بعد الأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء، ليوم 16 ماي 2003، دخل المغرب في دينامية تحاول أن تجمع بين المقاربة الأمنية والقانونية والتنموية، وأيضا المقاربة الفكرية، لتفكيك فكر المتطرفين من طرف علماء معتدلين، تنزيلا للحديث النبوي الذي يقول "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".
في هذا السياق، انخرطت البلاد في "إصلاح الشأن الديني"، بقيادة إمارة المؤمنين، لـ"ما تستلزمه الإمامة العظمى من واجب حراسة الدين وإقامة شعائره وشرائعه، وتمنيع قيمه ومكارمه مما قد يلابسها من ذرائع الزيغ والانحراف أو شوائب التنطع والابتداع"، على حد تعبير ديباجة الظهير الشريف رقم 1.05.210 الصادر في 14 فبراير 2006، لتخويل رابطة علماء المغرب صفة مؤسسة ذات نفع عام، تحت اسم "الرابطة المحمدية لعلماء المغرب".
وقد جعل هذا الظهير من مهام الرابطة "التعريف بأحكام الشرع الإسلامي الحنيف ومقاصده السامية والعمل على نشر قيم الإسلام السمحة وتعاليمه السامية بالحكمة والموعظة الحسنة واحترام مبادئ الوسطية والاعتدال".
وقد شرعت الرابطة المحمدية للعلماء، تحت قيادة أمينها العام الدكتور أحمد عبادي، الذي تم تعيينه من طرف الملك محمد السادس يوم 22 نونبر 2006، منذ السنة الماضية (2018)، في إطار وحدة "تفكيك خطاب التطرف"، في إصدار "دفاتر تفكيك خطاب التطرف"، ضمن "سلسلة الإسلام والسياق المعاصر"، فضلا عن تطوير الصيغة الجديدة من منصة "الرائد" العلمية الإلكترونية، لـ"تمكين رواد الشبكة الرقمية من تلقي المعرفة الدينية الآمنة والسليمة من الغلو والتطرف"، ولتكون "منارة علمية لرواد الإبحار الرقمي النافع، من خلال تمنيع قيم الدين الحنيف من ذرائع الزيغ والانحراف والجمود، ليكون ذا جاذبية ونفع للشباب المغربي، وتحقيق مقاصد تقديم العلم الشرعي والسياقي، بطريقة فاعلة، وناجعة، ووظيفية، ومتزنة، ووسطية".
و"دفاتر تفكيك خطاب التطرف" هي "سلسلة علمية تم إعدادها بالرابطة المحمدية للعلماء عبر وحدتها المختصة في تفكيك خطاب التطرف، عبر تفكيك عدد من المفاهيم ذات الصبغة الشرعية التي تستند إليها الجماعات المارقة، ويحرفها دعاة التطرف والإرهاب، ويبنون عليها خطابات المفاصلة والكراهية، والعنف"، حسب الرابطة.
وإذا كانت منصة "الرائد" تقدم في مدة وجيزة (12 دقيقة) دروسا ومحاضرات مركزة وهادفة ومستمدة من الثوابت الدينية والروحية للمملكة، فإن "دفاتر تفكيك خطاب التطرف"، التي وصل عددها إلى 20 دفترا حتى الآن، تنسج على منوالها، فهي مركزة جدا، وتتراوح صفحاتها بين ما دون الثلاثين ودون الستين.
وكانت باكورة "دفاتر تفكيك خطاب التطرف"، دفتر تحت عنوان "في تفكيك خطاب التطرف"، من تأليف أحمد عبادي (المشرف العام على السلسلة كلها لكن الدفاتر من تأليف مجموعة من الباحثين إلى جانبه)، وهو موضوع الحلقة المقبلة ضمن سلسلة رمضانية يقترحها عليكم "تيل كيل عربي" لقراءة في هذه الدفاتر التنويرية.