بالتفصيل.. هكذا يتصور حزب العدالة والتنمية النمودج التنموي الجديد

عبد الرحيم سموكني

كشف حزب العدالة والتنمية عن تفاصيل مذكرته الخاصة بالنموذج التنموي التي قدمها للجنة التي يرأسها شكيب بنموسى، وهي مذكرة تقع في 45 صفحة، تشمل تشخيصا للوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن، مع التطرق للمكتسبات والمنجزات المحققة، ورصد لأبرز العوائق والاختلالات المربكة.

إذ ترى مذكرة حزب "المصباح" أن أي نموذج تنموي يقتضي السعي لتنفيذ حقيقي وأمثل وديمقراطي للعقد الاجتماعي الذي كرسه دستور 2011، وترسيخ قيمه ومرتكزاته، وتقليص التفاوت المسجل بين ما نصت عليه مقتضياته من مبادئ وإجراءات وأهداف نبيلة وما أفضى إليه تنزيله من نتائج يسيرة.

ترى المذكرة أن النجاح في تنزيل أي نموذج تنموي يقتضي بلورة دينامية مجتمعية ايجابية، فإن الفرصة اليوم سانحة لتقوية قيم العمل والاستقامة والعدالة الاجتماعية والمجالية، ولاسترجاع دور الأسرة كلبنة أساسية في غرس هذه القيم وتوريثها، تمكينا لتوفير الخدمات، وصون كرامة المواطنين والمواطنات، وتحصين السلم المجتمعي من الهزات والاضطرابات، ولدعم قيم تمكينا لإطلاق الطاقات الحية في المجتمع والسعي نحو مستقبل آمن ومتطور، ومكانة متميزة بين دول العالم.

حزب المصباح ساق ما يزيد عن 20 نقطة تهم اختياراته الموجهة للنموذج التنموي، هذه أبرزها:

تحسين المناخ السياسي للمغرب وتعزيز حضوره الدولي

يقترح حزب العدالة والتنمية في هذا المجال تكريس سلوك نموذجي للدولة ومؤسساتها تجاه تنفيذ أحكامه، سعيا إلى إرساء دولة الحق والقانون وتعزيز المكتسبات والتصدي لكل الانتهاكات أو التراجعات أو الإخلالات أو المضايقات التي تمس بالحقوق والحريات، والتطبيع النهائي مع الديمقراطية، واحترام الإرادة الشعبية باحترام التعبير الحر للناخبين والقطع مع الممارسات القاضية بدعم الإدارة لحزب معني على حساب أحزاب أخرى.

ترسيخ الخيار الديمقراطي

يعتبر حزب العدالة والتنمية أن من أهم مداخل النموذج التنموي، تعزيز الديمقراطية، بوصفها آلية للتعبير عن إرادة الشعوب وضمان مشاركتهم في اختيار السياسات العمومية التي تدبر وفقها شؤونهم، وكذلك في اختيار من ينوب عنهم على مستوى مختلف المؤسسات التمثيلية والتنفيذية، وفق ما هو مقرر في دستور المملكة.

 

تسريع ورش الجهوية كرافعة لتحديث هياكل الدولة وتحسين الحكامة الترابية

ترى المذكرة أن الجهوية المتقدمة تشكل مدخلا لتحديث هياكل الدولة وإصلاح منظومة الحكامة العامة، وذلك من خلال مراجعة توزيع الأدوار بين المركز والمجال، فالأول يتم على صعيده تحديد الاختيارات الاستراتيجية، والثاني يتم على صعيده بلورة وإنجاز كل ما له طابع تنموي وتدبيري إجرائي، طبقا لمبدأ التفريع الوارد في الدستور. وهو ما يقتضي إسناد دور الجماعات الترابية بتفعيل وتعميق اللاتمركز الإداري، وتأطير العلاقة بين الإدارة والمنتخبين بضابطين أساسين هما التمايز في الوظائف والاختصاصات والتكامل في الفعل والتدخل.

