سنترال دانون.. التفاصيل الكاملة لجلسة مصارحة "فوق العادة"

عبد الرحيم سموكني

كانت أشبه بـ"أكورا" لشؤون الاستهلاك، هكذا اجتمع فلاحون ومربو أبقار ومقاطعون مساء أمس الجمعة بإحدى قاعات الدارالبيضاء، بدعوة من شركة "سنترال دانون" في جلسة تواصل واستماع، أو بالأحرى حصة "تفريغ وبوح" لتشخيص الداء والوقوف على دواء يوقف نزيف الخسائر التي لحقت بالشركة بسبب مقاطعة شعبية انطلقت قبل ثلاثة أشهر.

بعد ثلاثة أشهر 

تعززت مخاوف الحاضرين عندما أبلغوا أن انطلاق الجلسة سيتأخر لأكثر من ساعة، ما قوى التخمين في إمكانية إلغاء جلسة الدارالبيضاء كما وقع قبل ثلاثة أيام في مراكش.

كان الترقب سيد الموقف، خاصة وأن موضوع المقاطعة التي تعتبر "نصرا شعبيا افتراضيا ضد رأس المال"، يعتبر موضوعا حساسا من السهل أن يقود إلى خصامات واتهامات متبادلة، وهو ما لم يخفه مسير الجلسة الذي قال "لا علاقة لي بسنترال ولكني هنا لنتباحث ونتحدث، وأعلم أني سأنال قسطا وفيرا من السب والقذف".

توزع عشرات الحاضرين على كراسي قاعة الفنون الحية بالحي الحسني، منهم فلاحون ومربو أبقار وبقالون ومستهلكون بينهم مقاطعون ومناوؤون للمقاطعة. بينما في أقصى الصفوف الخلفية تكلف مترجم فوري بنقل ما يدور إلى ثلاثة أجانب كانوا أوفياء لسماعتهم المترجمة، وهم يتابعون نقاشا بين مغاربة حول المقاطعة.

يقول مصدر من شركة "سنترال دانون" لتيل كيل عربي "نريد فهم لماذا جرى استهدافنا نحن فقط، وليس الآخرين؟ يمكن أن نفهم أن تمس المقاطعة شركات لأصحابها حسابات سياسية وخصوم في اللعبة السياسية، لكن سنترال دانون بعيدة عن كل هذا ولا علاقة لها بالصراع السياسي، لماذا؟ هذا ما نحاول أن نقهمه منذ ثلاثة أشهر"، هكذا علق أحد مسؤولي الشركة رافضا الكشف عن هويته.


اللقاء انطلق دون تحديد مسبق للمتدخلين، ومنح المسير للحضور اختيار من سيصعد إلى المنصة، كان هذا التمرين الديمقراطي صعبا، ما أدى إلى تضييع نصف ساعة من النقاش، قبل أن يستقر الرأي على ضرورة صعود مسؤول في "سنترال دانون" إضافة إلى فلاح ومنتج حليب ومستهلكين.

أين الشعب والتضليل مسيطر

أول من أخذ الكلام في جلسة الدارالبيضاء لـ"نتواصلوا ونواصلو" هو فلاح من منطقة الجديدة، "لست هنا لأجبر المستهلك على شرب الحليب، ولكن لأنقل أسئلة زملائي في تعاونيتنا للحليب، ونسألكم، ماذا علينا فعله، هل نغير نشاطنا ونبحث عن آخر؟ لأن المقاطعة أضرت بنا على جميع الأصعدة"، هكذا تحدث مصطفى، فلاح ورئيس تعاونية لإنتاج الحليب في منطقة الجديدة.

لم يتلقى الفلاح أي جواب، سواء من مستهلكين أو من طرف مسؤولي الشركة، الذين كانوا حاضرين بقوة، وكان هدفهم الاستماع لجميع الآراء، خاصة آراء بعض المقاطعين، الذين انتظروا أزيد من ساعة من النقاش ليطلبوا التحدث ويدلوا برأيهم في الموضوع.

لم يكن من السهل أن يتحاور مقاطع مع مقاطع، كانت الأجواء مشحونة ، لكن الجميع أفرغ ما في صدره، بينما أنصتت الشركة.

كان أحد الشباب الذين قدم نفسه على أنه فاعل جمعوي وناشط في مواقع التواصل الاجتماعي، أول من بادر إلى التحدث بلسان المقاطعين، وهو ما صفقت له القاعة كثيرا، الشاب اعتبر أن أحد أسباب نجاح المقاطعة هو أزمة التواصل التي فاقمت الوضع، ويقول "الاستخفاف بالحملة عند إطلاقها هو ما أجج حدتها فيما بعد. مرحلتان ميزتا حملة المقاطعة: صمت رهيب في البداية من طرف الشركات، ثم أزمة تواصل طغى عليها التضليل والأخبار الزائفة، وما يجب أن تعلموه أن هناك ثلاث فئات من المقاطعين، من يرون أن الاحتكار والتحكم في أسعار الحليب هو أحد اسباب مقاطعة سنترال، وفئة ثانية تعاطفت مع المقاطعين فقط لأنها رأت في المقاطعة وسيلة ضغط وتأثير على أصحاب القرار السياسي، وفئة ثالثة "لا تشتري الحليب، ولا يهمها تخفيض السعر، بل تقاطع فقط من أجل المقاطعة".

