تأجيل سداد قروض السكن والاستهلاك.. سوء الفهم الكبير بين الأبناك والزبناء

عبد الرحيم سموكني

كيف تسير عملية تأجيل قروض المعسرين؟ وما هي شروط الأبناك للموافقة على طلب تأجيل سداد الأقساط الشهرية، سواء تعلق الأمر بقروض السكن أو الاستهلاك؟ وما حقيقة أن المستفيد من التأجيل يتعرض لنسب فوائد إضافية؟ وهل يمكن أن تؤدي الهرولة الكبيرة نحو طلبات تأجيل السداد إلى خلق ضغط كبير على قطاع يعتبر من القطاعات الاقتصادية التي تنمو في الداخل والخارج؟

يواصل موضوع تأجيل دفع ديون الأبناك بالنسبة للمعسرين في السداد بسبب تأثر وظائفهم بسبب انتشار جائحة فيروس "كورونا 19" شغل كثير من الناس. فمنذ إعلان الحكومة، بمباركة من بنك المغرب عن تدابير تهدف لحماية الدائنين المتضررين من الفيروس، كثر اللغط في الموضوع، بين من يرى أن الأبناك تمارس تلكؤا في الموضوع، وأنها تريد استغلال الوضع لمراكمة أرباح جديدة عبر سن نسب فائدة جديدة ولو كانت ضئيلة، لكن في الجهة المقابلة، يرى مسؤولون بنكيون واقتصاديون، أن شريحة الزبائن بدورها، تضم استغلاليين وانتهازيين يريدون الاستفادة من تأجيل سداد أقساطهم حتى وإن لم يكونوا متضررين من الجائحة.

سرعة إعلان وهرولة موظفين

تقول مديرة وكالة بنكية لـ"تيلكيل عربي" إن سوء الفهم الكبير وقع عندما سارعت الحكومة، عبر لجنة اليقظة، إلى إعلان إمكانية تأجيل سداد أقساط الديون، دون أن يكون هناك إعداد مسبق لكل ما هو تقني ومالي، فالمعلومة بتفاصيلها الكاملة، لم تتضح إلا بعد مرور أسبوعين على الأقل، وهو ما خلق لموظفي الأبناك غموضا كبيرا في البداية، ودفع بعض الزبناء إلى الشك في المبادرة من أصلها.

وتضيف هذه المسؤولة بأن الغموض لم يكن مقتصرا على الزبناء، بل طال أيضا مستخدمي القطاع البنكي، الذين كانوا ينتظرون كل صباح التوصل بتفاصيل هذه العملية.

بعد مرور أكثر من شهر على تطبيق الحجر الصحي والطوارئ الصحية، ما أدى إلى تضرر قطاعات واسعة من الاقتصاد، ودفع بآلاف العمال والمستخدمين إلى التوقف عن العمل، كشفت أرقام رسمية أن 400 ألف ملف جرى دفعها للاستفادة من تأجيل السداد، وهي تشمل الأجراء والشركات.

تشدد مسؤولة بمجموعة بنكية فرنسية أن الإشكال، في البداية، كان إقناع الزبناء بأنه ليس من حق الجميع أن يؤجلوا سداد ديونهم، وأن الأولوية  للشريحة الأكثر تضررا من الجائحة.

ويفسر المصدر: "في بداية الأزمة، كنا نستقبل طلبات موظفين للدولة، ويرغبون في الاستفادة من التأجيل، كان من الصعب إقناعهم بأنهم غير معنيين، لأن نشاطهم لم يتأثر، ومع ذلك كانوا يصرون ويطلبون منا أن نجد لهم صيغا للاستفادة".