    تطوير الحكامة لتسريع الإصلاح ورفع قدرات الإنجاز

يعتبر حزب العدالة والتنمية أن أهمية الحكامة تكمن في كونها مسألة أفقية ترهن بشكل كبير قدرة بلدنا على إنجاح مختلف الأوراش التي يباشرها. ويقدر الحزب أن أسس الحكامة تتجلى في أربعة عناصر، أولها النزاهة كمنظومة من القواعد والقيم التي تحكم مسؤولية الحفاظ على الموارد والممتلكات العمومية وضمان نجاعة استخدامها، وثانيها الشفافية، وخاصة ضمان ولوج العموم إلى معلومات دقيقة ومحينة، وثالثها الانفتاح والإدماج لضمان مشاركة واسعة لمختلف الفاعلين في المجتمع في إعداد وتنفيذ السياسات العمومية، وآخرها المحاسبة والمساءلة لضمان تدبير أمثل للموارد البشرية والمادية وربط الإنجازات بالأهداف.

استكمال تأهيل الترسانة القانونية وتفعيلها

يقترح محاربة الفساد، من خلال ترسيخ منظومة القيم لدى المغاربة بالارتكاز على مرجعياتهم الدينية والوطنية، وضمان التنزيل الأمثل للاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، بتخصيص الموارد اللازمة لها، وإرساء نظام فعال للتتبع والتقييم، وإرساء آلية لضمان سرعة التفاعل مع شكايات المواطنني من شتى مظاهر الفساد.

تطوير نجاعة والتقائية السياسات العمومية

يعتبر الحزب أن إرساء آليات خاصة لتتبع وضبط تدبير المشاريع الكبرى وتقييم نجاعتها وإرساء حكامة اقتصادية حقيقية، وتجميع السياسات الاجتماعية في منظومة موحدة ومندمجة للحكامة سيسهم في الرفع من نجاعة السياسات العمومية. كما نقترح مواصلة إصلاح المالية العمومية وترشيد النفقات من خلال تفعيل القانون التنظيمي لقانون المالية كمدخل لإصلاح المالية العمومية.

إصلاح الإدارة وتعزيز دور المجتمع المدني

يرى الحزب أن من الضروري إصلاح الإدارة، من خلال مباشرة إصلاح شامل وعميق يعتمد أساسا على الحكامة الإلكترونية والتدبير المبني على النتائج، ومراجعة نظام حكامة الخدمات العمومية.

توطيد الانتقال إلى مصادر جديدة للنمو وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني

يقول الحزب إن السبيل الأبرز يتجلى في النهوض بالصادرات المغربية، وتطوير الاقتصاد الرقمي، ودعم الإبداع والابتكار، وتطوير الاقتصاد الأزرق، وتدعيم التنمية المستدامة.

توجيه التحفيزات العمومية لخدمة الاقتصاد المنتج على مستوى القيادة

يقترح الحزب أن يعالج النموذج التنموي الجديد هذه الإشكاليات من خلال إعادة النظر في منظومة التحفيزات الجبائية والعقارية والدعم المالي العمومي، وتوجيه هذه التحفيزات نحو الاقتصاد والاستثمار المنتج، بما يرفع من الإنتاجية، ويحارب الريع والمضاربة والاحتكار والربح السهل.

تحرير الطاقات الكامنة ومحاربة الريع

يرى الحزب أن المغرب يمتلك الكثير من الإمكانات والفرص الاقتصادية والاستثمارية الكامنة، لذا يقترح أن يسعى النموذج التنموي الجديد إلى تحرير الطاقات بفسح المجال للتنافس الحر ولحرية المبادرة والمقاولة، باعتبارها أساس إنعاش الاستثمار والنمو والتشغيل، والمساهمة في تكبير الثروة الوطنية عوض الركون للمواقع والمصالح المكتسبة. كما نقترح القطع مع تنازع المصالح واستغلال مواقع النفوذ والامتياز، وإنهاء الممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار والهيمنة.

دعم التحول الهيكلي للنسيج االقتصادي عبر النهوض بالقطاع الصناعي

تقول مذكرة الحزب في هذا الباب إن إرساء نسيج اقتصادي قوي يرتبط ارتباطا وثيقا بتأهيل وتقوية القطاع الصناعي، ليكون قاطرة للتنمية الاقتصادية، وذلك عبر الحرص على تفعيل مخطط التسريع الصناعي. ويقتضي بلوغ هذا الهدف اتخاذ مجموعة من الإجراءات، تتمثل بالأساس في اعتماد نظام جبائي تحفيزي خاص بالقطاعات الصناعية المهيكلة، ومواصلة ورش تحسين مناخ الأعمال والاستثمار، وتنزيل إصلاح القانون البنكي، واعتماد استراتيجية وطنية شاملة ومندمجة لتعبئة العقار لفائدة المشاريع الاستثمارية.