وختم الشاب الذي رفض كشف اسمه بالقول "الشركات مجرد ضحايا، لأن المقاطعة جاءت بخلفية سياسية، لذا أريد أن اقول للشركات "غير خرج فيكم لبلان، لأن أنصار المقاطعة قوبلوا بداية بالاستخفاف".

يقر عبد الجليل لقيمي الناطق الرسمي باسم "سنترال دانون" بأن شركته ارتكبت أخطاء تواصلية كثيرة، وقال "نعم لقد أخطأنا لأننا لم نكن نتواصل بشكل جيد قبل انطلاق المقاطعة، لم نتحدث يوما عن تهييئنا لدور حضانات في البوادي ولا برامج دعم سلالات الأبقار الحلوب لدى الفلاحين الصغار، هذا خطأ ارتكبناه في السابق، ونحن مدركون له".

مصدر من شركة "سنترال دانون" لتيل كيل عربي "نريد فهم لماذا جرى استهدافنا نحن فقط، وليس الآخرين؟

خفض السعر للتصالح

انصبت تدخلات الحضور على مسألتين مهمتين: خفض السعر الحالي وحقيقة سعر البيع الأصلي لدى الفلاح، أي بكم تشتري "سنترال دانون" اللتر الواحد من الحليب من عند الفلاح أو التعاونية؟
ركزت أغلب مداخلات من قدم نفسه كمقاطع على ضرورة خفض سعر اللتر إلى 5.50  درهم، إن أرادت الشركة التصالح فعلا مع المستهلكين.

يجيب عبدالجليل لقيمي على مسألة خفض السعر، بأن الشركة لم تتخذ بعد أي قرار يتعلق بسعر جديد للتر الواحد من الحليب، وأن مسلسل الجلسات في خمس مدن، سيؤدي إلى خلاصات يجري على ضوءها اتخاذ قرار مناسب.

في شق السعر دائما، انتقل النقاش بعدها إلى سعر بيع الفلاح للحليب. يقول محمد العرش مربي أبقار ورئيس تعاونية إن هناك جدولة لأسعار الحليب، سعر خاص للمنتجين  أصحاب المزارع الكبيرة وسعرا آخرا لفلاحي التعاونيات، وأن السعر يحدد في الغالب بناءا على اختبار جودة الحليب وغناه ما يسمح باستخراج أكثر للمشتقانـ وأن السعر الخاص بالتعاونيات يصل إلى 3.50 دراهم للتر الواحد، وهو السعر الذي يرتفع في موسم ندرة الإنتاج إلى 4 دراهم. ويضيف العرش إن هناك بعض الشركات الصغيرة التي تقبل حليبا أقل جودة بسعر درهمين للتر، ويتابع "الفلاح الذي يقبل ببيع حليبه بدرهمين للتر، فحتما فشل في بيعه مسبقا بأكثر".

السياسة وحزب الداودي ووراء المقاطعة؟

رغم أن الجلسة خصصت لخصام بين مستهلكين وشركة تنتج الحليب في البلاد منذ 70 عاما، أدت إلى معاقبة مؤلمة لمبيعاتها، إلا أن البعد السياسي كان حاضرا بقوة في معظم المداخلات.

وهو ما أدى إلى مشاحنة كادت تفضي إلى فض الجمع، بدأ الغضب وسط القاعة، عندما استعمل أحد مناوئي المقاطعة، عبارتي قطيع وقوم مقاطعين، لينفجر في وجهه أحد الفاعلين الجمعويين.


وما لفت الانتباه  أن أبرز من اعترض على كلام معارض المقاطعة، ما إن استلم الميكروفون، حتى بدأ يحذر من تورط حزب يقود الأغلبية الحكومية في التحريض على المقاطعة، متهما شبيبته الحزبية بالوقوف وراء المقاطعة عبر صفحات التواصل الاجتماعي.

في جلسة المكاشفة،  أخرج الجميع ما في صدورهم، وتحدث فلاحون وبقالون ومستهلكون، بينما أنصت مسؤولو "سنترال دانون".

كانت أبرز الخلاصات أن اللقاء الذي نقل مباشرة على منصة رقمية أطلقتها الشركة خصيصا للتواصل مع المستهلك، هي مواصلة هذه اللقاءات والاستماع أكثر لرأي المتدخلين في صناعة الحليب، وأن الشركة تفضل مقاطعا صريحا يحضر إلى جلسات التواصل، عوض خوض حرب تضليل خلف الحاسوب.