القصة الكاملة لفاجعة بولعلام.. على لسان الشهود والمسؤولين (صور وفيديوهات)

ابنة إحدى الضحايا بفاجعة الصويرة / صورة: ياسين التومي
سامي جولال

مرت الآن أكثر من 72 ساعة على وقوع فاجعة سيدي بولعلام، التي خلفت وفاة 15 امرأة، وإصابة أخريات. كيف وقعت الحادثة التي يعجز العقل البشري عن تصديقها؟ ''تيلكيل عربي'' يعيد نسج الحكاية من خلال مُشَاهَدَاتِ نساء نجون من الموت في الحادث، وشهادات أفراد من أسر بعض المتوفيات.

في تمام الساعة الثانية قبل فجر يوم الأحد 19 نونبر، بدأت النساء تتوافدن على مقر جمعية ''أَغِيسِي لحفظ القرآن الكريم والأعمال الاجتماعية''، التي يترأسها عبد الكبير الحديدي، إمام مسجد ''السبيل'' في حي كاليفورنيا بالدار البيضاء، في انتظار تلقي مساعدات عبارة عن مواد غذائية.

وداد، الشابة السمراء البالغة من العمر 24 سنة، كانت من بين اللواتي وصلن إلى المكان في ذلك الوقت الباكر. وإلى جانب أخريات، تكاثر عددهن مع مرور الدقائق وليس الساعات، انتظرت إلى غاية الساعة التاسعة صباحا، توقيت انطلاق عملية توزيع المساعدات، حيث بدأ التدافع بين هؤلاء؛ بعضهن كن مصطفات داخل حاجزين حديديين، يمتدان على طول صفهن يمينا ويسارا، والباقيات كن خارجه. وجميعهن تواجدن في الساحة الكبيرة المقابلة لباب مقر الجمعية.

بدأ التدافع من أجل الفوز بالقفة، وبدأ معه سقوط نساء أرضا، تَكَدَّسَت أجسادهن فوق بعضها البعض، إذ سار البعض فوق الأجساد الملقاة أرضا، في مكان ضيق اجتمعت فيه حوالي 10 آلاف امرأة.

لم تكن هذه هي السنة الأولى التي تشهد وفيات وإصابات، أثناء توزيع مواد غذائية من قبل نفس الجمعية، حسب رواية نساء دأبن على حضور عملية توزيع المساعدات مع توالي السنوات، بحيث سُجِّلَ خلال النسخة الأولى من هذه المبادرة إصابة سيدة بـ ''مْخْيْطْ''، وهو عبارة عن إِبْرَةٍ كبيرة الحجم، ووفاة توأمين أنجبتهما سيدة أثناء توزيع المواد الغذائية، وذلك بسبب المشي فوقهما. هذه الأمور حكتها، لـ ''تيلكيل عربي''، فاطمة، وهي أخت  سيدة متوفاة تدعى حبيبة، قَصَّت حكايتها وهي تجلس في خيمة متوسطة الحجم، بنيت في الجانب الأيمن من مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي ''مولاي عبد الله'' بالصويرة، لكي يجلس فيها أقارب الضحايا.

بخور ودخان

وداد، التي أصيبت في فخذها وصدرها، وكانت ترقد في الغرفة رقم 3، في قسم جراحة النساء، في المستشفى الإقليمي ''مولاي عبد الله'' بالصويرة، قالت إن سقوط نساء أرضا والإغماء عليهن، لم يكن سببه الازدحام والتدافع فقط، بل تزعم أنه تم إطلاق دخان على النساء، كان يخرج، حينها، من الخيمة التي كانت ستوزع فيها المواد الغذائية.

هذا الدخان، الذي تسبب لوداد في الإغماء، وصفته هذه الأخيرة بكونه شبيها بالبخور، لكن رائحته نتنة. واتهمت المسؤولين عن توزيع المواد الغذائية بإطلاقه على النسوة اللواتي كن هناك.

الساحة المقابلة لباب مقر جمعية أغيسي صورة: ياسين التومي

مسألة إطلاق بخور أو دخان على النساء اللواتي حضرن إلى عين المكان، للحصول على المواد الغذائية، لم تُفِدْهَا وداد فقط، بل أكدتها سيدة عجوز، حضرت الواقعة، وترقد مع هذه الأخيرة في نفس الغرفة، بحيث قالت إن المنظمين أطلقوا دخانا، رائحته مثل الكبريت، تسبب، حسب اعتقادها، في موت نساء، متسائلة، بصوت حزين، ووجه يعلو ملامحه التعجب، ''هل كانوا يريدون قتلنا؟!''.