تعزيز إنتاجية وتنافسية الاقتصاد الوطني

يتطلب تعزيز إنتاجية وتنافسية الاقتصاد الوطني اتخاذ مجموعة من الإجراءات، من أهمها إرساء علاقة أوثق بين التحفيز الدائم للنسيج الاقتصادي وبين الزيادة في الأجور وتحسين الإنتاجية في العمل، والتحفيز على التشغيل والتكوين المستمر، إيلاء العمل مكانته المحورية في الإنتاج، واعتماد القانون التنظيمي للإضراب وقانون النقابات المهنية، وتعزيز آليات دعم المقاولات الصغرى

والمتوسطة المبتكرة، واعتماد استراتيجية وطنية لتشجيع اندماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي الوطنيي.

تطوير الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية والحكومة الإلكترونية

لمواكبة الثورة الرقمية التي تسود العالم اليوم، نقترح العمل على وضع استراتيجية جديدة للمغرب الرقمي، تنبني على ثلاثة ركائز، أولها وضع المواطن في صلب اهتمام المتدخلين العموميين وتمكينه من الولوج إلى خدمات الحكومة الإلكترونية، وثانيها تحفيز المقاولات الوطنية على اعتماد المعلوميات في التدبير والتسويق وكافة المعاملات، وثالثها جعل التكنولوجيات الرقمية رافعة للتنمية البشرية، وقيمة مضافة لكافة القطاعات الاقتصادية.

دعم الإبداع والابتكار والبحث العلمي

ولرفع القدرة التنافسية والصادرات والاستثمار، يقترح الحزب دعم الابتكار والبحث العلمي من خلال تهيئة بيئة مواتية أكثر لتنميتهما، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في تمويلهما، إذ أصبحا اليوم محددين أساسين لتحسين التنافسية.

تعزيز الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر

يرى الحزب أن الإكراهات البيئية التي يعاني منها المغرب، من إجهاد مائي، وتدهور بيئي، وتبعية طاقية، وهشاشة إزاء تغير المناخ، تفرض عليه إعادة توجيه النموذج الاقتصادي نحو اقتصاد أخضر مندمج، كفيل بتوفير فرص الشغل وبتقليص الفقر، وبتسوية اختلالات التنمية الترابية.

تطوير الاقتصاد الأزرق

يقترح الحزب اعتماد اسـتراتيجية وطنية في هذا المجال، وبلـورة رؤيـة ترتكز على القطاعات الاقتصادية التقليدية، كالصيد والسياحة والأنشطة المينائية، مع العمل على النهوض بقطاعات جديدة ذات إمكانات نمو عالية، والتي تستدعي الاستثمار في البحث والابتكار لتثمين الخدمات البحرية، لا سيما فيما يتعلق بالتكنولوجيات الحيوية البحرية والطاقات المتجددة، فضلا عن أنشطة تحلية المياه، وأنشطة التنقيب واستكشاف الموارد المعدنية والأحفورية.

تثمين الثروة البشرية للاستجابة لتحديات التنمية

يعتبر الإنسان أساس التنمية ومحركها وموضوعها وغايتها، وهو ما يستوجب العمل على ضمان كرامة المواطن وحقوقه وأمنه الروحي والمادي، وتحسين جودة المنظومة المكرسة لتربيته وتكوينه، وتوسيع تغطيته الاجتماعية والصحية وتحسين خدماتها.

تفعيل إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي

تقول المذكرة إن مختلف الدراسات الوطنية والدولية أكدت أن ضعف المنظومة التكوينية يعلو قائمة معيقات التنمية ببلادنا. ولتجاوز هذا الوضع، تقترح المذكرة التنزيل الناجع لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، من خلال تسريع إصدار القانون الإطار المتعلق به، وإصلاح المناهج والبرامج، وتأهيل الموارد البشرية، وتطوير حكامة المنظومة، وإصلاح التعليم الخاص بتبني نموذج مواطن ومتضامن، على أن يظل التعليم خدمة عمومية تضمنها الدولة وتحدد مواصفاتها الملزمة لجميع المتدخلين.

كما تقترح إرساء مدرسة منصفة وذات جودة عالية بجميع مجالات التراب الوطني، وذلك من خلال اعتماد التعميم التدريجي للتعليم الأولي، واستثمار رصيد الكتاتيب القرآنية، مع اعتماد وتفعيل بيداغوجيات تتمحور حول المتعلم، وإرساء الشروع المندمج للمؤسسة التعليمية.

