في الجزء الرابع من الدراسة حول الإلتراس بالمغرب، يرصد الباحث الجامعي، الأستاذ سعيد بنيس، كيف تحولت الملاعب الرياضية إلى مواقع احتجاجية تعوض المواقع الاحتجاجية الكلاسيكية
يتم لعب الأدوار في احترام تام للآخر والبيئة المحيطة من خلال ميثاق أخلاقي يتأسس على خطاب مواطن متفق عليه : "شجع فرقتك بلا ما تخسر هضرتك" (شجع فرقتك دون استعمال ألفاظ نابية" - "شجع فرقتك ونقي بلاصتك" (شجع فرقتك ونظف مكانك). يمكن في هذا الإطار النظري من فهم التغير الذي طرأ على طبيعة المجتمع حيث ثم الانتقال من مجتمع التواصل إلى مجتمع الاتصال وأصبح الاتصال كاستراتيجية لل"مسرحة" والتعبير عن الاحتجاج ، هذا التحول يسائل طبيعة ونوعية الخطاب وكيفية مقاربة هوية المحتجين الجدد مع الأخذ بعين الاعتبار الدينامية السياسية في المغرب والمحددات الاجتماعية والثقافية التي أدت الى هذه الفاعلية (26) الجديدة التي أوجدت وعاء جديدا لشعور المواطنة وهو وعاء المواطنة الافتراضية.
إقرأ الجزء الأول: تمثلات الخطاب الاحتجاجي لـ"لألتراس" في المغرب وتأثيراته السياسية.
من الملاحظ إذن أن الشعارات المتداولة لم تصبح مقتصرة على جمهور أو ألتراس فريق معين ومحصورة في مواقع بذاتها (ملاعب كرة القدم)، بل صار لها تواجد وتداول خارج هذه المواقع وتم تملكها من طرف أطياف مختلفة من المواطنين لا علاقة لهم بالرياضة ويعيدون تصريفها في مواقع مجتمعية أخرى، كالمعاهد الجامعية والأسواق والمسيرات الاحتجاجية. فالخصم لم يعد الفريق المقابل أو السياسية الرياضية أو الجامعة أو المدرب فلان مثلا، بل السياسات الحكومية ومقرروها؛ فالمواجهة الخطابية تتم بتفويض الرياضة كجسر للاحتجاج وتحقيق الفاعلية والانخراط في المجتمع. فيما مضى كانت الجماهير الرياضية ترفع لافتات ضد المؤسسات الرياضية، واليوم أصبحت المضامين ذات المرجعية السياسية والحقوقية هي الطاغية في الشعارات داخل الملاعب.
إقرأ الجزء الثاني من الدراسة: تمثلات الخطاب الاحتجاجي لـ"لألتراس".
ومع تراجع الوساطة المدنية والسياسية أضحت الملاعب تشكل تعويضا لمواقع الاحتجاج الكلاسيكية (ساحات المؤسسات الحكومية أو في مدينتي الرباط والدار البيضاء...)، بل مواقع تتم من خلالها التنشئة السياسية الفردية والجماعية وتقمص هويات "نضالية" ظرفية. وهذه التنشئة تستند إلى المطالبة والترافع على مجموعة من القيم المادية مثل الصحة والتشغيل والتعليم ومستوى المعيشة ("الشعب مقهور" ،"التعليم راجع اللور"، الشعب مهموم"، "الشعب مضيوم" ) (27)، ولكن أيضا على نقد مرير وسخرية لاذعة من السياسات العمومية مدعوم بعبقرية خطابية جماعية شبابية ونشاط سياسي افتراضي كما يظهره شعار "في القبة التكركير وفي المقرر البغرير"(28)، شعاريزدري سلوكات البرلمانيين داخل قبة البرلمان وينتقد إدراج الدارجة المغربية في مقررات التعليم الأولي كما يظهر في الصورة أدناه :
وبالنظر إلى أن عدد المنخرطين في بعض مجموعات الألتراس يفوق المليون منخرط، وهم كذلك في اتصال مستمر وتعبئة متواصلة عبر يقظة افتراضية وتفاعل جماعي، يمكن كذلك التساؤل حول إمكانية انتقال هذا الجمهور الافتراضي إلى النسخة الواقعية والاحتجاج في الفضاء الواقعي على اعتبار أن منسوب الوعي السياسي لدى الألتراس قد يمكنهم من التنظيم والتحرك خارج أسوار الملاعب الرياضية، لتصير المواجهة مباشرة مع السلطات والحكومة والدولة كما وقع مع التلاميذ الرافضين للساعة الإضافية في عدد من المدن المغربية؛ إذ تحول التفاعل الافتراضي إلى فعل واقعي من خلال الوقفات الاحتجاجية أمام المؤسسات التعليمية. فهل في ظل الصرامة والإجراءات الزجرية تجاه الفصائل المشجعة سيظل احتجاج الألتراس حبيس أسوار الملاعب ولن يتعداها إلى الشارع ؟
إقرأ الجزء الثالث: الألتراس في المغرب الانتقال من مواقع رياضية إلى مواقع احتجاجية.