إطلاق الدخان على النساء اللواتي حضرن الواقعة، قال عنه البجيوي، والي جهة مراكش آسفي، في تصريح لـ ''تيلكيل عربي''، في مقبرة ''دُوَّارْ العرب'' بالصويرة، بعد دفن إحدى المتوفيات، إنه أمرٌ لا يمكنه تأكيده أو نفيه، مبرزا أن هذا ما سيكشف عنه التحقيقان الإداري والقضائي، اللذان فتحتهما وزارة الداخلية والنيابة العامة حول الواقعة.

العجوز، التي أصيبت على مستوى ظهرها، بسبب سقوط ''الْكْرِيَّاجْ'' الحديدي عليها، إضافة إلى معاناتها من آلام شديدة في الظهر، نتجت عن سقوطها أرضا، عبرت عن استيائها من أفراد الدرك الملكي والقوات المساعدة، بحيث قالت إنهم لم يأتوا إلى مكان الواقعة حتى ماتت نساء. وهو الكلام الذي نفاه البجيوي، بحيث أفاد، للموقع، أنهم كانوا في عين المكان لحظة وقوع الحادث.

لماذا هذا العدد الكبير من المستفيدات؟ ألم تكن لائحة الممنوحات قد أعدت قبل يوم "الأحد الأسود"؟

فاطمة، أخت الراحلة حبيبة، أوضحت أنها أعطت بطاقتها، قبل أربع سنوات، للشيخ الذي زار الساكنة، حينها، وأخبرهم بأن هناك شخصا يريد توزيع مواد غذائية على فقراء الجماعة، وبذلك تم تسجيلها في لائحة المستفيدات. في المقابل، قالت نساء من أسر ضحايا ومصابات، إنه لم يكن محددا، بشكل مسبق، وبالأسماء، إلى من سَتَمْنَحُ الجمعية المواد الغذائية يوم الأحد الماضي، بحيث أتت إلى الساحة المقابلة لباب مقر الجمعية في سيدي بولعلام، كل من وصلها خبر أنه سيتم توزيع مواد غذائية في المكان والتاريخ المذكورين.

نساء توزع دمهن بين القبائل

حينما كانت نساء تقعن أرضا وتمتن، لم تتلقين المساعدة أو الإسعاف. مينة، امرأة تبلغ من العمر 36 سنة، ترقد في الغرفة 3 ممددة فوق سريرها، غير قادرة، حتَّى، على الإجابة عن أسئلتنا، بسبب تفكك كتفها وإصابتها على مستوى الرأس، تحدثت باستياء عما وقع، وقالت إن منظمي "حفل/ مأتم" التبرع لم يقبلوا تصديق أن نساء تمتن عندما بلغهم الخبر، مواصلين تصوير عملية تقديم المساعدات، التي كانت تتم في الصفوف الأمامية.

في بيت إحدى الضحايا / صورة: ياسين التومي

السعدية، امرأة من منطقة أَقْرْمُوضْ، لم تشارك قط في هذه المبادرة، قالت، عندما التقاها ''تيلكيل عربي''، أمام مستودع الأموات في المستشفى الإقليمي، وهي تنتظر تسلم جثمان والدتها حبيبة السِّتِّينِيَّةِ، إن جمعية ''أغيسي لحفظ القرآن الكريم والأعمال الاجتماعية'' تصور النساء أثناء تلقيهن للمواد الغذائية، وتدلي بمقاطع الفيديو إلى المانحين الذين يقدمون لها الأموال.

بعد انتهاء التدافع، كانت أرواح نساء قد ودعت هذا العالم، نقلت جَثَامِينُهُنَّ إلى المستشفى الإقليمي بالصويرة، ونقلت المصابات إلى مستشفى جماعة ''تَافْتَّاشْتْ''، لتلقي العلاجات الأولية، وبعد ذلك نقلن إلى المستشفى الإقليمي بالصويرة، الذي غَادَرْنَهُ أمس (الثلاثاء).

في صباح الإثنين، أمام مستودع الأموات، في المستشفى الإقليمي ''مولاي عبد الله'' بالصويرة، كانت تقف 21 سيارة إسعاف؛ بعضها لم يحمل اسم أي جماعة ترابية، والبعض الآخر تابع لجماعات كل من سيدي امحمد أومرزوق، ومرامر، وسميمو، إلى جانب سيدي بولعلام، وسيدي الجازولي، وحمد أوحامد، إضافة إلى سيدي علي الكراتي، وتيمز كيدة أوفتاس، وسيدي إيشاق، فضلا عن تيدزي، وتفضنة، ومواريد، ومسقالة، وإيداز عزا. وكانت بعض هذه السيارات تنتظر إخراج الجثامين الـ 15 من المستودع، لنقلها إلى مثواها الأخير.