تحسين وتعميم الخدمات الصحية

يقترح الحزب نهج سياسة صحية تهدف إلى تطوير وتعميم وأنسنة الخدمات الصحية، وأن تشمل جميع الجهات وكافة الفئات مع الاعتماد على أساليب حديثة، واعتماد سياسة دوائية تكفل توفير الأمن الدوائي بدون أن تغفل تحديث نظام التكوين والبحث العلمي في ميدان الصحة. وتشمل هذه السياسة جميع المؤشرات الصحية، من خلال رفع الميزانية المخصصة لقطاع الصحة، وتطوير كفاية وأهلية المؤسسات الصحية.

تحسين الولوج للثقافة والرياضة

تقترح مذكرة الحزب تحسين الولوج لمختلف الأنواع الرياضية، وتعزيز الإشعاع الرياضي، من خلال بلورة واعتماد ميثاق الرياضة للجميع، وتعزيز سياسة القرب الرياضي، وتحسين وترشيد المساعدات المقدمة للجامعات والجمعيات الرياضية، وإرساء شراكة بين القطاعين الخاص والعام والجماعات الترابية لتنمية وتدبير البنيات التحتية الرياضية للقرب.

تعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية والقطاعية

تقول المذكرة في هذا الشق إن مطلب تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية والقطاعية لا يعني فقط محاولة تقليص التفاوتات المبنية على اختلاف الجهود المبذولة أو الاستحقاق، بل يرتبط أيضا بالسعي إلى معالجة الاختلالات المهددة للسلم الاجتماعي، بما فيها العدالة المتعلقة بالنوع الاجتماعي.

الحد من الفوارق الكبيرة في الدخل ومحاربة الفقر والهشاشة

ترى مذكرة الحزب أن أهم خطوة في هذا السبيل تتعلق بتسريع إخراج السجل الاجتماعي الموحد، الذي يعتبر المدخل الأساس لإحداث منظومة لليقظة الاجتماعية يعهد إليها برصد وتتبع وتقييم وتصنيف الظواهر الاجتماعية، ورصد الفئات الفقيرة والهشة، واعتماد قاعدة معطيات موحدة لهذه الفئات. ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والحد من الفوارق المهولة في الدخل، ويقترح إصلاح منظومة الأجور العمومية لتصحيح الاختلالات العميقة في هذه المنظومة، وتجويد حكامة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتطوير برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية بالعالم القروي.

السعي إلى تكافؤ الفرص وتوحيد المعاملة في الشغل

لتحقيق تكافؤ الفرص في ميدان الشغل، يقترح الحزب تفعيل استراتيجية التشغيل، وتجويد برامج إنعاش الشغل وتحسين أداء مؤسساته، من خلال ربطها بالاستراتيجيات القطاعية، وتعزيز دور الجماعات الترابية في هذا المجال. كما يقترح إيجاد الآليات اللازمة واتخاذ الإجراءات الناجعة من أجل ربط منظومة التربية والتكوين ومحو الأمية بالتشغيل.

تنفيذ سياسة مندمجة لإعداد التراب والاستفادة المتكافئة من البنيات التحتية

يقترح حزب العدالة والتنمية لتحقيق تنمية مندمجة ومستدامة ومتناسقة لمختلف المجالات، والحد من الاختلالات على هذا المستوى، اعتماد وتنزيل التوجهات العامة لإعداد التراب الوطني والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، واستمرار مساهمة الدولة في إنجاز البنيات التحتية على مستوى الجماعات الترابية، وإخضاع برامج فك العزلة عن العالم القروي لمعايير موضوعية، وتفعيل برنامج وطني للمراكز القروية الناشئة.

دعم حصول الطبقات الفقيرة والمتوسطة على سكن اللائق

يقترح مراجعة جذرية لسياسة معالجة أوضاع السكن غير اللائق، بالتركيز على تلك التي تشكل تهديدا للساكنة، من قبيل السكن المهدد بالانهيار، واعتماد مقاربات مندمجة تستحضر مساهمة الساكنة والجماعات الترابية إضافة إلى الدولة. كما يقترح مراجعة سياسة دعم السكن عبر اعتماد منظومة تركز على المستفيدين عوض المنتجين لعروض السكن، وتوجيهها لمختلف الفئات الاجتماعية والمتوسطة بمنظومة متكاملة من أدوات الدعم، مع تيسير الولوج للتمويل.