دراسة.. الألتراس في المغرب الانتقال من مواقع رياضية إلى مواقع احتجاجية - الجزء الثالث

تيل كيل عربي

في الجزء الثالث من الدراسة التي أعدها وأنجزها الأساتذ الجامعي والباحث في علوم الاجتماع سعيد بنيس، حول "الألتراس" في المغرب، ينتقل بنا إلى تفكيك اتجاهات تعبيرات المجموعات التشجيعية، عبر الانتقال من مواقع رياضية إلى مواقع احتجاجية.

ويقدم سعيد بنيس نماذج من تطور خطاب وشعارات الاحتجاج داخل الألتراس وكيف يقومون بتوزيع الأدوار في ما بينهم لتصريفها. كما يتطرق الأستاذ الباحث في هذا الجزء إلى قرار وزارة الداخلية لحضر نشاط الألتراس وصدور القانو 09-09 وما ترتب عنهما.

وفيما يلي الجزء الثالث لمقتطفات من الدراسة:

الأستاذ الجامعي والباحث في علوم الاجتماع سعيد بنيس

بما أن الدراسة ركزت على الحيز الزمني الذي يمتد من سنة 2017 حتى حدود مارس 2019 من الضروري الإشارة إلى المنع الذي طال الألتراس في المغرب والذي استغرق سنة كاملة حيث حظرت إبانها وزارة الداخلية بتاريخ أبريل 2016 جميع أطياف الألتراس من الولوج إلى الملاعب بعد الأحداث الدامية التي جمعت فصيلين من ألتراس فريق الرجاء فصيل النسور وفصيل غرين بويز والتي راح ضحيتها مشجعين من فريق الرجاء البيضاوي.

فتحت مسمى قانون 09 – 09 يشار إلى القانون المتعلق بتتميم مجموعة القانون الجنائي "في العنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها” والتي تتراوح فيه الأحكام بين السجن بالنسبة للأحداث المؤدية للموت وأقصاها خمس سنوات والغرامات المالية وأقصاها 50.000 درهم.

وبعد شهر مارس 2018 تاريخ عودة الألتراس إلى الملاعب صار فعل الألتراس في المغرب لاسيما منها لا للحصر ألتراس الرجاء والوداد البيضاوي والنادي القنيطري يكتسي حلة شعارات خطابية مغناة ومكتوبة متضمنة لمنسوب عال من الاحتجاج والمطالبة الاجتماعية والسياسية.

صار فعل الألتراس في المغرب يكتسي حلة شعارات خطابية مغناة ومكتوبة متضمنة لمنسوب عال من الاحتجاج والمطالبة الاجتماعية والسياسية.

فيما يرتبط بسياق الانتقال من مواقع رياضية إلى مواقع احتجاجية يتوجب إيلاء أهمية اجتماعية لطبيعة الخطاب من زاوية أنه يرتبط بشريحة عمرية بعينها وهي شريحة الشباب. لهذا ولفهم تمظهرات طبيعة الخطاب يبدو ضروريا ربطها بنسق سلطة خطاب الألتراس وقدرتها على ملء الفراغ الذي خلقته البنيات السياسية والنقابية والمدنية.

ومن البديهي وعبر معاينة الخطابات في مواقع الألتراس التي اشتغلنا عليها لا سيما مواقع ألتراس الرجاء البيضاوي والوداد البيضاوي والنادي القتيطري والمغرب التطواني أن الانتقال تم من خلال متن حقوقي ارتكز أساسا على المطالب الشبابية لأنها مطالب الشريحة التي تشكل ساكنة الملاعب والتي عمر أغلبيتها يتراوح بين السادسة عشر وسن الخامسة والعشرين.

كما أن ضيق مواقع الاحتجاج وخصائص المحتجين (الفئة العمرية للألتراس) قد أدى إلى خلق هامش من الحرية عبر تملك فضاءات رقمية (مواقع الألتراس والمجموعات الرقمية) لا تستدعي ترخيص السلطات وتتيح مفعول المفاجئة ومباغتة الخصم المفترض (الحكومة أو السلطة أو الدولة ...) عبر تعبئة وخطاب مفكر فيه. هذه الاستراتيجية تخضع لسياق الانتقال من مواقع رياضية إلى مواقع احتجاجية في تفاعل ايجابي مع سيكولوجيا الجماهير مما أدى إلى تحول في محاضن التنشئة فمن تنشئة داخل بنيات تقليدية (أحزاب سياسية – جمعيات شبابية - منظمات مدنية) إلى تنشئة في أحضان بنيات حديثة (فصائل الألتراس) و"ممارسة سياسية" خارج المؤسسات وفي فضاءات افتراضية مفتوحة.