وهناك قابل ''تيلكيل عربي'' خالد سنيتير، المندوب الإقليمي للصحة في الصويرة، الذي أفاد، إجابة على سؤالنا المتعلق بإجراء عمليات تشريح لجثث المتوفيات، لمعرفة هل ماتت بعضهن، فعلا، بسبب الدخان، أن عمليات التشريح لم تتم.   ،

في جناح جراحة النساء، وبالضبط في الغرفة رقم 3، ترقد ثلاث نساء وشابة، ضِمْنَهُنَّ وداد، نجون من شبح الموت الذي كاد أن يقبض أرواحهن في فاجعة سيدي بولعلام.

عند دخول ''تيلكيل عربي'' إلى الغرفة 3، صرخت شابة في وجه الصحفيين الذين وَلَجُوهَا قائلة ''مَامَا صَافِي مَاتْتْ. أَشْنُو بْغِيتُو تْبْقَاوْ تْسْوْلُو وْتْكْتْبُو تْمَّا؟!"، كلام قالته وهي تساعد أختها الصغيرة على الوقوف. هذه الأخيرة تبلغ من العمر 17 سنة، وترقد في نفس الغرفة، بسبب صدمة نفسية حادة، نتجت عن تلقيها خبر وفاة والدتها، مما سبب لها عدم القدرة، حتى، على الوقوف، دون التَّوَكُّؤِ على أختها الكبيرة.

في بيت إحدى المكلومات / صورة: ياسين التومي

واحدة من الراقدات اسمها مينة، وقدمت إلى سيدي بولعلام من منطقة سيدي العروسي بالشياضمة، في الساعة الخامسة من صباح يوم الواقعة (الأحد)، رفقة ثلاثة نساء أخريات. مينة شاركت هذه السنة للمرة الثالثة في هذه المبادرة الخاصة بالمواد الغذائية. وحصلت السنة الماضية، في إطارها، على 25 كيلوغراما من الدقيق، و10 كيلوغرامات من الأرز، و5 علب من السكر المطحون السَّانِيدَة"، إلى جانب 5 علب من الشاي، و5 لترات من الزيت.

العجوز، التي سبق التحدث عنها، وترقد مع مينة في نفس الغرفة، تتذكر الواقعة، وهي تعاني من آلام تمنعها حتَّى من القيام بحركة بسيطة فوق السرير. المرأة، التي رسم الحزن والفقر على مُحَيَّاهَا أَخَادِيدَ، تحدثت عن معاينتها لامرأة سقطت أثناء الحادث أرضا، وظلت تصرخ ''أنقذوني''، إلى أن خرج الدم من فمها وماتت، دون أن يهتم لحالها أي أحد.

كانت حالة الأم التي توفيت، وتركت خلفها 7 أبناء، وُصِفُوا ابتداء من يوم الأحد الماضي بـ ''اليتامى''، أكثر حالة مؤثرة من بين النساء المتوفيات، اللواتي تركن خلفهن أبناءً يتامى. هؤلاء قال عنهم أحمد أَخْشِيشْنْ، رئيس جهة مراكش آسفي، في حديث مع ''تيلكيل عربي''، إنه سيتم التكفل بهم، مضيفا أن الجهة سَتَحُلُّ جميع المشاكل الاجتماعية، التي تسبب فيها هذا الحادث داخل الأسر.

خديجة، وهي سيدة تبلغ من العمر 60 سنة، توفيت في حادث سيدي بولعلام، وتركت ولدها، الذي يبلغ من العمر 15 سنة، وحيدا، خصوصا وأن والده توفي، أيضا، قبل أقل من سنة من الآن.

المتوفاة خديجة ظل ابنها الأكبر، الذي قابلناه أمام المستودع، يصرخ مترجيا من المسؤولين أن يسمحوا لأفراد من عائلته، بأن يَطَّلِعُوا على جثمان والدته قبل دفنه. الابن قدم إلى سيدي بولعلام من مدينة الدار البيضاء، حيث يشتغل بائعا متجولا، في وقت متأخر من مساء يوم الأحد، بعد أن تلقى خبر وفاة والدته.

وقال، والدموع تغطي عينيه، إن الحياة لم تكفها معاناته مع عناصر القوات المساعدة في الدار البيضاء، التي تطارده باستمرار، وتمنعه من بيع بضائع يفرشها فوق أرصفة أزقة وشوارع هناك، فأخذت منه أمه وزادته معاناة أخرى.