يخصص الدكتور عبد السلام طويل الدفتر السادس من دفاتر تفكيك خطاب التطرف، ضمن سلسلة الإسلام والسياق المعاصر، للرابطة المحمدية للعلماء، لموضوع "من الخلافة إلى الدولة.. قراءة في السياق وتفكيك المفهوم".
من الخلافة إلى الدولة
بعد تأكيد الباحث على أن العودة بالدولة والمجال السياسي إلى نظرية الخلافة هيأ التربة لاستنبات فكرة سياسية جديدة، في الوعي الإسلامي المعاصر؛ يتعلق الأمر بفكرة "الدولة الإسلامية"، التي ستشهد صياغتها النظرية في الأدبيات السياسية للحركات الإسلامية منذ حسن البنا (مؤسسة جماعة الإخوان المسلمين)، يقول إن الخلافة باعتبارها نظاما سياسيا وشكلا للاجتماع السياسي الإسلامي، تعاقد دستوري أساسه الاختيار، يتمثل نموذجه التاريخي في صحيفة المدينة التي أبرمها الرسول (ص)، وتم التصيص فيها، لأول مرة في التاريخ الإنساني، على أن المسلمين واليهود أمة من دون الناس؛ أي أمة سياسية قائمة على المساواة في الحقوق والواجبات بين سائر مواطنيها، في تمايز واضح عن الأمة العقدية القائمة على وحدة الانتماء الديني.
وانتقل الكاتب بعد ذلك إلى مفهوم "الدولة الإسلامية" الذي يعتبره مفهوما مبتدعا حديثا؛ يعبر عن التأثر الشديد للفكر الإسلامي المعاصر بالفكر الحديث الذي يعطي للدولة مكانة استثنائية تجعل منها "المعبود الحقيقي للمجتمع»، لأنه يطابق فيها بين هويته وقيمه وروحه ونظامه وغاياته.
واعتبر أن صفة "الإسلامية" في مفهوم "الدولة الإسلامية" لا تضفي، أية قداسة دينية على هذه الدولة؛ فهي ليست إسلامية من حيث هي جهاز وبنية سياسية متميزة جاء بها الإسلام.. وهي ليست إسلامية بمعنى أن السلطة معصومة وملهمة من قبل الله.. وهي ليست إسلامية بمعنى أنها تتطابق في بنيتها وأهدافها وطرق ممارستها للحكم مع نموذج أوصى به وأقره الدين. فهي إسلامية فقط بمعنى أنها دولة المسلمين كجماعة سياسية.. أو دولة المجتمع الإسلامي المعبرة عن مشكلاته والصادرة عن مرجعيته. والحاصل أن التجربة الحضارية العربية الإسلامية قد تميزت بتساكن الدين والدولة دون أن يغير في العمق أي منهما الآخر؛ فلم تحول الدولة دون الإسلام لتجعل منه دين دولة، كما نجد ذلك في الإمبراطوريات القديمة وفي الدول الفاشية، كما أن الإسلام لم يحول الدولة إلى مؤسسة دينية.
لا نظرية قرآنية حول الدولة
يؤكد الباحث على أنه نظرا لأن العديد من الحركات الإسلامية حينما تطالب بإقامة الدولة الإسلامية أو تبشر بالخلافة الإسلامية على منهاج النبوة؛ فإنها لا تتجاوز مستوى الشعار العام دون أن تكلف نفسها عناء تحديد طبيعة هذه الدولة، أو شكل توزيع السلطات داخلها، وكذا العلاقة بين هذه السلطات، وأشكال الرقابة على الحاكمين، وكيفية اختيارهم ومدة ولايتهم، والآليات الدستورية التي تمكن من تنصيبهم وعزلهم..
ولأن الإسلاميين الذين يتخذون من هذا المطلب أولوية لا يجدون تناقضا بين المطالبة بـ"إقامة الدولة الإسلامية" من جهة، وبين المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية من جهة أخرى، ومع أن تطبيق الشريعة لا يمكن تصوره إلا ضمن دولة إسلامية، كما أن تجريد الدولة من الصفة الإسلامية يجعل مطالبتها بتطبيق الشريعة غير ذي موضوع.
ويزيد أن الإيحاء الذي يولده مطلب إقامة الدولة الإسلامية، ولو من غير قصد، هو أن الدول القائمة في العالم الإسلامي دول كافرة أو على الأقل دول علمانية، مع العلم أن الإسلام حينما يكو وصفا للفرد العيني يكون "إسلاما تكليفيا"، أما حينما يكون وصفا لمؤسسات وشخصيات اعتبارية أو معنوية كالدولة فإنه يكون "إسلاما حضاريا غير تكليفي". كما أن مفهوم وصفة "الإسلامية" بالمعنى المعاصر: أي كما يستخدمه ويطلقه الخصوم على ظاهرة الحركة الإسلامية المعاصرة وعلى الدولة الإسلامية مفهوم حديث.
ويشدد الكاتب على أن غياب نظرية قرآنية حول الدولة والسياسة لا يستهدف التشكيك في شمولية الإسلام كما قد يعتقد الكثير من المتحمسين لاستعادة مشروع "الدولة الإسلامية"، بل على العكس من ذلك تماما، يذهب إلى أن "رسالة العرب في الإسلام كانت أكبر من بناء الدولة بكثير.. كانت رسالة التضحية الكلية والدائمة في كفاح لا يكل من أجل العقيدة ورفع راية الإيمان والدين الصحيح".
وأوضح أنه لو أن القرآن قدم أية نظرية في هذا الشأن "لأخضع الدين للدولة، وجعل من بنائها مقصد الدين وغايته، ولكانت النتيجة تأسيس الدولة الإلهية والثيوقراطية بالمعنى الحر للكلمة على الأرض، ومن ثم انتفاء الحاجة للبحث والحساب ويوم الدين، ولو حصل ذلك لكان محمدا جابيا ولم يمن هاديا"، كما نقل عن برهان غليون.