ثلاث صيغ للتأجيل

كثير من المغاربة يطرحون السؤال: من الأحق بالاستفادة من تأجيل أقساطه ديونه الشهرية التي تلتهم حصة محترمة من دخله؟

ترد مديرة وكالة بنكية في مدينة الدارالبيضاء، بأن الأمور واضحة لأن المتضرر من "كورونا" ظاهر، وتقول "نطلب منه شهادة من مشغله تثبت تعرض نشاط الشركة أو المقاولة، إما للتوقف الكلي أو الجزئي، فطلبات التأجيل تدرس حالة بحالة، وقطاعا بقطاع، ثم إن النظام المعلوماتي المالي المشترك بين الأبناك والتأمينات، لا يمكن أن يكذب أو أن يخفي معطيات أو يزورها، فعندما يتأثر مستخدم ما، ويتعرض أجره إما للبتر أو التخفيض أو الانقطاع فهي أمور تظهر وبسهولة". وتضيف مديرة الوكالة التابعة لمجموعة بنكية فرنسية "لقد توصلنا بالعديد من الطلبات، ويمكن أن أؤكد لك أننا البنك الوحيد الذي لا يطبق أي فائدة على التأجيل، وهناك تنافس وتباين بين ما تقدمه البنوك في هذا الباب".

يقول مصطفى فاق، مدير وكالة بنكية تابعة للبنك الشعبي، إن النظر في ملفات طلبات التأجيل يراعي أيضا القطاعات التي ينتمي إليها طالبو التأجيل، ويقول "بالنسبة لقروض السكن الاقتصادي المعروف بـ"فوغاريم"، فكل أصحابها استفادوا تلقائيا من تأجيل دفع أقساطهم الشهرية الخاصة بقروض السكن".

ويؤكد الإطار البنكي لـ"تيلكيل عربي" أن القطاع الاقتصادي يبقى محددا كبيرا لمدى تضرر الزبون، فمثلا العاملون في القطاع السياحي لا يحتاجون لإثبات تضررهم، والأمر نفسه ينطبق على المشتغلين في الفنادق والمطاعم، ومع ذلك يكشف مصدر "تيلكيل عربي" أن بعض القطاعات التجارية، التي يمكن القول إن رقم معاملاتها انتعش في فترة الحجر الصحي، خاصة قطاع التغذية العامة، بادر بعض أصحابها إلى التقديم على طلبات التأجيل، هؤلاء لا يمكن قبول تأجيل سداد قروضهم، لأنهم بكل بساطة لم يتضرروا".

فبعد أسابيع من إطلاق مبادرة تخفيف وطأة الجائحة على المتضررين، من خلال اعتماد تدابير اقتصادية واجتماعية، تحول النقاش حول من يستحق الاستفادة، ثم هل ستستغل الأبناك الوضع لتزيد من أرباحها، وهل هناك فخاخ في العملية تترصد بالمستفيدين؟

وحسب المسؤول البنكي، فإن هناك ثلاث صيغ للاستفادة من التأجيل، ويمكن للزبون أن يختار ما يناسبه، ويقول "هناك صيغة أولى: تقضي بأن يجري تأجيل فترة سداد ثلاثة أشهر مع بقاء فترة السداد كما هي، وهنا ترتفع قيمة القسط، وهو أمر طبيعي، والصيغة الثانية هي تمديد فترة السداد دون المس بقيمة القسط الأصلية، أما الصيغة الثالثة فتقضي بتقسيم قيمة المبلغ المؤجل على باقي المدة المتبقية دون تمديد مدة السداد. ويوضح "الصيغة الثالثة تبقى الأكثر قبولا، كما أن الزيادة ستكون في حدود 50 درهما".

الحذر من إنهاك البنوك

يرى خبير مالي، رفض الكشف عن هويته، أن ظرف الوباء لا يجب أن تشكل ضغطا إضافيا على القطاع البنكي، خاصة وأنه أحد القطاعات الحيوية والرئيسية في العملية الاقتصادية الذي هو قاطرة الاقتصاد "اليوم تجد الأبناك نفسها بين مطرقة بنك المغرب، الذي يوفر السيولة اللازمة وخفض معدل الاقتراض الرئيسي، لكن في الوقت ذاته، فهذه الأبناك لا يمكن أن تتجاوز النسبة المعقولة لتدبير مخاطر عدم السداد، بمعنى آخر، فالبنك المركزي يسهل من جهة، لكنه في المقابل سيكون أول من يضبط هذه الأبناك إن تعدت الخط المسموح به في عدم الالتزام بالسداد بالنسبة للزبائن.