ضيق مواقع الاحتجاج وخصائص المحتجين (الفئة العمرية للألتراس) قد أدى إلى خلق هامش من الحرية عبر تملك فضاءات رقمية

في هذا الصدد تشكل الفردية الجماعية مفهوما يمكن من تتبع ثقافة وأسلوب جديدين للاحتجاج ورصد منظومة احتجاجية لها منطلقاتها ومقوماتها ووقعها التعبيري والسلوكي على الفرد والجماعة. كلتا الصيغتين سواء صيغة المفرد ("الفردية") أو صيغة الجمع ("الجمعية") تركزان على انتماء يتماهى فيه الفرد مع الجماعة وتتماهي الجماعة فيه مع الفرد. فهذا التعبير الاحتجاجي الجديد يعكس خطابًا يتداخل فيه الانتساب إلى جماعة بعينها (الألتراس) والشعور بالانتماء إلى المجتمع المغربي من خلال سلوك الفاعلية والرغبة في الانخراط في الدينامية المجتمعية والـتأثير في السياسة العامة للبلاد مع ما يتطلبه ذلك من تضحية وفراق الأهل و "الأمهات" وشعور بالمغامرة الفردية والجماعية في سبيل حب وعشق الفريق.

فيما يتعلق بتوصيف التعابير والكلمات الموظفة في الشعارات يمكن الوقوف على نسق خطابي تمتزج فيه الذات الجمعية "مابغيتونا نقراو، مابغيتونا نخدمو، مابغيتونا نوعاو"، "سكتونا بالفاليوم"، "الحرية لي بغينا ياربي"، "جيناكم من للخر"، "فهاد لبلاد عايشين ف غمامة"، "خلاونا كليتامى"... والذات الفردية "الهدرة طلعت ف راسي وغير فهموني"، "ما نلاشيش ما نلاشيش"، "لمن نشكي حالي" ، "راني مغبون" التي تمثل البوح الفردي والشخصي للألتراس.. كلتا الصيغتين الخطابيتين، صيغة المفرد وصيغة الجمع، ترتكزان على تعابير وشعارات ومقولات تدخل في إطار التحدي الايجابي وتحيلان على حقول خطابية ترافعية من قبيل المظلومية ("فبلادي ظلموني لمن نشكي حالي") والحكرة ("الشعب محكور كيفكر فالبابور")، والممانعة ("المعيشة أون فاير"، "جاي نكلاشي الحكومة"، "مغنمشيوش لعسكر")

انطلاقا من هذا المتن الاحتجاجي يمكن مقاربة التعبيرات الجديدة للاحتجاج من زاوية فرضية التفاعلية الرمزية لإرفين كوفمان (Erving Goffman) حيث يعمد الأفراد الفاعلون إلى تنظيم تفاعلاتهم مع باقي أفراد المجتمع من خلال "مسرحتها" وتوزيع أدوار بعينها تمكن من بناء المعنى الجماعي. ففي حالة ألتراس المغرب تشكل تفاعلات المجموعات الافتراضية (مثال Raja de Casablanca, Winners, Helala Boys, Siempre Paloma, Imazighen, Red Rebels, Cap Soleil, Dos Kallas...) أساس بناء المعنى الاحتجاجي بالارتكاز على البيئة الثقافية والمعيشية للمتفاعلين من خلال إبداع هاشتاكات ورسائل وأغاني وشعارات متفق عليها من طرف "المؤلفين" و"الكتاب".

وتوزع الرسائل الخطابية وتتم التعبئة لها افتراضيا تحت مسؤولية وتأطير مسيري المجموعات ("الأدمين") ويتلقاها مجموع منخرطي الألتراس ل"تمثيلها" و"تجسيدها" وتخريجها كعمل مسرحي لمفاجئة "الخصم المفترض" وكذلك كمتنفس للتعبير عن دراما واحتقان الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

الجزء الأول: دراسة.. تمثلات الخطاب الاحتجاجي لـ"لألتراس" في المغرب وتأثيراته السياسية

الجزء الثاني: دراسة.. نشأة الألتراس في المغرب