دراسة.. وصفة مجلس الشامي لوضع استراتيجية جديدة حول العقار

موسى متروف

أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رأيا حول العقار، بعد توصل المجلــس بطلب من رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بتاريخ 24 يناير 2018، مــن أجــل إعــداد دراســة يقتــرح فيهــا المجلــس رؤيتــه بشأن بلورة استراتيجية وطنية جديدة للسياسة العقارية للدولة، مع مواكبتها بمخطط عمل لتنفيذها. وقـد دعـا رئيـس الحكومة المجلس فـي هذه الإحالة إلى تنسيق العمل مع وكالة "حساب تحدي الألفية- المغرب".

عهد مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى اللجنة الدائمة المكلفة بالقضايا الاقتصادية والمشاريع الاستراتيجية بإعداد دراسة حول هذا الموضوع، وذلك بتنسيق مع وكالة "حساب تحدي الألفية- المغرب".

وقد صادقت الجمعية العامـة للمجلـس، خلال دورتها الـ105 العاديـة، المنعقـدة بتاريـخ 25 دجنبر 2019، بالأغلبية على الدراسة التي تحمل عنوان: "العقار في المغرب: رافعة أساسية مـن أجـل تحقيق التنميـة المستدامة والإدماج الاجتماعي"، والتي يتوفر "تيلكيل عربي على نسخة منها".

واعتبر المجلس، الذي يرأسه أحمد رضى الشامي، أنه في ظل أوجه القصور التي تعتــري القواعد الواردة فـي النصوص القانونيـة والتنظيمية المنظمة للعقار والتي من المفتــرض أن تحمي الحقوق العقارية، تشكّل تدريجيا لدى المواطنين شعور بعدم الإنصاف حيال هذه المقتضيات. كما يتكرس هذا الشعور جراء منطق المضاربـات الــذي يسود فــي بعض المعاملات ومكامــن الضعــف المسجلة علــى مستوى تنزيل السياسات العمومية ذات الصلة بالعقار، وذلك في ضوء متطلبات تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمملكة.

وأقرّ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالإصلاحات والمبادرات التي اتخذت في مجال العقار، ولكنه يسجل "غياب إطار استراتيجي مشترك، لضمان تجانــس السياسات العمومية ذات الصلة بقطاع العقار وتوجيهها بشكل فعال. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال الجهود المبذولة من قبل السلطات العمومية تواجه إكراهات كبرى من حيث تجانس والتقائيــة الأهداف والتدابير المعتمدة، في ظل تعــدد المتدخليــن المعنيين، وتنوع الأنظمة القانونية المنظمة للعقار وغياب آليات تنسيق لامركزية ناجعة في هذا المجال".

أربعة توجهات استراتيجية

واقترح المجلس أربعة توجهات استراتيجية تضــم مجموعــة مــن الإجراءات الرامية إلى تحديث الإطار العام المنظم لمجال العقار، مع الحرص على الحفاظ على التوازنات التي يقوم عليها، وذلك بما يمكّن من الاستجابة بشكل ناجع للحاجيات الملحّة المتعلقة بتحصين الملكية العقارية، وتقنين المعاملات العقارية، وتحسين نظام المعلومات العقارية.

1- يروم التوجه الأول تهيئة مجالات حضرية متحررة من أي قيود تحول دون تحقيق التنمية، ومستقطبة للاستثمار المنتج وتوفر سكنا يكفل شروط العيش الكريم ويكون متاحا للجميع، وذلك من خلال العمل على:

-  وضع برامج للنهوض بالسكن المتوسط، وتدعيمها بتدابير تحفيزية، مع العمل على ضمان صارم للتصدي للسلوكيات غير السليمة التي واكبــت تنفيــذ بعــض برامج السكن الاجتماعــي.

- اللجوء إلى ضم الأراضي في المناطق المحيطة بالمدن، من أجل إتاحة تدخل عمومي يكفل تسريع وتيرة فتح الأراضي أمام عمليات التهيئة العمرانية.

2- أما التوجه الثاني، فيسعى إلى إرساء إصلاح تدريجي للنظام الخاص بالأراضي الجماعية يكفل الحقــوق الفردية والجماعية، ويحد من الإكراهات التي تعيق التنمية القروية، مع الحرص على أخذ متطلبات الاستدامة البيئية بعين الاعتبار.

ومن بين التدابير المقترحة في هذا الصدد، يذكر المجلس:

- ملاءمة نظام الأراضي الفلاحيـة مــع مقتضيات مدونة الحقـوق العينية، من خلال الاعتراف بالحقوق العقارية الموسعة لتشمل مبدأ الاسـتغلال الهادئ وغير المتنازع بشأنه أو الانتفاع الدائم علــى أساس الوضعية المجزأة للعقار، وتعريـف الحقــوق المرتبطة بالعقار (الكراء، التفويت، المعاوضة...).

- العمل بشكل تدريجي على تسوية الوضعية القانونية للعقار السكني فــي مناطق السكن غير النظامي، من خلال العمل فـي مرحلة أولى على تعزيز الحقوق المتعلقــة بالمناطق السكنية عــن طريــق عقــود الإيجــار طويلــة الأمد والقابلة للتجديد، والاعتراف، في نهاية المطاف، بالملكية وفق كيفيات ينبغـي تحديدها.

