الأسرة والجسد والحمل والجنس.. تقاطع من الصين إلى إيطاليا في مهرجان مراكش

عبد الرحيم سموكني

دخلت المنافسة على النجمة الذهبية لمهرجان الفيلم الدولي بمراكش يومها الأول عندما عرض فيلمان في إطار المسابقة الرسمية أمس السبت 30 نونبر، يلتقيان في التيمة؛ إذ يعرضان قصص شباب، سواء كانوا من الصين أو إيطاليا، فإن خيوط واقعهم تتشابك في نقاط كثيرة، كـ"الحمل غير المرغوب فيه والأبوة والأمومة وزنا محارم". مفاهيم كلها تصب وتجتمع وتؤثر فيها بوتقة الأسرة، سواء كانت في الصين أو في إيطاليا أو بولونيا.

واستهل الفيلم الصيني "فتاة الفسفياء" عرض المسابقة الرسمية لمهرجان الفيلم الدولي بمراكش في دورته السينمائية، وهو من إخراج الشاب الصيني زهاي ييكساينك،  كد في الحصول على أموال الإنتاج، إذ يحسب العمل على موجة السينما المستقلة، كما أن مخرجه لا يتعدى الثانية والثلاثين. يعرض حكاية فتاة لا يتعدى عمرها الرابعة عشر، تعلن لأسرتها أن أحد مدرسيها مسؤول عن حملها، ما دفعها إلى ترك الدراسة.

اكتشف المتفرجون يوم أمس السبت في قصر المؤتمرات تشابها كبيرا بين المجتمعات المحافظة وتقبلها لـ"عار" حمل الفتاة، خاصة إن كانت قاصرا، يصر أب الفتاة على متابعة المدرس، الذي يتشبث ببراءته، حتى عندما توضع السكينة على رقبته، فيطلب أن يأتوا بدليل إدانته.

يلجأ أب الطفلة لصحافي حتى يعرف بقضيته، خاصة وأن المدرسة فضلت فتح تحقيق داخلي عوض اللجوء إلى الشرطة، لتبدأ معاناة جديدة، تتسم بالضبابية، التي رمز إليها المخرج بقصر نظر الفتاة ومشاكل الرؤية لديها.

يلتحق الصحافي النزيه بالقرية الصغيرة ليقرر إجراء تحقيق يمكن أن يدين المعلم، لكنه سيصدم بجدران صمت سميكة، في الشرطة، التي لا تكف عن الإجابة إما بالصمت أو برفض الإجابة بكل بساطة، في الوقت الذي تحولت فيه القاصر "بينك" إلى سيرة لأهل القرية، الذين يترقبون مآل حمل الصغيرة ومعرفة والدها الحقيقي.

"بينك" تجد نفسها ضحية الجميع، بدءا بوالدها، الذي أراد أن يحولها إلى صبي منذ نعومة أظافرها، تحقيقا لرغبة ذكورية نرجسية لاستمرار نسل الذكورة، وضحية أمها التي لا تعتني بها ولا تقترب منها كأي أم حنون، التخلي سيطالها أيضا من أصدقائها الذكور، الذين يرون فيها بعد فضيحة الحمل "عاهرة صغيرة تفضل الرجال المسنين".

لم تكن البيروقراطية وجمود السلطات في التعاون لتحقيق عدالة اتجاه قاصر معتدى عليها جنسيا، العقبة الوحيدة أمام الصحافي، إذ ستزداد الضغوط عليه من رؤسائه في العمل الذين طلبوا منه "الكف عن مقالاته الفياضة بالإنسانية، والاستعداد للعمل في القسم الاقتصادي".

ينجح الصحافي في إقناع السلطات بإجراء تحقيق حمض نووي، رغم مراحل الحمل الأولى، فتكشف النتائج عن قنبلة غير متوقعة، اب الجنين ليس سوى لقريب من العائلة مسن صاحب بقالة، والحمل ناجم عن ما يشبه "زنا محارم".

تبدأ "بينك" حياة جديدة، وهي التي لم ترغب أبدا في حملها، عندما تلتحق بمدرسة داخلية لتعليم موسيقى "الأوبرا".

ولم يخرج الفيلم الثاني "سولي" الثنائي الإنتاج بولوني إيطالي، عن دائرة الأسرة، إذ يروي قصة فتاة عشرينية في آخر مرحلة من حملها، تصل إلى إيطاليا من أجل أن تبيع مولودها لأسرة ثرية عاقر.

والفيلم هو أول عمل سينمائي طويل للمخرج وكاتب السيناريو كارلو سيروني، من مواليد 1983، بعد تجربة طويلة في الأفلام القصيرة.

ولأن القوانين في إيطاليا تسهل عملية التبني بين أفراد العائلة، سيقوم "إرمانو"، ابن عم الزوج العاقر، بلعب دور الأب مقابل 4 آلاف أورو، كما أنه سيأوي "لينا" حتى تضع مولودتها.

"إرمانو" العشريني ومدمن القمار وسارق الدراجات النارية، ينتظر بفارغ الصبر أن تضع هذه البولونية مولودها ويقبض الثمن.

توفق الممثلان الرئيسيان في أداء دورهما، لينا صاحبة الإحساس المتجمد، غير المبالية بحملها ولا جنينها والبعيدة كل البعد عن الصورة النمطية لـ"الأم"، كيف لا وهي ولدت دون أن تعرف والديها، فهي لم تتحدث مع من في بطنها ولو لمرة واحدة طيلة فترة حملها، أما "إرمانو" الجانح الباحث عن مال متواصل للعب القمار، والصامت الصائم دوما عن الابتسامة، فهو عاجز عن إيجاد تفسير لانتحار والده، كما هو عاجز عن تغيير وضعه الاجتماعي والاقتصادي لأنه يؤمن بشدة بأنه "لا يصلح لشيء".

رغم المعاملة الميكانيكية الخالية من الإنسانية بين "لينا" و"إرمانو" تتغير الأمور، خاصة مع إجراءات الفحوص وتسجيل الحمل باسم الشاب، تبدأ العلاقة في التغير، ومع قدوم مولود جديد ستخلط كافة الأوراق، فالأب غير البيولوجي، سيصبح أكثر تعلقا بالمولودة من أمها البيولوجية التي وضعتها، فيقرر تغيير حياته، والبحث عن عمل، ويعلن استعداده التكفل بـ"لينا" الأم "وسولي "الطفلة".