الصحافة المكتوبة تدخل الحقل الملغوم للمنح والمساعدات

سنة 2018 عرفت مواصلة سياسة الدعم العمومي الموجه للصحافة المكتوبة الوطنية
تيل كيل عربي

أمام انحسار مدى انتشارها، أخذت المؤسسات الصحافية تبحث عن نماذج اقتصادية جديدة تنقذها من المتاعب المالية التي تشكو منها، وشرعت العديد منها في قبول مساعدات مالية من المؤسسات، ولكن مثل هذه الممارسة تثير الكثير من الأسئلة المتعلقة بأخلاقية المهنة.

وحسب المنظمة الأمريكية غير الحكومية "Foundation Center"، فقد تم توزيع أكثر من 13 مليار دولار في العالم في مجالات مرتبطة بالإعلام في السنوات العشر الأخيرة.

فبعد أن انهارت مداخيل الإعلانات وانكمشت الصحف وأغلق الكثير منها أبوابها، أو تم تبيعها، صار تمويل وسائل الإعلام بالمنح والمساعدات ممارسة عادية بالولايات المتحدة، تماما مثل قطاعي الصحة والتعليم.
وكان هذا الموضوع محط نقاش مستفيض مؤخرا خلال "المهرجان الدولي للصحافة" الذي عقد مؤخرا بمدينة "بيروجيا" الإيطالية، حيث التقت العديد من وسائل الإعلام والمؤسسات لتدارس مستقبلها وللبحث عن التمويلات.
وتقول فيفيان شيلر، المديرة السابقة للإذاعة العامة الامريكية "NPR"، التي حصلت على منحة قياسية من أرملة مؤسسة "ماكدونالذز"، وتقدر بـ200 مليون مليون، "إن الصحافة المستقلة والتي تعتمد في عملها على الوقائع، مهددة في العالم بإسره، وهذا جعل العديد من الناس يهبون إلى مساعدتنا". وتساهم هذه المبالغ الهائلة –بالإضافة إلى مساهمات القراء ومانحين آخرين- في إبقاء الصحافة المحلية الأمريكية على قيد الحياة وتسمح لها بإنجاز تحقيقات طويلة حول مواضيع يتم إهمالها في الكثير من الأحيان. كما أن هذه الصحف تعمل بفضل هذه المنح على مكافحة الأخبار الزائفة والمضللة والبحث عن نماذج اقتصادية ثابتة.
وليست الصحف الأمريكية وحدها هي التي تحصل على المنح السخية، ففي فرنسا، حيث تدعم الدولة التنوع في الإعلام، توصلت صحيفة "لوموند" الشهيرة بأكثر من مليون دولار من "مؤسسة بيل ومليندا غيتس"، ومساعدات أخرى من مانحين آخرين، لدعم موقعها "لوموند أفريك". كما ساهم آل غيتس بشكل غير مباشر في نشر "أوراق باناما" بدعمهما لـ"المجمع الدولي لصحافة التحقيق".

من جهتها،  تساعد مؤسسة "Open Society" للثري الأمريكي "جورج سوروس"، وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية النشيطة في مجال الإعلام بكل من أوكرانيا، وطادجيكستان، وشرق إفريقيا.
ولكن هذه المساعدات محفوفة بكثير من المخاوف وتثير قلق الكثير من المهتمين بالإعلام واستقلاليته.

وسبق لعالم الاجتماع الأمريكي، رودني بنسون، أن أبدى، في مقال نشره عام 2017، قلقه الشديد من خطر "تجنيد وسائل الإعلام لخدمة الاجندات السياسية لهذه المؤسسات المانحة، وبالتالي تفقدها القدرة على إنجاز تحقيقاتها حول المواضيع التي تكتسي الأهمية في نظرها".
ولكن نيشانط لالواني، من مؤسسة "Luminate" لصاحبها مؤسس موقع "eBay"، بيير أوميداير، ينفي أي نية في التجنيد بالمعنى الذي يتحدث عنه السيوسيولوجي الأمريكي، ويقول "نحاول بناء مجتمعات أقوى بالبلدان التي نشتغل فيها.. ونحن نشتغل بالخصوص في البلدان التي يصعب فيها إصلاح الأنظمة السياسية، حتى وإن كانت وسائل الإعلام تتمتع بالاستقلالية".
ولكن أكبر الشراكات بين المؤسسات وسائل الإعلام تتم بشكل غير رسمي، بتدخل وسطاء موثوقين في بعض الأحيان، وأدام طوماس، وهو مدير المركز الأوروبي للصحافة (منظمة غير حكومية لتكوين وتوجيه الصحافيين) واحد منهم. ويرى أن تمويل المؤسسات للصحف يساهم في تطوير دور الصحافيين.
وفي كل الأحوال يحث آلان روسبريدجر، رئيس التحرير الأسبق لصحيفة "ذي غارديان" البريطانية الرصينة، على ضرورة تحلي الصحافيين باليقظة اللازمة في عملهم، تماما كما هو الحال مع النموذج الاقتصادي الحالي للصحف المعتمد على الإعلانات. وأضاف "إن كانت لدينا ضوابط صارمة وتحلينا بالشفافية اللازمة، لن يكون هناك مشكل"...