3- ويهدف التوجه الثالث إلى إرساء إطار قانوني ينظم قطاع العقار في شموليته، ويضمن تحصين حقوق الملكية مع مراعاة الخصوصيات والأدوار المنوطة بكل نظام من الأنظمة العقاريــة.

ومن بين التدابير التي يقترحها مجلس الشامي:

- إقرار وضمان حمايــة مختلف الحقوق العقاريــة المكتسبة بكيفية مشروعة لكنهــا قــد تكون غير مطابقة للقانون، أو هي معاملات غير نظامية (التفويت بالتراضي، عقــود الإيجار طويلة الأمد، التنازل...)، كما هو الشــأن بالنسبة للحقــوق المستمدة مــن الأنظمــة التــي تتمتــع بحمايــة منصوص عليها بموجب القانون.

- تعزيز وتوحيد الإطار القانوني المنظم للعقار، من خلال إحداث "مدونة عقارية"، تتضمن القواعـد المشتركة التي تهم جميع الأنظمة العقارية والقواعد الخاصة الأخرى المطبقة على بعض أنواع العقار أو الأنظمة العقاريــة.

4- أما التوجه الرابع، فيروم إرساء حكامة عقارية فعالة وناجعة تتوفر على إطار للتدبير وأدوات قادرة على الاستجابة للطلبات المتغيرة.

ومن بين التدابير المقترحة من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي:

- إحداث سجل وطني للأملاك العقاريــة يغطــي مجموع التراب الوطني، إلـى جانب السجل القانوني المتعلق بالأراضي المحفّظة، وذلك من خلال تفعيـل الإطار القانوني الخــاص بــه، مــع العمــل علــى وضع سجل عقاري شامل يتضمن كافة المعلومات الضرورية من أجل إرساء تدبير ناجع للرصيد العقاري.

- تعزيز آليات تنسـيق العمل في المجال العقاري، من خلال إحداث مؤسسة متخصصة تخوّل لها صاحيات واسعة.

- سن إطار ضريبي ملائم ومتطور قائم على التناسب، يرتكز على معلومات متاحة للجميع وشـفافة، وذلك من أجل التصدي للمضاربة، مــع التفكيــر فــي إمكانية اســتحداث ضريبة تستهدف الممتلكات غير المنتجة للثروة.

ومن أجل تيسير أسباب النجاح لعملية إصلاح السياسة العقارية للبلاد، وجعلها آلية محدثة للثروة ومقبولــة اجتماعيا، يتعين استباق مختلف أشكال مقاومـة الإصلاح، الاجتماعيـة منها والسياسية، والتــي قــد تعيــق التنزيــل المتناســق لاستراتيجية العقارية الجديدة. كما يقتضي ذلك تحديــد التدابيـر ذات الأولوية، من خلال التركيز في المقام الأول على "التدابير ذات الوقـع الإيجابي على المدى القصير"، مع الحرص على انتهاج مقاربـة علـى المدى الطويل، بما يمكّن من جعل العقار رافعة حقيقية للتنمية.

أسباب نجاح السياسة العقارية

واقترح المجلس، من أجل ضمان أسباب النجاح لسياسـة عقارية محدثة للثروات ومقبولة اجتماعيا، وضع إطار شامل يتسم بالواقعية ويكون قابـلا للتنفيذ على مسـتوى الدولة، يواكبــه حــوار وطني حــول العقار وتشكيل مجموعات عمل موضوعاتية. كما يقترح ضمان المشاركة الفعلية للفاعلين الرئيســيين المعنييـن في جميع مراحل عملية التنفيذ، من أجل تشجيع تملّك العناصر الأساســية للسياسة العقارية وقبولها، مع العمل على إشراك المجتمع المدني في التدابير المتعلقة بالعقار، وذلك بما يمكن من التصدي لضغـط "اللوبيات".

كما اقترح المجلس، في هذا الصدد، العمل على الانتقال التدريجي نحو إطار عقاري حديث، دون إحداث قطيعة قد تقابل بالرفض، واللجوء إلى تنفيذ تجارب نموذجية في تنفيذ السياسة العقارية الجديدة.

وفي السياق ذاته، اقترح الرأي وضــع برامج لتعزيز القدرات والكفاءات لفائدة الهيئات المسؤولة عـن السياسة العقارية الجديدة، والتقنيين المعنيين والجماعات المحلية، مــع فتح المجال أيضا أمام الجامعات والمنظمات غير الحكومية المهتمة للمشاركة في هذه البرامج.

وطرح أيضا تدبير دينامية التغيير من خلال مواكبة جميع الفاعلين (الإدارات، الوكالات، المالكون الخواص، الأشخاص الاعتباريون، إلخ) من أجل تملّك الإطار العقاري الجديد، فضلا عن إحداث مسالك خاصة بالقانون العقاري على مستوى التعليم الجامعي، ووضع مؤشرات قابلة للقياس، من أجل ضمان تتبع منتظم وملزم، مع تحديد غايات كمية يتعين بلوغها.

 كما اقترح العمل على الصعيد المركزي على إحداث مركز للتفكير أو مجموعة استشارية يتم إلحاقها بأعلى مستويات اتخاذ القـرار. وستكون هذه المجموعة/ المركز/ الوحدة مكونا من مكونات الهيئة التقريرية وستشارك في جميع أنشطة التشريع والتنفيذ والتقييم والتنسيق المتعلقة بالاستراتيجية العقارية.