كأرياف وبين المجالات الشبه حضرية، وتشهد تجديداً اقتصاديا عبر إدخال مشاريع سياحية أو فلاحية. وتستفيد هذه الأوساط من قربها الجغرافي من الأقطاب الحضرية الكبرى، رغم نسبية هذا العامل في مناطق أخرى من المغرب.

أما الأرياف شبه الحضرية، فهي التي تحيط بالمدن الكبرى، وتخضع لتأثيرات حضرية تترجم حاليا بتغيرات في استعمال الأرض، وطالتها تغيرات عديدة، أبرزها تشييد أقطاب للنمدين فوق ترابها، وتنزيل لبرامج مخطط المغرب الأخضر، وإنشاء محطات سياحية بها ومنطاق صناعية إلى إطار برنامج الإقلاع الصناعي كذا برامج السكن الاجتماعي إلى جانب بروز مراكز حضرية جديدة فيها.

وتظل الأرياف العميقة الأكثر تضرراً من التفاوتات المجالية في التنمية والنهوض بأوضاعها، إذ تعاني من الخصاص على مستوى التجهيزات والخدمات الأساسية والعزلة، كذا البعد، وغياب استراتيجيات تنموية موجهة لهذه المجالات.

وحسب ما قدم خلال اليوم الدراسي من معطيات، مرد هذه التفاوتات يعود بالأساس إلى "تدهور الوسط القروي والتقلبات المناخية والموقع بالنسبة للأقطاب الحضرية الرئيسية، بالإضافة إلى مدى قدرة الفاعلين المحليين والمؤسساتيين على بناء رؤيا مشتركة لتنمية مجالية منسجمة.

في هذا السياق، لخصت كاتبة الدولة لدى وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطنة الكحيل، أسباب وجود التفاوتات في المجال القروي بالقول: "رغم ما وضع من مشاريع للنهوض بأوضاع ساكنة الأرياف في المغرب، إلا أن تعدد المتدخلين وعدم انسجام البرامج وضعف توزيعها بشكل عادل على مختلف المناطق، انعكسوا على تحقيق مبدأ تفاكؤ الفرص وأفرزوا مستوى إندماج يعاني من تفاوتات كبيرة".

تجاوز التفاوتات

ومعالجة ما تعانيه أرياف المغرب من تجاوزات مجالية على مختلف المستويات، عرض اليوم الدراسي مواصلة تنزيل رؤية 2017-2022 والتي تتضمن برنامجاً رصد له غلاف مالي قدره 50 مليار درهم، للحد من التفاوتات المجالية والاجتماعية في الوسط القروي ولبرامج تنمية الأقاليم الجنوبية، تساهم فيه عدة قطاعات وزارية.

ومن بين الرهانات الأساسية الموضوعة في برنامج تجاوز التفاوتات المجالية بالوسط القروي، تحقيق الانسجام في التدخل العمومي، وذلك بضرورة وضع شروط ملائمة لإحداث تناسق العمليات كمبدأ أساسي، وإعادة تحديد مجالات التدخل بشكل واضح بين الهيئات المركزية المكلفة بالتعمير والهيئات الجهوية الجديدة، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الديمغرافية والاجتماعية التي يعرفها الوسط القروي، لتعزيز مبدأ تكافئ الفرص، عبر ضمان ولوج عادل للسكانة القروية للخدمات العمومية وأماكن الإنتاج مما قد يساهم في خفض التفاوتات الجهوية.

وشدد البرنامج الذي قدم خلال اليوم الدراسي على ضرورة مقاربة كل وسط قروي حسب خصوصيته ودوره في الجهاز المجالي الذي ينتمي إليه، وضرورة أن يكون كل تدخل لتهيئة الوسط القروي مسايراً للتحولات التي يعرفها، فضلاً عن إنجاح التنمية الاقتصادية دون أن تكون على حساب البيئة بناء على مبدأ التدبير المقتصد للأرض وضمان استدامة الأنشطة الفلاحية، ودعم تطوير الأخيرة كقطاع اقتصادي رئيسي مع الانفتاح على باقي القطاعات والحرص على الخصوصيات المجالية.

وينص المشروع كذلك، على ضرورة تقليص الفوارق بين المدن والأرياف وتقوية العلاقة بين الوسط الحضري والقروي كهدف لكل تهيئة مجالية قروية.

التعمير والإسكان

وفي ما يخص تنظيم جودة المستوطنات البشرية في الوسط القروي، يوصي البرنامج بإعطاء الأولوية للتجمعات البشرية المكتلة، أي حضر نمو الدواوير القروية خارج حدود مجالها الترابي والإداري واعتماد استغلال أنجع ومكثف للمجالات الفارغة والأنسجة المتواجدة. كذا تفادي أن تكون تكتلات ذات كثافة سكانية عالية ومساحة كبيرة يصعب التحكم فيها وتدبيرها بشكل أنجع.

في هذا المجال، يقول وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة عبد الأحد الفاسي الفهري، إن "الوزارة على إرساء منظومة جديدة للتخطيط العمراني تنبني على إعادة النظر في المرجعيات المعتمدة في هذا الصدد وإنجاز خرائط القابلية للتعمير، مع اتخاذ تدابير أخرى لتأطير التعمير والإسكان بالعالم القروي، كتعميم تغطية المجالات القروية بوثائق التعمير بحيث بلغت نسبة التغطية حوالي 83 في المائة، كذا وضع برنامج المساعدة المعمارية والتقنية المجانية في العالم القروي انسجاما مع الخصوصيات المحلية، إلى غير ذلك من التدابير والإجراءات التي تروم تبسيط مساطر الترخيص بالعالم القروي".

وفي ما يخص التغطية بتصاميم تنمية التكتلات القروية، تشير المعطيات التي وفرتها الوزارة خلال اليوم الدراسي، إلى أن "جهة الداخلة وادي الذهب تحتل الصدارة بنسبة 90,9 في المائة تليها جهة طنجة تطوان الحسيمة بنسبة 73,6 في المائة ثم جهة العيون الساقية الحمراء بنسبة 73,4 في المائة".

وبالانتقال إلى الدراسات المنجزة لصالح تأهيل العالم القروي، تقول معطيات الوزارة إن ما يفوق 431 ملفا تمت معالجتها في ما يخص المساعدة التقنية المعمارية خلال العشر سنوات الأخيرة، من بينها 15 ملفا إلى حدود متم سنة 2018.

وصرح الوزير عبد الأحد الفاسي، أن وزارته اختارت نهج تبسيط المساطر في ما يخص البناء في العالم القروي، وأوضح بهذا الصدد أنه "لتبسيط مسطرة البناء في العالم القروي، قامت هذه الوزارة بإصدار العديد من الدوريات لتفعيل ما أجازته النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في هذا المجال، آخرها الدورية عدد 21536 بتاريخ 25 دجنبر 2012 بخصوص تبسيط مسطرة الترخيص بالبناء للسكن في العالم القروي، والتي جاءت بمجموعة من الإجراءات والتدابير التي من شأنها إضافة مرونة أكبر فيما يتعلق بتراخيص البناء، من بينها تحديد الدواوير التي شملت 930 دوارا في إطار تفعيل الدورية السالفة الذكر والتي أضفت مرونة أكبر فيما يخص معالجة ملفات البناء ذات المساحات الدنيا أقل من الهكتار الواحد".