حكاية ثلاثة مغاربة انقلبت عطلتهم إلى كابوس بسبب زلزال إندونيسيا

تيل كيل عربي

انقلبت عطلة الصيف بالنسبة لثلاثة مغاربة، توجهوا إلى شواطئ أندونيسيا، إلى كابوس حقيقي بعدما نجوا بأعجوبة من زلزال مدمر ضرب إحدى الجزر المشكلة للأرخبيل، هذه حكاية ثلاثة شبان مغاربة علقوا في البلد الآسيوي، الذي قتل فيه الزلزال 319 شخصا وجرح المئات.

ثوان مباغتة ورعب تسونامي

بضع ثوان كانت كافية لتقلب عطلة ثلاثة شبان مغاربة رأسا عل عقب، شريف 25 عاما ونزار 34 عاما وزكرياء 32 عاما، ليبقى يوم الأحد 5 غشت راسخا في ذاكرتهم إلى الأبد، بعدما عاشوا لحظات عصيبة بسبب زلزال مدمر بلغت قوته 6,9 على سلم ريشتر، الذي هزّ جزيرة لومبوك الاندونيسية، الواقعة شرق بالي، والأكثر شهرة في الأرخبيل.

لم يتوقع الشبان الثلاثة، حتى وهم يرسمون أسوأ السيناريوهات التي من الممكن أن تلاحق سائحا يزور جزيرة لومبوك الصغيرة، التي تتوفر على شواطئ خلابة تجذب عشاق ركوب الأمواج من كل حدب وصوب، أن سفرهم من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، سينتهي بعيش فظاعة الزلازل.

يحكي نزار لـ"تيل كيل" "وصلت إلى إندونيسيا يوم الأحد قبل وقوع الزلزال. ثم علمت بعدها أن زلزالا مدمرا ضرب الجزيرة في الصباح، في تلك اللحظة التي تلقيت فيها الخبر، كنت أقف أمام مصالح الجمارك في مطار كوالا لمبور، فتيقنت أنه فات الأوان لتغيير الوجهة".

بعد قضاء أسبوع في القرية، قرر نزار الذهاب إلى "جزر جيلي"، إحدى الوجهات الاكثر شهرة لدى عشاق الغطس والغوص.

كان مخطط نزار يقضي بالقيام بجولة في مجموعة صغيرة من الجزر، إذ بدأ بأكبرها وهي جزيرة "جيلي تروانغان"؛ يقول نزار "وصلت يوم الأحد 5 غشت في وقت مبكر من بعد الظهر واكتشفت جزيرة صغيرة بشواطئ من الرمال البيضاء والمياه الفيروزية، لا وجود للسيارات في هذه الجزيرة الصغيرة. نتحرك مشياً على الأقدام أو بالدراجة أو على العربات التي تجرها الخيول. كان هناك الكثير من الناس، ولكن أقل من المعتاد، وفقا للسكان المحليين. كان لزلزال الأسبوع الماضي، على الرغم من عدم حدوث أي أضرار مادية، تأثير على عدد السياح الحاضرين".

تأبط الجواز لكشف الهوية في حال الموت

ووفقا لهذا المغربي، فإن جزر "جيلي" بسيطة للغاية: فهناك فنادق ومطاعم وحانات ومحلات غوص، يتركز معظمها على الساحل، يوضح "استكشفت الجزيرة في فترة ما بعد الظهر. وبعد غروب الشمس، خرجت للحصول على بعض الطعام والشراب. اخترت مطعما وقصدته، اخترت طاولة على البحر، كان كل شيء جميلاً وهادئا، إلى أن بدأت الجزيرة ترتجف وتهتز من تحت أقدام السياح ومرتادي المطعم. عم الصمت المكان، فيما تسمر الزبائن في أماكنهم، وهم يتبادلون نظرات الاستفهام، لكن بعد مرور خمس ثوان، بدا البحر كأنه تجمد ولم تعد به تيارات، فقررت الهرب مبتعدا عن الشاطئ، لكني رمقت حشودا تقوم بالعكس، أي تبتعد قدر الإمكان عن البنايات وتهرول مسرعة نحو البحر، فتسمرت في مكاني، وأنا أراقب البحر، إن كانت هناك موجة مد كبيرة ستضرب الشاطئ".

بحسب السلطات الإندونيسية، فإن بؤرة الزلزال كانت في قلب المحيط الهادئ، وتحديدا على بعد 10 كيلومترات من الشاطئ، ما دفع السلطات إلى إطلاق تحذير من موجة تسونامي، قبل أن يجري التراجع عنها.


"في لحظة الزلزال، كنت أهم بمغادرة النزل الذي أقيم فيه، لأبحث عن مطعم لأتناول الطعام، لحسن حظي كنت في الجهة المقابلة للشاطئ، وكانت الشمس تهم بالمغيب، وأثناء سيري على الأقدام، اخترقت مسامعي صيحات حادة"، يروي زكرياء بوجليل ذو 32 عاما، الذي وصل إلى أندونيسيا يوم 22 يوليوز لقضاء عطلته الصيفية هناك.

كما نزار، وصل زكرياء إلى لومبوك في يوم الزلزال أي الأحد 05 غشت، "كان الجميع يصرخ ويركض في مختلف الاتجاهات، وبما أن التيار الكهربائي تعرض للانقطاع، سادت الفوضى المكان، واعتقدت بداية أن هناك اعتداء إرهابيا أو تفجيرا قريبا من المكان، ثم لحظات بعدها، بدأت الأرض في الاهتزاز بشكل عنيف، لدرجة أني اضطررت إلى الجلوس على الأرض، بعدما تبين لي أن الحفاظ على توازني واقفا أمر جد صعب، استمرت الهزة ما يقارب 20 ثانية"، يحكي زكرياء تفاصيل يوم الأحد الأسود.