وحسب المصدر ذاته، فإن آخر تصنيف لوكالة "موديز"، والذي صدر قبل أيام فقط، ليس مفاجئا، بالنظر إلى الضغط الكبير الذي يعيشه القطاع البنكي المغربي، إذ أن وكالة التصنيف الائتماني "موديز" عدلت من توقعاتها المستقبلية بخصوص الأبناك المغربية من "مستقرة" إلى "سلبية".

التصنيف السلبي، وإن كان أقل حدة من تصنيف اقتصاديات أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا، فإنه حذر من تدهور في جودة وربحية القروض، إذ تتوقع وكالة التصنيف الأمريكية أن يستقر نمو القروض في حدود 5 في المائة خلال السنة الجارية مقابل 5,7 في المائة سنة 2019، كما ستتراجع مداخيل القروض بسبب الوباء نتيجة زيادة الديون المتعثرة أو المتعسرة.

وترسم "موديز" أفقا مقلقا للقطاع البنكي المغربي إذ تتوقع أن ترتفع الديون المتعثرة في المغرب بنسبة تتراوح ما بين 9 إلى 11 في المائة من إجمالي القروض لسنة 2020، مقابل 8,1 في المائة نهاية سنة 2019.

قطاع حيوي لا حاجة لشيطنته

يرى محمد العربي، نائب رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، أن الإشكال في أصل الضغط المخلوق على الأبناك اليوم مرده التدبير السياسي للجائحة، إذ كان الهم في بداية انتشار الفيروس أن تقدم الدولة تطمينات للمواطنين، هذه السرعة لم تكن موجودة في إعداد كل ما هو تقني ومواكب، كانت ستجنب الجميع التخبط في مشاكل ثانوية، ويقول "اتخاذ قرار سياسي، وهو كان بحسن النية، أدى إلى إغفال الجوانب التقنية، وهذا ما أدى إلى تراكم وهرولة كبيرة للراغبين في الاستفادة من تأجيل سداد أقساط الديون".

ويرى العربي أن عدم التنسيق مع الأبناك منذ البداية أدى إلى خلق بلبلة كبيرة، وهو أمر ليس في صالح الجميع، ويوضح "إن حماية المستهلك هي حماية للاقتصاد الوطني، قطاع الأبناك قطاع نشيط، وأحد القطاعات الاقتصادية التي تحقق نتائج مبهرة داخليا وخارجيا، وبالتالي فلا يمكن أن نستنزفها في هذه الظرفية بسبب المظلومية والهرولة للاستفادة من تأجيل أقساط حتى ولو لم يكن الشخص متضررا من الجائحة. إنه قطاع حيوي أبهر الأجانب بفضل توسعه في إفريقيا، ما يعني أننا لسنا في حاجة اليوم لشيطنته، وعلينا الحذر من إنهاكه".

ويعتبر العربي أنه جرى تضخيم النقاش الدائر حول دور الأبناك في هذه الجائحة، مع العلم أن القانون المغربي يوفر حماية للدائنين المتعسرين أو المتعثرين في السداد، والمطرودين من العمل، ويقول "قبل الوباء، كان القانون يمنح فترة سنتين لمن طرد من عمله، دون برمجة نسبة فوائد إضافية، بمعنى أن المستهلك يتوفر على حماية مسبقة، أما اليوم فما رأيناه أن أشخاصا ليسوا متضررين بالمرة ويسارعون للاستفادة من تأجيل سداد أقساطهم، كما وقع مع كثيرين ليسوا معوزين، ومع ذلك يتوفرون على بطاقة راميد وتقدموا بطلبات الاستفادة من الدعم، هؤلاء وعقلياتهم هو الخطر بعينه".

ويشدد العربي على أنهم في الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، تقدموا بمجموعة من التوصيات للجنة اليقظة الاقتصادية والاجتماعية، كان أبرزها التعامل مع طالبي تأجيل السداد حالة بحالة، مع إعطاء الأولية للقطاعات المتضررة بشكل كبير.