على غرار جميع السياح في الجزيرة، فكر زكرياء في أن الأمر مرتبط بموجة تسونامي، يوضح قائلا "وجهت نظري صوب البحر لأتبين إن كانت هناك موجات عالية، فاكتشفت أن سطحه هادئ، فقررت العودة إلى النزل لاستعادتي حقيبة الظهر، حيث أضع جواز سفري ونقودي، لأني فكرت في حالة مقتلي أن يسهل التعرف على هويتي".

يواصل ابن مدينة الدارالبيضاء سرد تفاصيل يوم الأحد لـ"تيل كيل" ويقول "بعد استعادة حقيبة الظهر، قررت التوجه إلى وسط المدينة بحثا عن أماكن مرتفعة، وفي طريقي صادفت عمليات إنقاذ متفرقة في الشوارع، وقد شاركت في إخراج بعض العالقين تحت ركام البنايات، وأتذكر مشهدا لن أنساه ما حييت، وهو عندما ساعدت في إخراج طفل صغير من تحت ركام جدار سميك، لكن للأسف عندما أخرجناه، وجدناه قد فارق الحياة".

في الطريق دائما، هربا من الزلزال والهزات الارتدادية، التي كانت تتكرر كل 20 دقيقة تقريبا، ستستغيث سائحة بزكرياء، يقول "ما إن ودعت الصغير الميت، وعلى بعد أمتار قليلة، طلبت مني سيدة في الأربعين من العمر مساعدتها على الوصول إلى فندقها، كانت غير قادرة على الحركة، وتشتكي من كسور في حوضها، فلبيت طلبها وحملتها إلى أن وصلنا إلى مكان عار، وخال من البنايات والجدران، فأقنعتها بأن نستريح وننتظر يد المساعدة، وبعد أزيد من ربع ساعة، التقينا زوجا إسبانيا ينزل في الفندق ذاته الذي تبحث عنه السائحة الأربعينية، فأخبرتها بأنها نزيلة أيضا، فما كان منها إلا أن اتصلا بالفندق وأعلما عن مكاننا، فانتظرنا دقائق معدودات، حتى وصلت مسعف خصيصا للسيدة".

قط برتقالي وإنقاذ بالمتاح

"تمشيت بضع خطوات على الأقدام دون أن تكون لي وجهة محددة، فإذا بي أرمق قطا برتقالي اللون، ففكرت أن الحيوانات تهرب إلى أماكن آمنة في حالات الزلازل، فقررت أن أتبع هذا القط، لأجده قد قادني نحو ملعب كرة قدم كبير، لجأ إليه كثير من السياح وأبناء المنطقة، كانت الأصوات تمتزج بين الدعاء والتكبير، فيما اخترت أنا قراءة بعض سور القرآن. كان أغلب الناجين يبحثون عن اللجوء إلى أماكن مرتفعة خاصة الهضاب، لكني فضلت المكوث في ملعب الكرة وقضاء الليلة هناك، بينما كانت الهزات الارتدادية متواصلة بوتيرة مختلفة في التوقيت"، يحكي زكرياء تفاصيل لجوئه للاختباء من الضربات الارتدادية للزلزال المدمر.

يقول نزار "عند الفجر، خفّت حدة الهزات الارتدادية، لكن حلت مكانها صيحات الألم ونحيب أشخاص اكتشفوا لتوهم وفاة عزيز أو قريب، في هذا التوقيت، قررنا أن ننظم أنفسنا، فأوقدنا المصابيح المحمولة، وهناك من استعان بهواتفه النقالة حتى نحصل على الضوء لمعرفة ما يجري حولنا".

أما قصة شريف فروكي ذو 25 ربيعا فلا تختلف كثيرا عن حكايتي نزار وزكرياء، "عندما اهتزت الأرض كنت أهم بمغادرة الفندق، وبمجرد عبوري لأحد الأزقة الضيقة، حتى انقلبت الأوضاع رأسا على عقب، كانت 20 ثانية كافية لينهار صفان من المنازل خلف ظهري، لم أصدق ما تراه عيناي، خاصة وأني مررت من الزقاق قبل لحظات قليلة فقط، إذ عم الظلام وسيطر الصراخ الأجواء، لم أستوعب ما جرى، وأنا أرى بأم عيني أن المنازل التي مررت بها قبل ثوان انهارت كلها خلف ظهري".

بمجرد توقف الأرض عن الاهتزاز، أشعل شريف مصباح كاميرته، ليتبين الأوضاع، خاصة الزقاق الذي مر منه للتو، يروي قائلا "عدت من حيث مررت، لكن ركام المنازل منعني من المرور، وأصريت على اكتشاف ما يجري، كان مشهدا مروعا أن ترى أناسا تحت الأنقاض، وآخرين يرزحون تحت ركام الأسمنت والآجور، حاولت أن أقدم يد العون، وبادرت إلى جانب آخرين في انتشال العالقين والجثث، لكن الأمر لم يكن سهلا بالمرة، إذ كنا نحتاج إلى وسائل وتجهيزات لإخراج الناس من تحت الركام الثقيل".

غيثة إسماعيلي